سامي نيال…شاعر الغربة،والمنفى حتّى الثمالة

08:30 مساءً الجمعة 25 ديسمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أجرى الحوار اسماعيل فقيه

سامي نيال

سامي نيال من الشعراء اللبنانيين الذين يحلّقون في غربة متواصلة.هو لا يتوانى عن صياغة نصّه الشعري بطريقة مختلفة،وكأن بالشعر معه يمخر عُباب الغامض من الحياة.يدمن نيال الوحدة حتّى الثمالة،وبل يتفرّد في صياغة مفرادته بطريقة مغايرة.الشعر مع نيال حالة قصوى مع الغياب…يتفرّد الشاعربدلالات لغوية فريدة تجعل من تجربته الشعرية مختلفة تماماً عن أبناء جيله.صدر للشاعر مجموعات عدة في اللغة العربية،والإنكليزية معاً.في مطلع العام سيصدر للشاعر المتفرّد سا مي نيال مجموعتين شعريتين باللغة العربية،والإنكليزية.بخصوص هذه المناسبة كان هذا الحوار…

(بيروت-من اسماعيل فقيه)

سامي نيال أين أنت اليوم كشاعر،وإنسان؟

يبقى الشعر نافذة أملٍ تُفضي إلى المخفي من المخيّلة،وبل هو الأمل المقترح في هذا الزمن الصعب بتناقضاته الشّتى التي تبعث حضورنا في هذا الغياب القسري الذي نمر به في هذا الزمن الصعب… الشعر يا صديقي لمعان الفضّة في أحرف القصيدة التي تأبى أن تنأى بحضورها على ظلال الشاعر….وكما تعرف أنت،وكما خبرنا أيضاً هذا التفسّخ الذي يجتاح واقع عالمنا الوهمي…الشعر لقاحٌ ضدّ الضجر،وفي أكثر الأحيان تتكوّن القصيدة في رحم وحدتها…ما نحتاجه اليوم إكسيراً لهذا الضجر الذي يعمّ وحدتنا في أقصى مراحلها رحيلاً…أنا شاعر الغربة بلا منازع،وكم أشتهي أحيانا أن أعرّي قصيدتي لأعودَ بها إلى لحظات الولادة الأولى حيث لا غرائز تسرق وهج براءة النّص الشعري.الشعر قوس قزح مخفي في أفق القصيدة،ولا يظهر غالباً سوى للنخبة الواعية التي تدرك مفاصل ما يحدث من يُتم في عالمنا المليء بالوحدة…

كيف حال الشعر اليوم كما تعرفه؟

الشعر باقةٌ من معان متفرقة تحاول أن تجمع المخفي من النّص.الشعر صوت صدى يردد كلمات العشق لمن نحب.الشعر في السابق كان شهوتنا التي تراودنا في حال ولادة القصيدة. اختلفت معايير الشعري في الوقت الحاضر،وبل انهارت أسس معانيه في غياهب هذا الزمن المادي الصعب.كان الشعر،ولم يزل صديقي  الألمعي،وحتى أنّه أنقذني مراراً من موت حتمي…على ما يبدو أنا مرهونٌ لهذا السحر الذي يسكنه.

لا أخفيك صديقي الشاعر الشعر برق في جفاف أيامنا،وكم نحتاج لهذا المطر المتساقط الموعود…

أنا ببساطة شاعر زمن طويل من الخيبات،والضخك المجنون…أركّب أحرفي بكسل،وبشهية أحياناً لأخلقَ منها قصيدة متفرّدة في أقصى معاييرها.الشعر هو الغامض المخفي من حضورنا على هذا الكوكب.

أما زالت الكتابة تمثل الشعور الأول أو تغيّر.كيف،ولماذا؟

الكتابة الشعرية لصيقة وجدان الشاعر.يعبث معها،وأحيانا أخرى يمخر عباب وحدته معها.الشعر حالة قصوى من الجنون تتفرّد في معاني القصيدة.الكتابة الشعرية تتجامع أحرفها فيما بينها لتنجب نصّا شعرياً مغايراً.أن تكون شاعراً يعني أنّك تجمع التناقض في كل شيء،ومن ثمة تعاود تشكيله بطريقة أخرى،وسياق نوراني يسبق تلك العتمة الملاصقة في النّص الشعري.قد ينهار كلّ شيء فجأة،وقد تتحرك الجبال من كبوتها حين تضجر،ولكن يبقى الشعر حاضراً دوماً لينقذنا من هذا الفراغ الكوني…هناك مدارس شعرية متعددة،ومختلفة في ولادتها،ولكن يبقى دوما النّص الشعري المنزّه من هفواته هو الحاضر دوماً لسبب بسيط هو تذكيرنا بماهية الشعر وسحره.

شاعر الغربة والإغتراب سامي نيال.ماذا قلت في الغربة،وماذا قالت لك الغربة؟

أنا شاعر الغربة،وحفظتها عن ظهر قلب.كلانا نشبه الآخر في وحدته.ألفنا تضاريس الأمكنة المهاجرة  معا،وتشاركنا معاً خيبات متناثرة في هذا البعد الجغرافي…تقمّصت معها أنهارها،وبحارها،وجبالها احياناً حتى أنني خلت نفسي معها فرداً من أسرارها الشتّى.الغربة علّمتني حين أبكي منفرداً كأنني أمطر مع غيوم الطبيعه.الغربة رتّبت على كتفيّ حين أحتجتها وحيداً…الغربة تغلغلت في نصّي الشعري،وصنعت مفرداته المتميزة.الغربة رمت أسرارها معي حين كنّا نعبث في مجرات هذا السحر الكوني…الغربة أعادت صياغتي، ورمتني كنورس في سمائها،وأحياناً أخرى كانت تشاركني رؤيتي في هذا الغياب القسري…بإمكاني الآن مثلاً أن اطلق طيور مفرداتي في سماء شغف الغربه…أنا الغريب بلا منازع أقرّ،وأعترق بفضل الغربة في تكويني كصدَفة على شاطىئ وحدتها،وكم ممتنٌ لهذا الموج الذي لم يتركني يوماً في مكان ثابت كالحجر.من الممكن أن أكون الآن صدى لهذا الغريب الذي لم يتوقّف يوماً عن رحيله…

كيف رأيت وطنك في مرآة الغربة؟

لم يعد وطني كما عرفته يوماً. وطني  لبنان فقد رونقه في وحل السياسة.لم يعد هناك وطن يشبهني.أنا فرد من هذا الشعب،وقد تمّت خيانتنا مرارا،وعلى مراحل متعددة.كم يبكيني هذا الوطن اليوم.نحن يا صديقي الشاعر خبرنا الوطن خلال الحروب المرعبة التي مرّت على الوطن،وأظنّك تشاركني الرأي حين كنّا نتحدث عن الوطن.في غربتي الطويلة كنت أستعيد رؤيتي لهذا الوطن،وكم آلمني أن أرى هذا الإنكسار الذي يعيشه أبناء الوطن..الأوطان عادة الملاذ الأخير للشاعر،وكما ترى اليوم الجميع يهاجر مثلي،حتى صار الشعب اللبناني مهاجر مع فقره،وانكساره.كم يؤلمني هذا المشهد الهزلي الذي نعيشه اليوم..

لو تحاورنا الآن أيوجد وطن فعلاَ في لبنان؟بالطبع سيكون الجواب لا وجود لهذا المفردة المريحة في قواميس الساسة.لقد تمّ خيانتنا بالكامل شاعر.ها أنت مثلي تخاف على أولادك من هذا الوطن.ولو فكّرنا قليلا بما يحدث اليوم لوصلنا لنتيجة واحدة مفادها ان نتقبّل التعازي بهذا الوطن…

ماذا تفعل وتكتب اليوم؟

لم تتوقّف حركتي يوما…ولن أفعلَ يوما.سيصدر لي في العام الجديد مجموعتين شعريتين واحدة بالعربية،وأخرى بالآنكليزية عن دار (مركز الآن) في إلمانيا.وكانت الدار قد نشرت لي قبلا مجموعتي (ظلال المنفى) التي صدرت باللغتين العربية،وبالإنكليزية،وهي موجودة على موقع أمازون،وجدير بالذكر الدار لصديقي الشاعر أحمد سيلمان الذي لم يتوقّف يوما عن مساعدة الأصدقاء في النشر…

عودة على الكتابة كان الشعر،ولم يزل الصديق الوفي حين نحتاجه لنعبّر عن هواجسنا.ما نحتاجه هو هذا العشق للكتابة لنخلق من جديد حضوراً مقترحاً مع هذه الوحدة القارسة…وبالعودة للموسيقى أشعر بحنين تام لأعزف مجددا،وأقوم بالتأليف لآلة البيانو.ما يفصلني عن هذا الأمر مسألة وقت لا أكثر…

هل تعيش الفرح في هذا الزمن،ولماذا؟

كم صعب الإجابة عن هذا السؤال في ظل جائحة كورونا.قد أكون محظوظا في هذه الأوقات الصعبة التي يعيشها العالم كافة.فقد نجحت مؤخراً في استعادة حبٍ قديم لإمرأة كنت اعشقها،ولم ازل..مع أننا لم نلتقِ منذ قرابة خمسة وعشرين عاماً،وقد تدخّل القدر في إبعادنا زمنا طويلا،ولكن على ما يبدو كان للطبيعة حضورها مجددا معي ليجمعنا مرّة أخرى.كم أنا مدين لهذا القدر الجميل الذي شاء أن يتدخل في حياتي ليشعرني بالسعادة مرّة أخرى.الحب نوافذ أمل تجاه من نحب.الحب صياغة فرص جديدة مع من نحب لنعوّض قليلا عن خيباتنا…أنا بانتظار أن نلتقي بعد هذه الجائحة التي أبعدتنا عن بعض…كما يقولون الحب يعوّض لنا أحياناً عن سلبيات كنّا نعيشها قبلاً…ما أحتاجه اليوم حبّا كحبها لأعبرَ معها صوب ضفاف أخرى..

سامي نيال لنتكلم قليلاً عن طقوسك اليومية..

كم أحبّ هذا السؤال.طقوسي اليومية هي الجوهر الذي يصقلني بالأشياء…أكتب الكثير من الشعر،وأمزق الكثير منه في محاولة لإيجاد بناء جديد لقصيدتي…الشعر هو صديقي الخفي يحمي ظلالي دوما…وأعشق الإستماع للموسيقى يومياً،وأعزف مؤخرا على البيانو في محاولة منى لإسترجاع صداقتنا معاً…غالبا ما أمارس وحدتي بفرادة أستمتع معها في دقائقها الصامتة…أن تحافظ على طقوسك اليومية يعني أنّك تقدّس جوهر وحدتك لتبتكرا معا أفقاً آخر مع هذا الغياب…

وحدها هذه الطقوس تبلور حضوري بشفافيتها حتى أخال نفسي فراشة في ملكوت فضائها…

مختارات للشاعر سامي نيال

ممارسة

لم يكن معي سوى أنا…

كانت ممدة إلى جانبي…

في السّرير،

أحدُنا يحاولُ إنعاشَ الآخر…

مدخل

دخل البابُ…

خرج البابُ…

الأبوابُ كذلك،

تبحثُ عن ساكنيها…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات