المخرجة السينمائية اللبنانية العالمية جوسلين صعب … حاضرة رغم غيابها المؤلم

09:21 صباحًا الأحد 27 ديسمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت – اسماعيل فقيه :

(بيروت-من اسماعيل فقيه)

وأجدني في وضع صعب أستحضر فيه أحوال أصدقائي الموتى . المخرجة السينمائية اللبنانية العالمية جوسلين صعب التي غادرت الحياة وتركتنا قبل سنتين لا يمكنني الا استحضارها مخرجة لحياتنا وأيامنا وصداقتنا. وكان لي معها رحلات وصولات وجولات وسفرات الى أقاصي العالم، وحادثتها كثيرا.
الفيلم الروائي حلقت به جوسلين . عالجت بشكل نقدي حاضر بلدها المليء بالصراعات.. وبدوري ، تركتُ لها الكلام ما تشاء وما تريد قوله عن شاشتها الكبيرة وغرامها نحو الصورة والشعر، وكان ذلك الحديث معها ونحن في مدينة لوديف الفرنسية، أصغيتُ اليها وبدأت بالكلام:
في عام 2009 تم اختيار بيروت من قبل اليونسكو عاصمة عالمية للكتاب، واستقر الرأى علي أن أنتج فيلما حول هذا الموضوع. بطريقة ما أغضبني هذا التكليف قليلا. بالتأكيد كنا عاصمة عالمية للكتاب، لكن في الوقت نفسه يوجد عندنا رقابة، وحرية الإبداع محدودة، ناهيك عن قلة الدعم المالي للفنون. لهذا السبب وجدت الفكرة غير معقولة. فقلت: “حسنا، دعونا نعمل شيئا ما حول كاتب وخيالاته!” وهكذا انبثقت فكرة تأليف كتاب ضخم على شرفة تطل على أسطح المنازل في المدينة.
في فيلمي أحكي قصة حب، وبعض الشئ عن بيروت المدينة. حيث يقع رجل في حب امرأة (ليليت) التي تجسد المدينة. بالطبع كل هذا شيء رمزي. في نهاية المطاف تولدت ثلاث حكايات: المدينة، قصة الحب وقصة الرجل الذي لا يعرف كيف يحب ويفهم هذه المرأة. لكنه يًُفلح بعد أن يقرأ كثيرا.


في البداية، نسمع فقط صوت ليليت، كأنه صوت مؤذن. ولكن الموضوع هنا هو الشعر الذي يأتي من فوق قائلاً: “أنا ليليت، إمرأة ند الرجل. أنا لست الشيطان، وأنا مثلكم”. وصوتها يملأ المدينة كلها، ويقود الرجل الى الكثير من النساء، الى حديقة، وأيضا الى بناء مذهل، يقسم بيروت إلى جزئين ( بناية برج المر). وقد أصبح مكان القراءة، فيه مكتبة للشعر. ينتهي الرجل في نهاية المطاف في الجبال، حيث يلتقي بموته. ثم يعود إلى المكتبة و يقرأ كل الكتب، المهم الإبقاء على ذكرياته. وبهذه الطريقة بنيت الفيلم بدون دراماتورجيا حقيقية. يعبر المرء من خلال ذلك، كما لو أنه في حلم أو في الخيال.
ما الهدف جوسلين؟
​​ الهدف ان يفهم الجمهور كل ما يرى. وانما عليه ان ينقاد لفترة من الوقت الى عالم الحلم.
وهل يمكن أن يُنظر الى فيلمك باعتباره انسحابا من الواقع؟
 نعم، ولكن ليس بطريقة سلبية. أنا لا أقول: “أنا لا أحب هذا الواقع، لذلك أشيد واقعا آخر.” الواقع الذي نعيش فيه ليس لديه ما يكفي من العمق، انه سطحي جدا. مايهمني هو الشيء الذي له علاقة مع تقاليدنا وثقافتنا. هذا ما أبحث عنه دائما.
بطبيعة الحال، أنا أرفض واقع الحرب والمال. أحاول إعادة بناء الحياة كما عرفتها عندما كنت صغيرة جدا. في السابق كانت بلادي حديقة جميلة – لا توجد اليوم حدائق. لقد حاولت إحياء الثقافة التي كانت لدينا سابقاً. هذا هو رفضي للواقع. ولهذا السبب أحث الناس على الحلم.


الحديقة كشكل فني وكمناخ متجذر في ثقافة الشرق الأوسط يجذب اغلب المخرجين، لكن ماذا تعني لك الحديقة شخصيا؟
(حبيبي سمعة) وتضيف جوسلين كلاما تقول فيه : هناك شخص مهتم بعملي، قال ذات مرة أنني أبحث دائما عن حديقة شبابي، وأعتقد أن هذا ممكن تماما. هذه الحديقة مثل طفولتي، والتي قد سُرقت بسبب الحرب، ولن أتوقف أبداً عن البحث عنها. الحديقة هي المكان الذي يمكن للأشياء المتضادة أن تدخل في حوار بعضها مع البعض الآخر. هناك النباتات البرية وتلك التي زُرعت، والتي يجب الاعتناء بها.
هناك أنواع مختلفة من الأشجار، ولكن كلها مرتبطة مع بعضها، و في حالة حوار.على العكس في زمن الحرب حيث لا أحد يتحدث مع الآخر. كل يكره الآخر. لهذا السبب أمشي في الحديقة، حيث كل شيء يتحدث مع الآخر، يجب أن تكون بلادنا جنة الله. اليوم لا أعرف أين تكون هذه الحديقة ولا أين يكون الله أيضاً.
​​أنت في الأصل صحافية وأنجزت بالفعل العديد من الأفلام الوثائقية؟
في الثمانيات بدأت بعمل أفلام روائية، وذلك في أوج الحرب الأهلية.
هل كان من قبيل المصادفة أن تتحولي من عمل أفلام وثائقية الى أفلام روائية؟
لقد انهيت دراستي في الاقتصاد عام 1970، وبدأت العمل في التلفزيون. كنت مراسلة حربية في مصر وجنوب لبنان، ثم ذهبت عام 1971 إلى ليبيا، قدمت تقارير عن حرب أكتوبر1973 . عملت أيضا عام 1975 لصالح التلفزيون الفرنسي. كنت مراسلة حربية.
قرار إنجاز فيلمي الأول عن بلدي اتخذته عام 1975 بعد الإستيلاء على حافلة تقل فلسطينيين كانوا عائدين من حفل ، تم قتل جميع الركاب. كان اسم الفيلم “لبنان في حالة اضطراب.” ومنذ ذلك الحين لم أتوقف عن عمل الأفلام. لكن أفلامي الوثائقية اصبحت بعد عامين أكثر شخصية، لم تعد أفلام وثائقية بالمعنى الكلاسيكي، في نهاية المطاف تحولت الى عمل أفلام روائية.


كان في ذلك الوقت من الصعب جدا أن تعيش في خضم حرب أهلية. ولكنني بالضبط كنت أعيش هناك وأرسل تقارير من الجبهة، مما دفعني إلى الحلم بأماكن أخرى. وأتذكر تماما ما كنت أقوله أحياناً في ذلك: “لا بد لي أن أحكي ما الذي يحرك قلوب البشر. لا أريد فقط تبيان ما يحدث من حولهم.” لم تكن لي رغبة عمل أفلام وثائقية، يروي الناس فيها قصصهم . هذه مسألة تخص الصحافة، لاتخصني. لقد أنجزت الكثير من الأفلام الوثائقية، بالتأكيد حوالي عشرة أو اثني عشر. ثم أدركت يوما أنني يجب أن أحكي قصة هدفها تبيان ما هو غير ظاهر.
كيف يؤثر الوضع السياسي على لبنان؟
انه ملئ بالرمزية والمجاز: في “ما الذي يحدث” تدور ثلاثة حكايات: المدينة، قصة الحب وقصة الرجل الذي لا يعرف كيف يحب ويفهم المرأة.
​​ بدون إعطاء أي تصريح سياسي كبير الآن.
وما يحدث في سوريا كيف يؤثر برأيك ؟
يذكرنا بما حدث في بلدنا في بداية الحرب الأهلية.
بالطبع الوضع مختلف، ولكن المعاناة هي نفسها، العنف هو ذاته. أنا ضد الحرب، و لا أعتقد أن الحرب تغيرالأشياء الى الأفضل. نحن بطبيعة الحال معنيون بذلك، لأننا نشعر أيضا بالتوتر.. نعيش الى جانب إسرائيل من جهة وسوريا. نحن خبرنا كل التلاعبات التي تدور حولنا، الصراع على السلطة بين الشرق والغرب، ونحن نعرف كذلك أن إيران أيضاً معنية. لذلك نحن ربما مُخمدين بعض الشئ. لكن الشيء الوحيد الذي لا نواجهه بلا مبالاه هو المعاناة الرهيبة.
الى أين يسير البلد في المستقبل برأيك؟
 نحن لا نعرف ماذا سيحدث لبلادنا، وبالتالي فإن الوضع متوتر للغاية. حياتنا بسيطة ومكثفة جدا. نحن نعاني أيضا، كما يمكن أن نرى ذلك في فيلم “ما الذي يحدث؟” .

جوسلين صعب.الشاعر التونسي يوسف رزوق.الشاعرة المغربية المحمودي.والشاعر الزميل اسماعيل فقيه في مدينة لوديف الفرنسية

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات