بيروت ـــ إسماعيل فقيه :
سنوات مرت على رحيله. 12سنة مرت على غياب منصور الرحباني . زمن عبر كومضة ، لكنه كان ثقيلا على العبور. منصور الذي كان نصف الأخوين رحباني ، على حد تعبيره ، كما اعترف في مأتم أخيه عاصي . قال في حينها : ” اليوم دفنتم نصفي . انا الآن نصف منصور بعد غياب عاصي”. قبل عشر سنوات توقفت الأسطورة (الأخوين رحباني) عن الخفقان بعد رحيل منصور ، وباتت ذاكرة مفتوحة على وسع الزمن المقبل.
غاب منصور الرحباني في 13 يناير،كانون الثاني،2009عن عمر 84 عاماً فيما كان يعالج في المستشفى في بيروت.
يصعب الحديث أو الكتابة عن منصور الفنان والموسيقار كإسم منفرد ، دون ذكر الاسم الأصح والأحق والمتعارف عليه (الأخوين رحباني) ، وكما قال انه نصف منصور بعد غياب أخيه، سأحاول تضييق مسافة التعبير والقول والحديث عن منصور بإسم “الأخوين رحباني”.
لقد شكل منصور مع أخيه عاصي الرحباني والسيدة فيروز حلقة ثلاثية ، شكلت وانتشرت أسطورة في الفن والموسيقى العربية واللبنانية خصوصاً.
ولادة منصور الرحباني كانت في بلدة انطلياس في ضواحي بيروت عام 1925 . هو واحد من اثنين (أو نصف من واحد حسب تعبيره الأبلغ) شكلا في تاريخ الموسيقى العربية ما عرف بـ”الأخوين رحباني”وقد كان لهما الدور الأساس والفعال والمؤثر في نقل الأغنية اللبنانية من عصر الى عصر، ومن نغم الى أنغام هائلة أغنت الذوق الفني، كما أغنت الذائقة الطربية بمشاهد سمعية وبصرية لافتة وفاعلة.
في بدايات منصور الرحباني مشاهد كثيرة : بعد استقالته من عمله في الشرطة اللبنانية وبعد دراسته الموسيقية لسنوات اجتمع منصور مع أخيه عاصي، أو التقيا تحت اسم”الأخوين رحباني”متخطين الحواجز الفردية والنزعات الأنانية، ودخلا معاً معترك الإبداع .وكانت الإذاعة اللبنانية مسرحهما الأول 1945 مزودين بلونهما الفني الجديد، وبإلهامهما الخاص والرصين ، حافظا على الموهبة الكبيرة، ورفدا ثقافتهما بثقافة أوسع، كان محورها،الكلمة والنغم والنوتة الموسيقية.
ألف وكتب ولحن الأخوان رحباني الكثير من الأعمال الفنية والموسيقية والغنائية والمسرحية والسينمائية، منها الاسكتشات التي عرفت تحت اسم”سبع ومخول”. وسواها من الأعمال الطربية الصافية التي غرزت في وجدان الوطن والإنسان عن ظهر قلب.
عندما اقترن الراحل الكبير عاصي الرحباني بالسيدة نهاد حداد التي عرفت باسم (فيروز) عام 1955 شكل الثلاثة معاً (الثلاثي الرحباني الجديد). ولعبت فيروز دوراً مركزيا في تغذية إبداعات الأخوين رحباني.
إن الصورة الأهم في ذاكرة الأخوين رحباني تكمن في أنهما استوحيا الفن الموسيقي الخاص والجديد النابض بإيقاعات قديرة في إيصال النغم الى ذروته في الكمال والتأثير. فقد استوحى الرحبانيان موسيقاهما من التراث العربي الإسلامي والبيزنطي ومن التراث الديني المسيحي وكذلك من الفولكلور اللبناني، وكلها تيارات شرقية، إضافة الى تعمقهما في الدراسة الموسيقية الكلاسيكية الغربية، وغوصهما عميقاً في الوعي النغمي واللحني والطربي.
انجازات فنية كثيرة ومتنوعة ، والكثير الكثير من الإبداع الموسيقي تجلى في أعمالهما. كتب الرحبانيان للوطن والأرض والتاريخ، وللفقراء البسطاء ، واهتما بالفولكلور اللبناني اهتماماً خاصاً وناصرا القضايا العربية الكبرى ، وتبقى الأعمال الوطنية الكبرى حاضرة في أعمالهما ، ولا ننسى تلك الأعمال الخالدة التي كتبت لفلسطين ، مثل أغاني الثقة والعنفوان ،أو تلك الأغنيات لفلسطين ، ومنها”زهرة المدائن”،”سنرجع يوماً”،”جسر العودة”، وسواها من أغاني العزة والكرامة والتحدي . وقدما الكثير من المسرحيات الغنائية، خصوصاً تلك التي كانت تعرض في المهرجانات اللبنانية في بعلبك مثل”أيام فخر الدين”و”جبال الصوان”و”ناطورة المفاتيح”و”قصيدة حب” و”بترا”، وسواها من الأعمال المسرحية التي ألهبت الحنين والذاكرة وجعلت كل متابع لها يدخل في أتون ذاكرة عامرة، بل كانت هذه المسرحيات بمثابة دروس معرفية تثقيفية للجيل الناشيء، اضافة الى قوة تأثير الموسيقى،موسيقى المسرحيات، على الذوق العام.
وكذلك امتدت انجازاتهما الى السينما ، فقد أنجزا الرحبانيان ثلاثة أفلام سينمائية هي : “بياع الخواتم”و”سفر برلك”و”بنت الحارس”، إضافة الى المئات من الأغاني التي أثرت المكتبة الموسيقية العربية والعالمية.وما زالت أعمالهما هذه حاضرة بزخم في ذائقة الأجيال الطالعة.
رحل عاصي الرحباني عام 1986 ، مسافة ربع قرن تقريبا عاشها منصور بعد غياب أخيه ، وأكمل منصور الرحباني المسيرة الرحبانية بالتعاون مع أولاده، مروان وأسامه وغدي، فقدم أعمالاً مسرحية وغنائية كثيرة، واستمر في الانتاج فقدم مسرحية”الوصية”و”ملوك الطوائف”و”المتنبي”و”حكم الرعيان”و”سقراط”و”النبي”المأخوذة عن نص جبران خليل جبران و”زنوبيا”والمسرحية الغنائية”عودة طائر الفينيق” .
أكمل منصور رحلة الفن الرحباني بزخم وعطاء، وكان كثير الإنشغال بالتأليف الموسيقي والغنائي، وكذلك الكتابة الأدبية وتحديداً كتابة الشعر والقصيدة، وأصدر سبع مجموعات شعرية .
لقاءات كثيرة جمعتني بمنصور الرحباني، وأعتقد بأنني محظوظ جداً بهذه العلاقة مع أحد صانعي مجد الغناء والموسيقى. ومع الأسف كان حظي تعيساً جداً لأنني لم أستطع ولم تسمح لي ظروفي بالتعرف الى عاصي الرحباني ، لكن في المقابل، التعرف على منصور والصداقة الكبيرة معه ومع عائلته الفنية أولاده ومع السيدة فيروز ،استحضر عاصي الرحباني في ذاكرتي وفي أعماق ذاتي.
أغلب اللقاءات التي جمعتني بمنصور الرحباني كانت تتم في منزل العائلة في انطلياس. أذكر أنني في احدى زياراتي له وكانت مفاجئة، دون موعد مسبق. قرعت الباب ففتح لي منصور ، وكان يحمل بيده بندقية صيد (يتفقدها وينظفها) ، مازحني بسلاحه وأمرني بالدخول. تجالسنا في الصالون بحضور ابنه أسامه الرحباني بعد دردشة مطولة على الواقف. وأكثر ما تحدث عنه في تلك الجلسة الجميلة كان حديثه عن الصيد ورحلات الصيد في أحراش الجبل وانطلياس، وتحدث أكثر عن نوعية سلاح الصيد الذي يستعمله ويحبذه. وسرعان ما انتقل الى حديث آخر، وقال لي دون أن أسأله: “الزواج مقبرة الحب يا اسماعيل، إياك الزواج”.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
محمد درويش
7 يناير, 2021 at 2:35 م
جميل ما يكتبه الشاعر اسماعيل فقيه صديق الكبار الشاهد على تفوقهم ..ما كتبه عن الرحابنة حيهم وميتهم فوق الوصف انه بارع بارع بارع …بوركت جهوده الكبيرة في الاضاءة على عمالقة الزمن الجميل على المستوى الفني الموسيقي الراقي .