حينما تكون ذات الكاتب مهمومة بالبحث عن ماهيتها وكينونتها وانتماءاتها الفكرية ، حينما تقر تلك الذات أنها ستكتب عن نفسها التى لا شبيه لها .. وهي ذات مهزومة يسخر منها الرفاق في معاركها ، تلك الذات التى تحب الرمزية في اشعار محمود درويش ، وهي الذات نفسها التي تقدر رمزية لعنات محمود قرني المشرقية ، تلك الذات المقرة بكرهها للمجاز في الشعر والأنظمة العسكرية والسحلب البارد والممثل عادل إمام، حينما تقر تلك الذات بقولها : ” سأكتب أنا الذى والذي والذي ..”
فلابد أن نعلم أننا أمام مجموعة قصصية متفردة وأمام مقدمة باعثة علي التفكر والتدبر ، وكأن الكاتب أراد بهذه المقدمة الخاصة جدًا أو الإقرار الذاتي جداًأن يعد القارئ لحالة تشبه العصف الذهني لسارد مثقف ، قارئ لأدباء الماضي ولمجايليه ، مقدمة لا تخلو من فلسفة خاصة تشي أننا مقبلون على قراءة مجموعة لها سمتها الفكري الخاص وسندرك من خلال سباعية النصوص والمقدمة المدهشة أننا أمام كاتب مختلف ومميز في طرح رؤاه الفكرية المليئة بالكثير من الأفكار الفلسفية العميقة المغزولة بصنعة أديب مالك لأدواته الكتابية من ” سلاسة ورشاقة المفردة اللغوية ، بالإضافة لقدرة كبيرة في التصوير المشهدى داخل النصوص ” مما أكسب القارئ نوعاً من تمديد المتعة الفكرية والبصرية .”
ومثلما كانت مقدمة مصطفى أبو حسين مميزة وكاشفة لأجواء السرد ، جاء الغلاف موحياً وحاملاً لكثير من الدلالات ، فالباب القديم الموصد بثلاثة من الأقفال المجنزرة برابط حديدي مغطى بطبقة من الصدأ ، وحبل من الدوبارة المتهالكة كلها مجتمعة تمثل لوحة ذهنية وبصرية تحتاج لفك طلاسمها ، وكان الغلاف وهو عتبة النص الأولي معبراً هو الآخر عن خصوصية المجموعة التى وجدت فيها الكثيرمن فلسفة الإنسان في البحث عن الذات وسط إشكالية الانتماءات المتنوعة .
المجموعة صادرة عن دار نشر الأدهم 2019م .
الضفيرة الثلاثية ” عمق الفكرة ، البعد النفسي والاجتماعي ،النظرة الفلسفية ”
لاتخلو مجموعة مصطفى أبو حسين من تلك الضفيرة الثلاثية ، التي تتداخل فيها النظرة الفلسفية مع البعد النفسي والإجتماعي للشخصيات وكذلك الإجادة في التناول المعبر عن عمق في الأفكار المطروحة ، كل ذلك في قالب سردي مميز ، ولعل قصة ” المداح الواحد ” بدأ بها سباعيته القصصية واحدة من النماذج الدالة على عمق فكرته ونظرته الفلسفية ، فقد رايت فيها جرأة فكرية وقوة منطق الراوي العليم وتوظيف دال للواقع النفسي والإجتماعي في تشابك وتصاعد مستويات الحبكة الدرامية داخل النص ، كما وجدت فيها نوعًا من تضافر السرد القصصي داخل النص الواحد ، فرأيت أن النص الواحد ضم ثلاثة من القصص أو المشاهد المتقطعة أولها : رجل البستان( ص 11 )و الثاني المكان بالقرب من المنزل لحظة مشاهدة الرجل رث الثياب (ص13) والثالث فى ص 14 لوحة تذكر الأب وطقوسه الحياتية .ففي هذه القصة وجدت نوعاً من تضافر البعد النفسي وانعكاسات الوضع الإجتماعي على مجمل أفكار الراوي العليم ، فنحن أمام راوواضح أمام نفسه إلى حد كبير ، معترف بغرابة أطواره التي جعلت معظم الناس يصنفونه بالرجل غريب الأطوار أو الملحد ، وهو شخصية لم ترغب في نفي هذه الصفة عن نفسها ، ونجد أنفسنا امام شخصية سلمها محيطها الإجتماعي بنظرته التي الفت المسلمات حد التقديس إلى طرح الكثير من الأسئلة وإعادة النظر فيما حولها من أشياء وكان أول التساؤلات لماذا أنا بالذات هكذا ؟! ، ذات طرحت السؤال الإشكالية على نفسها وعلينا ، ولكنها وجدت فى عدم البحث ، عن إجابته نوعاً من التلذذ وميزة وجود فيزيقي مهمة ، بل هى ذات ارتضت لنفسها تصنيف ” لا ديني ” بتعبير المناطقة الجامع المانع ، وهنا نجد نوعاً من البوح الكاشف والصادم معًا ، فالراوي العليم مستريح لفكرة الإلحاد على المستوى الباطن ، ويقدم لنا دلائل هذا الارتياح في (ص 10) بقوله : ” لم أصرح لأحد في يوم من الأيام برأيي ،هذا كنت فقط أقوم بطرح الأسئلة حول هذه الإشكاليات ، وكان هذا كفيلاًبتكوين انطباع اني ملحد غريب الأطوار ، فلم أكن أصلي أو اتخيل نفسي أني اصلي ، بل الأكثرأني لم أكن أحب المصلين ، كنت فقط حريصاً على الظهور في المساجد أيام الجمع ، كفلكلور أوطقس شعبي دائم المشاركة فيه ، لأني في الحقيقة قدعزمت أمري واتخذت قراري حين كشفت أسرار العقل أمامي واضحة جلية ، أنه لا صلاة ، ولا زكاة ، ولا حج ، فقد رفع التكليف عني .” ومع هذا الإقرار الواضح بدلائل الإلحاد يفاجأنا الراوي العليم مرة أخري في ص 11 بأنه كان على أن تكون قيمه وأخلاقه نموذجاُ ، لا يكذب ، وقد طهرقلبه من الحقد والغل ، وسيطرت عليه حالة من الرضا والتسامح تكفي لإغراق العالم كله حسب تعبيره .
الثقافة الاجتماعية الحاكمة في الموميس العفيفة .
تظل فكرة ضرورة زواج الفتاة الريفية الصغيرة فكرة حاكمة في الثقافة الإجتماعية ، لاسيما في الأوساط الفقيرة والشعبية والريفية البسيطة ، وفي نص “الموميس العفيفة ” نجح مصطفى أبو حسين أن يدخلنا لأجواء نفسية عميقة ومؤثرة تفرضها طبيعة الموضوع عن تلك “المرأة المثال ” لمعاناة الفتاة الصغيرة التي تتزوج من رجل يبلغ ضعف عمرها ، تلك القصة القديمة الجديدة التي يتحكم فيها ثقافة إجتماعية وموروثات واجبة النفاذ علي فتيات هذه الشرائح الإجتماعية البسيطة ، وجدت في هذا النص تخديم من الطبيعة والمفاهيم والموروثات علي فكرة الكبت والقهر العاطفي الذي يؤدي بالمرأة إلى مسارات مغايرة .تلك المسارات التي جعلتها تستسلم ليد رجل غريب يبعث بها وفيها للحد الذى جعلها تستكين لخروج نصف جسدها خارج الكوخ الحقيرلتنعم بعلاقة غير شرعية من مجهول ، وهنا ينتقل بنا الراوي لفلسفة تأثير علاقة جسد الأنثي المكتشف في تحسين مزاجها العام ورؤيتها للكون وللمحيط الخارجي وللأشياء ، ويصف الراوى أن تلك العلاقة الجسدية المبهمة غيرت من نظرتها ، ” كأنها ولدت من جديد بقيم وأفكار فوقية ” حسب قوله فى (ص 26)، كما أيقنت أن الإنسان يميل إلي اكتشاف المستور لذلك رأت في النقاب والقفاز والجوارب ضرورة جمالية .
الناقد الأدبي (ص31)
وجدت في هذا النص نصاًمختلفاً ومغايراً عن النصين السابقين من حيث طبيعة البطل السلبية المنساق والممتثل لرغبات الغير ، ولكنه لا يخلو من الإسقاط السياسي ، والصبغة الفكرية التى يشكلها واقع سياسي ما فتشكل وجدان وأفكار البعض حتى وإن كانوا من النخب الفكرية وكان المثال هنا الناقد الأدبي د/ جابر المحلاوي الذي تسبب سواء بقصد أو دون قصد في تعطيل مسيرة إنسان على المستوى الوجداني والإبداعي ،على المستوى الوجداني حينما اصدر حكمه على الكاتب الشاب بقوله:” أنت همجي .. ورؤيتك متخلفة للمرأة والبنت ، وأطلب منك أن تفارق البنت وألا تتمادى معها في حبها ” (ص33) ، والمرة الثانية حينما أبدى رأيه في مجموعة القصص التي تركها الشاب على مكتبة بعد عام من لقائهما الأول ، وكان لرأيه أكبر الأثرفي انصراف الشاب عن الكتابة .
وإشكالية الطرح هنا جعلتني أتسائل .. ُترى من المدان ؟ الناقد الأدبي بما يمثله من سلطة سواءعائلية ، كونه خال الفتاة وولي أمرها ، أو سلطة أدبية كونه ناقداً أدبياً وأستاذاً جامعياً تحميه ميزات سلطته العائلية والأدبية في أن يكون سبباً مباشراً في حرمانه من الفتاة التى أحبته ، والهواية التى مارسها وأتهمه بأنه يشبه كاتباًآخر لم يقرأ له من قبل .
وإشكالية التلقي الثانية هي هذه السلبية المفرطة من الشاب الذي نفذ رغبات الناقد الأدبي ولم يقدر حجم خسارته بتنفيذ نصائحه إلا بعد مرور فترة طويلة من الزمن تجاوزت العشرين عاماً، فلو تعاملنا مع هذا النص على المستوى الظاهر للكتابة لأدركنا أن الشاب خسر الكثير جراء استسلامه وأخذه بنصائح الناقد الأدبي ، ولو تعاملنا مع النص على المستوى الباطن وتطبيق الدال والمدلول النقدي لأعتبرنا أن الناقد الأدبي ما هو إلاشكلا من أشكال السلطةالتي نصبت من نفسها منصة حكم واختارت لأحد رعاياها ما يتوجب عليه فعله ، حتى وإن تسببت في خسارته .
نجد الكاتب يقفز في وجوهنا بحجر فكري جديد في بحيرة الثوابت الراكدة ،ويمارس نوعاً من العصف الذهني لقارئه ، ويعيد قراءة الواقع السياسي المعاصر وربطه بأوهام التصديق للحقائق المطلقة أو هكذا نتخيلها حول مفهوم الدولة الوطنية ، وكيفية العقاب فيها الذي يأتي أولاً ثم محاولة معرفة الحقيقة بعد ذلك .، وصراع الرائد مهران” ضابط الأمن الوطني ” حول ما صدق به صبياً حول حقيقة الفيلم الجنسي للمطربة وردة وقصة كسر نابليون لأنف أبا الهول وافكار بيكون وميكافيلي ، كل هذه الإشكاليات وهو لم يسع لمعرفة حقيقتها من زيفها ، حتي أعاد طرح مسلماته الفكرية مرة أخرى بعد حفلة الإعدام الجماعية لمجموعة من الشباب فيواجه نفسه وأفكاره ويدون لأول مرة باسمه الحقيقي على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعيفي إشارة ذكية من الكاتب أنه مع جوهر الحقائق يختفي الزيف من حياتنا ونصبح من الشجاعة للكشف عن أنفسنا دون الاختباء وراء شعارات وافكار ونظريات فلسفية .
نكتشف أن الضابط مهران حينما نفض عن نفسه أوهامه كلها بفضل نصائح بيكون أدرك ” أنه لا يحب مصر ولا نظامها الذي أخرجه من إنسانيته وأفسدها عليه ، لا يحب أهلها الخانعين الأذلاء ، ويجد مسافة بينه وبينهم غير قادر على تجاوزها أو التقرب منهم ، تاريخ مصر مزيف كذوب ، النيل ملوث بالأوبئة والأمراض ، الدولة شر لا يمكن احتماله ، فاق على وهم مقولة رئيسه المباشر في العمل وهى مقولة ميكافيللي في كتاب- الأمير –الدولة تقتل ثم تقرر أين الحقيقة ؟” حسب ما ورد على لسان الراوي ص 48 .
ببراعة يحسد عليها أدخلنا يوسف أبو حسين في هذا لنص إلي حقل ألغام جديد أو دائرة الحوار الآني حول مفهوم ما يسمي بتجديد الحوار الديني ، أو ضرورة مراجعة الإنسان العربي لذاته ، فهو يرضى بالمنجز الغربي ولا يرضى بأفكار الغرب ومبادئه حسب وصف الكاتب له في النص ، ورغم أن النص يعد نصاً صادماً ومربكاً نظراً لما ورد فيه من صفات وتصرفات شخص إمام الجامع ” أحمد عاطف “وتضعه على الأقل عندي في منزلة الشخص الشاذ فكرياً وانعكس هذا الشذوذ على تصرفاته داخل السياق السردي ، وصفة الشذوذ تتنافى بالضرورة مع صورة رجل الدين صحيح العقيدة ، ولكن حسب مفهومي الشخصي أن الأدب لا يقف بالضرورة عند رسم وترسيخ صورة النموذج الأمثل وفقط ،بل ربمايكون في عرض النموذج الصارخ فائدة أكبر في توضيح قيمة النموذج الأمثل الغائب عن السياق السردي في النص الأدبي ، من هذا المنطلق ، رغم صدمتي في النموذج المقدم لصورة إمام المسجد لكنني تفهمت وتقبلت ذلك باعتبار أنني أتعامل مع نص محفز ، لكاتب ينطلق من خلفية فلسفية حاكمة ومؤثرة في السباعية ككل ، فتقبلت التناول بمنطق كاتبه باعتبار أن النتائج من جنس المقدمات ، ومنذ البداية يضعنا الكاتب علي عتبة وصف لإمام مسجد هو في الأصل بشر يصيب ويخطئ ، له هفواته البشرية ، له لحظات ضعف وميل وهوى ، لذلك تقبلت هذا النموذج البشري داخل السياق السردي مع تحفظ وحيد أنه لو كان أحمد عاطف علم جوهر وصحيح الدين الحق ما دخل هذه الدائرة الشائكة من الأساس وما أدخلنا إشكالية السؤال حوله .
** سمات الشخصية لدى أبطال السباعية القصصية **
إذا كانت الفكرة الجيدة العميقة واحدة من أجنحة نجاح العمل الأدبي بشكل عام ، والنص القصصي بشكل خاص فإن الجناح الثاني هو قدرة الكاتب على رسم شخصيات عمله من الناحية الفيزيائية والنفسية والتاريخية ، وقد نجح الكاتب في رسم شخصيات المجموعة بدرجة مدهشة ، توحي بفهمه العميق لضرورة اكساب الشخصيات أبعادهاالمتنوعة من أجل خلق نوع من التفاعل الإيجابي لدى المتلقي .
ويعد نص : شمس الدين ونحولة عبلة حزونة ماجدولين ومراقبة المهندسة ( ص37) نموذجاُ جيداًلرسم الشخصيات بأبعادها ” الفيزيائية ، النفسية ، التاريخية ” فجاءت شخصية شمس الدين واضحة الملامح علي المستوي الشكلي والنفسي والاجتماعي ،ففي (ص38) يقول : “اسمي شمس الدين ، لا علاقة البتة تجمعني بعلاء الدين صاحب المصباح المسحور، أو صلاح الدين القائد المنصور ، اسمي كما فهمت من الرواة الصادقين الذين حضروا المهد مع أبي ،جاء مصادفة قدرية حين لقبني به ، لم يقصد أى إسقاطات دينية أو سياسية ، أسكن وسط جمهور لا يعرف عني شيئاُ ، سوى أن اسمي شمس الدين ، يعرفني البقال والحلاق والسباك والنجار وصاحب الصيدلية على ناصية الشارع الذي أسكن وأشتري منهاأدوية الضغط والسكر وعلاج البواسير ، باسم شمس الدين دون وجود لاسم الأب ، لا يعرف هؤلاء أى تفاصيل أخرى عني خلاف ما أريد أن يعرفوه ، وووالخ ” ثم يعطينا شمس الدين تعريفاً مفصلاً عن ملامحه الشكلية والنفسية والفكرية (ص 39 ، 40 )
قول الراوي العليم في ص 46: “تحسس مهران طريقه بثبات ، ثم هوى مرة ثانية إلى بئر ذكرياته وخياراته ونتائجها ، أمن وبشدة أن جزءًا من حياته يمضي فيه باختياره وجزءًاآخر يسلكه دفعاً، على ما خطه له القدر دون رغبة منه وأحياناً قهراً ، مثل عمله ضابط شرطة وهو الذي كان يجهز نفسه منذ الصبا أن يصبح روائياً عظيماً “وفي قوله ص 47:” عمل بعد التخرج في فرع الأمن الوطني ، أقنع نفسه أنها وظيفة مثل أو وظيفة ، مثله مثل الطبيب أو المهندس أو المحامي ، لهذا كانت تأوهات المعتقلين ، والسجناء السياسيين تصل إلي مسامعه دون معنى ، كان يراها جزءً طبيعياً من عملية بيروقيراطية .”
وجدت فى اختيار الكاتب لكتاب “فرانسيس بيكون”الأرغانون الجديد ، الذي يتحدث عن الأوهام الأربعة ” الجنس ، الكهف ،السوق ، المسرح” ليكون نقطة وبداية لمراجعة الضابط لنفسه اختياراً مناسباً ولاسيما أنه ركز علي وهم الكهف الذي تتحدد فيه نظرة الفرد للأشياء باتباعه لبيئته وثقافته وظروفه الخاصة وعاداته ، أو وفق اختلاف الانطباعات التى تتركها الأشياء في الذهن ، لكن في المجمل تكشف هذه الأوهام عن ضعف بنية الإنسان والتصاقه بأكاذيبه وأوهامه لا يبرها .” في هذا المقطع تحديداً يقدم لنا الحل والمفتاح العقلي لشخصية الضابط وأن خروجه من وهم الكهف لا يتأتى إلاعبر الاستقراء الصحيح واستنطاق الواقع عبر التجربة والملاحظة ، وهذا ما حدث مع الضابط مهران فى نهاية القصة
** السمات الفنية للسرد القصصي **
تتميزمجموعة ” ذقن أبو الهول .. فيلم وردة وأوهام بيكون ” بمجموعة من السمات الفنية الجيدة التي زادت من جماليات السرد بها ، بالإضافة لجودة المضمون الفكري وعمق القضايا الفلسفية المطروحة بداخلها .
وتبدأ هذه السمات بالغلاف الباعث على التساؤل وهو عتبة مهمة من عتبات النص ، فالغلاف بتعدد أقفاله الصدأة ، وبابه الخشبي القديم المتهالك ، وخيط الدوبارةالرث المتدلي بجاور سلسلة حديدية غطاها الصدأ، كلها مفردات مبهمة باعثة على التساؤل ، فما الذي يمكن أن يكون وراء هذا الباب القديم من أشياء ؟! ربما تكون أشياء ثمينة ، وربما أصبحت ليست ذات قيمة من فرط ما مر عليها من زمن حتى أصبحت في طي النسيان ، والغلاف على صورته هذه يمثل علامة استفهام كبرى ، لن يجد القارئ إجابة شافية عليها إلا بعد قراءة النصوص .
أول ما لفت نظري في عناوين المجموعة هو هذا الإقرار الشامل الجامع ، الذي مثل لي وثيقة تعارف فكرية وإنسانية لشخص الكاتب لما جاء فيه من إضاءات علي ماذا يحب ، وماذا يكره ؟، كما لفت نظري ختام الإقرار ص 7 الذي قال فيه : “نعم سأكتب .. عني أنا الذي المنسي ، الذي يحب ويكره ، يصيب ويخطئ ، لكنه لم ينس أبداً إنسانيته المفرطة التي أرهقها زيف الانقلابات .”
قصدت ب ” العنوان القصة ” تلك العناوين الطويلة التي استعملها الكاتب داخل المجموعة ،على غيرالمعتاد في طريقة تفضيل بعض الكتاب اختيار العنوان القصير الموحي لمضمون المتن القصصي ، ولكن مصطفى أبو حسين فضل تقديم عنوان طويل لافت باعث على التساؤل مثل عناوين : ” شمس الدين ونحولة عبلة حزونة ماجدولين ومراقبة المهندسة ” و” ذقن أبو الهول وفيلم وردة وأوهام بيكون ” لم أفضل هذا الطول كعنوان لمجموعة قصصية ، ولكن ما إن دخلت أجواء السرد القصصي الذي يتميز بالعمق والنظرة الفلسفية حتى أدركت أن العنوان هو القصة وعلي البحث داخل متن القصة عن كل اسم ورد في العنوان المطول أو العنوان القصة .
تميزت لغة المجموعة بالسلامة النحوية والإملائية ، وبالوضوح والسلاسة في الحوار لاسيما في مواضع الوصف المكاني والوصف النفسي للأشخاص ، كما غلب عليها الطابع التقريري في الفقرات التي التى تعرض وجهات نظر وافكار بعض الفلاسفة ، كما عبر الأسلوب اللغوي عن الثقافة الفلسفية للراوي العليم الذي كان له نصيب الأسد في السياق السردي .
لاحظت توظيف الثنائيات داخل القصص ، وكان لها دوراً في إظهارإما ” التضاد أو التشابه” من ناحية ، وكل من التضاد أو التشابه وظف لخدمة الفكرة الرئيسة في النص ،كما لاحظت أثر هذه الثنائية بشكل أوضح في الحضورالقوي لفكرة فلسفية ما من ناحية أخرى .
من السمات الجيدة في مجموعة مصطفى أبو حسين القصصية تلك النهايات الفارقة التي تتميز بالطابع الفلسفي ، فالنهاية لديه إما نهاية مفتوحة أو نهاية محفزة تفتح للقارئ مساحات رحبة لإعادة التفكير في الرؤية المقدمة سواؤ على مستوى الحدوتة القصصية أو على مستوى طريقة الطرح الفلسفي من الكاتب .
ملاحظات عامة :
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.
مصطفى ابو حسين
22 يناير, 2021 at 1:51 ص
شكرا للكاتبة و الناقدة الكبيرة عزة أبو العز على هذه الدراسة الشاملة
نور الله يوسف ( مروة محمد عبد المنعم )
25 يناير, 2021 at 10:27 ص
القلم المبدع بحجم هرم …نعم لم أخطئ..أستاذتى الفاضلة حين وصفت حضرتك بأنك( غول فى فن النقد) وهذه الصفة كانت تطلق على أساطين المسرح العربى مثل يوسف بك وهبى ونجيب الريحانى…لم أخطئ حين وصفتك بقلم شوقى ضيف الذى بعث من جديد فتجسد فى روحك …
عزة أبو العز صاغت لنفسها نهج ومدرسة نقدية وخط لون أدبى
خاص بها وحدها …عالم حين تدخله ..يجب أن تكون مستعد بطقوس معينة ..بنفس درجة إستعداد نفسك حين تدخل المسرح الكبير ،او حين تستمع لرائعة الأطلال من كوكب الشرق
أم كلثوم…هكذا هى عزة ابو العز القلم …
محظوظ حقا كل مبدع كلل مشوار حياته الأدبى، دراسة نقدية تحمل توقيع عزة أبو العز …ليس مجاملة لقلم تربطنى به
علاقة تلمذة مستمرة ..ولا علاقة صداقة على المستوى لإنسانى
ولكن بالفعل أجد كل مبدع محظوظ بهذا التتويج الأدبى
دراسة نقدية فخمة ماتعة جامعة مانعة ..
مما لاشك فيه أننى توقفت أمام كل حرف مرات ومرات
أمام روعة التفنيد السرد ى المنطقى …سهولة السهل الممتنع
بطريقة تجعل بالصعوبة بما كان على اى ناقد أن يكتب بعد
دراسة عزة أبو العز …
من عيون النقد الأدبي العربى …وأتمنى أن تتنبه كليات الأدب
المعنية بدراسة النقد الأدبي والدراما ..لمعزوفات عزة ابو العز النقدية ..فهى أولى أن تدرس …حقيقة ..
ما قرأته من اروع صور الابداع والتميز فى كل شئ
برغم أن الرواية الأدبية هنا حطمت كل التابوهات الثلاث التليدة (الدين ..الجنس ..السياسية) فى مجتمعاتنا الشرقية المحافظة التى تعبر تناول هذه الأمور من الأمور الشائكة
…ولكن من وراء هذه التابوهات
خرج إبداع مقارن متميز …أرق التحايا والحب والإجلال لقلمك
النابه…والكاتب المبدع ..عمل غاية فى التميز …جرئ جداً
وأعتقد أن هذه الدراسة تحتاج كتاب …يحتضن هذا التميز