فلسفة البحث عن الذات وإشكالية الانتماءات في نصوص مصطفي أبو حسين

09:11 مساءً الخميس 21 يناير 2021
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
عزة أبو العز

حينما تكون ذات الكاتب مهمومة بالبحث عن ماهيتها وكينونتها وانتماءاتها الفكرية ، حينما تقر تلك الذات أنها ستكتب عن نفسها التى لا شبيه لها .. وهي ذات مهزومة يسخر منها الرفاق في معاركها ، تلك الذات التى تحب الرمزية في اشعار محمود درويش ، وهي الذات نفسها التي تقدر رمزية لعنات محمود قرني المشرقية ، تلك الذات المقرة  بكرهها للمجاز في الشعر والأنظمة العسكرية والسحلب البارد والممثل عادل إمام، حينما تقر تلك الذات بقولها : ” سأكتب أنا الذى والذي والذي ..”   

فلابد أن نعلم أننا أمام مجموعة قصصية متفردة وأمام مقدمة باعثة علي التفكر والتدبر ، وكأن الكاتب أراد بهذه المقدمة الخاصة جدًا أو الإقرار الذاتي جداًأن يعد القارئ لحالة تشبه العصف الذهني لسارد مثقف ، قارئ لأدباء الماضي ولمجايليه ، مقدمة لا تخلو من فلسفة خاصة تشي أننا مقبلون على قراءة مجموعة لها سمتها الفكري الخاص وسندرك من خلال سباعية النصوص  والمقدمة المدهشة أننا أمام كاتب مختلف ومميز في طرح رؤاه الفكرية المليئة بالكثير من الأفكار الفلسفية العميقة المغزولة بصنعة أديب مالك لأدواته الكتابية من ” سلاسة ورشاقة المفردة اللغوية ، بالإضافة لقدرة كبيرة في التصوير المشهدى داخل النصوص ” مما أكسب القارئ  نوعاً من تمديد المتعة الفكرية والبصرية .”

ومثلما كانت مقدمة مصطفى أبو حسين مميزة وكاشفة لأجواء السرد  ، جاء الغلاف موحياً وحاملاً لكثير من الدلالات ، فالباب القديم الموصد بثلاثة من الأقفال المجنزرة برابط حديدي مغطى بطبقة من الصدأ ، وحبل من الدوبارة المتهالكة كلها مجتمعة تمثل لوحة ذهنية وبصرية تحتاج لفك طلاسمها ، وكان الغلاف وهو عتبة النص الأولي معبراً هو الآخر عن خصوصية المجموعة التى وجدت فيها الكثيرمن فلسفة الإنسان في البحث عن الذات وسط إشكالية الانتماءات المتنوعة .

المجموعة صادرة عن دار نشر الأدهم 2019م .   

الضفيرة الثلاثية ” عمق الفكرة ، البعد النفسي والاجتماعي ،النظرة الفلسفية ”  

لاتخلو مجموعة مصطفى أبو حسين من تلك الضفيرة الثلاثية ، التي تتداخل فيها النظرة الفلسفية مع البعد النفسي والإجتماعي للشخصيات وكذلك الإجادة في التناول المعبر عن عمق في الأفكار المطروحة ، كل ذلك في قالب سردي مميز ، ولعل قصة  ” المداح الواحد ” بدأ بها سباعيته القصصية واحدة من النماذج الدالة على عمق فكرته ونظرته الفلسفية ، فقد رايت فيها جرأة فكرية وقوة منطق الراوي العليم وتوظيف دال للواقع النفسي والإجتماعي في تشابك وتصاعد مستويات الحبكة الدرامية داخل النص ، كما وجدت فيها نوعًا من تضافر السرد القصصي داخل النص الواحد ، فرأيت أن النص الواحد ضم ثلاثة من القصص أو المشاهد المتقطعة أولها : رجل البستان( ص 11 )و الثاني المكان بالقرب من المنزل لحظة مشاهدة الرجل رث الثياب (ص13)  والثالث فى ص 14 لوحة تذكر الأب وطقوسه الحياتية .ففي هذه القصة وجدت نوعاً من تضافر البعد النفسي وانعكاسات الوضع الإجتماعي على مجمل أفكار الراوي العليم ، فنحن أمام راوواضح أمام نفسه إلى حد كبير ، معترف بغرابة أطواره التي جعلت معظم الناس يصنفونه بالرجل غريب الأطوار أو الملحد ، وهو شخصية لم ترغب في نفي هذه الصفة عن نفسها ، ونجد أنفسنا امام شخصية سلمها محيطها الإجتماعي بنظرته التي الفت المسلمات حد التقديس إلى طرح الكثير من الأسئلة وإعادة النظر فيما حولها من أشياء وكان أول التساؤلات لماذا أنا بالذات هكذا ؟! ، ذات طرحت السؤال الإشكالية على نفسها وعلينا ، ولكنها وجدت فى عدم البحث ، عن إجابته نوعاً من التلذذ وميزة وجود فيزيقي مهمة ، بل هى ذات ارتضت لنفسها تصنيف ” لا ديني ” بتعبير المناطقة الجامع المانع ، وهنا نجد نوعاً من البوح الكاشف والصادم معًا ،  فالراوي العليم مستريح لفكرة الإلحاد على المستوى الباطن ، ويقدم لنا دلائل هذا الارتياح في (ص 10) بقوله : ” لم أصرح لأحد في يوم من الأيام برأيي ،هذا كنت فقط أقوم بطرح الأسئلة حول هذه الإشكاليات ، وكان هذا كفيلاًبتكوين انطباع اني ملحد غريب الأطوار ، فلم أكن أصلي أو اتخيل نفسي أني اصلي ، بل الأكثرأني لم أكن أحب المصلين ، كنت فقط حريصاً على الظهور في المساجد أيام الجمع ، كفلكلور أوطقس شعبي دائم المشاركة فيه ، لأني في الحقيقة قدعزمت أمري واتخذت قراري حين كشفت أسرار العقل أمامي واضحة جلية ، أنه لا صلاة ، ولا زكاة ، ولا حج ، فقد رفع التكليف عني .” ومع هذا الإقرار الواضح بدلائل الإلحاد يفاجأنا الراوي العليم مرة أخري في ص 11 بأنه كان على أن تكون قيمه وأخلاقه نموذجاُ ، لا يكذب ، وقد طهرقلبه من الحقد والغل ، وسيطرت عليه حالة من الرضا والتسامح تكفي لإغراق العالم كله حسب تعبيره .


مصطفى أبو حسين
  • وكان السؤال الذي دار بذهني .. كيف وصل الراوي العليم لهذه القناعة القيمية وهو شخص ملحد قد رفع عنه التكليف من وجهة نظره كما دونها ؟!
  • وهى مفارقة توحي بالتساؤل ، هل أراد ان يثبت لنا أن سجيته طيبة وهى التي ستؤدي به إلي التحول الجذري مع التصاعد الدرامي في الحدث بعد ذلك ، ولكن يظل جوهر التساؤل من ناحيتي مطروحاً ، هل فاقد الإيمان ” اللا ديني ” الممتنع عن الصلاة والزكاة والحج ، يستطيع أن يكون شخصاً نموذجاً في قيمه وأخلاقه ؟! وإذا سلمت أن هذا  الآخر اللاديني منظم ، أيحتر الرأي والرأي الأخر وووالخ علي مستوي التعاملات المادية وإحترام القوانيين الوضعية ، فماذا عنه على المستوى الروحي والاستقرار النفسي ؟!.
  • في (ص15) تقابلنا إشكالية فكرية أخري ، فقد ظل حلم البستان بالنسبة للراوي حداًفاصلاً مربكاً بين الخرافة بمفهومها الفلسفي ، والحقيقة بمفهومها الدوجماطيقي ، وظل الراوي حائراًبينهما حسب كلامه.
  • كما كان سؤاله لنفسه هل مهنة محفظ القرآن مثل جميع المهن ، الغرض الأساسي منها كسب العيش ؟ أم هى رسالة هو مؤمن بها ؟ ، هكذا تتوالى الإشكاليات الفكرية في تراتب سردي يتوافق مع تصاعد الحكي داخل النص لنجد أنفسنا أمام  نقلة فكرية جديدة في نهاية (ص15) تبدأ بدعوته لزيارة وحضور الاحتفال بأحد أولياء الله في الصعيد ، وقد وجدت في تصويره لمشهد توازي خط سير القطار مع سريان النيل مع شريط ذكرياته رابط جيد حثه على الاعتراف أنه مر بمحطات فكرية شتى مرة في طريق اليسار وأخرى في حوارى اليمين ، من أقاصي الإلحاد إلى أقاصي الإيمان ، من الحماس الشديد لأفكار نيتشه عن الإنسان السوبر إلى الانكفاء مع شوبنهاور على أحزانه وتشاؤمه ، وفي (16) نجده يفصح عن إشكالية وقوعه في ضجيج جامع من الافكار جعله يتهم من البعض بالجريمة ونقيضهافي الوقت نفسه مخالفاً بذلك قوانين المنطق الثلاث ” الهوية ، الثالث المرفوع، عدم التناقض ” وهنا تتضح لنا الضفيرة الثلاثية مرة أخرى من ” عمق الفكرة ، العد النفسي والإجتماعي ، النظرة الفلسفية ” فالراوي العليم يتهم من محيطه الإجتماعي من قبل اليمين بأنه يساري ، ومن قبل اليسار بأنه يميني ، من قبل الإسلاميين بأنه ملحد ، ومن قبل الملحدين بأنه إسلامي ، من قبل القوميين بأنه رجعي ، ومن قبل الوطنيين بأنه قومي ، من قبل أنصار نيتشه بأنه يقدس شوبنهاور في الخفاء ، ومن قبل أنصار شوبنهاور بأنه نيتشوي بار .
  • ويقر بأن تلك الحالة التي فرضها عليه المجتمع المحيط فرضت عليه حالة من الحزن والفرقة ثم الانكفاء علي النفس .، وهنا تتجلي النظرة الفلسفية أو النتيجة الحتمية لما فرضه عليه المجتمع المحيط وهي أنه أصبح يعلم الصغار ماأسلم له المجتمع – القرآن – ولم يؤمن به أحد ، والنتيجة  الثانية أنه اصبح جزء من جزء من الكلول ، وأساس حتى لو كان كومبارساًهامشياًفي مسرحية العبث الدائرة لا يسامح نفسه ولا يستثنيها كما ذكر في (ص16) .
  • المفارقة التالية نجدها في أمر العجوز رث الثياب له بان يقوم ويمدح الرسول ” عليه الصلاة والسلام” بما قد رأه في حلمه ويذكر الراوي فى (ص18)بأن موقف العجوز من المواقف الفاصلة في حياته ، فهو يقص عليه حلماً رأه وحده ، وأنشد بارتجال بناء على اوامره ، واستمر  لما يقرب من الساعتين في حالة من الوجد لا سابق لها ، ثم يمسكه العجوز من يده ويذهب لأصحاب المولد ويطلب منهم أن يمنحوه أجر الإنشاد . ، وبعد ثلاث سنوات تتغير حياة الراوي تماماً انسحب من وظيفة محفظ القرآن في المدرسة الإبتدائية ، وجاب البلاد من أقصاها إلي أقصاها كمنشد ذائع الصيت

الثقافة الاجتماعية الحاكمة في الموميس العفيفة .

تظل فكرة ضرورة زواج الفتاة الريفية الصغيرة فكرة حاكمة في الثقافة الإجتماعية ، لاسيما في الأوساط الفقيرة والشعبية والريفية البسيطة ، وفي نص “الموميس العفيفة ” نجح مصطفى أبو حسين أن يدخلنا لأجواء نفسية عميقة ومؤثرة تفرضها طبيعة الموضوع عن تلك “المرأة المثال ” لمعاناة الفتاة الصغيرة التي تتزوج من رجل يبلغ ضعف عمرها ، تلك القصة القديمة الجديدة التي يتحكم فيها ثقافة إجتماعية وموروثات واجبة النفاذ علي فتيات هذه الشرائح الإجتماعية البسيطة ، وجدت في هذا النص تخديم من الطبيعة والمفاهيم والموروثات علي فكرة الكبت والقهر العاطفي الذي يؤدي بالمرأة إلى مسارات مغايرة .تلك المسارات التي جعلتها تستسلم ليد رجل غريب يبعث بها وفيها للحد الذى جعلها تستكين لخروج نصف جسدها خارج الكوخ الحقيرلتنعم  بعلاقة غير شرعية من مجهول ، وهنا ينتقل بنا الراوي لفلسفة تأثير علاقة جسد الأنثي المكتشف في تحسين مزاجها العام ورؤيتها للكون وللمحيط الخارجي وللأشياء ، ويصف الراوى أن تلك العلاقة الجسدية المبهمة غيرت من  نظرتها ، ” كأنها ولدت من جديد بقيم وأفكار فوقية ” حسب قوله فى (ص 26)، كما أيقنت أن الإنسان يميل إلي اكتشاف المستور لذلك رأت في النقاب والقفاز والجوارب ضرورة جمالية .   

الناقد الأدبي (ص31)

وجدت في هذا النص نصاًمختلفاً ومغايراً  عن النصين السابقين من حيث طبيعة البطل السلبية المنساق والممتثل لرغبات الغير ، ولكنه لا يخلو من الإسقاط السياسي ، والصبغة الفكرية التى يشكلها واقع سياسي ما فتشكل وجدان وأفكار البعض حتى وإن كانوا من النخب الفكرية وكان المثال هنا الناقد الأدبي د/ جابر المحلاوي الذي تسبب سواء بقصد أو دون قصد في تعطيل مسيرة إنسان على المستوى الوجداني والإبداعي ،على المستوى الوجداني حينما اصدر حكمه على الكاتب الشاب بقوله:” أنت همجي .. ورؤيتك متخلفة للمرأة والبنت ، وأطلب منك أن تفارق البنت وألا تتمادى معها في حبها ” (ص33) ، والمرة الثانية حينما أبدى رأيه في مجموعة القصص التي تركها الشاب على مكتبة بعد عام من لقائهما الأول ، وكان لرأيه أكبر الأثرفي انصراف الشاب عن الكتابة .

وإشكالية الطرح هنا جعلتني أتسائل .. ُترى من المدان ؟ الناقد الأدبي بما يمثله من سلطة سواءعائلية ، كونه خال الفتاة وولي أمرها ، أو سلطة أدبية كونه ناقداً أدبياً وأستاذاً جامعياً تحميه ميزات سلطته العائلية والأدبية في أن يكون سبباً مباشراً في حرمانه من الفتاة التى أحبته ، والهواية التى مارسها وأتهمه بأنه يشبه كاتباًآخر لم يقرأ له من قبل .

وإشكالية التلقي الثانية هي هذه السلبية المفرطة من الشاب الذي نفذ رغبات الناقد الأدبي ولم يقدر حجم خسارته بتنفيذ نصائحه إلا بعد مرور فترة طويلة من الزمن تجاوزت العشرين عاماً، فلو تعاملنا مع هذا النص على المستوى الظاهر للكتابة لأدركنا أن الشاب خسر الكثير جراء استسلامه وأخذه بنصائح الناقد الأدبي ، ولو تعاملنا مع النص على المستوى الباطن وتطبيق الدال والمدلول النقدي لأعتبرنا أن الناقد الأدبي ما هو إلاشكلا من أشكال السلطةالتي نصبت من نفسها منصة حكم واختارت لأحد رعاياها ما يتوجب عليه فعله ، حتى وإن تسببت في خسارته .

  • جلاء الحقائق وزيف الإدعاء فى نص ” ذقن أبو الهول وفيلم وردة وأوهام بيكون ” ص 43

نجد الكاتب يقفز في وجوهنا بحجر فكري جديد في بحيرة الثوابت الراكدة ،ويمارس نوعاً من العصف الذهني لقارئه ، ويعيد قراءة الواقع السياسي المعاصر وربطه بأوهام التصديق للحقائق المطلقة أو هكذا نتخيلها حول مفهوم الدولة الوطنية ، وكيفية العقاب فيها الذي يأتي أولاً ثم محاولة معرفة الحقيقة بعد ذلك .، وصراع الرائد مهران” ضابط الأمن الوطني ” حول ما صدق به صبياً حول حقيقة الفيلم الجنسي للمطربة وردة وقصة كسر نابليون لأنف أبا الهول وافكار بيكون وميكافيلي ، كل هذه الإشكاليات وهو لم يسع لمعرفة حقيقتها من زيفها ،  حتي أعاد طرح مسلماته الفكرية مرة أخرى بعد حفلة الإعدام الجماعية لمجموعة من الشباب فيواجه نفسه وأفكاره ويدون لأول مرة باسمه الحقيقي على صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعيفي إشارة  ذكية من الكاتب أنه مع جوهر الحقائق يختفي الزيف من حياتنا ونصبح من الشجاعة للكشف عن أنفسنا دون الاختباء وراء شعارات وافكار ونظريات فلسفية .

نكتشف أن الضابط مهران حينما نفض عن نفسه أوهامه كلها بفضل نصائح بيكون أدرك ” أنه لا يحب مصر ولا نظامها الذي أخرجه من إنسانيته وأفسدها عليه ، لا يحب أهلها الخانعين الأذلاء ، ويجد مسافة بينه وبينهم غير قادر على تجاوزها أو التقرب منهم ، تاريخ مصر مزيف كذوب ، النيل ملوث بالأوبئة والأمراض ، الدولة شر لا يمكن احتماله ، فاق على وهم مقولة رئيسه المباشر في العمل وهى مقولة ميكافيللي في كتاب-  الأمير –الدولة تقتل ثم تقرر أين الحقيقة ؟” حسب ما ورد على لسان الراوي ص 48 .

  • الحمام الوحشي والإمام

ببراعة يحسد عليها أدخلنا يوسف أبو حسين في هذا لنص إلي حقل ألغام جديد أو دائرة الحوار الآني حول مفهوم ما يسمي بتجديد الحوار الديني ، أو ضرورة مراجعة الإنسان العربي لذاته ، فهو يرضى بالمنجز الغربي ولا يرضى بأفكار الغرب ومبادئه حسب وصف الكاتب له في النص ، ورغم أن النص يعد نصاً صادماً ومربكاً نظراً لما ورد فيه من صفات  وتصرفات شخص إمام الجامع ” أحمد عاطف “وتضعه على الأقل عندي في منزلة الشخص الشاذ فكرياً وانعكس هذا الشذوذ على تصرفاته داخل السياق السردي ، وصفة الشذوذ تتنافى بالضرورة مع صورة رجل الدين صحيح العقيدة ، ولكن حسب مفهومي الشخصي أن الأدب لا يقف بالضرورة عند رسم وترسيخ صورة النموذج الأمثل وفقط ،بل ربمايكون في عرض النموذج الصارخ فائدة أكبر في توضيح قيمة النموذج الأمثل الغائب عن السياق السردي في النص الأدبي ، من هذا المنطلق ، رغم صدمتي في النموذج المقدم لصورة إمام المسجد لكنني تفهمت وتقبلت ذلك باعتبار أنني أتعامل مع نص محفز ، لكاتب ينطلق من خلفية فلسفية حاكمة ومؤثرة في السباعية ككل ، فتقبلت التناول بمنطق كاتبه باعتبار أن النتائج من جنس المقدمات ، ومنذ البداية يضعنا الكاتب علي عتبة وصف لإمام مسجد هو في الأصل بشر يصيب ويخطئ ، له هفواته البشرية ، له لحظات ضعف وميل وهوى ، لذلك تقبلت هذا النموذج  البشري داخل السياق السردي مع تحفظ وحيد أنه لو كان أحمد عاطف علم جوهر وصحيح الدين الحق ما دخل هذه الدائرة الشائكة من الأساس وما أدخلنا إشكالية السؤال حوله .

** سمات الشخصية لدى أبطال السباعية القصصية **

إذا كانت الفكرة الجيدة العميقة واحدة من أجنحة نجاح العمل الأدبي بشكل عام ، والنص القصصي بشكل خاص فإن الجناح الثاني هو قدرة الكاتب على رسم شخصيات عمله من الناحية الفيزيائية والنفسية والتاريخية ، وقد نجح الكاتب في رسم شخصيات المجموعة بدرجة مدهشة ، توحي بفهمه العميق لضرورة اكساب الشخصيات أبعادهاالمتنوعة من أجل خلق نوع من التفاعل الإيجابي لدى المتلقي .

ويعد نص : شمس الدين ونحولة عبلة حزونة ماجدولين ومراقبة المهندسة ( ص37) نموذجاُ جيداًلرسم الشخصيات بأبعادها ” الفيزيائية ، النفسية ، التاريخية ” فجاءت شخصية شمس الدين واضحة الملامح علي المستوي الشكلي والنفسي والاجتماعي ،ففي (ص38) يقول : “اسمي شمس الدين ، لا علاقة البتة تجمعني بعلاء الدين صاحب المصباح المسحور، أو صلاح الدين القائد المنصور ، اسمي كما فهمت من الرواة الصادقين الذين حضروا المهد مع أبي ،جاء مصادفة قدرية حين لقبني به ، لم يقصد أى إسقاطات دينية أو سياسية ، أسكن وسط جمهور لا يعرف عني شيئاُ ، سوى أن اسمي شمس الدين ، يعرفني البقال والحلاق والسباك والنجار وصاحب الصيدلية على ناصية الشارع الذي أسكن وأشتري منهاأدوية الضغط والسكر وعلاج البواسير ، باسم شمس الدين دون وجود لاسم الأب ، لا يعرف هؤلاء أى تفاصيل أخرى عني خلاف ما أريد أن يعرفوه ، وووالخ ” ثم يعطينا شمس الدين تعريفاً مفصلاً عن ملامحه الشكلية  والنفسية والفكرية  (ص 39 ، 40 )  

  • وفي نص المداح الواحد نجح الكاتب بدرجة مدهشة في نقل الأجواء النفسية للشخصية وتحولاتها وصراعاتها الفكرية كونها شخصية “لا دينية” تتأرجح بين الدين واللادين ، ومثل الصراع النفسي ملمحاًمهماً وخطاً موازياً للأفكار الفلسفية داخل النص ، كما نجح في رسم صورة شكلية دقيقة للرجل صاحب الثياب البيضاء والعمامة السوداء بقوله في (ص11) : ” حين استيقظت ، تراءى لي مشاهد مبتورة حول رجل في ثياب بيضاء يعتمر عمامة سوداء تخفي تحتها رأساً كبيراً ، وشعراً طويلاً غزيراً يتدلى فيمس كتفيه ، ويظهر من تحت العمامة في شكل أربع ضفائر ، له جبهة عريضة مضيئة ، عينان كبيرتان شديدتا السواد ، خداد مستويان أبيضان ببعض الحمرة ، رموش طويلة ، حاجباه غزيران طويلان ، كان الرجل طويلاً دقيق الأنف ، يطلب مني في أدب جم أن أمدحه على عادة المنشدين في حلقات الذكر .”
  • كما نجح فى  رسم صورة شكلية بارعة للرجل العجوز في ثيابه الرثة المهلهلة وشعره الأشعث الأغبر
  • وفي نص المومس العفيفة (21) ظهرت قدرةالكاتب علي الوصف المكاني للمنزل ، وأجواء الريف ، والطقس الحار ، وخلق نوع من المزاوجة الجيدة بين حال الطقس غير المستقر وبين مرض شماس ، وبين حال الطقس والرغبة الأنثوية لدى بطلة النص ، كما أجاد في شرح الصفات الشكلية لبطلة النص من حيث كونها فتاة فارعة الطول ممتلئة بيضاء شديدة البياض ، ذات وجه صبوح جميل ، خدود حمراء نضرة . (ص24)
  • وفي نص الناقد الأدبي (31) يصف الناقد بأدق تفاصيله الشكلية والنفسية بقوله : ” ظهرلي من خلف نظارته السميكة الخشنة التي تغطي وجهه بالكامل إلا أسفل ذقنه المدبب الحليق ، رجل نحيف قصير يظهر إبتسامة ضيقة لا ينفرج لها فاهه” هنا نلاحظ قدرة الكاتب على الوصف الدقيق الذى وصل لأثاث المكتب ونظارة الرجل وملامح وجهه الدقيقة .
  • تعد شخصية الضابط مهران فى نص ” ذقن أبو الهول وفيلم وردة وأوهام بيكون ” من الشخصيات الحقيقية ، التي توضح تأثير الأفكار والوسط الاجتماعي والثقافي علي قناعات الفرد بل وعلي انحيازاته واختياراته في الحياة ، ففي هذه القصة ظهرت شخصية الضابط بل متناقضاتها الإنسانية ووضح من خلال المنولوج الداخي بين الضابط ونفسه تقبله لكثيرمن الأفكار التي بررت له طبيعة التصرفات داخل السجن مثال ذلك :

قول الراوي العليم  في ص 46: “تحسس مهران طريقه بثبات ، ثم هوى مرة ثانية إلى بئر ذكرياته وخياراته ونتائجها ، أمن وبشدة أن جزءًا من حياته يمضي فيه باختياره  وجزءًاآخر يسلكه دفعاً، على ما خطه له القدر دون رغبة منه وأحياناً قهراً ، مثل عمله ضابط شرطة وهو الذي كان يجهز نفسه منذ الصبا أن يصبح روائياً عظيماً  “وفي قوله ص 47:” عمل بعد التخرج في فرع الأمن الوطني ، أقنع نفسه أنها وظيفة مثل أو وظيفة ، مثله مثل الطبيب أو المهندس أو المحامي ، لهذا كانت تأوهات المعتقلين ، والسجناء السياسيين تصل إلي مسامعه دون معنى ، كان يراها جزءً طبيعياً من عملية بيروقيراطية .”

وجدت فى اختيار الكاتب لكتاب “فرانسيس بيكون”الأرغانون الجديد ، الذي يتحدث عن الأوهام الأربعة ” الجنس ، الكهف ،السوق ، المسرح” ليكون نقطة وبداية لمراجعة الضابط لنفسه اختياراً مناسباً ولاسيما أنه ركز علي وهم الكهف  الذي تتحدد فيه نظرة الفرد للأشياء باتباعه لبيئته وثقافته وظروفه الخاصة وعاداته ، أو وفق اختلاف الانطباعات التى تتركها الأشياء في الذهن ، لكن في المجمل تكشف هذه الأوهام عن ضعف بنية الإنسان والتصاقه بأكاذيبه وأوهامه لا يبرها .” في هذا المقطع تحديداً يقدم لنا الحل والمفتاح العقلي لشخصية الضابط وأن خروجه من وهم الكهف لا يتأتى إلاعبر الاستقراء الصحيح واستنطاق الواقع عبر التجربة والملاحظة ، وهذا ما حدث مع الضابط مهران فى نهاية القصة

  • أجاد الكاتب في وصفه للشاب العشريني الذي تم إعدامه ومن خلال وصفه لصفات الشاب الشكلية كأنه يرسم لوحة كل ما فيها ينطق بإدانة المسؤل عن حكم الإعدام ومن ورائه فكر مقتنع بمقولة ميكافيللي “الدولة تقتل ثم تبحث عن الحقيقة “
  • في نص ” الحمام الوحشي والإمام ” يعرض الكاتب السمات الشكلية والفكرية والطقوس الحياتية والمحطات العلمية في حياة أحمد عاطف إمام المسجد ، وكان لدقة وعرض السمات النفسية والمحيط الاجتماعي للشيخ مبررها السردي ،فهو أراد أن يمهد لإدانة رجل دين مارس شكلانية الدين وليس جوهرة و تخطى الإدانة الفردية لنفسه إلي إدانة جماعية للشعوب العربية ،حيث جاء على لسان الشيخ احمد في خطبة الجمعة ص 61:”وأنت تقرأ في تاريخ شعوب الإسلام وليس تاريخ الإسلام ، تلاحظ أن الإسلام تمت تغطيته من قبل أهل الإسلام ” ثم أضاف ” كانت فاجعتي أكبر، حين طالعت اليوم مقدمة الخطبة التي أرسلتها الأوقاف مكتوبة ، تدعوكم إلى لوم أنفسكم وتقبل الواقع ، وعدم الثورة عليه ، جر هذا علي كل الأسئلة المفخخة وووالخ .”ولا ينسى الراوي العليم أن يذكر لنا السبب الجوهري الذي غير من قناعات الشيخ أحمد دارس الفلسفة والمنطق قبل دراسته فى معهد الدعاة لا ينسي أن يمهد لهذه اليقظة الفكرية والخطبة الجريئة بالجملة الفاصلة التي سمعها من شاب عشريني بعد حوار مطول بينهما حول الخلاف بين الإمام علي ومعاوية في الفتنة الكبرى ثم رأي الإمام علي وحديثه لجنده يوم موقعة الجمل التي كان خصمه فيها السيدة عائشة ، أن دعوته لقتال أهل الشام ، اجتهاد شخصي ، يحقق الطاعة ووحدة الجماعة ، ولم يدع الإمام علي أن معه نصوصاً من الرسول عليه السلام تعزز موقفه ، ثم أنهى الشاب حواره معه بجملة تقريرية ” الجميع على خطأ”  ص 57 فكانت جملة التحول والتفكر في حقيقة وطبيعة ما يمارسه في الحياة .

** السمات الفنية للسرد القصصي **

تتميزمجموعة ” ذقن أبو الهول .. فيلم وردة وأوهام بيكون ” بمجموعة من السمات الفنية الجيدة التي زادت من جماليات السرد بها ، بالإضافة لجودة المضمون الفكري وعمق القضايا الفلسفية المطروحة بداخلها .

وتبدأ هذه السمات بالغلاف الباعث على التساؤل وهو عتبة مهمة من عتبات النص ، فالغلاف بتعدد أقفاله الصدأة ، وبابه الخشبي القديم المتهالك ، وخيط الدوبارةالرث المتدلي بجاور سلسلة حديدية غطاها الصدأ، كلها مفردات مبهمة باعثة على التساؤل ، فما الذي يمكن أن يكون وراء هذا الباب القديم من أشياء ؟! ربما تكون أشياء ثمينة ، وربما أصبحت ليست ذات قيمة من فرط ما مر عليها من زمن حتى أصبحت في طي النسيان ، والغلاف على صورته هذه يمثل علامة استفهام كبرى ، لن يجد القارئ إجابة شافية عليها إلا بعد قراءة النصوص .

  • العنوان القصة :

أول ما لفت نظري في عناوين المجموعة هو هذا الإقرار الشامل الجامع ، الذي مثل لي وثيقة تعارف فكرية وإنسانية لشخص الكاتب لما جاء فيه من إضاءات علي ماذا يحب ، وماذا يكره ؟، كما لفت نظري ختام الإقرار ص 7 الذي قال فيه : “نعم سأكتب .. عني أنا الذي المنسي ، الذي يحب ويكره ، يصيب ويخطئ ، لكنه لم ينس أبداً إنسانيته المفرطة التي أرهقها زيف الانقلابات .”

قصدت ب ” العنوان القصة ” تلك العناوين الطويلة التي استعملها الكاتب داخل المجموعة ،على غيرالمعتاد في طريقة تفضيل بعض الكتاب اختيار العنوان القصير الموحي لمضمون المتن القصصي ، ولكن مصطفى أبو حسين فضل تقديم عنوان طويل لافت باعث على التساؤل مثل عناوين : ” شمس الدين ونحولة عبلة حزونة ماجدولين ومراقبة المهندسة ” و” ذقن أبو الهول وفيلم وردة وأوهام بيكون ” لم أفضل هذا الطول كعنوان لمجموعة قصصية ، ولكن ما إن دخلت أجواء السرد القصصي الذي يتميز بالعمق والنظرة الفلسفية حتى أدركت أن العنوان هو القصة وعلي البحث داخل متن القصة عن كل اسم ورد في العنوان المطول أو العنوان القصة .

  • زمكانية الحدث :
  • اللغة والأسلوب السردي :

تميزت لغة المجموعة بالسلامة النحوية والإملائية ، وبالوضوح والسلاسة في الحوار لاسيما في مواضع الوصف المكاني والوصف النفسي للأشخاص ، كما غلب عليها الطابع التقريري في الفقرات التي التى تعرض وجهات نظر وافكار بعض الفلاسفة ، كما عبر الأسلوب اللغوي عن الثقافة الفلسفية للراوي العليم الذي كان له نصيب الأسد في السياق السردي .

  • ثنائية السرد ورمزية التضاد :

لاحظت توظيف الثنائيات داخل القصص ، وكان  لها دوراً في إظهارإما ” التضاد أو التشابه” من ناحية ، وكل من التضاد أو التشابه وظف لخدمة الفكرة الرئيسة في النص ،كما لاحظت أثر هذه الثنائية بشكل أوضح في الحضورالقوي لفكرة فلسفية ما من ناحية أخرى .

  • ففي نص ” المداح الواحد” نجد ثنائية الأب والابن ، ولكل عالمه ، الأب الذي يهوى التصوف ، ويجول الموالد وحلقات الذكروالإنشاد ، ويتغنى مع المنشدين أشعار ابن الفارض والحلاج وابن عربي ،وفي المقابل الابن غريب الأطوارالذي يعشق الفلسفة ويطلع على كتب ” سان سيمون ، وميشيل فوكو وهنري أرفون ونيتشه وهيجل ” ولم  يفكرأى منهما أن يطلع على كتب الأخر رغم اصطفافها بجوار بعضها البعض .
  • في نص”المومس العفيفة” نجد ثنائية علاقة جسد الأنثى بعقلها ، وكيف أنها عن طريق هذا الجسد تستطيع أن تكتشف حقيقة وجودها وماهيتها ، وهذه الثنائية خدمت وأثرت في السياق السردي والأحداث داخل القصة بشكل مباشر .
  •  
  • ثنائية الفهم والإفهام في قصة ” الناقد الأدبي ” حاول فيها إفهام البطل بأنه يقلد كحكد البساطي في كتاباته ، وأن هذا لا يجوز إذا أراد التميز ،ورغم فهم البطل أن هذا رأي غير صحيح ، إلا انه قرر التوقف نهائياًعن الكتابة ، وكان السؤال الذي خلفته تلك الثنائية على الأقل أمام نفسي كمتلقية للنص .. كيف نغض الطرف عن فهمنا لذواتنا ونتأثر بمحاولة إفهام الآخر لنا بما ليس فينا ؟!
  •  
  • ثنائية التشابه التي وجدها البطل فى نفسه بينه وبين استيفن بطل رواية ماجدولين لألفونس كار ، أقر أنه يشبهه في أخلاقه وإحساسه ونبله وغرابة أطواره ونظرته المتفلسفة الواسعة للعالم والحياة ، حتى البنت التي أحبها تشبه ماجدولين ، ولكن رغم هذا التشابه المذهل بعد ثلاثين عاماً يعيد قراءة ماجدولين على نسخة pdf ليكتشف ونحن معه أنه لا وجود لشبيهة ماجدولين “حبيبته” التي تزوجت بآخر في ظروف زواج مشابهة لزواج ماجدولين ، ولكنه لم ينتحب حد الموت ، بل يقر أن كل ما ذكره من سرد في قصته  “يمثل قمة العبث وعقاباً من الله أكبر من عقاب “كير كجارد” الذي ظل حبيس ذاكرته لم يتحقق حتى مات وحيداً في غربته الوجودية “.
  •  
  • الصورة السينمائية :
  • من الملامح البارزة في المجموعة قدرة الكاتب في دقة الوصف ، سواء وصفه للأماكن والأشياء ، وكذلك دقته في رسم ملامح الشخصيات  وقدرة على التصوير بالكلمة ، مما أكسب المجموعة صورة سينمائية واضحة المعالم زادت من درجة معايشة القارئ للسياق السردي .ومن الأمثلة الدالة على ذلك وصفه لحالة الإعدام ووصف السجن وتوتر الضابط مهران في تلك الليلة في ص”  49،50″في قصة ذقن أبو الهول .
  • النهايات الفارقة :

من السمات الجيدة في مجموعة مصطفى أبو حسين القصصية تلك النهايات الفارقة التي تتميز بالطابع الفلسفي ، فالنهاية لديه إما نهاية مفتوحة أو نهاية محفزة تفتح للقارئ مساحات رحبة لإعادة التفكير في الرؤية المقدمة سواؤ على مستوى الحدوتة القصصية أو على مستوى طريقة الطرح الفلسفي من الكاتب .

  • فقد ختم قصة “المداح الواحد” بقوله:” وصدقت أن ما يجري معي مفارقة ساحرة تؤكد مقولة شوبنهاور الحزينة الإرادة الفردية للإنسان لا أهمية لها ، الواقع الاعمى المحيط يحاصرها ويدمرها في نهاية المطاف ، وبالتالي فلا داعي للمقاومة وإنما ينبغي الاستسلام للمقادير ،حتى يموت الإنسان ويرتاح من هذه الحياة العبثية التي لا معنى لها ، لكن حبي لنيتشه منعني من تبني هذه المقولة أو النظر إليها بوصفها ترهات لا قيمة لها الآن ، وإن فتحت الباب على مصراعيه لتشاؤم شوبنهاور وحزنه ، ليكون رفيقي في حلقات الذكر وأنا أنشد في حب من يحبه الناس .. كعبد رباني لا يحاسب على أفعاله يقول للعامة والدهماء رفع عنه التكليف .”
  • المفارقة الغريبة فى نهاية قصة “المومس العفيفة “ص30 عندما رجعت إلى قراءة الإمضاءات على قميص نومها ، فوجدت توقيع شماس البحر الذي تعرفه موجوداً بتاريخ مقارب لواقعة الخوص ” الجسد تطهره المعرفة” .
  • ختام قصة “الناقد الأدبي  ص36 ” ختام موحي أنه أوقف حياته وعمل بنصيحة شخص اعتبره كياناً كبيراً ولكن عندما قرأ نعيه في الصحيفة الحزبية التي توزع أقل من 300 نسخة في العدد ، أدرك ونحن معه أننا من نضخم الأشخاص والكيانات وووالخ على غير الحقيقة وندفع الثمن غالياً.
  • ختام ” شمس الدين ونحولة عبلة”ص 42 ختام يحمل الكثير من المفارقات وهو من النوع الصادم للقارئ ، فبعد أن يقنعك طوال الحكي السردي بسير الأحداث والأشخاص بشكل متوازي مع أحداث وشخصيات بارزة في التاريج والأدب وووالخ ، تكتشف معه في الختام بإمضاء الواقع وليس الكاتب .
  • وتأتي نهاية قصة ” ذقن أبو الهول” ص 53 لتؤكد على قيمة كبرى وهي ” حينما نصل إلي الحقيقة فلسنا بحاجة لكي نتخفى وراء مسميات أو كيانات وهمية ” وهذاهو المدلول الذي دل عليه توقيع الضابط مهران لأول مرة علي الفيس باسمه الحقيقي وليس المزيف .
  • أما نهاية ” الحمام الوحشي والإمام” ص 63 فهي نهاية صادمة وباعثة على التفكر وإعادة النظر في رحلة حياة وتفكير هذا الشيخ الذي جهر بأرائه بشجاعة  كاملة لأول مرة في خطبته ومع ذلك انصرف من المسجد دون أن يختم الصلاة .

ملاحظات عامة :

  • السرد وهو أداة  الحركة الزمنية في الحكي ،جعلني أتعايش مع الإيقاع الزمني وكأنني داخل سرد روائي يمثل فيه الزمن علي المستوي الأفقي ( ماضي ،مستقبل) وعلي المستوي الرأسي ( التغيرات الطارئة علي القصة) ولاسيما خواتيم القصص ، جعلني أشعر أنني أتعامل مع عمل قريب إلي الروائية أكثر منه إلي القصة القصيرة ، التي أراها تقوم في الأساس علي خصوصية اللحظة الزمنية .
  • لاحظت في خواتيم القصص نوع من التخديم على ما يعتقده الكاتب أو الراوي العليم ، والانتصار لهذا المعتقد ، مثل إقراره ص20 من ( أراء ومعتقدات ) .
  • تظل الملاحظة الملفتة بالنسبة لي في أدب ” مصطفى أبو حسين ” هي قدرة مزاحمة الفكرة الفلسفية للحكاية السردية معظم الوقت ، وهذا ما يشعر القارئ بوجود عقل يتميز بالنزعة الفلسفية النقدية يزاحم الحكاية السردية ولسان حاله يقول : ” يكمن وراء كلماتي عقل حيرته الفلسفة وأضناه التفكير الناقد لمجتمع يركن في كثير من أموره الحياتية إلى العشوائية وعدم القدرة على النقد الذاتي ، وأرى في هذا الطرح داخل النصوص سلاحاً ذا حدين ، الأول : إيجابية التحفيز على التفكير والتدبر العقلي والنقد الذاتي ، والثاني : هو عدم مراعاة أن القارئ ليس بالضرورة قارئ فلسفة ولا منطق وقد لا يعنيه هذا التسلط العقلي على النص السردي بقدر ما يعنيه الحصول على المتعة الفنية للعمل الادبي ربما أكثر من الصورة الذهنية المستهدفة من الكاتب لإثارة عقل القارئ ، ولكن على كل الأحوال وعن قناعة كاملة يطيب لي أن أقول : ” إن نصوص مصطفى أبو حسين الأدبية نصوص متينة البناء وقادرة على صدمتنا وتحفيزنا على المستوى الإنساني والعقلي معًا .

2 Responses to فلسفة البحث عن الذات وإشكالية الانتماءات في نصوص مصطفي أبو حسين

  1. مصطفى ابو حسين رد

    22 يناير, 2021 at 1:51 ص

    شكرا للكاتبة و الناقدة الكبيرة عزة أبو العز على هذه الدراسة الشاملة

  2. نور الله يوسف ( مروة محمد عبد المنعم ) رد

    25 يناير, 2021 at 10:27 ص

    القلم المبدع بحجم هرم …نعم لم أخطئ..أستاذتى الفاضلة حين وصفت حضرتك بأنك( غول فى فن النقد) وهذه الصفة كانت تطلق على أساطين المسرح العربى مثل يوسف بك وهبى ونجيب الريحانى…لم أخطئ حين وصفتك بقلم شوقى ضيف الذى بعث من جديد فتجسد فى روحك …
    عزة أبو العز صاغت لنفسها نهج ومدرسة نقدية وخط لون أدبى
    خاص بها وحدها …عالم حين تدخله ..يجب أن تكون مستعد بطقوس معينة ..بنفس درجة إستعداد نفسك حين تدخل المسرح الكبير ،او حين تستمع لرائعة الأطلال من كوكب الشرق
    أم كلثوم…هكذا هى عزة ابو العز القلم …
    محظوظ حقا كل مبدع كلل مشوار حياته الأدبى، دراسة نقدية تحمل توقيع عزة أبو العز …ليس مجاملة لقلم تربطنى به
    علاقة تلمذة مستمرة ..ولا علاقة صداقة على المستوى لإنسانى
    ولكن بالفعل أجد كل مبدع محظوظ بهذا التتويج الأدبى
    دراسة نقدية فخمة ماتعة جامعة مانعة ..
    مما لاشك فيه أننى توقفت أمام كل حرف مرات ومرات
    أمام روعة التفنيد السرد ى المنطقى …سهولة السهل الممتنع
    بطريقة تجعل بالصعوبة بما كان على اى ناقد أن يكتب بعد
    دراسة عزة أبو العز …
    من عيون النقد الأدبي العربى …وأتمنى أن تتنبه كليات الأدب
    المعنية بدراسة النقد الأدبي والدراما ..لمعزوفات عزة ابو العز النقدية ..فهى أولى أن تدرس …حقيقة ..
    ما قرأته من اروع صور الابداع والتميز فى كل شئ
    برغم أن الرواية الأدبية هنا حطمت كل التابوهات الثلاث التليدة (الدين ..الجنس ..السياسية) فى مجتمعاتنا الشرقية المحافظة التى تعبر تناول هذه الأمور من الأمور الشائكة
    …ولكن من وراء هذه التابوهات
    خرج إبداع مقارن متميز …أرق التحايا والحب والإجلال لقلمك
    النابه…والكاتب المبدع ..عمل غاية فى التميز …جرئ جداً
    وأعتقد أن هذه الدراسة تحتاج كتاب …يحتضن هذا التميز

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات