الفنان التشكيلي اللبناني سمير أبي راشد … لوحته … أنفاسه

09:40 مساءً الخميس 21 يناير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سمير أبي راشد

بيروت ــــ إسماعيل فقيه :
 تتميز أعمال الفنان التشكيلي الرسام اللبناني سمير أبي راشد بخصوصيتها ومحاكاتها للزمن والواقع ، وقدرتها على التشكل وفق زمنها وصورها المفتوحة على تنوعات الشكل والمعنى. فنان تشكيلي ينتمي الى عالم خاص، عالم غريب، لا يشبه سواه. فنان “سوريالي ” ولكن بنكهة سوريالية خاصة جداً، تكاد تكون خاصة  جداً جداً ، لا تتشابه مع سواها من التجارب والأعمال. ورغم ان لوحاته تنتمي الى  هذه السوريالية التي تعمل على تحويل الواقع الى غير مستقر، الا انها بقيت محافظة على خصوصية ابتكرها الفنان منذ انطلاقته الفنية مع اللون والريشة.
 في لوحات أبي راشد مسافة مفتوحة للبصر، استطاع من خلال مدها وعرضها أن  يرسم مسافة أخرى غامضة ، بإشارات واضحة ومتناسلة ذاتها، كمن يفتح الباب ويدخل، فيجد مئات الأبواب المقفلة والتي تدعوه لفتحها. أضاءت اللوحة جوانب كثيرة من الوعي الباطني ، وكشفت قوة الفعل والخيال والموهبة المجتمعة في شخصية الفنان، فهو يذهب مع الخيال الى مناخات غريبة لا يمكن لأي انسان تخيّلها أو ابتكارها.
 استطاع سمير أبي راشد الفنان التشكيلي المخضرم لفت الانظار والأقلام الى لوحاته، وأعماله ولوحاته السوريالية المجنونة (بتعقّل) جعلت المهتم والمتابع  يعيش في حركة متواصلة، وحركية صاخبة مع ما يمكن ان يبتكره هذا الفنان من صور قديرة وصاخبة أيضاً.

اسماعيل فقيه وسمير ابي راشد


يرفض أبي راشد (تهمة) “السوريالية، ويرفض تشبيهه بأي فنان سوريالي آخر ويقول : ” ربما كنت سوريالياً ، لكنها سوريالتي الخاصة ، الخاصة جداً والمختصة بي والمختص بها فقط .أنا فنان سوريالي من نسيج ذاتي وسورياليتي تنبع من واقعي وبيئتي وأيامي، من وعيي الذي تنامى، كوردة جابهت الرياح وحافظت على عطرها وأوراقها. انها سوريالية خاصة، واذا تشابهت مع أحد ما ، فهي تتشابه معه  بالاسم فقط ، وليس بالشكل والمضمون، انما بالشكل والمضمون فالامر مختلف كلياً . إنني رسمت  وأرسم الخيال الذي أعيشه وأتحسسه وأتذوقه ، والخيال حين يكون على تماس مباشر مع الواقع، فهو حتماً يؤسس لخصوصية ومناخ ومسافات مختلفة عن السائد، مختلفة عن كل ما يحوط بواقع الفنانين الاخرين. إنه اختلاف جذري جداً، ولا مجال للمقارنة”.

لوحة لسمير ابي راشد


اتهام آخر يرفضه أبي راشد ، تشبيه لوحاته بلوحات الفنان السوريالي الاسباني سالفادور دالي، وسألته: إن لوحاتك تذكرنا بأعمال سالفادور دالي؟ فقال : ” لا يمكن للتشابه أن يحدث . ربما تأثرت وأعجبت بأعمال سلفادور دالي، ولكني لا أشبهه بشيء، وأعمالي لا تشبه أعماله ، فمن أين وكيف رأيت هذا التشابه؟ إن سورياليتي تختلف تماماً عن سوريالية دالي، هو من واقع مختلف عن واقعي، وخياله غير خيالي، أفكاره غير أفكاري، هو من عصر ومكان وزمان وأنا من عصر وزمان ومكان مختلف، فكيف يكون التشابه؟” أضاف أبي راشد كلاماً  للتوضيح والتفسير: ” أكرر القول إن التشابه مستحيل .صحيح ان لوحاتي تنتمي الى الفن السوريالي، وهذا الفن ارتبط باسم دالي، لكن الأمر غير ذلك بالنسبة إلي. ذلك أنني أنتمي الى عيني وأحاسيسي المنشغلة ببناء الخصوصية . أنا فنان يرسم الخيال بعد أن يختمر في الذهن، بعد نضوجه وانشراحه وتفوفه، وهذا الخيال مصدره الواقع والانسان والمكان والأفكار، وكل فنان ينطلق من ركيزة خاصة لا تشبه الآخر . أنا أحب أعمال سالفادور دالي كثيراً لكنني لا أقلّدها أبداً، هي تُعبّر عن عالم دالي، ولوحاتي تُعبّر عن عالمي، وبين العالمين ثمة مسافة زمنية وجغرافية وانسانية وخيالية وشاعرية وفكرية ولونية تمتد الى ما لا نهاية، الى حيث تكمن الرغبات الطافحة بالحياة والخيال والأشكال والألوان واللغة. لا يمكن للفنان الأصيل الخروج الى أماكن الإبداع الا بصحبة ذاته فقط”.

وجه لسمير ابي راشد


يرتكز الفنان أبي راشد في عمله الفني وفي لوحاته المميزة على أساس متين وقناعة راسخة في ذاته وبصره وعقله وروحه، ويقول في تفسير هذا “التشابك” الإبداعي: ” ليس للفنان سوى ذاته ، سوى معشر أحاسيسه المجبولة بصمته وصراخه .الفنان لا ينطلق الا من الحلم الى الرمز، وحين ينطلق يحمل معه كل لحظات الفعل والخيال، كل الكائنات، كل الزمان وكل المكان، وفي هذه اللحظة ـــ اللحظات، تتفجّر لحظات أخرى اسمها: لحظات الابداع المتجلية. نعم هناك، في الأعماق السحيقة في الروح والخيال ، لحظات تجل صافية لا يمكن الوصول اليها الا بوصول الإلهام معها”.
أكثرت من أسئلتي عن السوريالية، سوريالية أبي راشد، ولم يتردد وسارع للقول :” إن السوريالية فعل مؤثر متجذّر في روح البشرية. إن أول انطلاقة للانسان بدأت بالسوريالية، بالعمل السوريالي، بالنشاط السوريالي. الحياة مشهد سوريالي مفتوح الى ما لا نهاية”..


يسعى الفنان، بلوحاته وأفكاره، الى تمتين المواجهة في الحياة ، مواجهة الصعاب مهما تعاظمت : ” لا يمكن للفنان الا بناء الحلم وتزويد الواقع بابتكارات . لا حلّ وسطاً. بناء الحلم يتطلّب الجهد الكبير والأكبر لمواجهة الواقع أو الأمر الواقع، والفنان يستطيع تحقيق كل الاحلام مهما كان الواقع صعباً. الاصرار يولّد الأمل، والأمل هو ذروة النجاح، واللوحة حين تكتمل، بكل عناصرها، تتوّج صورة الأمل على مدار الوقت وحتى في اللحظات الهاربة والجاثمة في زوايا العمر او تحت خط البصر. لا بد للفنان أن ينجب عالماً داخل هذا العالم”.
أما فكرة المواجهة ،مواجهة الواقع،بما توحي بالقسوة، فهي، بالنسبة الى أبي راشد في غير هذا المنحى،إنها مواجهة مع اليأس والألم، مواجهته تعني تتويج المحبة: ” أجمل ما في التعب هو التعب نفسه  أثناء لحظة العمل والبناء .الانسان يتوهّج بالمحبة. رفض الشر يجب ان يكون بعنف وقسوة، وثمة لوحات رسمتها بهذا الدافع، وألوانها كانت مُعبّرة بامتياز عن هذا الرفض لكل أشكال الشر والارهاب والقهر والسوء الذي يطبع حياة البشرية منذ بدء التاريخ . إنني على قناعة كبيرة بقدرة المحبة على تحويل اليأس الى سعادة . نظريتي او نظرتي للواقع ليست سلبية ،بل هي قائمة على فعل يسعى الى بناء واقع جديد تترعرع فيه كل ايجابية، والمحبة بكل أشكالها وألوانها، والخير بكل تنوعاته.إن الحضارة البشرية لا تبنى الا بتوهج الحلم، بتضافر الفن في ذاته وامتزاجه مع وعي الحياة”.
المرأة حاضرة بقوة وحنان عظيم في لوحاته. للمرأة جنون الأحاسيس للفنان:  “نعم المرأة هي العالم كله . المراة هي الوعي المقدس .ثمة في كياني توق دائم للاندماج مع المرأة حتى الموت، من الموت تولد قوة الحياة. المرأة ثورة حياة مستمرة”.
وفي لوحات أبي راشد أيضاً وأيضاً عالم شامل وطبيعة صامتة وناطقة وجارية مثل مياه، ودلالات لا يمكن حصرها في اطار محدد، وثمة إحساس للمتلقّف، للمتابع والمحدق بلوحة الفنان. ثمة من يتوقف عند الموسيقى التي تشي بها هذه اللوحات، اذ يتخيل المتابع والمهتم بتفاصيل كل لوحة، صوتاً موسيقياً ينساب من الألوان والأشكال المتجسّدة داخل اللوحة، ويكاد يسمعها بعينيه. صوت الألوان صافية في الذهن والسمع.
قلتُ للفنان، لوحاتك متأثرة بالموسيقى الى حد كبير، فأجاب بدون تردّد وبسرعة فائقة : “الموسيقى عزنا وزادنا وعيشنا .أنا متأثر كلياً بالموسيقى، ولكثرة سماعي لها، لم يعد بامكاني الخروج من دائرتها وتالياً انها حاضرة داخل كل التفاصيل التي تسعى كل لوحة الى تجسيدها . كل الموجودات في هذه الحياة تتمتع بلغة مشتركة مع سواها، واللوحة والموسيقى تجمعهما لغة مشتركة ونبض حيّ وايقاع جاذب لا يمكن الموسيقى تجاوزه كما لا يمكن الفنان تجاوزه والقفز فوق مسافاته الشاسعة. ربما كانت الموسيقى من أساسيات  الشكل المحسوس والمسموع ، بل هي كذلك تماماً “.
 المفارقة الأجمل في مسيرة الفنان أن كل الفنون تحرضه على الرسم والابتكار :”حين اقرأ قصيدة تعجبني أرسم، وحين أسمع موسيقى راقية أرسم، وحين أرى إيقاع الحياة وأسمعه، بكل أشكاله وألوانه أرسم، الرسم هو فعل حياة بامتياز. اللوحة هي محيط العالم، وهي الخط المفتوح  مثل خطوط العرض وخطوط الطول”.
ـــ في لوحاتك قوة رفض هائلة وفعل ابتكار وقوة حياة ورموز هائلة.. ولكن رغم كل هذا ثمة اشارات ودلالات ترسم قوة الحزن؟

ــــــــــــ أجاب: ” نعم . الحزن يحضر ، يحضر كثيراً .هذا صحيح، في لوحاتي ألم وحزن وقهر، وكل هذا نابع من تأثير فعل الواقع المعاش والمحسوس في شخصيتي وأيامي. لكنه حزن قابل للصرف إبداعياً”.
ـــ والفرح في حياتك؟
ـــــــــــــ ” ربما كان الحزن هو مسافة المتعة التي توصلني الى الفرح. الفرح حاضر بقوة اللون في لوحتي”.

ـــ متى وكيف ترسم؟ ــــــــــــ “أرسم كل يوم. كل لحظة. أدون اللون والشكل بشكل دائم. ربما طقوس الرسم في حياتي تشبه أنفاسي، فإذا توقفت ألواني ، توقفت أنفاسي”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات