مايا فارس … فنانة رسامة تأتي على متن اللون.. والوردة

09:25 صباحًا الأربعاء 27 يناير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بيروت ــ إسماعيل فقيه :

رسالة بيروت: إسماعيل فقيه


تحاول الفنانة التشكيلية مايا فارس راسم مشهد الحياة من خلال اللون المفتوح، تحضر بصمت في المساحة الفنية. وأعمالها ولوحاتها أبلغ تعبير ودلالة على هذا الحضور الهاديء ــ الصامت. وكأنها اختارت الصراخ والضجيج اللوني وراء أسوار الصمت وداخل الإطار، لتقول وتتمكّن من القول والإعتراف بكل ما يجول ويجيش في داخلها وفي أعماق أفكارها. ترسم بالريشة،وألوان الوردة ومشتقاتها لا تفارق اطار لوحتها.تستحضرالمكان والشكل القائل بحيوية الانسان. يتجلّى اللون في لوحتها وفي أعماق اللون نفسه،حيث مرآة أحاسيسها تعكس مشاهد الأمل والبهجة والإشراقة المستمرة . فكلما رسمت تستحضر الأحباء والأمكنة وناسها وورودها وحتى عطرها. وفي معرضها الأخير قدمت جديداً يحاكي تفاصيل الحياة ورهافتها. وتتحدث عن اللون واللوحة والتجربة . فبماذا تبوح الفنانة القادمة على متن الوردة وألوانها؟


ــــ لوحتك تحمل الكثير من صور الصمت، أو صور الحب الذي يغمركِ، الى أي مدى أخذتك هذه العلاقة مع اللون ؟


ــــــــــــ من الطبيعي جداً أن يكون الحب هو محور الكلام والحياة ، وكذلك الجمال هو أساس هذا الحب. وللتعبير عن هذا الحب لا بد من لغة تعبيرية، لغة صافية بامتياز، يمكننا من خلالها البوح أكثر بطلاقة وحرية. واللون هنا هو أساس هذه اللغة التي نكتبها بالريشة. لقد بدأت الحياة من الصمت، ومن ثم جاءت الحركة التي عرّفتنا على معنى الصمت، ولولا الصمت لما عرفنا الضجة والنشاط. والحب الذي غمرني حقاً، كما تقول، هو حركة حياة تتحرك في أروقة أيامي وعمري، وقد تعرّفت جيداً، على الحب والجمال من خلال هذا الصمت ــ الذي رسمته وجسدته باللون والشكل.هذا الصمت قد يكون هو الحب الذي يشدني ويرفع منسوب الحياة في مساحة عمري، ولكنه صمت مفتوح، وله مداخل ومخارج كثيرة، استطعت من خلالها الدخول والخروج الى حيث يجب أو لا يجب.


ــــ هل كانت لوحتك كافية لرسم خارطة وحدود هذا الصمت الذي لا يخفي وعياً في داخلكِ، كأنه الوعي المجنون بما يمثل من ألوان وصور وشرح لتعب في حياتك؟


ـــــــــــــ صحيح هذا الكلام . ثمة لغة دفينة في داخلي هي الأساس الذي تختزن فيه صورة الوعي الصافي للحياة والإنسان . وهذا البوح التشكيلي الذي دخلت إليه ودخل الى أعماق روحي، هو الخارطة غير المحدودة ، وربما غير المحدّدة التي أحاول رسمها بالأشكال والحروف الملونة.. نعم سيدي، إنه وعي مجنون يأخذني الى مسافات ومساحات كثيرة وكثيفة وغريبة وغرائبية. وعي صارخ يفتح باب الحياة على مداه، حيث تخرج الأسئلة بكثافة، تخرج الأسئلة الصعبة والقلق الأصعب. واذا كان لا بد من أجوبة لهذه الأسئلة ، فلا سبيل الى ذلك الا بالصورة الناطقة، واللوحة وأشكالها والوانها هي كل هذا البوح، الذي لا يستقيم الا في اطار جامع، وهو اطار اللوحة التي أرسمها وترسمني، أكتبها وتكتبني.


ـــــ لماذا اختارت مايا هذا الشكل من البوح في أعمالها أقصد هل كانت اللوحة، لوحتك كافية، بما تختزن من بوح واعترافات، لتحقيق رغبتك بالتعبير الذي قد يساعدك على الطمأنينة؟


ـــــــــــ البوح الذي اخترته ربما هو الذي اختارني وشدّني الى هذا الشكل من الكلام المرسوم ومن هذا التعبير الملون. فقد كان لزاماً على ريشتي أن تتبع إحساسي وشعوري، وحين راقبت جيداً سير هذا الوعي المكتوب والمرسوم في داخلي، اكتشفت أنني أسيرة البوح، أسيرة الشكل والأشكال والألوان التي لا تكتمل الا بلمسة حب. وفي نهاية المطاف، أو في نهاية هذا الوعي، أكتشفت أيضاً أنني امرأة تعيش بأمر أو بوحي من الريشة وألوانها، فامتشقتها وبدأت بالرسم الصامت، المكتوب والمدون على الورق. وكذلك أيضاً وأيضاً ، التقيت، وربما ،عثرت على طمأنينة ساعدتني على استكمال الشكل بكلام وألوان وتعابير أبعد وأكبر وأكثر.
بكل بساطة ، يمكنني القول إن الرسم والتعبير عن الحالة التي أعيشها وتعيشني، وضخّها أو قولبتها في سياق لوني تشكيلي ساعدني على طمأنة نفسي القلقة .


ـــــ كأنك تقولين بأن اللوحة أو الريشة بالنسبة لك هي الملاذ من التعب، وهي الحرية أو التحرر من قيود القلق التي تكبّلك؟


ــــــــــــ بالتأكيد الرسم بالنسبة لي هو الملاذ وهو الحرية التي أسعى إليها. وبالنسبة لي ،الفن هو الحرية وهو السعادة التي تجعلني أعيش في مساحة عيش كريمة ومتجلية. وكما قيل بأن اللوحة هي الوطن الحقيقي للرسام، فإنني بالتأكيد أعيش هذا الشعور وهذا الإحساس بشكل دائم. وأعتقد أن الرسم، كتابة ورسم اللوحة التي دخلت الى عالمها ، هي لغتي الأصح والصحيحة، وأجد فيها كل ما هو غائب عني وكل ما هو ضائع، ربما. لذلك يمكنني القول،وبكل ثقة، إن لوحتي رسمت لي شخصيتي الحقيقية دون زوائد ودون رتوش. لوحتي ساهمت في بلورة شخصيتي وأعطتني حرية وجرأة في التعبير، فليس لأي إنسان القدرة على البوح والإعتراف والمجاهرة بما يشعر ويحس، أما بالنسبة لي فقد وجدت في لوحتي كل هذا البوح الذي ساهم جلياً في شد الثقة حول حياتي، وجعلتني أنتقل الى حيز واسع في الوعي والتعبير والحرية.


ــــ كيف تبلورت فكرة وممارسة فن الرسم في حياتك؟


ــــــــــــــ تقول إحدى النظريات الأدبية والفكرية: المضمون هو كثافة الأشكال. وبالنسبة لي، فقد بدأت حياتي وتطورت عبر مراحل وأشكال، وكنت وما زلت أسعى لجمع هذه الأشكال في إطار جامع. ولم أكن أدري أن شكل اللوحة وألوانها هي هذا المضمون الذي يجعلني أرتاح وأطمئن، إلّا عندما أنجزت لوحتي . فبعدما كتبت ورسمت وأنجزت اللوحة شعرت أنني جمعت كل هذه المراحل التي مرت في حياتي وكل هذه الأشكال التي رسمت ولوّنت وغبّرت حياتي، شعرت أنني حققت إطاراً يمكنني العيش في داخله ، وهكذا كان وهكذا سيكون لما تبقى لي من العمر.


ـــــ هل يعني أنك ستتفرغين للرسم في مدى حياتك القادمة؟


ـــــــــــــــ نعم . ولكن لا بد من القول بأن تفرّغي للرسم ليس قراراً اتخذته بقدر ما هو واقع عيش يمرّ في أيامي. لقد رسمت وأشعر بأن الرسم هو وخز في كياني لا يسمح لي الّا بالرّكون الى التعبير الملون، الى اللوحة البيضاء والريشة العذراء، والسهر مع الكلمات والأشكال التي يمكن أن تكون أداة وصل واتصال مع الحياة وتخومها، مهما ابتعدت عن الناس والمكان.


ـــــ تقولين اللوحة البيضاء والريشة العذراء، كأنك تتحدثين عن ابتكار ما بعده ابتكار، هل الرسم بالريشة العذراء على اللوحة البيضاء هو الأسلم ويساعدك على ابتكار الأشكال الإبداعية؟


ــــــــــــــــــــــ انني ، كفنانة ورسامة ، أعيش على متن حياة اسمها الوردة. أرسم الوردة. أكتب الوردة. أحمل عطر الوردة وأجسدها داخل الشكل واللون. وحين تمتد اللوحة البيضاء أمام ناظري، تلوح في مخيلتي وفي يدي الريشة العذراء. وتبدأ الحكاية واللون والصورة الصافية التي تعكس مساحة الحياة الصاخبة، المساحة الجميلة التي نأتي اليها في هذه الحياة، كما تاتي الى عيوننا الألوان والأشكال.
أشعر بقوة خارقة في داخلي تخولني الوصول الى حيث أريد،واللوحة هي كل وعماد هذه القوة ، وهي الأمل الأكبر في حياتي.

One Response to مايا فارس … فنانة رسامة تأتي على متن اللون.. والوردة

  1. محمد درويش رد

    1 فبراير, 2021 at 3:02 م

    حوار غني عميق مع الفنانة الكبيرة مايا فارس اجراه الكبير اسماعيل فقيه الشاعر المحاور والاديب البارع اعاد الى الاذهان صورة الفنانة التي تشع بالابداع والجمال والثقافة والحيوية

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات