زاوية الشيخ … د. حاتم رضوان، أسباب الترقي والوصول .. و”منارة” الغواية

07:51 مساءً الإثنين 1 فبراير 2021
طارق عبد الوهاب جادو

طارق عبد الوهاب جادو

كاتب من مصر، له مؤلفات في السرد والنقد

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الكاتب والرواية في دار النشر

لطالما كان د. حاتم رضوان قاصا ً وروائيا ً يبحث في أعماله عن العلاقات الخفية بين الزمان والمكان والشخوص، يرصدها ويسجلها و يضفرها بمهارة فائقة لكي تتشكل من خلالها أركان بنائه القصصي والروائي، تجد ذلك جليا ً في مجموعته القصصية الأولى وهي باكورة أعماله ” اللعب تحت المطر “، يتأكد لك تمسكه بهذا النهج في روايته التالية  ” طرح النهر “، ثم يصبح الأمر يقينا لا لبس فيه حين تقرأ روايته قبل الأخيرة ” بقع زرقاء “، حيث تتجلى العلاقة ثلاثية الأبعاد بين مكان وزمان وشخوص الرواية، بل يتعدى الأمر ذلك إلى الارتحال بالقاريء إلى الحدود الفاصلة بين تلك التشابكات، فتعيش الحلم والواقع، الحياة والموت، الحضور والغياب، في آن واحد .

إلا أن ” حاتم رضوان ” آثر أن تكون روايته الجديدة ” زاوية الشيخ ” نقلة نوعية أخرى، يطرق من خلالها سبلا ًجديدة للحكي والسرد، يخرج من خلالها عن إطاره القديم ويقتحم بها عوالم أخرى لم يجرؤ الكثيرون على الاقتراب منها، وتناولها من كل الزوايا الممكنة. إن عالم الصوفية هو بلا شك أحد تلك العوالم الساحرة، الغامضة، والتي يمكن أن يجد من خلالها الروائي صاحب الفكرة والرسالة ضالته المنشودة ، إذ تتسع فيها الآفاق للكثير والكثير من الآراء والرؤى والصور. ولقد طرح لنا د. حاتم في هذه الرواية قضية التناقض الغريب بين هذا العالم قديما ً وحديثا ً ، بكل ما اعترى ذلك من تغيرات ودلالات وتأثيرات في المجتمع، من بحث حثيث عن أسباب والوصول والترقي في العلاقة مع الله، وانتهاءا ً بهذا الاستغلال المؤسف للطريقة والمريدين لها من قبل ” الشيخ ” صاحب الطريقة وإمامها. إن هذا التناول المحفوف بالمخاطر قد جعل منه الكاتب والروائي خيطا يربط أحداث روايته من خلال ثلاثة حكايات ومستويات للسرد، ابتدأها من حيث تنتهي زمانا حين برزت في افتتاحية الرواية قصة ” علي الشريف ” الشيخ المعاصر، الفتى الجامعي، الباحث عن حقيقة التصوف، ولكن بشكل يحقق له ما يتعدى مراتب الوصال مع الله إلى أسباب الوصول إلى الثراء والتمكن والسلطة الدنيوية البحتة. حين نجده ينتقل من مستوى الاستماع والاتباع لشيخه ” صفوان الفاسي ” إلى مرتبة الابتداع وتكوين الطريقة الخاصة به بكل ملامحها الحداثية وما يرتبط بها من عناصر تقنية حديثة كاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت في نشر منهجه وطريقته التي تظهر عكس ما تبطن، وتخفي عن المريد حقيقتها التي تخالف اعتقاده.

يتقاطع مع هذا السرد لقصة ” علي الشريف ” التنقل عبر الزمان والمكان إلى المستوى الثاني في أقصى الغرب، ” فاس ” حيث الشيخ ” صفوان ” الذي يتلقى بالتبعية تعاليمه من أحد شيوخ التصوف المغاربة، ومن ثم يحمل أحلامه وطموحاته مسافرا ً بها عبر الصحراء في شمال إفريقيا، صوب الشرق حيث منتهى الطموح للراغبين في التقرب من آل البيت، والباحثين عن مهد العبادة الحقة والتصوف الحق، مصر، وقاهرة المعز، حي الحسين، مسجده والمقام، وكل ما تحمله تلك الأماكن من عبق التاريخ وعظمته ووعوده. وفي الوقت الذي تلتحم فيه حكاية الشيخ “صفوان ” مع العديد من المشاهدات والمكاشفات التي تتراوح بين الهداية والغواية، نجد الراوي يستقر بنا إلى المستوى الأخير من الحكاية، قصة ” سالمة ” وعلاقتها بعلي الشريف، وكذا التقاء ” زهرة ” الفتاة الباحثة عن الحلول ومرافي الخروج من أزماتها العاطفية والإنسانية مع ذات الشيخ الذي أسس لنفسه زاويته الخاصة وأسماها ” المنارة ” ليرتقي من خلالها إلى ما يصبو إليه من أهداف، تتعدى كما ذكرنا سابقا ً أسباب الوصال مع الله إلى الوصول إلى السلطة والثراء وإشباع الرغبات الدنيوية في أقصى أشكالها قبحا ً وجموحا ً.

يسرد لنا د. حاتم رضوان في روايته بأسلوبه المتجدد كيف يمكن أن تتحول الشخصيات من الخجل إلى الجراءة ، كما هو الحال مع ” علي الشريف “، ومن الضعف والاستسلام إلى المقاومة والقوة كما هو الحال مع ” زهرة ” التي قاومت في النهاية غواية الشيخ المزيف ، وخرجت من قصره المدجج بالحراسات والأسوار إلى فضاء التحرر والانضمام إلى المجموع الثائر الباحث عن إسقاط منارة الهداية الزائفة. كان حاتم رضوان مجيدا ً في اختياره لأسلوب الحكي المتقاطع ، الذي يتلاعب بالازمنة والأمكنة ، فالأمر يتسق وما في الأحداث من تلاعب بالشخصيات، ترفعها الأقدار حينا ً وتحطها في آخر، تهزمها في جولة’ وتذعن لها في الأخرى، الأمر الذي يجد من خلاله القاريء ضالته في حكاية مشوقة، لا يجهده البحث عما وراءها من دلالات ، وما تثيره من تساؤلات، والأمر بتلك الصورة يتخطى ذلك النمط التقليدي لأسوب ” الفلاشباك ” المعتاد ، ويعتمد التقنية الأخرى للسرد البندولي الذي يتأرجح بين الماضي والحاضر، وتناوب الشخصيات للظهور في الأزمنة المختلفة والأمكنة المتعددة . أما عن اللغة فهي بالتأكيد لا تقل في عذوبتها ورصانتها عما اعتدناه في أعمال ” حاتم رضوان ” السابقة ، بل إنها إذ تعبر عن هذا العالم الصوفي الساحر المليء بالخيالات والرؤى نجدها تمنحنا ذلك العبق فتكاد الجمل تحمل دخان البخور بين كلماتها، وتبعث على الخدر اللذيذ لدى القاريء، كمن يتطوح في حلقة ذكر، يترقى معها إلى مستويات عليا من الجمال و الوصال مع الأحداث والشخصيات والصور.

إن” زاوية الشيخ ” لحاتم رضوان هي زاوية جديدة للرؤية ، ننظر من خلالها إلى عالم الصوفية ومجتمع اختلفت فيه التوجهات وأضحت فيه ” المنارة ” التي من المفترض أن تكون سبيلا ً للهداية وسيلة للضلال والغواية، وفخا ً يتصيد من خلاله صاحب البناء ضحاياه، ممن يبحث كما قلت عن مرفأ للخروج من الأزمات بكل صنوفها، العاطفية، والدينية، بل والسياسية. زمان قد أظلنا بكل أشكال التغييب والترهيب والخداع، من متاهة الشبكة العنكبوتية، إلى استغلال الضعف الإنساني، ومحاولة الوصول على أجساد الضعفاء إلى أقصى ما يتأمله الغاوون من تسلط و ثراء و تمكين. لعل هذه الرواية التي أبدعها لنا د. حاتم رضوان تكون مفتتحا ً لفيض جديد من إبداعاته، التي اتسمت بالقوة في بدايتها، ثم خفتت قليلا ً مع اختفائه المؤقت عن الساحة الأدبية، حتى يعود إلى مكانه ومكانته الطبيعية بين أفضل الروائيين والحكائين في مصر والوطن العربي الكبير .

                                        طارق عبد الوهاب جادو

                                          بنها – فبراير 2021

3 Responses to زاوية الشيخ … د. حاتم رضوان، أسباب الترقي والوصول .. و”منارة” الغواية

  1. الكاتب الأديب جمال بركات رد

    25 ديسمبر, 2021 at 12:11 ص

    أحبائي….
    أبنائي وبناتي…
    الزميل الصديق الكاتب الكبير الدكتور حاتم رضوان..
    كعادته في إبداعه المتميز يتناول مسألة حياتية شائكة…
    ومسألة التصوف وسلوك بعض المنتمين للصوفية من الأمور المربكة…
    أحبائي…..
    دعوة محبة….
    أدعو سيادتكم إلى حسن التعليق وآدابه…واحترام البعض للبعض…..
    ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض….
    نشر هذه الثقافة بين كافة البشر هو على الأسوياء الأنقياء واجب وفرض….
    جمال بركات….رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة

    • جينا جرجيوس رد

      4 أغسطس, 2022 at 12:29 ص

      أبونا الروحي الحبيب الطيب النقي ناشر ثقافة المحبة والخير والجمال والتسامح والعطاء الأديب الكبير المعلم عميد الأدباء
      أسمع كثيرا عن التصوف الزائف الذي يبتعد عن الدين إلى خرافات وخزعبلات
      وحقيقة كلماتك البسيطة دائما تخاطب القلب والعقل
      حفظك الرب ورعاك

  2. د عواطف الكيلاني رد

    6 يوليو, 2022 at 9:26 ص

    والدنا الروحي التقي النقي رمز الصفاء والنقاء والعطاء بدون حدود وبدون أي مقابل الأديب الكبير عميد الأدباء جمال بركات
    نعم بالفعل هذه الرواية شائكة ومربكة وتلفت نظرنا إلى خلل مجتمعي جسيم
    وأنت دائما تتابع وتراعي أدباء الزمن الجميل ومنهم الدكتور حاتم رضوان
    حفظ الله لمحبيك وتلامذتك

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات