الشاعرة الأديبة اللبنانية ماري قصيفي تكتب لتفتح باب الكون

08:23 صباحًا الثلاثاء 9 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ماري قصيفي
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

بيروت-إسماعيل فقيه:
كاتبة شاعرة وأديبة شابة لبنانية الجذور والحضور، ماري قصيفي، تكتب الشعر والرواية والنثر اللذيذ.وتأخذ الكتابة والكتب كل وقتها وعمرها رغم انها مقلة باصدار الكتب.لكنها لا تترك القلم من يدها،تداوم بين الكلمات. سألتها السؤال التقليدي:
(ما رأيك بالكتابة ولماذا تكتبين وما هو رأيك بالحب؟)..جاوبت وأصغيت الى جوابها ، فقالت:
-الكتابة، وأقصد هنا الإبداعيّة في طبيعة الحال، محاولة تنفّس، رغبة في تكوين العالم بشكل آخر يختلف من كاتب إلى آخر، صرخة تنتظر كي تسمع صداها، سعي لإيجاد مخاطَب فلا نبقى في عزلة (هذا ما فعلته مثلا في مراهقتي حين كتبت رواية أغريت بها فتيات الحي بالبقاء معي في خلال عمليّة جراحية جعلتني أقبع طويلا في الفراش، فكنت أقرأ عليهنّ كل يوم فصلًا).

قد تكون الكتابة كل هذا وأكثر، لكني لم أعد أؤمن بأنّها تغيّر العالم نحو الأفضل. لو كانت الكتابة قادرة على حلّ مشكلات المجتمع لكانت كتب الأديان فعلت ذلك، فضلًا عمّا لا يحصى من الكتب في الفكر والفلسفة والشعر والرواية والمسرح. كنت لبعض الوقت أظنّ أنّ الكتابة تغيّر الكاتب نفسه، لكني مع الأسف اكتشفت أن الكتب أجمل من كاتبيها، والشعر أنقى من الشعراء، والرواية تتّسع لعشرات الشخصيّات لكن قلب الروائيّ لا يتّسع لروائيّ آخر.
كنت أظنّ أنّ الكتابة رسالة راقية، لذلك تأخّرت في النشر، وحين بدأت في الصحف كتبت باسم مستعار. كنت أقول ومن أنا لأضع اسمي إلى جانب هؤلاء الذين صنعوا مجد الكتابة. لكنّي مع الوقت، وربّما مع انتشار وسائل النشر عبر مواقع التواصل، بتّ أخشى على تاريخ الكتابة أن يكون انتقالًا من رسالة راقية إلى عمل ورقيّ لتنتهي جارية في سوق الرقّ، حيث يمتلكها من يملك هاتفًا ذكيًّا.

ومع ذلك، ما زلت حتى الآن أكتب، ربّما في زمن الكورونا، ازدادات حاجتي إلى التنفّس، لكنّي أخشى أن أكون كمن يضع آلة أوكسجين في حين أحلم بالتنزّه في الحقول لأملأ رئتيّ بالهواء الطبيعيّ. لكن يبدو أن لا شيء سيبقى طبيعيًّا بعد الكورونا. ولن تستطيع الكتابة الآن أن تستوعب هذا الكم من المعلومات العلميّة والمشاعر الإنسانيّة، لتنتج أدبًا رصينًا رائيًا مبشرًا بخلاص ما.
لا أعرف إلى متى ستصمد الكتابة اليوم أمام فيض التسجيلات والفيديوهات والتلفزيونات، صار الحكي أسهل، حتى أنا بدأت بسلسلة تسجيلات صوتية، أحكي فيها مع نفسي أوّلًا، قبل أن أنشرها. لكني أعترف بأنني أكتبها أوّلًا، أي أنني لم أستطع بعد، وأنا التي أمضيت عمري في التعليم، ولا يعيقني الكلام الشفوي عن التعبير، أن أتخطّى نفسي ككاتبة قبل أن أنقل النص بصوتي. لكن سواي من غير الكتّاب بات بارعًا في ذلك ويحصد آلاف المتابعين، فهل نحن أمام نقلة من الفصحى إلى المحكية، ولا أقصد هنا الشعر بالمحكية اللبنانية، ولكن المحكية اليومية التي تكاد تصير لغة الإعلام والتعبير، مع تدهور مستوى اللغة العربيّة في المدارس.

إذًا، حين أطرح على نفسي هذه التساؤلات، أجد أنّني أربط الكتابة بحالة عامّة تختلط فيها جملة أمور كالواقع الاجتماعيّ المتردّي، والوضع النفسيّ المنهار، والحالة الاقتصاديّة المتدهورة، والهجرة والفساد وسواها من الأمور، التي تجعلني أتساءل عن مأزق الكاتب، وهو لا يكاد يبدأ بكتابة نصّ حتّى يجد أن أمورًا ما قد استجدّت وجعلت نصّه من عصر مضى. هنا أجد أن العودة إلى الداخل هي الحلّ. فليست المرّة الأولى التي يواجه فيها العالم أوبئة وحروبًا ومشكلات، لكن سرعة معرفتنا بها، وعدم قدرتنا على هضمها إن جاز التعبير هي المشكلة.
لذلك، الكتابة مدعوة إلى الحديث عن الألم والفقر لا عن متألّم ما أو فقير ما كما تفعل وسائل الإعلام التي تريد أن تحقّق سبقًا صحافيًّا. والكتابة مدعوة كذلك إلى الكتابة عن القيم لا عن الفضائح، عن الحبّ لا عن الحرب، عن الوطن لا عن تاريخ المجازر. ولعلّنا ككتّاب مدعوون إلى عدم نقل تجربة السرعة في النشر من مواقع التواصل إلى الكتب. أذكر في هذا السياق كم كنّا نكتب ونمزّق الأوراق، ونعيد الكتابة عشرات المرات قبل أن نجرؤ على إرسال نصّ إلى الصحيفة. الآن، نكتب انفعالات قد يكون بعضها أدبًا يبقى ويستمرّ، لكنّ أكثره قد يكون موضة تنتهي مع انتهاء الموسم.

ومع وعيي التام لخطورة وسائل التواصل على الكتابة، أجدها فسحة تعبير في غياب الصحف والمجلّات، التي ما عادت تحتمل هذا العدد من الأدباء الذين يرغبون في النشر، وحين يكون النشر بلا مقابل ماديّ، تصير منصّات التواصل والمدوّنات هي الحلّ الذي يعطي الكاتب حريّة في اختيار موضوعاته وتوقيت نشرها.
تسألني عن الحب؟ أين هو؟ وهل نحن شعب يعرف كيف يحبّ ويعترف بمن يحبّ؟ أميل إلى التأكيد على أنّنا، وعلى عكس كلّ ما يقال وتتمّ الدعوة إليه، لسنا في حاجة إلى ثورة جنسيّة تحلّ عقدنا النفسيّة والاجتماعيّة وتخفّف من الغضب والكبت والعنف الأسري. ففي رأيي الجنس موجود ومتاح ومباح، في الواقع وفي الافتراض، لكن ما لم نتعلّمه وما لم نطالب به هو الحبّ. الحبّ الذي لا يشيطن الجنس طبعًا ولا يدنّس الجسد، لكنّه يسمو بالجنس إلى مستوى الفكر والشعر والفنّ والموسيقى، ويكون الجسد صفحة الكتابة وآلة العزف ومادة النحت وقماشة الرسم. من هنا سؤالي في المقابل من هم الشعراء الذين نعرف قصص حبّهم وعشقهم: من عشق فلان؟ ومن أحبّت فلانة؟ نعرف بعض الفضائح من خلال بعض الرسائل، ولكن أين قصص الحب التي يمكن أن نكتب عنها رواية تكون مدرسة في الحبّ والأدب؟
عن هذا الحبّ كتبت وبحثت، ولن يمنعني العمر عن ذلك. فالحبّ كصوت فيروز حين تسمعه لا تذكر عمر صاحبته.

2 Responses to الشاعرة الأديبة اللبنانية ماري قصيفي تكتب لتفتح باب الكون

  1. زياد كاج رد

    9 فبراير, 2021 at 11:08 ص

    احببت للكاتبة رواية للجبل عندنا خمسة فصول…روائية جريئة وصادقة ولا تنحاز

  2. محمد درويش رد

    10 فبراير, 2021 at 2:12 م

    الأديبة اللبنانية ماري قصيفي ممتازة في اسلوبها وحضورها الثقافي المبدع والمضيء كما ان الشاعر المعروف الكاتب المثقف اسماعيل فقيه نجح الى حجد كبير في سرد رأيها وحياتها الحافلة بالأدب والعطاء الفكري والوجداني …انها كاتبة ملتزمة انسانة وعمق وتنوع وثقافة وحضور وشهرة وجمال …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات