الفنانة المطربة العالية سلوى القطريب … صوت الزمان والحنان والإنسان

08:07 صباحًا السبت 13 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

بيروت-اسماعيل فقيه:
سيدة في الغياب والحضور. على المسرح وفي الحياة، امتلكت رهافة الصوت وبهاء الإطلالة وعبقرية الموهبة. عملت بمحبة كبيرة لفنها وعائلتها ووطنها.
الساحة الفنية والجماهير اللبنانية والعربية تشهد لها ولحضورها العذب.
سلوى القطريب أو «ماي فير ليدي» (My Fair Lady) كما لقّبت، رحلت قبل الأوان بكثير، تاركة الكثير من الحب، وارثاً من النغم والألحان العظيمة. 
في المينا – طرابلس شمال لبنان، ولدت سلوى القطريب (في 17 أيلول 1950)، وهي من أصل كوراني من بلدة بترومين – قضاء الكورة.
والدها عازف العود القدير ومغني الموشحات صليبا القطريب، الذي تعاون مع كبار الملحنين أمثال محمد عبد الوهاب، والشيخ زكريا أحمد وكل من عزف على العود في الثلاثينيات.
والدتها السيدة فدوى حيدر، ربّة منزل ربّت عائلتها على الطموح والعلم، وهي الطفلة السابعة بين خمس شقيقات وثلاثة أشقاء.
تلقت علومها الابتدائية ولغاية الثانوية في مدرسة زهرة الإحسان في منطقة الأشرفية، التي إنتقل إليها الوالد بحكم ظروف عمله وتنقلاته الفنية.
حبها للرياضة استحوذ على وقتها وشغلها عن متابعة دراستها الجامعية. كانت رياضية من الطراز الأول.
امتلكت سلوى القطريب صوتاً جميلاً رخامياً، قوياً وفريداً من نوعه. وقد تأثرت منذ يناعة أظافرها بوالدها، الذي لقّنها أصول الغناء. كانت تغني في الحفلات العائلية، فهي نشأت في منزل كل من فيه يعشق الطرب والغناء ويتمتّع بالصوت الجميل.


لعبت الصدفة دوراً كبيراً في حياة سلوى القطريب، حين التقت المخرج المسرحي والمؤلف الموسيقي روميو لحود، الذي كان خطيب شقيقتها الكسندرا، ويبحث عن صوت جميل لمسرحيته. بخجل أسمعته مقطعاً، فأعجب بصوتها المميز القوي المشبع طرباً، وبشكلها الجميل وطلّتها البهية. وهكذا في عمر العشرين، بدأ مشوارها الفني، وتألقت متنقّلة من قمة إلى أخرى.
تمكّنت من فرض موهبتها في زمن نهضة الأغنية في لبنان والبلاد العربية، فبرز إسمها في زمن الكبار، وبموهبتها وظرافة الشخصيات التي جسّدتها في المسرح الاستعراضي، استحقت بجدارة لقب «سيدة المسرح».
إعتباراً من العام 1974 شكّلت مع روميو لحود ثنائياً فنياً، قدّم أعمالاً مميزة في الغناء والمسرح.
أدّت سلوى القطريب أدوار البطولة في مسرحيات روميو لحود إلى جانب نخبة من الفنانين الكبار ومنهم: انطوان كرباج، ملحم بركات، إيلي شويري، عبدو ياغي، طوني حنا، غسان صليبا وعصام رجّي، كما تعاملت مع كبار الملحنين ومن بينهم زكي ناصيف، وإيلي الشويري والياس الرحباني.
قدّمت سلوى القطريب 11 عملاً مسرحياً أولها، «سنغف سنغف» (1974)، الذي عرض على مسرح الإليزيه، وكرّت بعده سبحة الأعمال. فمن «بنت الجبل» (1977)، إلى «زمرّد» (1978) و«أوكسيجين» (1979)، ذاع صيت النجمة الاستعراضية في لبنان، فعرض عليها تلفزيون لبنان المشاركة في مسلسل «شهرزاد»، الذي كان محطة هامة في مسيرتها الفنية، وقد عُرفت من خلاله في الأقطار العربية كافة.
بعد ذلك تتالت العروض على النجمة الكبيرة.


سجّل العام 1987 حدثاً بارزاً في حياة سلوى القطريب، حيث تألقت بإطلالتها المميزة في مهرجانات جرش، ومنحت جائزة تقدير بإسم المهرجان.
العام 1996 شاركت في مهرجان «الأغنية العربية» الذي أقيم في أبو ظبي بمشاركة العديد من المطربين والمطربات العرب، (ماجدة الرومي، وردة الجزائرية، سميرة سعيد وذكرى الخ…)، وتخلّل المهرجان مسابقة أفضل مطرب وأفضل أغنية عربية، فحازت سلوى القطريب جائزة «الصقر الذهبي» كأفضل مغنية ولأفضل أغنية («ذكريات» من ألحان روميو لحود). أما ظهورها المسرحي الأخير، فكان في مهرجانات بيبلوس العام 1998، حيث قدّمت مسرحية «ياسمين».
العام 1979 تزوجت من المنتج ناهي لحود (شقيق المخرج والملحن روميو لحود) وأنجبت منه إبنة (آلين 22 عاماً).
تسير آلين على خطى والدتها في الغناء والتمثيل كما أنها تجيد الغناء الأجنبي، وهي حائزة شهادة في المسرح والموسيقى والإخراج المسرحي والسينمائي من جامعة القديس يوسف، وأستاذة مسرح في مدرسة الإليزيه .
أحبت سلوى القطريب فنّها، وإعتبرته رسالة تساهم في إسعاد الناس وإدخال الفرح إلى قلوبهم. كانت صاحبة شخصية فنية خاصة ومميزة، وكانت إنسانة بريئة صادقة، متواضعة، مرحة، حساسة، ونظامية، فهي أول الواصلين إلى المسرح، وآخر المغادرين. وقد استطاعت أن تواكب طموحات المخرج روميو لحود، صاحب الشخصية الفنية القاسية والصعبة، وتكون عند حسن ظنه. وعلى الرغم من حضورها المميز وجرأتها على المسرح، كانت إنسانة خجولة.
لم تنخرط في صخب الوسط الفني واختارت أن تخص عائلتها بوقتها ورعايتها.


تدني المستوى الفني كان يشعرها بالحزن مع ذلك كانت تقول: «ثمة أصوات جميلة فلتأخذ نصيبها…».
في السنوات الثماني الأخيرة من حياتها، تقربّت سلوى كثيراً من الله، وانغمست في العمل الكنسي، حيث كانت تنشد تراتيل الآلام في الجمعة العظيمة، وتميّزت بأنشودة «العطاء» من ألحان روميو لحود.
كانت نباتية في غذائها وتمارس الرياضة يومياً، فجأة في صباح الرابع عشر من شباط 2009، شعرت بإنزعاج في معدتها، ما لبث أن تحوّل إلى نزيف دماغي، وتبيّن إثر الفحوصات الطبية أنه ناتج عن ورم دماغي، أدخلها في غيبوبة، لمدة 18 يوماً، حيث فارقت الحياة في 4 آذار عن عمر يناهز 59 عاماً، تاركة مسيرة غنائية واستعراضية حافلة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات