الأديب ماجد السامرائي: الناقد هو من يعين سواه … ولا وجود للحياة من دون المرأة

09:04 مساءً الثلاثاء 16 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

ماجد صالح السامرائي، كاتب وناقد عراقي، يهتم بالأدب العربي، وبالفكر العربي الحديث في ما أثار من تساؤلات حضارية جديدة، كما يهتم بحركة الفن التشكيلي العربي الحديث. نشر، منذ العام 1969، عدداً من الكتب النقدية، من بينها: “رؤيا العصر الغاضب”، و”تجليات الحداثة”، و”الثقافة والحريية، قراءة في فكر طه حسين”، و”بدر شاكر السياب شاعر عصر الجديد الشعري”. كما كتب ثلاثة كتب تقع بين فن السيرة الذاتية والتجليات الابداعية، هي: “كتاب الماء والنار، صفحات من أوراق عبالله وأيامه”، و”صخرة البداية”، و”طقوس حجرية”. وآخر ما صدر له: “الإكتشاف والدهشة، حوار في دوافع الابداع مع جبرا ابراهيم جبرا”. وله مشاركات بأكثر من ثلاثين كتاباً صدرت في عواصم عربية مختلفة، من بينها أعمال موسوعية.

في عمله الثقافي: تولى رئاسة القسم الثقافي في صحيفة “الجمهورية” بين العام 1977 والعام1992، فكانت صفحة “آفاق” التي تصدر بصفحتين يومياً نقطة تحوّل في الصحافة الثقافية في العراق، ومن خلالها برزت أسماء في مجالات الإبداع والنقد كان لها تأثيرها في الثقافة في العراق. ثم تولى رئاسة تحرير مجلة الأدب الحديث في العراق “الأقلام” بين العام 1994 والعام 2003.. وأسس، ورأس تحرير مجلة “الموقف الثقافي” التي رسم لها توجهاً مستقبلياً في الثقافة. كما كان عضواً في اللجنة العليا لـ”مهرجان المربد الشعري” وأحد المشرفين على حلقته الدراسية.

آثر من بعد الغزو الأميركي للعراق، واحتلاله، أن يتفرغ لمشروعاته الثقافية الشخصية.. وما يزال. وفي حوارنا معه يفتح صفحة الكلام العميق، فماذا يقول؟.

* نبدأ بسؤال تعّرف الى الكاتب والإنسان ماجد السامرائي، من أنت،كيف تعرف بنفسك اليوم،من أين تأتي ولماذا تأتي والى أين تمضي؟

ـ في سن مبكرة بدأت علاقتي بالكلمة والكتاب، أنا الذي ولدت ونشأت في مدينة تنتمي الى تاريخ ثقافي وحضاري عربي عريق. ومن يولد في سامراء وينتمي إليها يعرف، ويُدرك من خلالها ثلاثة عناصر مهمة: التاريخ، والانتماء الى ما هو تاريخي، ويأخذ نفسه بالكلمة ـ الموقف ـ فالكلمة موقف أو لا تكون. وكذلك هو الانسان. وقد أتعبني هذا الأمر كثيراً، وأتعب سواي من أبناء سامراء الذين ذهب كثير منهم شهداء الكلمة ـ القناعة والإيمان التي لم تطاوعهم ألسنتهم على أن ينطقوا بسواها..

الى أين أمضي؟ لم أعرف غير الطريق التي مشيت.. وسأظل أمشيها بخطوات أرجو أن تظل واثقة الى الآخر. ومن كُتبتْ عليه خطىً مشاها.

* لماذا الكتابة في حياتك وأيامك، هل كانت الكتابة قدرك أو هدفك المسبق أو هوايتك،لماذا تكتب؟

 ــ يوم أخذت طريقي الى المكتبة العامة في مدينتي كنت الأصغر سناً ممن يدخلون فناءها.. فأخذت طريقي الى الكتاب.. وبدأت من كتب الفتيان، فما أن امتدت القراءة بي في كتبها سنتين أخريين حتى بدأت أفكر بتكوين مكتبة خاصة بي.. وتكونتْ. ومن بين ما قرأت مقالاً في عدد من مجلة “الهلال” يتكلم فيه كاتبه عن “أصحاب الأساليب” في الكتابة، فتساءلت: هل سأكون كاتباً، وأكون من “أصحاب الأساليب”؟. وما هي غير سنتين، وكنت أكملت دراستي الابتدائية، حتى جرّبتُ كتابة مقال.. فكتبتُ.. وأرسلته الى صحيفة في العاصمة بغداد لأفاجأ من بعد أيام قلائل بنشره.. وكان منحاه “نقدياً”!

في الثامنة عشرة من عمري أصبحت على تواصل، شبه منتظم، مع “الصحافة الثقافية”.. ودخلت الإذاعة، فقدمت، مع من كانوا يقدمون، “حديث المساء” الذي تناولت فيه، غالباً، شعراء معاصرين.. أذكر من بينها حديث عن “الياس أبو شبكة” الذي كنت وأنا أسجله إذاعياً، وبصوتي، قد تعرفت الى الأديب والناقد الكبير الأستاذ جبرا اباهيم جبرا ـ وكنت قرأت له ـ وجاء، هو الآخر، ليسجل “حديث المساء”.. فدعاني للكتابة في المجلة التي كان يشرف عليها: “العاملون في النفط”.. وكتبت، فنشر لي.. وكانت مقالات عن “أعمال شعرية”  صادرة حديثاً، أذكر من بين من كتبت عنهم: فواز عيد، وخليل الخوري. وفي ذلك العام صرت أنشر في مجلة “المعرفة” السورية. ويومها صدرت في عمان مجلة “أفكار” فإذا برئيس تحريرها الشاعر عبدالرحيم عبر يكتب إليّ عارضاً أن أكون مراسل المجلة في العراق.. فكنت (وقد أخذ عنواني من مجلة “الأفق الجديد” التي كانت تصدر من القدس، وكنت أنشر فيها).

*اخترت النقد سبيلاً للقول والعمل، لماذا النقد، وعن أي نقد تخبرنا، النقد الأدبي الهادف الى تعرية الزائف أو لتصحيح الخطأ ، أو ماذا..؟

ـ مما أصبحت أقرأ استهواني النقد، فبدأت أكتبه: مرة في صيغة قراءة لشاعر، ومرة في الكتابة عن عمل شعري صادر حديثاً، وثالثة في موضوع تعدد شعراؤه. أصبحت الكتابة، والنشر أمرين ملازمين لحياتي اليومية. وحين أعتقلت غير مرة في تلك السنوات، ووجدت نفسي أعيش “حالة السجين” بأدق أبعادها ومعانيها، كان هناك من “يُسرّب” لي الكتب الى غرفة السجن، فأقرأ، وأكتب.. وأسرب ما أكتبه الى مجلات خارج العراق، منها مجلة “المعرفة” في دمشق، ومجلة “الأفق الجديد” في القدس.

لا أدري لماذا اتجهت الى النقد، ومن بعد الى الدراسة النقدية.. ربما لأنني وجدت الكثير الذي يمكن أن يقال بهما/ ومن خلالهما.

* ماذا تكتب غير النقد؟

ـ يبدو أنني لم أخرج (كثيراً) عما هو نقدي، ولا ابتعدت عن سياقاته. فحتى في ما كتبته في ثلاث من كتبي (هي” كتاب الماء والنار، وصخرة البداية، وطقوس حجرية)، مما يقع في سياق سيرـ ذاتي، لم أتخلص من البعد النقدي في ما كتبت.

ماجد السامرائي

كتبتً الدراسة الأدبية برؤية نقدية، وكتبت الدراسة الفكرية كذلك.. كما كتبت في “العولمة” وتهديدها الثقافي برؤية نقدية.. وكذلك جاء ما كتبته في الفن التشكيلي.

النقد؟ لا أميل الى هذا التوصيف.. بل أقول: “القراءة”، أجدها بدلالة أعمق، وأكثر تعيّناً مفهومياً في ما أكتب.

*ماذا رأيت ،من خلال مسيرتك الكتابية في النقد الأدبي، هل رأيت في الشعر ما لا يمكن تقبله،  أو في الرواية ،ولماذا؟

ـ النقد عندي هو التمييز بين “ما يُقرأ” وما لا جدوى من “قراءته”. وهناك الكثير مما يُنشر اليوم يقع في الصنف الثاني، للأسف، ما أجده عنصر افساد للذوق الأدبي، فضلاً عما له من أثّر سلبي في الثقافة، فقد أصبح من بين دور النشر العربية (ومنها ما له اسم وشهرة) من تقيم “سياستها النشرية” على مبدأ: “إدفع ننشر”، وبذلك فبديل “إشاعة المعرفة” صاروا يشيعون كل ما هو خارج عليها، أو ليس منها.

* أين تجد نصك  يبرع أو بمقدوره الفصل والقطع،في أي نوع من النقد؟

ــ في الشعر، والرواية، والفن التشكيلي. أجد هذه الفنون الثلاثة ما يمنحني القدرة على “تجديد القول” فيها.. فهي، غالباً، متجددة في ما تقدم، ولمثل هذا التجدد تأثيره في عملية التلقي. وهل الناقد إلا متلقٍ؟.

* ثمة من اتهم الناقد بأنه كمن يعتدي على سواه؟

ـ بل الناقد الحقيقي هو من يعين سواه.. إنّه يقول له: الطريق تبدأ من هنا.. فيهديه الى المسلك الصحيح. ولكن هناك من لا يُحب الإصغاء لما يُقال لصالحه، فيمضي، حتى يجد نفسه، في النهاية، لم يقل شيئاً ذا بال.. فيندم!

* ماذا عن علاقتك بالحياة وناسها، كيف تعيش حياتك في هذا الزمن الصعب،حيث الموت والخراب يلف العالم وبخاصة العالم العربي؟

ـ أنا ابن الحياة.. لذلك لا أستطيع عيشها منعزلاً. حياتي في التواصل والاندماج.. لذلك لا أتيح للزمن (كما هذا الزمن الرديء الذي نحن فيه اليوم) أن يعركني. لا أتيح له أن يجعلني في “حال مشاكلة” له، بل أعمل على تطويعه لرؤيتي.. لإرادتي. أدينه، وأشخّص مفاصل الفساد فيه، وأقول في وجهه ما ينبغي أن يُقال. هل ستقول عني وأنت تستمع لما أقول: إنني بهذا أخسر الكثير؟ نعم خسرت الكثير.. ولكنني ربحتُ نفسي.. وأجد نفسي أواجه هذا “الزمن الوغد” فأقول له: لا أحتاجك.. فما عندي يكفيني.

*كيف تقرأ الحب،هل الحب خيمتك أو حياتك كلها، أو غير موجود؟

ـ  كيف أقرأ الحب؟ بل قل: كيف أعيشه وأحياه. فهو قوام حياتي. والحب عندي هو في ما يكون/ وأكون بلحظاته كلها. لذلك لا أجد نفسي أعيش لحظة فراغ معه. هناك دائماً ما يسكنني، فيجعل لحياتي من المعنى ما يصدّ عنها أي شعور، أو احساس بالفراغ.  

ولكن للحب عندي “بُعده المقدس”. فأنا لا أمتهن الحب، وإنما أحياه بوصفه “لحظات تفوّق” بما هو إنساني. فالحب فُسحة وجود.. أو لا يكون.

حين قرأت يوماً قول الشاعر صلاح عبد الصبور مخاطباً حبيبته: “صافية ً أراك يا حبيبتي كأنما كَبُرْتِ خارج الزمن…” أدركت ما أبحثُ عنه في من أحبّ.. مَنْ أجعل من اسمها “معلّقة” لزماني الذي لا أجده إلا بها، ومن خلالها.ا

 *ماذا تعني لك المرأة، هل هي الجمال كله؟ـ لولا وجودها  لكانت الحياة ذات جهامة لا تحتمل. فهي بسمة وجود في حياتي تغالبني الفرحة، وتُجدّد في نفسي الأمل..

One Response to الأديب ماجد السامرائي: الناقد هو من يعين سواه … ولا وجود للحياة من دون المرأة

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    20 فبراير, 2021 at 1:02 م

    ان المقابلة التي اجراها الشاعر المعروف اسماعيل فقيه مع الاديب ماجد السامرائي تعتبر وثيقة تاريخية ابداعية غنية بالمحطات والمواقف والرؤى والاحلام والامنيات وتشهد لصاحبها عن ثقافة واسعة ووعي وعلم وتجربة ومشاعر انسانية عميقة ان من المدهش ما قرأته في المقابلة هو ان المرأة هي بسمة وجود في حياتي تغالبني الفرحة، وتُجدّد في نفسي الأمل..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات