طالبان تُحذّر، ألمانيا تتذمّر، وأمريكا تراجع اتفاق السلام

02:10 مساءً الخميس 18 فبراير 2021
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

حول ما سمي بتحذير طالبان لحلف شمال الأطلسي من استمرار الحرب في أفغانستان دارت حلقة يوم الاثنين 15 فبراير 2021 من برنامج (آسيا) الذي استضاف، على الهواء مباشرة، الكاتب  أشرف أبو اليزيد رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين.بُث البرنامج التاسعة مساء بتوقيت القاهرة، وقدمه الإعلامي تامر حنفي، وأعدته المحررة إنتصار الدرديري.

الإعلامي تامر حنفي

المذيع: باسمكم اسمحو لي أن أحيي الأستاذ أشرف أبو اليزيد رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

أشرف أبو اليزيد: أهلا بك، وأهلا بجمهور برنامج آسيا

المذيع: إلى هذا المدى، هذا الملف لن يُعالَج؟!

أشرف أبو اليزيد: أنا متشائم، إذا  قلت أن هناك حلا، اعتقد أنني بعيد عن الصواب، لماذا، لأن دورة هذا التهديد، متكررة، وتأتي كلما بدا أن هناك حلا. وأن هناك مستقبلا آمنا. وأن هناك تجديدا ا لحضور السلطة الحكومية في أفغانستان. حدث ذلك في 2007، حدث ذلك في 2014، ويحدث الآن حتى بعد إبرام الاتفاق الذي كان في الدوحة العام الماضي

المذيع: أنت تقول حين يأتي الحل تظهر العقبات، هل يعني ذلك أنه في ذلك التشكيل الأوربي أو الأمريكي من تتعارض أهدافه مع غيره؟

أشرف أبو اليزيد: هذا الأمر منذ البداية، أنت تعرف أن الهدف كان بعد 11 سبتمبر 2001 كان دخول الولايات المتحدة لأفغانستان، كان لعقاب ما حدث من هجوم إرهابي، والهدف الذي أقنعت به الحلفاء آنذاك هو؛ ألا تكون أفغانستان ملاذا للإرهابيين ليهددوا العالم بعده. إذا قارنت بين مشاركة خمسين دولة، منهم طبعا أعضاء حلف الناتو، والشركاء أو المتعاونين معهم، المتحالفين معهم من خارج الحلف، كانوا يرسلون أكثر من 130 ألف جندي، خلال هذه الفترة، تقلصت هذه الأعداد، وتقلص عدد المشاركين في الحلف، وكان السبب هو أن كثيرا من التساؤلات بدأت داخل الحلف، بين أعضاء الحلف الكبار:

مثلا، ألمانيا حينما دخلت أرادت أن تشارك الولايات المتحدة لتعبر عن دعمها للولايات المتحدة، كنوع من الثقة، كما قالوا إننا سوف ندعم آراء الولايات المتحدة في هذا الشأن. ولكن بعد فترة، وأنت تعرف أن ألمانيا بوجود قوات خارج البلاد، هي قوات يؤمن لها كل عام تجديد لحضور هذه القوات، وألا تبدأ الضرب بالنار، أي ترد بالنار دفاعا عن نفسها، إذن هناك محدودية لمشاركة القوات الألمانية، بالإضافة إلى أن القوات الألمانية، ربما أصرت، أو أرادت، أو خيرت، تبقى في الشمال، والشمال هو أقل خطورة من الجنوب، لذلك الدول التي في الجنوب يسائل مواطنوها عن (متى نخرج؟)

 إذا كانت ألمانيا في 2007 ، أراد الجمهور الألماني بنسبة 57% أن يخرجوا فورا من أفغانستان، فإن هذا الرقم زاد بعد سبع سنوات إلى 70%، رغم أنهم الأقل عرضة للأخطار. لكن الوجه العام أن طالبان كلما حدث نوع من السلام النسبي بدأ كما قلت نوع من العداء ونوع من العمليات الإرهابية ، حتى لو كانت في  الجنوب فقط.

المذيع: أين الخلاف هنا في وجهات النظر بالاستراتيجيات لكل دولة. نحن نتحدث كما  قلت حضرتك، وأشرت في بداية حديثك، إنهكلما بدا في الأفق حل، تتعقد الأمور. من السبب في ذلك؟

أشرف أبو اليزيد: السبب هو أن الاستراتيجية اختلفت، من أننا نريد القضاء على طالبان بالحرب التقليدية، إلى أننا نريد تنمية الدولة، وتأمينها، ورفع قدراتها للدفاع عن نفسها، وهي استراتيجية الناتو. أرادت أن تتطور من أن تكون ساحة معركة، إلى ساحة بناء وإعمار. وكان هناك نحو 28 فريقا لإعمار البلاد.

المذيع: هل تعتقد أن ذلك تغيرا في الاستراتيجية؟ أم رغبة في البقاء بأشكال مختلفة؟

أشرف أبو اليزيد:  الرغبة في البقاء باقية منذ اليوم الأول. لأنه بعد إقامة الناتو قوة المساعدة الأمنية الدولية المفوضة من الأمم المتحدة (إيساف) ، كان هناك ممثل للناتو مع الحكومة، بمعنى أنه ينسق ماذا يتم كل يوم. لكن هذه العمليات الإعمارية تطلبت الكثير من الاحتياجات التي لم يؤمنها الحلفاء. وهم – ربما – وجدوا أن الضرب بالقنابل من أعلى، أسهل من البناء في الداخل. ووجود نوع من التحالف بين القاعدة في الجنوب وطالبان أكدا أن ذلك الإعمار غير ممكن. وأن البقاء من أجل الإعمار فقط غير ممكن. لذلك تكثفت عمليات طالبان الإرهابية، وكانت هناك ردود فعل من الحلف، على أرض الواقع بما جعل سياسة الإعمار فقط ليست هي المؤكدة، وإنما يجب أن يكون هناك تلاحم وقتال مع طالبان.

المذيع: رغم توقيع اتفاقية السلام، أين ترى يتوجه المزاج الأمريكي تجاه أفغانستان.

أشرف أبو اليزيد: مراجعة الاتفاقية تأتي ضمن مراجعات كل ما جاء في حقبة ترامب، بمعنى أن الرئيس الأمريكي لا يراجع فقط اتفاقية السلام مع طالبان وما حدث في أفغانستان، وإنما الحضور الأمريكي في أماكن أخرى، وقوانين الهجرة،  إلى آخره. هذه تأتي ضمن مراجعة عامة،  لكن الظاهر أن وجود 2500 جندي أمريكي فقط، في أفغانستان، ربما يكون أكثر عرضة للخطر من وجود قوات أكبر. لأنك حينما تقلص العدد في ظل تصاعد الهجوم على المدنيين،  والعمليات الإرهابية الأخرى،  هذا يعني أيضا أنك تعرض هذه القوة الصغيرة للخطر.

يعني نحن في جمعية الصحفيين  الآسيويين لاحظنا، على سبيل المثال، تصاعد عمليات قتل طالبان لرجال الإعلام، بشكل متواتر، صحفي يرجع من بيته يوقفونه في الطريق ويطلقون عليه النار. خلال فقط شهرين، كان هناك خمسة قتلى في رجال الإعلام.

المذيع: وهل وجدتم في جمعية الصحفيين  الآسيويين تفسيرا لذلك؟

أشرف أبو اليزيد: وجدنا أنهم لا يريدون صوتا مخالفا. هؤلاء (المغدورون) يقولون بشكل إيجابي إن هناك حلا سلميا،  وأن هناك مجتمعا مدنيا، أن هناك إعمارا، هم لا يريدون هذا الوجه ، وهذا الصوت الإيجابي هو صوت الحكومة، لأنك لا تستطيع الآن أن تفصل الحكومة عن الرأي السلمي أو الرأي العام الذي ينادي بالسلام. الرأي العام الدي يريد الحلف أن يحققه من خلال وجوده.

المذيع: ولماذا إذا كان الحلف يريد ذلك لماذا نحى جانبا حكومة أشرف غني، عن وجودها في هذا الاتفاق، واستأثر فقط بلقائه مع حركة طالبان. وكأنها هي من تحكم، أو كأنها تمهد الطريق – الولايات المتحدة وطالبان – لمرحلة حكم تالية للاتفاق.

أشرف أبو اليزيد: أعتقد أن (الرئيس) أشرف غني، وهو (أكاديمي) متخصص أصلا في الشأن الديني وكان عميدا لجامعة كابول، ودرس في الولايات المتحدة الأمريكية، أعتقد أنه كان الأنسب ليحقق شيئا من أجل  بلده، وفي أثناء الحقبة السوفياتية كان غير موجود في البلاد، ذهب إلى لبنان ليدرس، وتزوج لبنانية ، وسافر لأمريكا فأخذ الدكتوراه، وعاد ليحقق كنائب ورئيس جامعة مشروعا للفقراء، قبل أن ينتخب رئيسا في 2014. فهو شخص نموذجي ومثالي في رؤيته للبلاد، والتنمية في البلاد، لذلك كان استبعاده غير مبرر بالفعل.

المذيع: سؤالي فيما يتعلق بالقادم، أستاذ أشرف، هل إدارة جو بايدن لديها القدرة على تغيير المسار أو الوصول لرأي مخالف لما وقعته إدارة الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب؟

أشرف أبو اليزيد: يعني إصدار قرار أمر سهل، لكن التطبيق على الواقع صعب جدا. بمعنى أننا حين ننظر إلى الجانب الألماني، كما أوضحه عبر الهاتف د. عبد المسيح الشامي من برلين، لكن هناك أطرافا أخرى وشركاء آخرين، فمثلا تنظر المملكة المتحدة إلى أن الفساد هو أكثر شررا وضررا من الإرهاب الذي تقوم به طالبان، على استقرار الأمر في أفغانستان. تخيل أنك تبني هرمًا، ولكنه هرم خشبي يأكله السوس.

المذيع: تقصد من يدير شؤون البلاد؟

أشرف أبو اليزيد: نعم، الحكومة الأفغانية تلقى انتقادات كثيرة جدا، وتقول  إن ما يقوض عمل الحلف داخل أفغانستان  ليست فقط هجمات طالبان، وإنما هي الإدارة نفسها التي شابها الفساد، بشكل كبير، وساعد هذا الفساد على تأثير وتدخل القاعدة وعملائها في الشأن الأفغاني.

المذيع: استمرار استعمال حضرتك، وبعض المحللين للفظ القاعدة، وربطه بطالبان، يضع حركة طالبان في زاوية ذهنية خاصة، فإذا كانت القاعدة مرتبطة بطالبان فما الذي جعل الولايات المتحدة أن تجلس معها، وماذا كانت ترغب الولايات المتحدة  من هذه الاتفاقية، وكل هذه الأسئلة، الأهم: ما الذي تملكه  طالبان من ورقة ضغط  على الولايات المتحدة؟

أشرف أبو اليزيد: أنت تنظر إلى يد من أيادي القاعدة، بشكل أو آخر، وهي طالبان، وطالبان التي نشأت في أفغانستان، نشأت تلبية لحرب طويلة استمرت عقدين، لذلك فإن هؤلاء المحاربين يريدون فرض رأيهم بالقوة. بمعنى أنك حينما تنظر إلى تاريخ أفغانستان، كانت هي بلاد حضارة آريانا قبل ألف عام من الميلاد، حتى القرن الخامس الميلادي، ثم أصبحت (في عهد الإسلام) خراسان، ثم أصبحت أفغانستان، بعد ذلك، في القرن التاسع عشر. هؤلاء، طالبان، يريدون العودة بأفغانستان اليوم إلى القرن الخامس الميلادي، وإحياء هذه المملكة، أو هذه الإمبراطورية، أو ذلك المسمى، وأن يكون ذلك المسمى تحت العلم الذي يرفعونه، والقواعد التي ينادون بها. إذن أنت أمام – حتى قوام أفغانستان  – تجد الهزارة، والطاجيك والبشتون، وتجد أيضا قادمون من باكستان هم البلوش. القوام القبلي الي تشكل منه أفغانستان يسمح بأن تكون لطالبان قدرة على تغيير الأمور وفرضها. يعني أنت تسأل هنا عن مكون ثقافي لهذه الدولة، وهذا المكون الثقافي تقبض عليه طالبان، وأعتقد أن سيطرتها لا تخلو من الشأن الديني، الذي تخصص فيه ودرسه رئيس الجمهورية الحالي.

المذيع: معنى ذلك أن الأمر لن يتم حله؟ ماذا كانت تريد الولايات المتحدة؟

أشرف أبو اليزيد: لن يتم حله، فالولايات المتحدة كانت تريد محو طالبان، وفرض نموذج غربي داخل الدولة،

المذيع: تقصد إعادة احتواء طالبان؟

أشرف أبو اليزيد: طبعا، حتى الانتقاد الوحيد الذي قدمه الرئيس السابق حامد كرزاي، حينما قال في 2014  أن قاعدة باجرام الأمريكية المعروفة، تخرّج إرهابيين، فحينما كانوا يقبضون على المدنيين يسجنونهم في باجرام، فيخرجون إرهابيين يكرهون الدولة، هذا الانتقاد جعل كرزاي يرسب في الانتخابات،   وينجح أشرف غني أحمدزاي. لا يريدون غير حليف وهو من تربى عندهم الحليف الحالي، بالقوام الذي يريدون، وأعتقد أنهم فشلوا في أماكن كثيرة، والفشل قائم إذا ظلت رغبات الحلف في محو ما يمكن أن يكون هوية أفغانية، فالهوية الأفغانية تنهض من أفغانستان، وليست بالضرورة أن تكون هوية طالبان، وإنما هوية محلية.

المذيع: إلى أي درجة تستطيع الجزم بأن الولايات المتحدة تريد أن يبقى الوضع على ما هو عليه؟

أشرف أبو اليزيد: لا تريد الولايات المتحدة، كما لا تريد القوى الاستعمارية السابقة أن تخرج من تلك المنطقة، فهي منطقة مرت عليها الحضارات، حتى الاسكندر الأكبر ذهب إلى أفغانستان في غزواته، وصولا إلى بلخ، التي خرج منها الرومي، إذن أنت أمام منطقة حيوية جدا، في الوسط الآسيوي، أياديها متصلة من الصين إلى إيران، إلى الخليج العربي، وإلى باكستان،  هذا المركز لا تريد أمريكا الخروج منه. لكنها تريد البقاء بأقل الخسائر.

المذيع: هل هذا المركز قابل للتطويع؟

أشرف أبو اليزيد: ليس بتلك الطريقة، وليس بوجود حرب قائمة، حتى ولو كانت مستترة.

المذيع: لم اتبع الغرب آلية تقليل القوات؟

أشرف أبو اليزيد: ليقلل الخسائر …

المذيع: لكن تقليل القوات  يزيد الخسائر!

أشرف أبو اليزيد: هذا السؤال موجه للقادة.أنتم كان أمامكم عشرون عاما، لتغيروا في البنية التحتية، لم تستطيعوا القضاء على الفساد، ولم تستطيعوا إنهاء الإعمار. ولم تستطيعوا عمل سلام مع طالبان.

المذيع: لكن القوات الغربية لم تدخل لهذا الغرض.

أشرف أبو اليزيد: هي حورت البقاء، ولكي ترضي الحلفاء في الناتو حورت ذلك الهدف، لكي تطور وتعمر، وهذا ما لم يحدث.

المذيع:أشكرك ، ونحن لم تصل إلى حل نهائي، ولكن يبدو أن هذه الزمة قديمة، حالية، ومستقبلية. شكرا أستاذ أشرف أبو اليزيد رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين.  

4 Responses to طالبان تُحذّر، ألمانيا تتذمّر، وأمريكا تراجع اتفاق السلام

  1. angela.manok@gmail.com رد

    18 فبراير, 2021 at 6:00 م

    أنا أحب هذا المقال أنا أحب هذا المقال

    • 아슈라프

      Ashraf رد

      19 فبراير, 2021 at 10:21 ص

      شكرا جزيلا

  2. سعيدة الزغبي خالد

    خالدسليمان رد

    18 فبراير, 2021 at 6:06 م

    قراءة متأنية و مختلفة عن السائد

    • 아슈라프

      Ashraf رد

      19 فبراير, 2021 at 10:21 ص

      شكرا جزيلا

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات