الشاعر الراحل يوسف الخال … فتح باب التراث ودخل الى الحداثة

09:56 مساءً الجمعة 26 فبراير 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

يزدهرتراثنا الثقافي العربي دائما، وقد شهد تحولات لافتة على مر الزمن . تراثنا الثقافي العربي جزء من تراث الإنسانية ، وقد لا نجهد كثيرا للتعرف على هذه العلاقة الوثيقة بين الثقافة العربية وتراث الإنسان إطلاقاً. واذا ما دققنا جيدا في خارطة العالم الثقافي ، سنجد أدباء وشعراء وكتاب… نسجوا وأبدعوا وأوجدوا أساليب في التعبير والبناء اللغوي والمعرفي، ما أكسب المعنى والأدب صورة براقة ، وما أكثر هؤلاء الذين أغنوا الثقافة العربية بتجاربهم المعرفية الثقافية القديرة.


الشاعر الراحل يوسف الخال (1917ــ1987) اسم من هذه الأسماء التي لا يمكن المرور عليها مرور الكرام ، لما يمثل من حالة وذاكرة ثقافية بالغة التأثير في محيطها . شاعر أسس للحداثة الشعرية ، عجن اللغة وخبزها ، وأنتج منها الكثير من الصور المرادفة للشكل المتحول ــ المتطور. ففي الكتابة الشعرية أوالأدبية جهد لإنتاج الشكل الجديد بمضمون بليغ المعنى . لم يحد عن التراث بل دخل في أعماقه وأخذه الى منافذ جديدة وحديثة:


(حياته)


ولادة الشاعر يوسف الخال كانت في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، مع بزوغ عيد الميلاد في العام 1917 في سوريا في قرية «عمار الحصن» . وبعد سنوات على ولادته نزحت عائلته لتستقر في مدينة طرابلس شمال لبنان، وفيها تلقى دروسه الإبتدائية والثانوية ، في المدرسة الأميركية للصبيان.
بدأ كتابة ونظم الشعر على السليقة،ونجح في البناء العامودي،و في تعلّم العروض ، ونجح أكثر بتجنّب الإخلال بموازين الشعر ، الأمر الذي بعث الثقة بالنفس الى حد الإطلالة على القراء من على صفحات الصحف وهو دون العشرين من العمر.وهكذا تأصلت بدايته الشعرية ولفتت الأنظار.
ثم تابع دراسته على مقعد الدراسة الجامعية في الكلية الأميركية في مدينة حلب، بعد ذلك إشتغل بتدريس الأدب العربي في مدرسة الفنون في مدينة صيدا ، جنوب لبنان.
في العام 1942 إلتحق الخال بالجامعة الأميركية في بيروت ، وبعد سنتين في الدراسة في كلية الفلسفة التي كان يرأسها الدكتور شارل مالك، تخرّج بدرجة بكالوريوس علوم. ورغم أنه تخصّص بدراسة الفلسفة، إلا أن سمعته كشاعر وأديب كانت هي الراجحة واللامعة، الأمر الذي رجح كفته للتدريس في الجامعة الأميركية ، وكان الأدب العربي المادة التي درّسها ، ولاقت استحسانه واستحسان طلابه على حد سواء.
انطلاقته الشعرية كانت في العام 1944 وهي السنة التي تخرّج بها، فأصدر عن المطبعة الكاثوليكية في بيروت أولى مجموعاته الشعرية التي حملت اسم «الحرية».
بعد ذلك انتقل الى مرحلة تالية ، ففي سنة 1947 ترك التدريس وتسلّم رئاسة تحرير «صوت المرأة» التي أنشأتها جامعة نساء لبنان من صديقه المرحوم رشدي المعلوف. وفي العام التالي سلّمها بدوره الى الشاعر فؤاد سليمان ، وذلك عندما قرّر السفر الى الولايات المتحدة حيث أقام من العام 1947 الى العام 1955، وعمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة. وقد استفاد من التجربة ما يضخ الحيوية في ثقافته وشعره وكتاباته.
في ربيع العام 1955 كانت عودته. عاد الى لبنان، حيث عمل في دار «الصياد» لمدة ثلاثة أشهر، عاد بعدها للتدريس في الجامعة الأميركية الى جانب قيامه بوظيفة مساعد للدكتور شارل مالك الذي استقال من عمله كسفير للبنان في واشنطن.


مرحلة التحول الهامة في حياة الشاعر بدأت في العام 1956 . اذ بدأ تحضيراته لإصدار مجلة «شعر» الشهيرة ، ولما صدرت المجلة في العام 1957 كان صدورها حدثاً هاماً في حياته وفي مسيرة الشعر العربي .
في العام 1958 ترك يوسف الخال التدريس وتفرغ الى تحرير مجلة «شعر» وإنشاء مطبعة ودار لنشر المؤلفات الأدبية التي تلتزم دعوة المجلة الحداثية.
في أواخر 1964 توقفت المجلة لأول مرة ثم توقفت نهائياً العام 1970.
تزوج الشاعر يوسف الخال من الرسامة هلن الخال وله منها ولدان: طارق وجواد، ثم تزوج ثانية العام 1970 من الفنانة والشاعرة مها بيرقدار وله منها: ورد ويوسف اللذان يعملان في حقل التمثيل المسرحي والتلفزيوني.
أنجز الخال في حياته سلسلة كتب، وشكلت ، بتنوعها الثقافي والأدبي ، صورة نابضة بتلاوين الإبداع:
الحرية – مجموعة شعرية ، هيروديا – مسرحية شعرية ، البئر المهجورة – مجموعة شعرية ، قصائد في الأربعين – مجموعة شعرية ، رسائل الى دون كيشوت – مجموعة شعرية ، الحداثة في الشعر – كتاب نقد ، الولادة الثانية – مجموعة شعرية باللغة العربية الحديثة ، على هامش كليلة ودمنة – مجموعة نثرية باللغة العربية الحديثة ، يوميات كلب – نثر باللغة العربية الحديثة ، دفاتر الأيام – مقالات وآراء.
ترجماته : النبي لجبران خليل جبران، الأرض اليباب لإليوت ، ديوان الشعر الأميركي، خواطر عن أميركا لجاك مارتيان، ثلاث مسرحيات، إبراهام لنكولن لكارل ساندبرغ ، قصائد مختارة لروبرت فروست والعهد الجديد من الكتاب المقدس.
يقول يوسف الخال : «ما الحديث عن النقد، أدبياً كان أم غير أدبي، إلا حديثاً طويلاً. إذ ليس إنعدامه من حياتنا الأدبية أو الفكرية أو الإجتماعية إلا شاهداً على الجمود الكياني الذي نعانيه. فالنقد لا يترعرع إلا في أجواء الحرية. وأين نحن من هذه الأجواء؟ أفي المناطق الحرام التي سيّجناها بالتقاليد والتفاسير، وقلنا للعقل حذار الإقتراب منها؟ أم في مراعاتنا للخواطر وتزلّفنا للآخرين وإخضاعنا الحقيقة لإعتبارات شتى». هذا الرأي كان مركزيا في فكر الشاعر، وكتبه في أغلب كتبه وعلى نحو متناسل ، بمعايير زمنية .

كما له مواقف وأراء في الفكر، وكم ردد وكتب وقال : « نحن تجار . وتجار نحن منذ أفلاطون، فليس في الأمر شيء جديد، وليس فيه عار. إنما العار في أننا نتاجر حتى في الفكر. فالفكر وموضوعه المعرفة، لا يكون سلعة للمتاجرة. أما كيف نتاجر بالفكر، فخبره عند دور النشر عندنا، بل عند الذين يستغلون المعرفة من أجل الكسب والجاه المرموق.
المتاجرة بالفكر، لا تنحصر في بيعه وشرائه بالمال. فهي تتخذ وجوهاً عديدة منها: إدعاؤها بأننا أدباء ونحن لسنا من الأدب بشيء. ومنها استخدام القلم للتطبيع والتزمير، بل لتزوير الحقيقة وتضليل الناس».
توفي الشاعر يوسف الخال عام 1987 ودفن في بلدة غزيرــ كسروان ــ شمال لبنان ، حيث كان يعيش. وقبل وفاته ، أطلق مواقف وأراء لافتة :
«إني سعيد أن ألقى ربي وفي يدي اليمنى حركة شعرية غيّرت الى الأفضل مسيرة الشعر العربي، وفي اليد اليسرى ترجمة عربية للكتاب المقدس أتاحت للألوف من قرائه أن يخترقوا قدر الإمكان في المرحلة الراهنة جسد اللغة العربية القديمة الى روح مضمونه الحي».

وآخر كلام وأول كلام نطق به الشاعر عن الشعر قال :«إن التجربة الشعرية الفذّة تبدع الشكل الفني الفذّ. من هنا ثورتنا على الأساليب التقليدية، لا لأنها سخيفة، بل لأن الإتباعية واستخدام القوالب الخارجية الجاهزة أمر لا يجوز في نظر الشاعر الحديث الذي يبدع أشكاله الخاصة في عالم ثوري تغيّرت فيه أنماط الحياة على نحو لم يسبق له مثيل .

One Response to الشاعر الراحل يوسف الخال … فتح باب التراث ودخل الى الحداثة

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    27 فبراير, 2021 at 12:45 م

    الشاعر الكبير يوسف الخال سعيد هو في الابدية بعد المقالة بل الدراسة الرائعة التي كتبها الشاعر البارع الجميل قلمه الأستاذ المبجل اسماعيل فقيه عنه بصفته متخصص ثقا في بل شاعر يبحر في بحر الشعر الحديث انه ليس عبقريا” فحسب بل للأنه يسكب من شاعريته على ما يكتبه عن الشاعر يوسف الخال ليزيده جمالا” وبهاء بل يبهر به كل متابع بالعربية لنتاج هذا الرائد في الحداثة في عالمنا العربي .الف شكر للكاتب الناقد الشاعر البارز اسماعيل فقيه على ما بذله من جهد جبار من خلال هذه المقالة العميقة الشاملة الجميلة الواسعة المزركشة بالذكريات والصور التي تعتبر موسوعة عن يوسف الخال وما يمثل في الماضي والحاضر والمستقبل من قيمة فنية وشعرية وفكرية على مستوى الشعر والحداثة والثقافة والتاريخ العربي العالمي للتراث الانساني .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات