الإعلامي عمرو الشامي: تخففوا من يقين أوردكم موارد التهلكة!

12:33 مساءً الجمعة 5 مارس 2021
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تخرج الإعلامي المصري عمرو الشامي في كلية التجارة، جامعة عين شمس، القاهرة، ثم عمل مذيعا ومقدما للبرامج في إذاعة “البرنامج الثقافي”، باتحاد الإذاعة والتليفزيون في مصر، لمدة تزيد عن ثلاثين عاما قدم خلالها عددا من البرامج الأدبية مثل “من المحافل الأدبية” و”مع النقاد” و”بين عقول المثقفين”،  كما قدم برنامجا أقرب للسياسة وهو “الصحافة في أسبوع”، وهو – ربما – ما جعله يقترب من نبض مشكلات تتجاوز الإبداع الثقافي والأدبي، إلى تلك التي تمس كل أبناء المجتمعات المصرية والعربية، وتجعله كذلك في أتون الحديث بعيدا عن الموسيقى، وهو الذي كان – خارج العمل الإذاعي –  موسيقيا لمدة زادت عن خمسة عشر عاما.

الحديث سيتشعب للتطرق إلى الهموم والشجون، والمتابع لمنشوراتك يدرك مدى الانشغال بهذه الهموم العامة، 

ويدرك أن نداءاتك المتكررة، تحذر، وتنذر، لا بد أنها تتوجه لقاريء ما، 

فمن هو القاريء الذي تتمنى أن تصل إليه كلماتك؟ 

لا أفكر كثيرا في نوعية القاريء الذي أتوجه إليه بكلامي لأن خطابي في المقام الأول موجه لنا جميعا، وهذا بسبب أن الأخطار لن تفرق بين المصريين وإن كنت في المقام الأول أتوجه للمثقفين لأن على فصيل كبير منهم أن يتغير وأن يدرك أن الدنيا قد تغيرت كثيرا ليس عما كانت عليه قبل ألف أو ألفي عام بل حتى قبل أربعين أو ثلاثين عاما فقط.

هل تعتقد أن صناع القرار يمكن أن يلتفتوا إلى خطورة ما تحذر منه،  وخاصة في شأن مستقبلنا تحت مظلة مشكلة نقص المياه؟ 

أظن أن بعضهم ملتفت لكن ليس الجميع. والتفات عدد أكبر حتى يتحقق المطلوب يتطلب عقلية عملية رياضية تدرك العلاقة الواضحة بين الزيادة السكانية وشُح المياه وتدرك كذلك التحولات البيئية الخطيرة التي جرت على كوكب الأرض في العقود الأخيرة وكان من نتيجتها الفيضانات والأعاصير في مناطق وشح المياه وقلة الأمطار في مناطق أخرى فضلا عن ارتفاع دراجات الحرارة والتصحر.

 أظن أن المشكلة الأكبر موجودة لدي المثقفين لأن الكثيرين منهم تنتابهم الحساسية عند ذكر الزيادة السكانية والتي وطدوا أنفسهم على أن الحديث عنها هو مجرد مبرر لإيجاد عذر غير مقبول سياسيا في عالمنا العربي للتملص من تبعات الفشل.

على أن الأمر غير هذا ويجب علي الفصيل المثقف أن يدرك أن العالم يعيش الآن ظرفا غير كل ما سبق وأن الاتكاء على الأفكار التي أنتجت في العصور الوسطى لا يصلح لإقامة دولة معاصرة وأن ثمة مفاهيم أخرى للعالم تتكرس وفقا لمعطياته الحالية وليس لمعطيات سبق أن واجهها الأسلاف في سياق غير ما نعيشه.

لماذا تربط دوما بين التخلف والذهنية العربية في تناول المشكلات؟ 

الربط يكون دائما بين الأمم التي تعتقد أن خير ما أنجزته قد جرى في العصور الماضية وأن منظومة القيم والمفاهيم قد اكتملت في عصور سابقة وأن خير ما يمكن أن يفعل هو استلهام روح الماضي واستعارة عقول الأسلاف في الفهم العالم والتفاعل معه. من هنا تنشأ المشكلة، فوضع الماضي موضع القداسة أمر بالغ الخطورة.

ماذا لو أن كل ماضي البشرية لم يكن أكثر من ساعات التعارف الأولى بين الإنسان والوجود؟

ماذا لو أن هذا المنجز التراثي لم يكن إلا رد فعل إنسان ذلك العصر على ما واجهه من معضلات ومشاكل؟

ماذا لو أن هذا التاريخ لم يكن أكثر من تاريخ شفاهي جُمع ودُوّن بعد مرور عشرات السنوات على وقوعه وبالتالي هو لم يقع حرفيا على النحو الذي نتفاعل به معه إنما هذا التاريخ في حقيقته هو إنتاج من دونه فهو وثيق الصلة بالنخبة التي دونته أو بالأدق بالقلة التي دونته لا بالكثرة التي نسب إليها هذا التاريخ؟

نحن نعلم جيدا أن الحرف الواحد قد يغير معنى جملة أو مقال فكيف نطمئن إلى ما جاءنا من تاريخ شفاهي ونصنع منه دستورا؟

إننا نحن الذين نطبق نظرية نهاية التاريخ عندما نعتقد أن التاريخ وقف عند مرحلة ما وأن هذه المرحلة هي التي ينبغي أن تكون المرجع والملهم لكل ما بعدها من تواريخ.

هل اختيار عدو نراهن على زواله، كي نتقدم، هو المشكلة أو النتيجة؟ أسأل :  هل يمكن أن نتقدم في ظل حضور هذا العدو الأزلي،  أم أن الارتكان لحضوره وتفوقه يلقيان بنا إلى الخروج من سباق التقدم؟ 

نعم يمكن أن نتقدم في حضور الأعداء فالعالم ليس يوتوبيا ولن يخلو من الأعداء. بل قد يدفع الأعداء الأمم للتقدم لو توفرت لديها شروط التقدم وأهمها الاحتكام للتجربة ووضع جميع الأشياء موضع المساءلة الدائمة وإدراك مدى أهمية أن ننظر لأفكارنا ومسلماتنا وأفكار ومسلمات الآخر من منظور الاحتمال والنسبية.

ينبغي علينا أن نشك كذلك في حواسنا ولا نسلم بسهولة بما نراه ونلمسه فنحن أسرى حواسنا.

هناك مخلوقات أخرى ترى الوجود على غير ما نراه إذ تراه باذخ الألوان وهذا يرجع لقدرة جهازها البصري فائق التميز وهذا قد ينسحب للوجود بأسره.

نحن ندرك ونري ونلمس ونشم ونسمع ما تتيحه لنا حواسنا المحدودة وإدراك هذا يدفعنا برفق لعدم التمسك بمعتقداتنا باعتبارها إجابة نهائية.

إن بعض البرامج المثيرة مثل تلك التي تقدم في الفضائيات العلمية عن ألعاب العقل وخداع العقل يمكن أن توضح لنا بعض صور أزمة العقل البشري ولو أضفنا إليها الدراسات العلمية الحديثة التي تشير إلى أن العادات والتقاليد والأفكار لا تمر على المخ مر الكرام بل إن كثرة ترددها على المخ المرة تلو المرة يعيد ترتيب الخلايا العصبية في المخ البشري بعد مدة من الزمن. وفي ضوء هذا لو فكرنا في مسلماتنا وما يتاح لنا إدراكه بفعل حواسنا لوجدنا أهمية كبيرة لعدم التسليم بأن ما نعتقده هو الحقيقة.

هل تؤمن بنظرية المؤامرة؟ 

نعم أؤمن بنظرية المؤامرة لكنني أجد نفسي في سياقنا العربي الحالي مدفوعا لأن أقول لكنها ليست وحدها المفسر الوحيد لفهم الأزمات وطبائعها. المؤامرة بنية فاعلة في نسق هائل لكنها ليست كل البني الفاعلة.

القضايا متشابكة؛ الاقتصاد، التعليم، الصحة، لمن تعطي الأولوية؟ ماذا ينقص مصر الآن ، لتخطط من أجل مستقبلها للحصول عليه؟ 

مصر ينبغي أن تبدأ ويبدأ معها العالم العربي بأسره رحلة المعرفة كأنه يبدأ من الصفر وبلا وعود في إجابات شافية أو مريحة.

الأزمة لا يمكن حلها عبر الاقتصاد أو التعليم أو السياسة بمعزل عن تحرير العقل من منجز المعرفة البشرية التاريخي وعدم الاستغناء عنه في الوقت نفسه.

هي معادلة صعبة وأخشى أن أقول إن قرونا كثيرة ستمر قبل أن ينهض العالم العربي؛ فليست هناك روشتة للوقت الحالي إلا كبح الانهيار قدر الإمكان.

هل تعتقد، من موقع الخبرة العملية، أن إعلامنا مقصر؟ 

هناك تقصير هائل فيما يخص الإعلام ويرجع لأمرين على الأقل:

 أولا الإعلام الحقيقي سيكون إعلاما صادما، لن تقبله نسبة كبرى من المجتمعات العربية وستتهمه بالخيانة أو العمالة أو الكفر وما إلى ذلك من تهم نعرفها جميعا. فالحقيقة شديدة الوطأة.

الأمر الثاني يرجع إلى أن وعي الإعلاميين هو هو وعي سائر الأمة وهناك تصور لدى الكثيرين مفاده أن الإعلامي أو السياسي ينبغي أن يكون بصيرا فوق العادة بينما في حقيقة الأمر ينبغي على المجتمع بأسره أن يكون بصيرا وهو ما يستلزم مواجهة جملة من المشاكل أولا وعلى رأسها بعث روح الفضول المعرفي مجددا في العقل العربي وهو أمر يتطلب التأكيد أولا على أن العربي القديم لم ينجز معرفة شاملة ولا كلية بل أنجز في الغالب معرفة تخص ظرفه وسياقه وعصره. كذلك يتطلب الأمر إدراك حقيقة أن تراث البشرية كله ملك لنا وليس تراث العربية فقط وأن الحدود الجغرافية والزمنية والمعرفية قد انهارت فنحن الآن في قلب قرية كونية حتى لو لم ندرك هذا وما أنجز في السابق من معرفة وعادات وتقاليد لم يكن في حقيقته أكثر من منجز جماعة قديمة عاشت هنا أو هناك في واقع أطرته وهيمنت عليه الحدود الجغرافية فصنعت ما نسميه الآن الثقافات والعادات والتقاليد الشعبية أو الأممية وقد آن لهذا أن يراجع ويوضع موضع المساءلة في حضرة الإنسان الجديد.

ما مدى فائدة أو ضرر انتماء مصر العربي؟ وماذا عن محيطيهاالآخرين، البعد الأفريقي وحوض المتوسط؟ 

 السؤال عن فائدة الانتماء العربي أو ضرره في تقديري سؤال من العسير الإجابة عليه عبر الدعوة لفصم عرى التماسك العربي فما أصبح بات حتمية بمعني أن لا فكاك من فكرة الانتماء العربي والأفضل أن ينهض العرب معا ولن تنهض دولة وحدها. ونهوض العرب معا سيعني خروج العرب معا أيضا من سيطرة الأسلاف الموتى وقيادتهم لهذه الأمة من قبورهم.

هناك دول عانت من الاحتلال والحروب في الشرق الآسيوي، كانت معاناتها أشد ضراوة، لكنها تجاوزت أزمتها وباتت من النمور والدول التي تنعم برفاهية مجتمعية واقتصادية،

لماذا فقدت مصر، والمنطقة العربية، هذا التحقق؟

هذه الدول لها ميراث من المعرفة مختلف كثيرا.

بعد الأزمات التي تمثل موجات صاعدة هابطة للعلاقات العربية- العربية، ما هو مستقبل المؤسسات المشتركة؟ 

مستقبل المؤسسات المشتركة في مهب الريح ليس فقط لأن التغير هو الثابت الوحيد في أمور كثيرة بل لامتداد الأزمة العربية للعمل المشترك. لضمان استقرار أكثر ثباتا لكن في إطار فكرة التبدل والتحول المستمرين يجب على العرب الخروج من كبوتهم أولا.

الانقسام آفة المجتمعات، ينخر فيها حتى تنهار، ما الأمل الذي نعول عليه في مصر؟ 

الانقسام حقيقة من حقائق العالم العربي الكبرى، ورافده الأساس الاعتقاد في الحقيقة المطلقة وامتلاك اليقين الذي لا يداخله شك. وسيكون العالم العربي كذلك لأمد بعيد حتى تتحقق نهضة معرفية ومصر ضمن هذا وليست بمعزل عنه.

  هل تعتقد أن ما يحدث في الرياضة مرآة لذلك أم أنه مؤشر لانهيار أكبر؟ 

الرياضة مرآة من مرايا كثيرة توضح حقيقة ونتيجة انقساماتنا.

ما هي المصادر المعرفية التي تحرص على عدم الانقطاع عنها؟

القراءة ومتابعة الفضائيات سواء الإخبارية أو الفنية.

إذا كان لديك بيان أخير، أو رسالة خاتمة، ماذا تقول؟ 

أقول للبشرية وللعرب أولا بوصفي عربيا الوجود شديد الغموض فتخففوا من هذا اليقين الذي أوردكم موارد التهلكة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات