الروائية اللبنانية هدى عيد في المشهد السردي الجديد

10:04 صباحًا السبت 6 مارس 2021
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
هدى عيد
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه

الروائية والكاتبة اللبنانية هدى عيد تكتب مشاهد الحياة، وتتوغل عميقاً في نبش أغوارها. تسرد وتبوح وتناور، تحمل كلماتها في متن حبرها ، تستخرجها بحروفها الهادئة والهادرة والهائجة في الوعي ، ولا تتوقف عند منعطفات الوعي ــ الذي يفتح طريق البدايات والتحولات ، طريق الزمن ومفاصله ، تلك الطريق ، أو ذاك الدرب الذي يضعها على تقاطع صعب ، عند مفترقات جمّة ، وعند محور اللغة المفتوحة على تنوعات الحالة ، وعلى الكلام أن يكون الجواب الحاسم في تحديد مسار المعنى والصورة . والأهم في سعيها مع الكتابة هو الوصول الى أرضية ثقافية جديدة عمادها النص الروائي الجديد والحديث ، وتسأل الكاتبة وتقول :

“كثيراً ما أسألُ ذاتي ، أهو الليلُ الذي يحيطُ بنا محفّزي على فعل الكلام، أم هو الشوقُ إلى البياض، إلى مساحاتٍ من صفاءٍ لم تطأها أقدامُنا بعدُ في هذا الموضعِ الجغرافيّ فنروحُ نهجسُ وندأبُ على خلقهِ نديّاً في أحلامنا وفي كتاباتنا؟.
يُخاتلني السؤالُ في هذه الأيام لمَ نكتب بعدُ ؟ وما فائدةُ القولِ أمام هذا العصفِ من العنف يلفُّ حولنا المكان… عنفٌ يلتهمُ كلَّ ما يحيطُ بنا، ويكادُ يقتاتنا ليصبحَ هو السيد الذي يقولُ فيُطاع، ونكادُ نحنُ – الذينَ آمنّا بالإنسان أوّلاً – نتوارى خجلاً من ضجيجه ، ومن قدرته على اختراقنا، وعلى زرع اليأس في حنايانا ، ونحن نراهُ يكسرُ الحدودَ بين المعقول واللامعقول، بينَ القيميّ والمعرفيّ، وبينَ الّلاقيمة والتفريغ والمظهريّ “.


وفي جوابها على سؤالنا ، لمن تتوجهين بهذا الخطاب الرّوائيّ أو هذا التشكيل الجماليّ الفني ؟ تجيب الكاتبة وتقول :
“هل تنحصرُ غايتي على مجرّد الاستمتاع بعملي الفنيّ، وفيه لذةُ القول ، وغواية اللعبة الكلاميّة ؟ أم تراني أسعى لإمتاعَ قارئٍ مفتَرَض ، وملامسَتِهِ ذهنيا ووجدانياً وفنيّاً، معنية ًبإقامة علاقة تفاعلية معه تهجسُ بالبعد الثّقافيّ والإنسانيِّ للأدب، المنتِجِ خطابا ثقافيا إنسانيا، والقادرِ دائما – كما هو مُفترض – على القول وعلى الاختلاف ؟”
تعترف الراوية وتبوح دون مواربة وتحدد هدفها الروائي ، هدف سعيها في الكتابة : “أعترفُ لذاتي ، وللآخرين بسعيي الدائب إلى نصّ روائي مغاير ، أحاولُ من خلاله تنويع كتاباتي السّردية : صياغةً ودلالةً ومقصدية ، متفادية ً الاجترارَ والتكرارَ، هادفةً إلى احتواء بعض ما يجري حولَنا، في هذا المجتمع الرّمليّ الأرضية، من تغيراتٍ متسارعةٍ على صعيد الظروف، وعلى صعيد العلاقات الإنسانية المتبلورة والناتجة عن هذي التّغيرات، مؤمنةً بقدرةِ الرواية – وذلك لكيفيةِ القولِ فيها – على الحملِ وعلى التسريبِ، تسريبِ الكثيرِ من التاريخيِّ والسياسيِّ المتمظهرِ بالاجتماعيّ… وأهمُّ هذا الاجتماعيِّ العلاقةُ بين الإنسانِ وذاتِه، بينَه وبين مجتمعِه، والعلاقةُ بينَ الذكورةِ والأنوثةِ ، هذه العلاقةُ الجدلية ، القديمةُ / الحادثة، والتي تكادُ تشبهُ المرآةَ الصّقيلةَ إذ تعكسُ ما يجري على أرضِ الواقع من طوارئ َ ومن تحولات… وبذلك لا يكونُ هاجسي من الكتابة ماذا أقولُ، وإنّما كيف، كيف أقولُ السرديَّ المنتَجَ من خلال الفني..”


عن روايتها الصادر الأخيرة التي تحمل في طيات حروفها وكلماتها الصراعات والتناقضات الإنسانية المتوترة ، تقول هدى عيد : ” روايتي (سلطان وبغايا) هي روايةُ الصراعاتِ والتّناقضات الإنسانيّة المتوترة ، والمتولّدة عن كثيرٍ من التّحولات المجتمعيّة التي أصابت إنساننا المعاصرَ، أحاولُ من خلالها مسّاً رفيقاً وأحياناً موجعاً لجملة من الصراعات يخوضها الرجل اللبناني المعاصر كما تفعل المرأة ،فأعرضُ لمسألة السلطة المُواربة، والوصولية المهيمنة، وللمظهريّ المنزاحِ عن جوهره، وللدّوسِ اليومي على كلِّ القيم التي صنعت إنساننا في يوم من الأيام، ولأسلط َالضوء كذلك على الجريمة التي لا تجد لها معاقباً ولا رقيباً ،والتي تترك الإنسانَ في مجتمعنا ذاهلاً من إفلات المجرم من العقاب ، ومن توالي هذا الإفلات وصولاً إلى الاستباحة لأبسط الحقوق الإنسانية في زمن الحقوق والعقلنة والانفتاح !

ولذلك وجدتني يوماً أجيب على سؤال عن الجريمة في روايتي السابقة : هل باتت الجريمة قيمةً سردية في نصك ؟ بأن هذه الأخيرة قد باتت شخصاً معنويا حاضراً بوطأة في مجتمعنا ، وعلينا جميعاً أن نحاربَه بشراسة إن لم يكن بالفعل – لعجزنا وقصورنا – فعلى الأقل بالقول وبالمناوءة الفكرية ، وبالإبداعيّ الجمالي الذي يهزمُ أسوأ َما في الإنسان بعد أن… يُظهّرَه …ما دامت الكتابة الإبداعية عموماً ــ تشكّل وظيفةً حقيقةً – كما يرى الناقد الفرنسي رولان بارت – لكونها تربطُ بين الإبداع والمجتمع “.
” هذا الإبداعي الجمالي لن يصلَ ببعده الإنساني إلى العام ما لم ينطلقْ من الخاص ويتحرّى كلّ ما فيه ” ــ تقول الكاتبة عيد ـــ وتضيف قائلة :” أنا أومنُ بأنّ لنا حكايتَنا الخاصة التي تستوجبُ منّا ( فنيّا ًخاصا ً) يقولُها بلغتنا العربيةِ الجميلة ، وأنا أدركُ أني وسواي من الروائيين والكتّاب أمام قارئٍ مختلف، ذي مزاجٍ مستجدّ ، استلبتهُ حركية ُ العالم الحديث بتسارعها وبمشهديتها، وبنبض التحوّل المتراكض فيها، من هنا كان بحثي دائماً عن أسلوب مختلف في المقال “.

تحضر اللغة وتتمحور في إشكالية مفتوحة لدى الكاتبة ، وثمة هواجس في النص الروائي الواسع الذي تبتكره وتهجس به ، وتشرح عيد هواجسها في الكتابة والقول ، معللة ومعترفة قائلة : ” أعترفُ بأنّ هذه الإشكالية هي واحدة ٌ من هواجس الكتابة عندي ، والتي حاولتُ من خلال هذه الرواية ، ومن خلال رواياتي السابقة التّنبه َ لها ، ساعيةً إلى إشراك القارئ في ما تقولُه الرّواية مع استمتاعه بالفني فيها، عاملةً وبإخلاصٍ عبر سطورها على نقل حالات القلق الإنساني لديه ، والإصغاء لإرهاصات النفس البشرية حين تنتشي وتفرح ، وحين تألم ُ وتحزن، وحين تبدعُ وهي تقول ، ساعيةً إلى خلق عالمٍ تخييليّ يحيلُ على الواقعيّ المرجعيّ الشائهِ ، لعلنا نعيدُ استقراءه ، عوضاً عن الهرب من هذا الواقعيّ المأزوم ، والاكتفاء بمجرد التفيؤ بظلال الأدب الوارفة ، لئلا يكون فيؤها مجرد طيف يعبر إلى حين “.
اللغة في رواية هدى عيد هي لغة غنّاء ، بإيقاع بصري مباشر وعاجل يمكن تلمسه بالعين والإحساس ، ذلك أنها تعطي للصورة المشهدية بعدها التعبيري الواسع ، سرد وقول وصور واقعية وخيالية تمتزج في ذاتها وفي وعي قارئها ، فترسم خطاً متعرجاً دون أن يحيد عن استقامة تفسيرية تعريفية مباشرة . لذلك سلكت الرواية مسافتها التعبيرية بهدوء ، ووصلت الى قارئها مستوفية شروط طرحها وتفكيكها على مساحة الوعي ، بما يضمن حرية المعنى والوصف والتعبير والقول والرأي . وترى الكاتبة ، بأن ” اللغة في الرواية هي لغة أخرى ، تكاد تكون لغة منفصلة وخاصة تخص كاتبها فقط بمعنى أن اللغة الروائية هي فعل ابتكار وابداع ، فعل اجتراح وتحول ، ولا يمكن لكاتب أو كاتبة أن تكون لغته الروائية هي نفسها. كل رواية تحمل لغتها الخاصة ، ولا يستقيم الإبداع الروائي خارج هذا الوعي المستجد ، والذي يجب أن يستجد ، قبل وأثناء وبعد كتابة الرواية وإنجازها “.

One Response to الروائية اللبنانية هدى عيد في المشهد السردي الجديد

  1. محمد درويش الاعلامي الشاعر رد

    6 مارس, 2021 at 12:13 م

    هدى عيد الروائية الجميلة لغة وهدوء تحت ضوء قلم الشاعر الناقد الباحث المنقب الادبي الشعري الثقافي البارز الأنيق اسماعيل فقيه انما هي رواية حياة بل روائية تستعيد مجد التوصيف الحي في نبرة تستند الى كتلة نورانية من البهاء الذهبي
    انها تسطع في سماء الرواية العربية وتستحق ان تترجم اعمالها الى لغات الارض واكثر تستحق جائزة الروايةالعالمية .
    .. لقد دهشت بالحوار والتحليل والاسئلة والاجوبة
    انا امام موسوعة مكتبة غنية بل اكثر انا امام حياة كاملة لزمن كامل بل حوار الازمنة والامكنة
    حوار يبقى بينما تتساقط كل الاصوات التي تحاول ان تتسلق على الرواية الحديثة
    ان الرواية مع هدى عيد اكثر من اعجوبة
    انها فردوس الكلام المستحيل والحياة الاكثر حيوية ونبض وتقدم
    انها تفوق الشعر في تجلياته
    وتتخطى الادب بكل مكوناته
    ان شخوصها وساعاتها بل نبضاتها اليومية مشروع حياةلا تعرف الغياب …كل الشكر لاسماعيل فقيه على هذه الكتلة الثقافية والفنية والروائية التي ترفض اليأس بل تتمسك بالحياة مع هدى عيد الروائية اللبنانية العربية وغدا” العالمية أيضا”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات