حكايات شهرزاد كوريا: مسافرة مع ابن بطوطة

06:08 مساءً الأحد 16 ديسمبر 2012
إيناس العباسي

إيناس العباسي

شاعرة وكاتبة وصحفية من الجمهورية التونسية، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

اكتشفت ذات قراءة بأنها قد سبقتني إلى “بلد الصباح الهادىء”…شهرزاد …سبقتني إلى كوريا… بحكاياتها …تُراها عبرت البحار مع الرحالة العرب القدامى الذين منحوا كوريا اسمها؟ أو عبر الحكايات الشفوية التي تنتقل من بلد إلى بلد؟ أم تراه ابن بطوطة أهدى كتاب “ألف ليلة وليلة ” لأحد الكوريين، عندما وصل للسواحل الكورية منذ مئات السنوات؟

 كتاب “حكايات شعبية من كوريا” الذي أعدّته ونشرته بالفرنسية “جمعية تحليل الفلكلور” الفرنسية  سنة 1978، كان مثل كنز صغير وجدته في الجزء الفرنسي من مكتبة “مؤسسة الترجمة الكورية”…وبلهفة من يعد نفسه بغنيمة بدأت في قراءته في طريق عودتي وأنا في الـsubway…

 كانت القصص الأولى عادية إلا أن الحكاية التي تحمل عنوان “مارد القارورة في “موكبو” ” (و”موكبو” اسم مدينة ساحلية كورية) هي التي استوقفتني…فهي تحمل نفس تفاصيل حكاية المارد المسجون في القمقم الذي يجده صياد فقير وحين يطلب من المارد أن يكافئه يقررهذا الأخير أن تكون المكافئة موته. نفس الحكاية بحذافيرها ولكن بأسماء كورية مع فرق أن الصياد الطيب يجده في قارورة بدلا عن قمقم ويكون ذكيا بحيث يطلب منه أولا مالا لأبناءه الثلاثة الذين سيتيتموا بعد موته ثم في النهاية يستعمل نفس الحيلة لاعادته داخل القارورة ليعيش مرتاح البال وغنيا..

لا أستطيع أن أجد الا تفسيرا واحدا هو وصول الكتاب إلى كوريا أو شذرات منه عبر حكايات البحارة العرب أو في بدايات القرن الماضي…ولست أكيدة إن كان ابن بطوطة زار كوريا عند مروره ووصوله للصين…فكل ما يُكتب أنه وصل إلى الصخرة الكورية دون تحديد جغرافي أوضح…

وعن نص كتبه الباحث “يونغ جو سونغ” في مجلة فرنسية تعنى بالشؤون الكورية (مترجم عن الفرنسية):

“الأكيد أن أول شعوب غيرآسيوية ذكرت وجود كوريا، هم العرب الذي زاروا شبه جزيرة “الهان” في القرن الثامن ميلادي والتقوا بشعب مملكة “سيلا” (اسم  كوريا من القرن السابع إلى القرن العاشر). فقد كتب جغرافي عربي سنة 966 في كتابه “خلق العالم و التاريخ” : “في شرق الصين، توجد مملكة اسمها “سيلا” توجد فيها الكثير من الخيرات وأرضها خصب، والماء فيها صاف وشعبها لطيف”. وفي خارطة قديمة للعالم رسمها عربي سنة 1104، رُسمت مملكة “سيلا “على شكل جزيرة بجانب الصين. ورغم أنه جغرافيا لم يكن هذا هو الشكل الصحيح للبلاد لكن بالنهاية كانت تلك أول خريطة تذكر كوريا.”

ووفقا لإجابة صديقي الكاتب المسرحي “لي ” عندما سألته عن التجار الكوريين القدامى إن كانوا قد تعاملوا مع العرب أم لا، أجابني بأن العرب هم أول من وصل كوريا من البلدان الغير آسيوية وهناك تمثال  يرمز للرحالة العرب في احدى المدن الكورية القريبة من الحدود الصينية من الجهة الشرقية بالإضافة لمفاجئة أخرى: وجود ترجمة بالكورية لكتاب رحلات ابن بطوطة… لم أعد أذكر الاسم الكوري للمترجم (اسمه العربي كان محمد) لكنني سأعرف شذرات من حكايته من الكاتب “هوانك سونغ يونغ”… الذي أخبرنا حكايته بطريقته الساحرة في السرد: “محمد ولد وعاش في الجانب الشمالي من كوريا قبل أن تُقسم…لم ينتقل إلى الجنوب بعد التقسيم بل اختار البقاء هناك. كان استاذا جامعيا ممتازا، ورغم أن لا علاقة له بمتاهات السياسة إلا أن السلطات الشمالية قررت ارساله لكوريا الجنوبية ليكون جاسوسا لها …قضى في سيول، ثلاثة سنوات من المماطلة، لم يرسل فيها أي تقرير عن الوضع في كوريا الجنوبية وحينما ضغطوا عليه أكثر وحاصروه بشكوكهم كتب تقريرا مزيفا وأرسله من مكتب بريد عادي فقبضت عليه شرطة كوريا الجنوبية بعد أقل من ساعتين. ماشفع له وقلل من مدة السنوات التي قضاها في السجن كونه كان مثقفا وقضى سنوات سجنه في الترجمة والكتابة. ثم عندما أطلق سراحه قررالرحيل باتجاه الجزائر، أيام حربها لنيل الاستقلال حيث كبر حبه للغة العربية ومن هناك ذهب للمغرب ثم عاد لكوريا شغوفا وعاشقا للثقافة العربية…”

لا أعرف إلي أي مدى أثرت به رحلاته وجعلته يترجم كتاب رحلات ابن بطوطة لكنه فعلها وترجم عمل ابن بطوطة للكورية في أربعة مجلدات…معرفتي بأنه تجاوز سن الثمانين وبأنه مثقل بأمراض الشيخوخة وضيق الوقت، فأنا لم أتأكد من أنه يعيش في سيول إلا قبل رحيلي بأسبوع، جعلتاني لا أتمكن من لقاءه…رغم أنني كنت أتمنى أن ألتقي بهذا الرجل الذي وصفه الكاتب “يونغ” بأنه من فرط ما يحب الثقافة العربية… يبدو مثل العرب!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات