أزمات المنطقة وعملية بناء المواقف والجسور مع الآخر

09:03 مساءً الإثنين 24 مايو 2021
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

مع كل أزمة تواجه المنطقة المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط تنشط الدول سعيا إلى إثارة إهتمام الأطراف الفاعلة على المسرح الدولى والإقليمى وكسب التأييد والتعاطف والتضامن والتفهم للمواقف والقرارات وهى عملية بطبيعتها ينجح فيها من إستطاع أن ييبنى على مدار سنوات المواقف والجسور داخل تركيبة صناعة القرار والرأى العام وتحتاج إلى سنوات من التراكم؛ وتعد القضية الفلسطينية بشكل خاص بكل أحداثها وقراراتها وجولاتها والصراع  العربى الإسرائيلى بشكل عام الميدان الأكبر الذى شهد هذا النوع من النشاط الذى غالبا ما تنجح فيه إسرائيل.

يعتقد البعض أن التحرك النشط فقط خلال إدارة الأزمة هو من يوفر عوامل النجاح لها مع إعتقاد أن الحقائق التاريخية والقرارات الأممية والإتفاقيات والمعاهدات والقانون الدولى العام والقانون الدولى الإنسانى وقوانين البحار والأنهار أمور كافية لكسب جولة الصراع فى وقت مرورالأزمة بمراحلها الساخنة. على النقيض يشرع الطرف الآخر فى فترات تسبق تلك المراحل الساخنة فى عملية بناء المواقف المؤيدة ومد جسور التعاون والمساندة حتى إن تصاعدت الأمور يجد المواقف الداعمة التى تمرر له كل قراراته وسياساته ويقف الطرف الآخر الذى هو غالبا الدول العربية فى حيرة من أمرها وأما سؤال يتكرر: “لماذا لا يفهموننا؟”.

وفقا لقواعد اللعبة فإن بعثات الدول والمنظمات فى المنطقة تتكون من أطقم دبلوماسية وأمنية وفنية فى مجالات مختلفة وتعد بالنسبة للدول والتجمعات الكبرى هى الأكبر حول العالم؛ وتلك الأطقم فى كثير من مناطق الصراع الإقليمى تكون شريكا أساسيا فى صناعة الأحداث وتوزيع الأدوار مثلما حدث فى فترة ما قبل وأثناء الربيع العربى؛ وهى تقوم بنقل كل ما يحدث على الأرض وفى الكواليس إلى عواصمها والأجهزة والإدارات التابعة لها فى بلدانها وليست فى حاجة إلى شرح أو تفسير من الدول التى تعمل فيها للمواقف والسياسات؛ وهو ما يسقط عن تلك الدول التى نسعى لتأييدها عنصر الجهل بحقيقة المواقف والسياسات.

وبينما نضيع الوقت والمجهود فى إقناع حكومات وإدارات تلك الدول نتجاهل عوامل الضغط والإقناع التى يجب أن تتركز على المنظومة  وهى الترويج لمواقفنا وحقوقنا من خلال التواصل مع الرأى العام ووسائل الإعلام والصحف والكتاب ومراكز الأبحاث ومؤسسات المجتمع المدنى وعلى وسائل التواصل الإجتماعى وكل وسائط التواصل الفنى والثقافى.

تاريخيا؛ الصورة الذهنية لشعوب ومؤسسات وأنظمة المنطقة العربية داخل تلك الدوائر البعيدة عن العلاقات الرسمية صورة سلبية وهناك حواجز ثقافية ودينية وحضارية تقف أمام وضوح تلك الصورة وبالتالى المواقف والحقوق؛ وهى فى بعض من عناصر تلك الصورة تمت هندسته والترويج له على مدار قرون وعقود ثم جاءت الممارسات الفعلية على الأرض لبعض الأنظمة والحكومات وكذلك الجماعات والتيارات الدينية والإرهابية لتدعم تلك الصناعة وتؤكد على ملامح الصورة وتفقد أى رسالة أو مجهود للإقناع من مضمونه وترى فى الآخر “واحة الديموقراطية” الذى يدافع عن حقه فى الحياة والدفاع عن النفس وسط إقليم إستبدادى يضمر الكراهية للأخر المختلف معه فى الدين والثقافة حتى داخل حدوده.

أضف إلى ذلك الإستثمار الحقيقى للنفوذ المالى والإعلامى والثقافى والمؤسسات التى تمتلكها العناصر اليهودية المؤيدة لإسرائيل فى دحر أى مواقف تستهدف إدانة الممارسات والإنتهاكات، وملاحقة وحصار كل المواقف المعادية من خلال منظومة قانونية ودعائية ضخمة جعلت من الجميع يدفعون ثمن الجرائم التى إرتكبها أدولف هتلر بحق اليهود داخل المعسكرات النازية ويعملون على مدار الأيام والسنين لتعويضهم وحمايتهم من جيرانهم الأشرار كى لا تتكرر جرائم هتلر.

جذور اللوبي:   بن   جوريون ،  آبا إيبان والرئيس الأمريكي هاري ترومان

وقد أدت ممارسات العديد من الأنظمة فى المنطقة على مدار عقود من قمع للحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان مع غياب تام لمفاهيم التنمية البشرية والمواطنة إلى خلق نوع من عدم الثقة فى أى رسالة إعلامية أو ثقافية رسمية أو خاصة تحاول أن تشرح المواقف والحقائق المتعلقة بإستثناء بعض المطالب والمناشدات التى تطلقها مؤسسات المجتمع المدنى وما أصطلح عليه “نشطاء” ترى فيهم الدوائر الغربية أنهم يعانون من القمع الحكومى والأمنى والتضييق والملاحقة؛ وتجاهلت الممارسات الرسمية أن أهم شرط لمصداقية الرسالة الإعلامية والصحفية هو المناخ الذى تبث وتنشر منه تلك الرسالة تشريعيا ومهنيا بما يضمن كل عوامل المصداقية لها. وقدت تم توظيف كل ممارسات القمع لترسيخ الصورة الذهنية السلبية لدول وشعوب المنطقة بطريقة لا تسعى للقضاء على تلك الممارسات بل بالضغط على الأنظمة لتمرير السياسات وحماية المصالح وعقد الصفقات.

ولعل الصراع الدائر حاليا فى الأراضى الفلسطينية  المحتلة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والمدن التاريخية مثل يافا وعكا وحيفا ونابلس وعسقلان وبيت لحم والناصرة واللد وغيرها نموذج لغياب الحقيقة والترويج للرواية الإسرائيلية عن الأحداث فى وسائل الإعلام الغربية الكبرى إلا عدد قليل من الصحف والأقلام الموضوعية التى تساند الحق الفلسطينى؛ مع بعض التظاهرات ومسيرات الإحتجاج المؤيدة لهذا الحق.

فبعد ساعات من الممارسات الإسرائيلية بحق المصلين فى المسجد الأقصى فى شهر رمضان ومحاولات طرد وتهجير سكان الشيخ جراح التى صعدت من الأحداث وتسببت فى دخول قطاع غزة وبقية المدن على خط الصراع؛ قام بنيامين نتانياهو بمحاولة تصوير الصراع على أنه مع جماعات إرهابية تهدد أمن إسرائيل وتهدد سكانها وعاصمتها فى محاولة للقفز على جذور الصراع وبدياته وخلق المبررات القانونية والسياسية لكل الإنتهاكات بحق المدنيين فى القطاع وهى الرواية التى تروج لها كل وسائل الإعلام والصحف المؤيدة لإسرائيل وتعيد ترديها الولايات المتحدة الأمريكية والأتحاد الأوروبى وتمنع عدد من الدول التى تدور فى هذا الفلق من إدانة تلك الممارسات.

إسرائيل مع كل أزمة تستثمر فى الصورة الذهنية لشعوب ودول المنطقة التى جعلت من حقوقها ومطالبها فى مكانة وأولية متاخرة عن أمن إسرائيل وسلامتها وحقها؛ وتستثمر التاريخ  الطويل من بناء الراى العام والجسور الممتدة وهو ما يجب أن نفطن له ونتحرك سريعا لتداركه لان الأمر يحتاج إلى سنوات طويلة ولن يحقق نتائج سريعة ولكن على المدى الطويل.

وبداية يجب أن ندرك أن هناك فراغ كبير فى ما ينشر عن المنطقة باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات المعتمدة من الأمم المتحدة بوجهة نظر دول المنطقة فى ما يتعلق بالملفات الرئيسية والأحداث اليومية من إنتاج مراكز الأبحاث والتحليلات والدراسات والوثائقيات بينما على الجانب الأخر تنتشر وجهة النظر المضادة وتوضع أمام صانع القرار وفى المكتبات ومراكز صنع القرار والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث والجامعات وهو أمر يحتاج إلى توفير كل الإمكانيات لملء هذا الفراغ الكبير ودعم حركة ترجمة كل الدراسات والأبحاث الجادة وزيادة عدد الوسائط التى تتوجه للأخر بتلك اللغات مع الحرص على مبدأ الإتاحة.

كما يجب أن يكون هناك إهتمام بالعنصر الثقافى مع الآخر داخل حدود المنطقة وخارجها لانه أقصر الطرق فى مد جسور الفهم والتعاون وكسر الحواجز وهو ما يتطلب حجم إنتاج ضخم لاعمال فنية ومنتجات ثقافية وإستغلال جيد لاحداث وموارد وثروات وفعاليات وتراث وحضارة ورصيد بشرى.

أن لا تتركز جهودنا فقط على إعادة التذكير بالقرارات الأممية والحقوق الراسخة للشعب الفلسطينى لان الأخر دائما ما يستغل فكرة إعادة طرح الموضوع للمناقشة؛ ويجب أن يركز خطابنا الإعلامى والسياسى على الإنتهاكات والعمل مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدنى فى تلك الدول لتوثيق تلك الممارسات وإدانتها من خلال شهادات غربية مستقلة.

ولن أعيد وأكرر على أهمية إستغلال الحضور الإقتصادى والمالى للدول العربية فى الإستثمارات الغربية حيث جرت العادة على تحييد هذا العنصر الأهم فى العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بل تحول فى كثير من الأحوال إلى تهديد وضغوط وإبتزاز.

وفى الختام يجب التذكير بأن مناخ العمل المهنى والتشريعى الذى تعمل فيه وسائل الإعلام والصحافة العربية فى حاجة إلى إصلاح هيكلى وضمانات متفق عليها لتحقيق المصداقية المطلوبة للصحفى وللوسيلة التى تبث الرسالة الإعلامية والصحفية عن أحداث وقضايا المنطقة بالتوازى مع توفير بيئة عمل مهنية للمراسلين الأجانب دون تصنيف وإحتواء كل الأخطاء والخطايا التى  ترتكب أحيانا من بعضهم فى اطار لا يتم إستغلاله وتوظيفه ضدنا بداية بتوفير المعلومات والمصادر والبيانات وحرية الحركة وهو ما يسهل عملية الحساب والمسألة فى حالات التجاوزات المهنية الصارخة.؛ مع التأكيد على أن كل ما ذكر من عناصر وعوامل يصلح للتطبيق على كل الملفات والقضايا التى تتعلق بالحقوق والمطالب ومصائر شعوب المنطقة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات