الشيخ عماد والشيخ زوما

09:23 صباحًا الثلاثاء 18 ديسمبر 2012
محمد فتحي

محمد فتحي

كاتب مصري، وأكاديمي وإعلامي، معد للبرامج التلفزيونية. وتنشر مقالاته في الصحف المصرية والعربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الشيخ عماد عفت

أدخل الأزهر.. هدوء شديد وخشوع له جلاله.. أجلس فى حضرة شيخ عمود يشرح درساً عن الفقه. أنظر حولى فلا أجد أحداً فى انتظار جنازة الشيخ عماد عفت الذى قتلوه فى مجلس الوزراء، أكاد أبكى، قبل أن يعلن الشيخ أن صلاة الجنازة ستتأخر من الظهر إلى العصر، أجول ببصرى فأجد الشيخ محمد عوض المنقوش يستمع للدرس وهو يبكى، أصافحه وأعزيه فيزيد بكاؤه، أتماسك وأنا أسأله: أين هو الآن؟، فيرد أنه فى المشرحة، نخرج إلى هناك، لم أكن أعرف الشيخ عماد الأزهرى المحترم حامل كتاب الله الذى انتصر لدين الله على شيوخ السلطان، وكان ينزل «التحرير» فى الثمانية عشر يوماً، ثم وجد نفسه وهو الضئيل الجسد عظيم الشأن والقدر وسط «موقعة الجمل» فظل ينظر حوله فى دهشة وهو يبسمل ويحوقل، قبل أن يجد نفسه يحمل الطوب للمتظاهرين ويقذف معهم ضد المعتدين، ويصبح الشيخ أيقونة الثورة داخل الجامع الأزهر، لكنه لا يتاجر بذلك، ويختلف مع أستاذه على جمعة، مفتى الجمهورية، فلا يترك جمعة إلا وينزلها مدافعاً عن الحرية ضد أى ظلم من أى جهة، غير متاجر بعباءته وجبته وقفطانه ولحيته الخفيفة، ويخلع كل ذلك قبل أن يقبّل أبناءه وينزل، حتى كان ذلك اليوم عند مجلس الوزراء لتأتيه الرصاصة وترديه قتيلاً على الفور. نصل للمشرحة، الكل يبكى، والكاميرات تصور، يصطحبنى زميل ليهمس لى: أحد الأطباء الشرعيين قال لى إن الرصاصة التى قُتل بها الشيخ عماد تستخدم فى قنص الحيوانات البرية. أنتفض وأكبح جماح دموعى، أتلفت حولى فأجد الشيخ أنس السلطان وعدداً آخر من تلاميذ الشيخ عماد يجهشون بالبكاء، نسأل عن الشيخ، فيقولون إنه بالداخل ينتهون الآن من غسله، أتأبط ذراع الشيخ المنقوش ونتجاوز زحاماً كبيراً فى ممر ضيق يبكى فيه الجميع، نصل للباب، ندخل، أجد جسده الطاهر ممدداً ملفوفاً فى كفنه، وقد أزاح أحدهم جزءاً صغيراً جعلنى أقبّل رأسه، أتماسك وهم يطلبون منى الخروج حتى يدخل غيرى. ننتظر حتى خروج السيارة التى تقل الشيخ عماد فى زيارته الأخيرة للجامع الأزهر، نصل فلا نجد موطئاً لقدم. يهتف الجميع: أيوة بنهتف جوه الأزهر.. يسقط يسقط حكم العسكر. يحاول المفتى أن يتحدث فتقاطعه الهتافات. ينبه البعض لحرمة الهتاف فى بيت الله فيتجاهله الجميع: أيوة بنهتف جوه الأزهر.. يسقط يسقط حكم العسكر. يكلف المفتى أحدهم ليقرأ القرآن لعله ينجح فى إخراسنا، فيزيد الهتاف: أيوة بنهتف جوه الأزهر.. يسقط يسقط حكم العسكر. الصلاة جامعة.. الصلاة جامعة.. نصطف سريعاً.يقف المفتى إماماً، ويقول «الله أكبر». وهنا فقط أجد نفسى أبكى كما لم أبكِ فى حياتى. أقرأ «الفاتحة» وكأنها للمرة الأولى. «الله أكبر» ينتفض جسدى وأنا أصلى وأسلم وأبارك على سيدنا محمد وآله. «الله أكبر» أدعو له، وهل يحتاج دعائى؟؟.. «الله أكبر»: بماذا أدعو لنفسى والمسلمين يا ربى.. يسقط يسقط حكم العسكر. نُسلِّم. يبدأ الهتاف. يتم تهريب المفتى من أحد الأبواب الجانبية وحوله تلاميذه بينما هو الآخر يبكى وهو يقول: قتلوا ولدى.. قتلوا ولدى. نمشى مع الجنازة من الأزهر وحتى المقابر. يا الله.. يااا الله.. أى رائحة زكية تلك التى استقبلتنا حين وصلنا، والزحام يزداد ويزداد. بعد الدفن كان إبراهيم الهضيبى أحد أصدقاء وتلاميذ الشيخ عماد يجلس وهو يبكى مبتسماً فى الوقت ذاته، ولا يتحدث أو يرد على أحد. يومئ فقط برأسه. أدعو الله أن ينصر الثورة نصراً لا لبس فيه ولا يحميه غيره، وفى ليلة الذكرى الأولى لرحيل الشيخ عماد يخرج أتباع الشيخ حازم أبوإسماعيل ليحاصروا حزباً، ويقول مدير مباحث الجيزة إن لديه معلومات أنهم فى طريقهم لمحاصرة جريدة «الوطن». يرفض زملاؤنا مغادرة المكان من أصغر محرر كان موجوداً، إلى رئيس التحرير. اختلف معهم كما تريد. طالب بتطهير الإعلام منهم ولا تسمع سوى الصوت الذى تريده والرأى الذى يعجبك لكنهم (أرْجَل) و(أجدع) من شيخ كوَّن ميليشيات ترهب معارضيه. شيخ أمه أمريكية ولم يخرج الـ«جرين كارد» الخاص بها حتى الآن. شيخ يدعو للاعتصامات ويهرب (عشان رجله واجعاه) ويتسبب فى مصائب. شيخ يهاجم إعلاماً كان ضيفه وما زال. شيخ اعتصموا من أجله عند وزارة الدفاع وتعاطفنا معهم ونزل كثيرون للتضامن معهم، وكذبوا من قال إنهم يحملون سلاحاً فى مواجهة الجيش، ثم كان دائماً أول الهاربين. شيخ له مريدون ينصبونه صنماً، فى وقت لن نتخاذل فيه أبداً عن وضع فأس سيدنا إبراهيم فى عنق كل الأصنام لفضحهم، ولن نكف عن تذكير الناس بأن شيخاً حقيقياً اسمه عماد عفت مات، وترك لنا الشيوخ الصينى.. آسف.. ولاد الأمريكية.

أما بالنسبة لـ«حازمون» الذين طالما أحسنت الظن بهم، فليذهبوا لتحرير الأقصى، أو يحاصروا رئيساً وعدهم قبل الانتخابات بتطبيق الشريعة ثم (خلى بيهم)، بدلاً من محاصرة معارضيهم.

عزيزى عضو «حازمون»: أقول لك.. روح العب يوجا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات