لقد طفح الكيل: بقلم إبراهام ميلتسر

11:40 صباحًا السبت 31 يوليو 2021
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
Abraham Melzer

منذ اندلاع الحرب الاِسرائيلية الوحشية، التي حصدت أرواح المواطنين العزل وغالبيتهم من النساء والأطفال في قطاع غزة ومناطق أخرى من فلسطين، والتظاهر السلمي في ألمانيا، تضاما مع قضية الشعب الفلسطيني، كنا نتابع بانتظام ما يصدر عن الصحافة الألمانية، ورصدنا مجموعة كبيرة من المقالات التحليلية، سوف نقوم بتقديمها وترجمتها تباعا. ونبدأ بمقال الكاتب الألماني اليهودي ابراهام ميلتسر، الذي نشر بتاريخ 22 مايو 2021، عن الصراع الدموي بين إسرائيل والفلسطينيين ونقده للسياسة الاِسرائيلية، وازدواجية  المعايير لسياسة الحكومة الألمانية اتجاه القضية الفلسطينية، ناهيك عن الاِعلام الألماني. يمكن القول بأن في هذا المقال من المقالات النادرة التي تطرقت للموضوع بنقد حاد للسياسة الاستعمارية الصهيونية، وقد أتهم  الكاتب من أبناء جلدته بمعاداة السامية كونه في كتاباته يحلق خارج السرب. هل يمكن أن تكون تحليلاته واستنتاجاته لهذه القضية المعقدة قابلة للنقاش، خاصة في الاوساط الألمانية اليهودية، هذا ما سنعرفه في القادم من الأيام.

تقديم وترجمة فادية فضة و. حامد فضل الله (أوراق ألمانية)

إلى النص

أصبحت الهستيريا بين السياسيين ووسائل الإعلام في المانيا لا تطاق، نظراً للأحداث في إسرائيل، التي تطلق عليها القناة التلفزيونية الثانية (ZDF) “الأرض المقدسة”. لم يعد بإمكان المرء أن ينتقد هذه الهستيريا أكثر من ذلك، لأنها تشبه محاولة صب الماء في دلو مثقوب القاع. تشبه ليالي القصف في تل أبيب مثلها في غزة، على الأقل من حيث خوف السكان، ولكن للأسف الكثير من الإسرائيليين يصدقون أكاذيب حكومتهم، ولا يختلف الأمر في ألمانيا. يخاف المُحتِل والمُحتَل من حرب وشيكة ومن مستقبل مجهول. لا يوجد رابحون في الحرب، بل خاسرون فقط. ونخاف نحن في ألمانيا من احتجاج الشباب الفلسطيني والمسلم اليائس ونحمي أنفسنا من خلال وصفهم بأنهم معادون للسامية. قالت امرأة يهودية تعيش في إسرائيل، في مظاهرة مؤيدة لإسرائيل في ميونيخ، إنها كانت خائفة في ميونيخ أكثر من سديروت، حيث تسقط الصواريخ من غزة كل يوم. هذه ليست مجرد مبالغة، إنها حالة مرضية تمامًا. أفادت الشرطة ووسائل الإعلام أن جميع التجمعات والمظاهرات كانت غالباً سلمية. كيف يجب على المرء أن يكون دوغمائياً، ليس ليتغاضى عن ما يحدث في ألمانيا فحسب، بل ليتغاضى عن ما يحدث في سديروت أيضاً.

يُطرد الفلسطينيون من مساكنهم ومنازلهم في القدس الشرقية منذ سنوات. يجب عليهم إفساح المجال للمستوطنين اليهود القوميين المتدينين. ما يحدث حاليًا في حي الشيخ جراح ليس مثالًا نمُوذَجياً على التطهير العرقي وعنف الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وبل مثال على سياسة البطش لرئيس وزراء يميني رجعي استبدادي مستعد للتضحية بالجنود الإسرائيليين والمدنيين الفلسطينيين لمجرد صرف الانتباه عن محاكماته والبقاء في السلطة أيضاً. وبما أن نتنياهو لا يملك أغلبية لتشكيل ائتلاف، فإنه يسعى إلى التصعيد في القدس من أجل دق إسفين بين خصومه السياسيين، وهو ما نجح في فعله أيضاً، لأن حزب (القائمة العربية الموحدة) (Raam) الذي كان مستعداً مع خصومه لتشكيل ائتلاف، قد ألغى هذا التحالف بالطبع في ضوء التطورات الأخيرة.

بدأ الفلسطينيون في غضون ذلك يقاومون. وعندما أصبح ذلك معروفا دوليا، زحف الصحفيون والسياسيون المنافقون من جحورهم في كل مكان. إنهم يعرفون كيف يجب عليهم أن يكتبوا دون سابق معرفة: مؤيدون لإسرائيل من ناحية، ومحرضون من ناحية أخرى. وعبّرت المجلة المحافظة “فوكوس” (Focus) بشكل بارع، عبر مراسليها أولريش رايتس (Ulrich Reitz) وهوغو مولر فوج (Hugo Müller-Vogg) عن جهلها، بصوت عالٍ ومسموع بوضوح، وسياسيون مثل هايكو ماس (Heiko Maas) (وزير الخارجية) وجيم أوزديمير (Cem Özdemir) (حزب الخضر) يتحدثون عن معاداة السامية، كما لو أن ذلك يمكن أن يفسر الوضع في إسرائيل / فلسطين فقط.

هكذا يكتب رايتس – إذا كان بإمكاني البدء بالفقرة الأخيرة من كراسته ــ بأن شعار بالي روتس (الجذور الفلسطينية) (PaliRoots)  يظهر خريطة لإسرائيل بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية بالألوان الفلسطينية – بعبارة أخرى: “لا تعترف المنظمة بحق دولة إسرائيل في الوجود”. هل هذا دليل على السياسة الفلسطينية أم هو دليل على تأويلات قهرية؟ لكن هناك شيء واحد مؤكد: إسرائيل بالتأكيد لا تعترف بالحق في وجود دولة فلسطين.

فقط الشخص الذي لا يرغب بالإطلاق معرفة الأوضاع المحلية، لا يستطيع فهم ترابط العلاقات. بالي روتس (الجذور الفلسطينية) هي علامة تجارية للمنتجات الاقتصادية. تأسست بالي روتس في عام 2016، وتتمثل مهمتها في توعية العالم بالثقافة الفلسطينية من خلال إنشاء منتجات متخصصة مستوحاة من تلك الثقافة.

يرسم الشعار الخطوط العريضة للانتداب السابق لفلسطين. كيف يُفترض أن تنقل العلامة التجارية البيان السياسي بأن إسرائيل غير موجودة أو أن حقها في الوجود غير معترف به؟ في أحسن الأحوال، تشير العلامة التجارية إلى أصل البضائع من منطقة الانتداب السابقة.

ومع ذلك، إذا استأجرت سيارة في إسرائيل، فستحصل على خريطة طريق مجاناً. وهي خريطة صادرة عن وزارة النقل الإسرائيلية. تماماً كما هو الحال على خريطة بالي روتس، لا توجد حدود عليها أيضاً. مع ذلك تشير شركة تأجير السيارات بأن التأمين صالح فقط “داخل حدود إسرائيل”. وأين هي الحدود الموضحة في خريطة الوزارة هذه؟ لا إجابة! لا توجد حدود. تتطابق خرائط تأجير السيارات مع خرائط الحكومة ولا يُسمح بتقديمها إلا بهذه الصورة.

لكن يعتقد في هذا البلد أن اللوم على الخطوط الحدودية المفقودة في الخرائط يمكن إلقاءه على الفلسطينيين. لماذا تنتقي وسائل الإعلام الألمانية الحقائق اعتباطيا، من أجل استخدامها سياسيا بصورة مفضوحة؟ بالنسبة إلى يوليوس شترايخر، محرر دير شتورمر (Stürmers) (صحيفة نازية)، كان اليهود شيئاً مثل الجرذان. ويظهرون أيضاً في مجلة شترايخر كممثلين لرأس المال الأمريكي. على أية حال، هم في الأساس مسؤولون عن كل شيء (اليهود هم مصيبتنا!). ويمكن للمرء ان يعتقد أن اولريش رايتس (Ulrich Reitz) و هوغو مولر- فوج (Hugo Müller-Vogg) ينسخون من المعلم القديم يوليوس شترايخر (Julius Streicher). بفعلهما ذلك، ولكنهما يغيرون صورة العدو فقط: بالنسبة لهما، يقع اللوم على الفلسطينيين أساساً في كل شيء.

لم يتورع هوغو مولر- فوج عن الإساءة، لدرجة أن يتهم غريتا تونبرغ (Greta Thunberg)، أيقونة المناخ الشابة من السويد، باستغلال مشاهيرها من أجل “دعم مساعي الإرهابيين الفلسطينيين للقضاء على إسرائيل وشعبها”. كانت جريمة غريتا هي أنها عممت رسائل اليهودية الكندية ناعومي كلاين (Naomi Klein) على الملايين من متابعيها على تويتر. بالنسبة لمولر- فوج، فإن اليهودية ناعومي كلاين هي “كارهة لإسرائيل” لأنها تتهم إسرائيل بحق “بجرائم حرب تلو الأخرى”. ناعومي كلاين تفعل ما يمليه عليها ضميرها. الأشخاص الذين ليس لديهم ضمير يمكنهم فقط، الحكم على ذلك. ويستحسن أن يظل مولر- فوج صامتاً. فبمثل هؤلاء الأصدقاء، لا تحتاج إسرائيل حقا إلى أعداء.

يسمع المرء ويقرأ بشكل حصري تقريبًا من “حماس الاِسلاموية الراديكالية”، التي تُمول “بأموال أجنبية” – من إيران بالطبع. يُزعم أن حماس تريد “إلقاء اليهود في البحر”. لم ترم، في الواقع حماس يهودياً واحداً في البحر، منذ قيام دولة إسرائيل. الإسرائيليون، على سبيل المثال، دفعوا مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الصحراء. ومع ذلك، يتم تمويل إسرائيل بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة وألمانيا.

قال الإمبراطور فسبازيان (Kaiser Vespasian): المال لا ينتن (Pecunia not olet). إذا كانت رائحة أموال الإيرانيين كريهة، فإن أموال الأمريكيين ستنبعث منها روائح كريهة أيضاً، خاصة وأن الأموال الإيرانية تتكون فقط من أموال مدفوعات أمريكية للنفط.

تأسف أولريش رايتس من أن مدينة هاجن أنزلت علم إسرائيل الذي تم رفعه في الأصل في ذكرى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا وإسرائيل (12 أيار / مايو 1965).تُبين عملية الأنزال بالنسبة لرايتس “عجزاً في الديمقراطية”. لماذا؟ كتب رايتس: “كان بعض المواطنين قد اعتبروا، بأن رفع علم إسرائيل تحيزاً من جانب واحد لصالح إسرائيل، في الصراع العسكري الحالي بين إسرائيل وحماس”.

ألم يتصرف مجلس المدينة بذكاء عندما أنزل العلم بناء على طلب المواطنين المعنيين، فربما أراد المتظاهرون الغاضبون حرقه؟ بما أن حماس هي منظمة إرهابية بالنسبة للسيد رايتس، فمن المحتمل أنه كان يأمل في حدوث صخب. من الواضح أنه محبط، لأن مجلس المدينة أفسد متعته.

قال موشيه تسوكرمان (Moshe Zuckermann)، الأستاذ المتقاعد بجامعة تل أبيب، أثناء مقابلة في هذه الأيام: “حقيقة، أنه بعد يوم واحد من تصاعد العنف، رفع رئيس البلدية في شارلوتنبورغ العلم الإسرائيلي لإظهار تضامنه مع إسرائيل، ملأني شعور بالاشمئزاز، لا يقل عن حقيقة، بأن منتقدي إسرائيل يجب أن يكونوا معاديين للسامية بالإطلاق”. لذا لا يسعني إلا أن أوافق على قوله.

ويواصل موشيه تسوكرمان: “معاداة السامية خطأ فاحش، نريد أولاً، أن نتمسك بذلك أيضاً”. ولكن خطرها اليوم أصغر بكثير مما كان عليه في السابق. تعد معاداة السامية بالطبع، واحدة من أسوأ أشكال الإساءة في التاريخ. لذلك يجب محاربتها. وكما يجب القول بان أولئك الذين يعتقدون بوجوب إظهار التضامن مع إسرائيل ومحاربة معاداة السامية فيها، لديهم صورة خاطئة تماماً أيضاً. لقد فعلت إسرائيل الكثير لتصبح معاداة السامية عُرفاً قائماً في العالم العربي”.

لكن رايتس ومولر – هوغو ليسا وحدهما: يخلط العديد من الصحفيين والكتبة الآخرين، بين الغضب المبرر من الشباب العرب والأتراك ضد إسرائيل وبين “كراهية اليهود”. لم يمض وقت طويل على كره الألمان في “وسط ألمانيا” للروس، لأنهم احتلوا بلدهم. ألم يهتف الناس في ألمانيا الغربية في المظاهرات “اذهب يا أمريكي إلى بلدك”؟ وما أطول قائمة الشعوب في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وشرق آسيا، الذين يكرهون الغرينغوس واليانكيين؟ من طبيعة الأشياء أن يبدأ الشعب الخاضع تحت الاحتلال عاجلاً أم آجلاً في كره مضطهديه. بعد 70 عاماً من القمع الوحشي، يكره الفلسطينيون اليوم حتماً الإسرائيليين. اليهود أيضاً كرهوا ذات مرة محتليهم اليونانيين والرومان والبابليين والمصريين وانتفضوا ضدهم. وإذا كان المحتلون إسرائيليين، فإن كرههم ليس بالضرورة معاداة للسامية. بعد كل شيء، كان العرب والفلسطينيون يكرهون ويحاربون الأتراك، الذين احتلوا أرضهم وقيدوا استقلالهم. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، لم تكن معاداة السامية. قالت السفيرة الفلسطينية د. خلود دعيبس بمناسبة مقابلة مع دويتشلاند فونك، “إنه استخفاف بالاحتجاجات عندما توصم بأنها معادية للسامية”. كان من المحرج سماع المذيع وهو يضغط عليها لتنأى بنفسها عن قصف تل أبيب. لم أر قط سفيراً إسرائيلياً يطلب منه النأي بنفسه عن قصف غزة.

يشير مصطلح “معاداة السامية” إلى كراهية غير مبررة وعنصرية وغير عقلانية، كما كانت في ذلك الوقت في ألمانيا، حيث لم يقم المواطنون اليهود بأي حال من الأحوال بقمع الألمان، ولكنهم كانوا مكروهين منهم رغم ذلك. لا يحب أولريش رايتس وجوقته التفريق بين ذلك.

ولكن إذا كان هناك معاداة، فلسطينية أو تركية للسامية أو أي نوع من معاداة السامية، تطور من خلال النقد لإسرائيل، فهذا بالضبط ما يريده الإسرائيليون، لأن معاداة السامية تخدم الدعاية الإسرائيلية. المرء بحاجة إلى معاداة السامية ليتمكن من القول: “العالم كله ضدنا. لهذا السبب لا نسمح لأي شخص أن يملي علينا أي شيء”.

هذا يذكرني بقصيدة هاينريش هاينه من عام 1824:

الى ادوم

ألف عام واكثر

نتسامح بود

ستسامحني،

وأتحمل أنا غضبك.

في الأوقات العصيبة فحسب

كان لديك عزمُ عجيب

والأنامل الورعة

تلونها بدمي!

ولا تزال تقوى كل يوم.

إذ بدأتُ الآن بالغضب

صداقتنا تزداد قوة الآن

وسأكون صنوك.

** خلفية القصيدة: عانى الشاعر هاينرش هاينه من الاندماج ومعاداة  السامية طول حياته، التي أضعفت شهرته، فالمقابلة بين “أنا وانت في القصيدة: تعني أنا اليهودي، بينما أنت المسيحي (المترجم).

لقد أصبح اليهود كإسرائيليين فعلاً مثل كل الشعوب، وكان ذلك أحد أهداف الصهيونية. لهذا السبب لا يهتم رايتس بالفرق بين الكراهية المبررة للفلسطينيين لمحتليهم الإسرائيليين وكراهية معاداة السامية الألمانية لمواطنيهم اليهود.

الإسرائيلي المكروه هو يهودي مثل المواطن اليهودي المكروه في ألمانيا، حسب الصيغة القديمة “اليهودي يهودي” كما رُوج له في “ستورمر”. قد يكون صحيحاً أن هجرة الشباب المسلمين (يكتب رايتس، بالطبع، “الاسلامويين”) قد فشلت في بعض الأحيان. لكن بالتأكيد ليس فيما يتعلق “بمعاداة السامية”. عدد الحوادث المعادية للسامية المزعومة، بين حوالي مليون مهاجر منخفض للغاية بحيث يصعب التعبير عنها بالنسب المئوية. لا، لم يكن المرء “حسن النية جداً” أو “ساذجاً جداً” تجاه الشباب الفلسطيني فحسب، بل على الأصح على يد الكتاتيب مثل هنريك إم برودر (Henryk M. Broder) “المسموم” بالشعار الإسرائيلي: “هذا صحيح، لقد تم طرد الفلسطينيين، ولكن للأسف ليس بعيدا بما فيه الكفاية.”

بالمقارنة مع تحريض برودر، فإن تحريض بنيامين نتنياهو ضد العرب واليساريين هو أكثر خبثاً وخطورة وغير مسبوق في تاريخ إسرائيل. إنه السياسي الذي حاول بكل قوته – فرق تسد (divide et impera) – أن يفرق ليحكم. لكن في النهاية نجح في الانقسام فقط، وهذا ما نرى نتيجته اليوم. لكن ما الذي يهمنا بشأن نتنياهو. يجب على الإسرائيليين الاهتمام به. ولكن لنعود إلى دارنا.

بشر جيم أوزدمير في جريدة اليوم (heute Journal) بالحرية والاستقلال والحق في التظاهر. هذه الحقوق الأساسية، بالنسبة له، هي امتياز “أيضاً للأتراك والفلسطينيين هنا”. إنها تجد تحديدها في القانون الأساسي والقانون المدني – وفي المصلحة الوطنية. وبالتالي يضيف أوزدمير : “سيشمل هذا الواجب، اعتراف أولئك الذين فروا إلى ألمانيا بوجود دولة إسرائيل”.

يمكن للمرء أن يأمل فقط أن يكون هناك سياسيون في حزب الخضر لا يربطون ذكرى أوشفيتز، ذنبنا والتزامنا تجاه اليهود بالتزامنا تجاه إسرائيل. لأن جيم أوزدمير يطالب أكثر من أنجيلا ميركل ببيانها الغامض بأن أمن إسرائيل، هي “مصلحة وطنية المانية”، والذي وصفه المستشار السابق هيلموت شميدت ذات مرة بأنه “أخرق”.

لماذا يجب أن يكون النقد، حتى النقد المبرر لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، دائماً معادياً للسامية، عندما يتعلق الأمر بالأوضاع في الشرق الأوسط؟ ألا تعطينا إسرائيل أسباباً لانتقاد سياساتها كل يوم تقريبًا؟ أليس يشجع هذا في الواقع على معاداة السامية، إذا فرض على المرء التصفيق على سياسة إسرائيل بهذه الطريقة؟

وكما نصح أوزدمير الفلسطينيين في إسرائيل وفلسطين المحتلة عسكريا على تحمل الاحتلال. كما حذر من التمرد على القمع، لأن التمرد على إسرائيل يعني معاداة السامية. إلى هذا الحد، اندمج أوزدمير، وهو طفل من المهاجرين الأتراك، في المجتمع الألماني بطريقة مثالية. حتى أنه ملك ناصية لغة النفاق، اللغة الفيلوسامية (Philosemiten).

كتب شلومو ساند (Schlomo Sand) في الفصل الأخير من كتابه الأكثر مبيعاً “اختراع الشعب اليهودي” الصادرفي عام 2008 ، بشكل تنبؤي، أنه عاجلاً أم آجلاً سينتفض الفلسطينيون الذين يعيشون في إسرائيل ويطالبون بالحرية والمساواة. وسوف  ينضم إليهم بعد ثلاثة عشر عاماً، حتى أحفاد المسلمين الذين هاجروا إلى ألمانيا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بغض النظر عما إذا كانوا قد أتوا من تركيا أو المغرب. الفلسطينيون القلائل نسبياً ليسوا وحدهم. لقد أصبح الوضع عباً كبيرا على الجميع. لقد طفح الكيل. كما أن غضبهم موجه ضد الجاليات اليهودية في ألمانيا، التي تقف وراء، وهم إسرائيل، في موالاتها المرضية ونظرتهم الضيقة، حتى نكران الذات. كما تمتد الكراهية علينا وعلى الصحافة الألمانية، وبالضرب بلا كلل ولا ملل على الطبل وترديد الأسطوانة: “انتقاد إسرائيل معاد للسامية”.

ويضاف إلى ذلك؛ الصراع الذي يتداخل مع صراع آخر. إن “حراس الأسوار (الحدودية)” العسكرية، كما تسمى الحرب على غزة، وهم في عين الوقت حراس وظيفة بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء. وهذا ما يمكن قراءته في الطبعة العبرية من صحيفة هآرتس. و كيف يعاتب نتنياهو بسبب ترويجه  للتصعيد، وبالتالي عليه أن يتحمل وحده المسؤولية عن تطورات أخرى. عندما يتحدث د. جوزيف شوستر”نا” (Dr. Joseph Schuster)، رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، عن “السبب والنتيجة”، فهو من حيث المبدأ على حق، إذا لم يخلط بين السبب والنتيجة: يشكو شوستر من عدم التمييز بين اليهود والإسرائيليين. لكن أليس هذا خطأه في المقام الأول، بعد أن كان يقف وراء السياسة الإسرائيلية بلا نقد منذ سنوات؟ صرحت الرئيسة التي سبقته د. شارلوت كنوبلوخ (Dr. Charlotte Knobloch) علناً، بأن قلبها ينبض دائمًا لإسرائيل. لذلك ليس من المستغرب أن يفترض العديد من الألمان أن جميع اليهود عمليا يدعمون إسرائيل. وهذا ما يراه معظم المسلمين أيضاً.  أما القول، كما قرأت في صحفنا، بأن حماس بدأت الحرب، لا معنى له، مثل القول في بداية الحرب العالمية الثانية، بان اليهود أعلنوا الحرب على ألمانيا.

لذلك لا ينبغي أن يتفاجأ أحد إذا كان التظاهر ضد إسرائيل أمام التجمعات اليهودية أيضاً. هناك يطالب المرء من المواطنين اليهود بموقف غير نقدي تجاه الأحداث. يوجد في ألمانيا سفارة إسرائيلية واحدة فقط، ولكن توجد في جميع أنحاء البلاد مجتمعات يهودية (وللأسف) معابد يهودية “شبه إسرائيلية”. أليست الجاليات اليهودية نوعًا من “دولة داخل دولة”؟ أليست صور الرؤساء الإسرائيليين معلقة في جميع المجتمعات اليهودية، أليس العلم الإسرائيلي معلقًا في كل جالية، وهل هي محمية من قبل قدامى المحاربين في الجيش الإسرائيلي أيضاً؟ وهل يصلى من أجل سلامة جنود الجيش الإسرائيلي في الطقوس الدينية وليس لرفاهية جنود الجيش الألماني؟

أليس من النفاق التشهير بالشباب الفلسطيني بسبب معاداة السامية لأنهم يحتجون على سياسات إسرائيل أمام الجاليات اليهودية. تمثل هذه الجاليات، السياسة الإسرائيلية في ألمانيا، وهي ملتزمة بها علانية. طالما لم يتم إشعال النيران في المعابد اليهودية هنا، كما كان الحال من قبل النازيين، فإننا نحن اليهود سنكون قادرين و يجب علينا أن نتحمل القليل من الصخب إذا كنا نقف وراء إسرائيل.

ترتفع أصوات العديد من اليهود في إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا ضد سياسة إسرائيل العدوانية. ويصبح هؤلاء اليهود في المانيا فقط، فاقدي مصداقية ويتم وصفهم بالخونة أو كارهي أنفسهم كيهود وسيئو السمعة ومعادون للسامية، مثلما نعتتني كنوبلوخ مؤخراً بذلك .

يمثل دكتور شوستر وشارلوت كنوبلوخ اليهود الذين يؤمنون بإسرائيل في ألمانيا. أشك فيما إذا كان لهما تعاطف مع اليهود والإسرائيليين الذين ينتقدون إسرائيل. من الواضح أنهما يفتقران إلى البصيرة السياسية. لن يتعب دكتور شوستر أبداً من توجيه الوعظ ضد “المظاهرات المعادية للسامية”، على الرغم من أن المظاهرات من أجل حرية فلسطين وإنهاء العنف الإسرائيلي “فقط”. وعندما يتم ترديد هتاف “سلام لفلسطين”، يكون من الحكمة الانضمام لها، لأن السلام لفلسطين هو سلام لإسرائيل أيضاً. هو يدين إطلاق الصواريخ على إسرائيل ولا يقول كلمة أسف على إطلاق الصواريخ الأكثر عنفًا من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. قتل حتى الآن (19 أيار / مايو) 10 إسرائيليين، لكن حوالي 200 عدد القتلى الفلسطينيين، أي عشرين ضعف، بضربات إسرائيلية انتقامية. قام يهود إسرائيليون في بات يام (Bat Jam)، جنوب تل أبيب، بشنق رجل يبدو وكأنه عربي. “شنق عن طريق الخطأ” مكتوب على بعض “شواهد القبور” في الغرب المتوحش. يستطيع الجلادون الآن تسمية قبر اليهودي “ذي المظهر العربي”. على الرغم من ذلك فإنه سيتم الاستمرار على هذا المنوال. هناك الملايين من اليهود بملامح عربية في إسرائيل (اليهود الشرقيين). وعليهم أن يعيشوا من الآن فصاعداً، في قلق أيضاً. هل هذا صحيح يا دكتور شوستر؟

الاحتجاجات المبررة ضد سياسات إسرائيل يتم إعادة تفسيرها تلقائياً، على أنها “تجمعات معادية للسامية”، من خلال موقف المجلس المركزي لليهود ومطالبات مفوض محاربة العداء للسامية المشئوم فيليكس كلاين (Felix Klein). لكن المسيرات لها ما يبررها بحق. ورغم ذلك، فإن الحكومة الفيدرالية “لا تتسامح معها”. ما هو المفترض الذي يؤدي إليه هذا؟ إذا لم يعد مسموحًا بالمظاهرات ضد الظلم الواضح، فسيتم تأكيد قلق العديد من المواطنين من أن الدولة ستقيد الحقوق الأساسية، إن لم يكن حتى إنكارها.

حاول مكتب النظام العام في فرانكفورت للتو حظر مسيرة خطط لها يوم السبت الماضي، عدة مجموعات مؤيدة للفلسطينيين. ترى السلطة بأنها دعوات للعنف تهدد السلامة العامة، على الرغم من أن العديد من المسيرات في ألمانيا كانت سلمية للغاية.

سلطات فرانكفورت تكذب علينا عامدة ومتعمدة. من الواضح أن نائب رئيس البلدية وأمين صندوق المدينة ورئيس DIG (الجمعية الألمانية الإسرائيلية) ومفوض محاربة معاداة السامية في ولاية هيسن، أوفي بيكر (Uwe Becker)، غير مهتمين بحرية التعبير والمادة 5 من قانوننا الأساسي. فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فهم لا يعرفون أي قانون أساسي.

لقد دعت منظمات فلسطينية مختلفة للتظاهر بمناسبة ما يسمى بيوم النكبة. ولكن يتبين مرة أخرى أن المنظمات الفلسطينية لا تتمتع بنفس الحقوق التي تتمتع بها، على سبيل المثال، الجالية اليهودية، التي سُمح لها بتنظيم مسيرة مؤيدة لإسرائيل. ويرجع ذلك أساساً إلى الظروف الخاصة في فرانكفورت، أي الجالية اليهودية العدوانية وأوفي بيكر (CDU)(الاتحاد الديمقراطي المسيحي) ، الذي يشم رائحة معاداة السامية في كل مكان وباستمرار ويمنع التجمعات بل والمحاضرات لإرضاء أصدقائه في القدس. وربما يرغب في إحضار شهادة الدكتوراه الفخرية من بعض الأكاديميات الإسرائيلية الغامضة في الضفة الغربية عند زيارة لإسرائيل أيضاً.

لكن الحمد لله لا يزال لدينا قضاة شرعيين يثق بهم في ألمانيا، يلتزمون بالقانون وقبل كل شيء يحترمون القانون الأساسي، الذي يتجاهله أشخاص مثل أوفي بيكر أو جوزيف شوستر. لقد ألغت محكمة فرانكفورت الإدارية الحظر بعد ظهر يوم السبت. وتم أحالت طلب مدينة فرانكفورت للحظر إلى المرحلة التالية، أمام المحكمة الإدارية في كاسل.

في بداية المسيرة عند الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، لم يكن قرار المحكمة الإدارية (VGH) متاحاً بعد. أكد مجلس الشيوخ الثاني للمحكمة الإدارية في هيسن، قبل الساعة 6 مساءً بقليل، قرار محكمة فرانكفورت الإدارية بأن الحظر على التجمعات الذي فرضته مدينة فرانكفورت لم يعد سارياً. وبهذا أصبح ممكناً للمسيرة ان تتم. وبررت محكمة فرانكفورت الإدارية قرارها على النحو التالي: “إن مجرد التجمع غير المرغوب فيه من حيث الموضوع وإمكانية اعتبار التوجه والتصريحات على أنها معادية للسامية لا يبرر فرض حظر على المسيرة المؤيدة للفلسطينيين”. وبهذا، ضربت المحكمة، المسمار في الرأس. بعض السياسيين المحليين والسياسيين الفيدراليين حتى وزير الداخلية لا يناسبهم مثل هذه القرارات، وهي ليس أقل خطورة من أعمال العنف. إنهم يقفون إلى جانب الجاليات اليهودية، التي بدورها تقف إلى جانب إسرائيل. الانتهازيون هم الأوائل، وأخرون يخدعون للدعاية الإسرائيلية وهم في النهاية ضحايا ضغوط اجتماعية نفسية يهودية داخلية للوقوف وراء إسرائيل، حتى لو كانت خاطئة. حسب الشعار: صح أم خطأ – هي بلدي. مع أن إسرائيل هي ليست حتى “بلدهم”. إنها ليست حتى رغبتهم، وإلا لكانوا جميعًا يهاجرون إلى إسرائيل. ومع ذلك، سوف ترحب إسرائيل بذلك، وإذا لزم الأمر، ستغطي نفقات السفر.

لكن الحكاية الخيالية للحقائب المعبأة هي في الحقيقة مجرد قصة خرافية. لا أحد يجلس على حقائب معبأة في شقته. كل اليهود الذين أعرفهم يحبون العيش في ألمانيا، وقليلون منهم يخافون من معاداة السامية. إنهم يعرفون أن تحذيرات إسرائيل من معاداة السامية هي جزء من الدعاية الإسرائيلية، وهذا ترديد الببغاوات فقط، من”أغيار أغبياء” مثل فيليكس كلاين أو تضامن يساء فهمه مثل أوفي بيكر.

وهكذا يمتد الصراع في الشرق الأوسط إلى مجتمعنا، مما أدى إلى بذل محاولات لتحريف القانون الأساس واضطهاد المواطنين الأبرياء الذين لديهم رأي مختلف عن رأي السيد بيكر أو السيد كلاين، أو رئيس الجالية اليهودية. .

السؤال الذي يطرح نفسه: من يحكم في فرانكفورت وفي كل ألمانيا؟ لا أريد أن يساء فهمي: بالطبع، هناك معادون حقيقيون للسامية بين الحين والآخر ممن يستغلون “الفرصة” ويريدون التخلص من نفاياتهم البغيضة المعادية للسامية في ما يسمى بالمظاهرات “المعادية لإسرائيل”. لكنها دائمًا أقلية صغيرة لا تبرر وضع طابع معاداة السامية على التجمعات والمظاهرات.

الناس يموتون في الشرق الأوسط. يطلق الإسرائيليون النار على الفلسطينيين والفلسطينيون يطلقون النار على الإسرائيليين. لم تعد إسرائيل الأرض الآمنة لليهود. والصراع يهدد بالانتشار إلى دول أخرى. أنني على يقين بأن الناس في غزة لا يهتمون “باليهود” ولا يكرهون “اليهود”، ولكن يكرهون أعداءهم ومضطهديهم الإسرائيليين، وأن الشباب الفلسطيني والشباب المسلم الآخر الذين يحتجون في ألمانيا لا يفعلون ذلك بدوافع معادية للسامية، ولكن لأنهم غاضبون من الأفعال في وطنهم ومن كذب السياسة الألمانية والإعلام الألماني. ستكون هناك دائما استثناءات. وكان شعار “وقت الغضب”، شعاراً شائعاً قبل سنوات قليلة فقط، بعد أن نشر ستيفان هيسل (Stephan Hessel) كتابه الذي يحمل نفس الاسم.

كما انخرط المفكر اليهودي ميخا برومليك (Micha Brumlik) في هذا النقاش بطريقة انتهازية واتهم وقت الغضب بـ “التحريض الخالص المعاد للسامية”.

يعود برومليك مرة أخرى بعد أن كان ناشطاً معادياً للصهيونية في المجموعة اليهودية في فرانكفورت في السبعينيات، حتى لو كان لديه غالباً شكوك حول ما إذا كنا “نحن اليهود المعادين للصهيونية أو منتقدي الصهيونية حمقى خطرين، “حمار طروادة”، عصابيون يكرهون أنفسهم أو معادون للسامية متخفين”. كان برومليك يتقدمنا جميعاً في “التضامن مع فلسطين”، وكتب أن هدفه كان “أن يُظهر للجمهور الألماني كيف يتصرف بثبات وبأنه فقط ليس قومياً ضيق الأفق”. في وقت لاحق، بالطبع، تصرف برومليك بشكل قومي للغاية وضيق الأفق، ولم يكن بأي حال من الأحوال متسقاً. برومليك، من بين جميع الأشخاص، الذين شاركوا قبل أسابيع قليلة فقط في التوقيع على “إعلان القدس” التقدمي والمشجع، الذي يحذر من إساءة استخدام تضخمية لادعاء معاداة السامية. من الواضح أنه لم يكن من المفيد له أن يقول ما يجب قوله في الصراع الحالي. لا يبحث المتظاهرون، كما يعتقد برومليك، عن “منفذ لكراهيتهم لليهود”، بل يبحثون عن منفذ لإحباطهم المبرر وانزعاجهم وغضبهم تجاه السياسيين الألمان وسياساتهم، وكذلك على المثقفين الألمان الذين استعادوا أغلاق أعينهم وآذانهم عن معاناة الفلسطينيين ولا تفتح أفواههم مثل غيرهم من المثقفين اليهود والإسرائيليين حول العالم لوضع حد للمصادرة والإخلاء والقتل. يدين الألمان بالتضامن مع اليهود ودعمهم، ولكن ليس بالتغاضي عن الظلم الإسرائيلي وقبل كل شيء ليس بدعم الغطرسة الإسرائيلية، ومرافقتهم في الانهيار. لأن هناك شيئًا واحداً مؤكداً: الغطرسة تؤدي في النهاية إلى السقوط.

لقد حان الوقت لأن تدرك إسرائيل أنه من خلال الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، فإنها ترتكب بنفسها المزيد من الإرهاب. وللفلسطينيين الحق في الدفاع عن أنفسهم ضد هذا الإرهاب. كتب الفيلسوف الإنجليزي الكندي تيد هونديريتش (Ted Honderich) في وقت مبكر من عام 2003 ، في كتابه “بعد الإرهاب”: “التاريخ دليل على أن الشعوب تطالب بحريتها، أي أن يعيشوا حياتهم في مكان يتمتعون فيه بتواصلهم مع تاريخهم وثقافتهم. إنها الحرية التي طالما ناضلت الشعوب المضطهدة من أجلها. الأعداء يحرمون الفلسطينيين من حقهم الأخلاقي، الذي يؤمنه هؤلاء الأعداء ويدافعون عنه لأنفسهم”.

سارع ميخا برومليك في رسالة مفتوحة إلى تشويه سمعة هوندريتش باعتباره معادياً للسامية، عندها سحبت دار نشر زوركمب (Suhrkamp) الكتاب من التداول. دار النشر كانت تخاف من اليهودي برومليك. أدرك لاحقاً أنه نشر تحريضات بحتة، لكنه لم يعتذر لهونديريتش. الآن يبدو أنه يعود إلى أصوله.

بعد ثلاث سنوات فقط من هذه الفضيحة، كتب ميخا برومليك كتابه “نقد الصهيونية”. وانتقد فيه “سياسة الاحتلال الإسرائيلي التي تنتهك الحقوق الدولية وحقوق الإنسان”. ومثل هونديريتش من قبل، توصل إلى استنتاج مفاده أن وضع الفلسطينيين كان من نواح كثيرة “أسوأ من وضع الأغلبية السوداء في جنوب إفريقيا أثناء الفصل العنصري”. لكن يبقى السؤال قائماً، لماذا يغير رأيه كل بضع سنوات؟

يعتبر الصراع في الشرق الأوسط من أطول الصراعات في العالم. لكنه لا يزال دون حل. وإذا أردنا المساعدة في الحل، فعلينا ألا نعذر الجناة وندين الضحايا. لم يكن الفلسطينيون هم الذين طردوا اليهود من وطنهم، ولكن بالعكس، طردهم اليهود. ستكون الخطوة الأولى نحو سلام دائم هي على الأقل الاعتراف بالحقيقة التاريخية وعدم الهروب وراء الأساطير من أجل تهدئة ضمير المرء، ولأنك بصفتك ألمانياً، فأنت مذنب في هذا الصراع أكثر من أي شخص آخر. بدون مساعدة الاشتراكية القومية الألمانية، كان الصهاينة سيظلون حركة خيرية هامشية، وكان ذلك سينقذ العالم، وخاصة اليهود، الكثير من المتاعب. الادعاء بأن إسرائيل تحمي اليهود في جميع أنحاء العالم هو ليس سوى تفكير دعاية وأماني، أكثر مما هو واقعي. لا تساعد إسرائيل في القضاء على معاداة السامية، لكنها تروج لها بوعي، لأن السياسيين الإثنو قوميين مثل شارون أو نتنياهو اليوم مقتنعون بشدة بأن معاداة السامية “تدفع” اليهود إلى داخل البلاد.

حتى المفوض لمحاربة معاداة السامية الجاهل فيليكس كلاين كان يجب أن يعترف بأن أكثر من 90٪ مما يسمى بمعاداة السامية في ألمانيا هي “معاداة للسامية مرتبطة بإسرائيل”. ولكن يحاول كلاين، منذ سنوات، بكل قوته وبكل حيله اغتصاب سلطة تفسير معاداة السامية. يقول: “نحن لن نتسامح مع أي شكل من أشكال معاداة السامية”. الأمر متروك لنا نحن اليهود لتحديد ما سوف نتسامح معه وما لن نتسامح معه.

لا يوجد سوى شكل واحد وتفسير واحد لمعاداة السامية: معاداة السامية هي كراهية اليهود (وليس الإسرائيليين) لمجرد أنهم يهود. نقطة.

إن الجدل المرتبك والمربك برمته لا يدور في الأساس حول كراهية اليهود، ولا حول نزع الشرعية عن إسرائيل، ولكن حول انتقاد سياسة دولة إسرائيل التي تتعارض مع القانون الدولي والوحشية حقًا، أو كما يقول موشيه تسوكرمان، لمنع الهمجية. يجب أن يكون مثل هذا النقد ممكنًا في بلد ديمقراطي مثل ألمانيا. يجب ألا نسمح بأن يتم احتلال قانوننا الأساسي وتفسيره من قبل الأشخاص الذين لا يعتدون به كثيرًا. لا يزال،  لحسن الحظ، حق اللجوء للقانون، أمامنا مفتوحاً، وأيدت في السنوات الأخيرة عدة محاكم الحق في حرية التظاهر والتجمع. وحصلت وحدي على ثلاثة أوامر قضائية ضد مدينة فرانكفورت وممثلها أوفي بيكر، والتي كلفت المدينة بالمناسبة الكثير من أموال الضرائب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Abraham Melzer, Genug ist genug, Nachdenken Seiten, 22 Mai 2021      

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات