اتحاد كتاب مصر: تقرير ثقافي وبيان بسحب الثقة من وزير الثقافة بسبب مواطن الفساد

08:05 صباحًا الثلاثاء 3 أغسطس 2021
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

صدر بموافقة أصوات الأغلبية المطلقة لمجلس إدارة النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، وقد فضل المجلس أن يؤجل الإصدار، إلى ما بعد الانتهاء من مهرجان المعرض شعورا منه بالمسئولية النقابية..

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

في موقف النقابة تجاه سياسات الوزير،

ومواطن الفساد في وزارة الثقافة

بيان، وتقرير ثقافي

بوصف النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر مؤسسة نشأت تحت مظلة الدستور، ويحكم عملها القانون الخاص بها رقم 65 لسنة 75، وبوصفها إحدى الجهات صاحبة الحق في ممارسة الرقابة الثقافية بعامة، والرقابة على نشاط وزارة الثقافة ومؤسساتها بخاصة، وذلك حماية لحقوق من تمثلهم من 5000 كاتب وأديب وشاعر ومفكر وناقد ومترجم وقاص وروائي ومسرحي في محافظات مصر كافة، ممن لهم الحق –كغيرهم- في تلقي الخدمة الثقافية، والإفادة مما تنفقه الدولة على المشروع الثقافي، وهو ما لن يتسنى حدوثه دون شفافية العمل الثقافي، وحيدته، وبعده عن الوساطة، والأهواء والنزوات، والفساد الإداري والمالي.

الدكتور علاء عبد الهادى،

رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر وأمين عام اتحاد الكتاب والأدباء العرب

ووعيًا من النقابة بأهمية أن تقوم وزارة الثقافة -بمواردها المادية الكبيرة، وبنياتها التحتية الضخمة- ببناء خطاب ثقافي متراكم ومستدام على المستوى الاجتماعي بخاصة، مواكبةً لمشروعات النهضة والتطوير المشيدة في مصر يومًا بعد آخر، وذلك بما ينتجه هذا الخطاب -إن أحسن توظيفه- من تأثير في مستويات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنموية عديدة.

واستشعارًا بخطورة غياب رؤية واضحة للوزارة للهوية الثقافية بوصفها -في الوقت الحالي- واحدة من أهم الأولويات التي يجب الاهتمام بها في الاستراتيجية الثقافية العليا للدولة وهذا ما خلق تعارضًا بين استراتيجيات التنمية الثقافية تعليميًّا، وتربويًّا، وإعلاميًّا، وأدبيًّا، وعقديًّا سواء على مستوى الوزارة الواحدة، أو على مستوى التعاون بين وزارات الشأن الثقافي الأخرى من تعليم، وتعليم عال، وإعلام، وأوقاف، وشباب ورياضة، وآثار، وغيرها. الأمر الذي وضع مشروع الوزارة الثقافي في حالة غائمة كانت واحدة من نتائجها المباشرة استمرار الذهنية المستلبة التي تتبنى القيم الثقافية التي تؤكد استعمار العقل، والشعور العام بالعجز، وهي مشكلة يستشعرها معظم المثقفين، بل إننا لا نعدو الحق إن قلنا إن سياسات وزارة الثقافة القائمة الآن أضحت أصلح مكان تنفق عليه الحكومة لدعم المعارضة الثقافية، بحيث إننا جاوزنا أزمة الثقافة إلى ثقافة الأزمة، التي تتضح معالمها الآن في عشرات التجمعات الثقافية المستقلة المناهضة لسياسات وزير الثقافة، وأنشطتها.

وإذ تشير النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر في بيانها الثقافي هذا إلى مجموعة من المحددات الفكرية الواجب طرحها على البيئة الثقافية، وذلك قبل الإعلان عن دعوتها إلى مؤتمر نقدي يهتم بتقويم السياسات الثقافية القائمة، وطرح البدائل، فإنها ترحب بأية آراء تضيف إلى هذا الطرح من النقابات والمؤسسات الثقافية المستقلة، وعموم المثقفين، بوصف ما تقدمه النقابة في طرحها هذا هو محض رؤية فكرية تستشعر الخطر، ولا تحتكر الحقيقة، رؤية تقبل أن يُؤخذ منها، ويُردّ عليها، وبناء على ذلك تقدم النقابة إلى الرأي العام بيانها الثقافي الآتي:

أولا: إنه لا يمكننا تجاهل الاعتراض الرمزي، والنقد المطرد على ممثلي المؤسسة الثقافية وعلى سياساتها، وطرائق ممارساتها بداية بما طرحه عدد من الصحف الثقافية والأدبية، ومرورا بالنقد الموجه إلى أداء الوزارة المتراخي في صفحات التواصل الاجتماعي، وما يدور من أحاديث دائمة في مجالس المثقفين وتجمعاتهم، وفي أروقة الوزارة أنفسها، وانتهاء بانتقادات أعضاء نابهين في مجلس النواب، هذا كله بالإضافة إلى مقاطعة نشاطات المؤسسة الثقافية إما تجاهلاً من أجيال شبابية عديدة، وإما موقفًا من قبل عدد مؤثر من كبار المثقفين والكتاب، وهو اعتراض رمزي لا يمكن تجاهله، اعتراضٌ يعبر بقوة عن الأزمة الحقيقية التي تتعرض لها التوجهات الثقافية لوزراة تقوم فعليا بالتفريط في حق المواطن المصري في الثقافة والمعرفة، وفي حق شباب المبدعين في التمثيل اللائق بهم في اللجان العليا بخاصة، وفي تداول الإدارة الثقافية والفكرية، وفي ترشحهم وحصولهم على جوائز الدولة، بعد أن فرّغ الوزير تعديل الحكومة الأخير لقانون المجلس الأعلى للثقافة من مضمونه، فظل الوضع على ما هو عليه مؤسسًا على الاحتفاء “بتعارض المصالح”، وذلك في ظل أزمة بات يشعر بها الجميع، فجاءت أصوات كثيرة من مثقفين كبار ومن صروح ثقافية كبيرة مطالبة بأن يكون التغيير البنيوي الهيكلي الشامل مؤسسة وقيادات ضمن أهداف الدولة المطروحة والمعلنة..

ثانيًّا: غياب المنابع والأصول النظرية الصحيحة لدعاة التنوير، بل إن ما سمي بسياسات التنوير التي تتبناها الوزارة هيمن على سياقاتها البعد الشخصي والتصورات الفردية، ففقدت الحسّ بالاتجاه، نظرا إلى فقر المرتكزات النظرية التي انطلقت منها هذه السياسات، وعدم التفاتها للتناقضات القائمة بين ما تعلنه مؤسسات الوزارة من أهداف وما تحققه في الواقع المعيش من نتائج، هذا على الرغم من كثافة الجهد المبذول إعلاميًّا لإضفاء شرعية على سياسات الوزير عبر توظيف الخطاب البلاغي، الذي وسم أداءه بصفة الطابع العلمي من دون إجراءاته. وكأن شعار المرحلة “مهرجان لكل مواطن” هو السبيل الوحيد لتنوير الشارع الثقافي! دون أدنى اهتمام بقضية بناء الإنسان أولا، ودون التفات إلى اقتصاديات هذا البناء ثانيا.

ثالثًا: غياب الرؤية الاستراتيجية الكافية القادرة على تقديم الدعم الثقافي اللازم لمشروع التحديث الشامل الذي يطرحه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي كل يوم في إنجاز جديد، والاكتفاء عند أي حديث عن إعادة الهيكلة والتطوير برفع ورقة أهداف عامة “2030”، لا يمكن على أي مستوى أن تكون خطة عمل فعلية لأي تطوير ثقافي حقيقي، فهي لا تزيد عن كونها أهدافا عامة تحدد حراك التطوير المطلوب، وإيقاعه، أما الرؤية المرتبطة بالمهمات وآليات تنفيذها فمفقودة تماما وتقوم على المصادفة والاجتهادات الفردية التي لا تخلو من مصالح واستثمارات لأهداف شخصية ومحسوبيات..

رابعًا: يذهب مجلس إدارة النقابة إلى أنه لا يكـمن التقويم الصحيح للسياسات الثقافية للدولة في أثرها المادي من أبنية، ودور، وهياكل إدارية وغيرها، وهو سؤال يُسأل فيه المقاولون الذين بنوا هذه الأبنية من أموال الشعب، ولكن يكمن في أثر هذا الإنفاق على الواقع الاجتماعي، وترى النقابة أن العمل الثقافي وصناعاته يجب أن يتوجه إلى غير المثقفين من أبناء الشعب، ولا يجب أن يقتصر دوره -في أية دولة ترنو إلى التقدم ولها حقيبة وزارية للثقافة- إلى مجرد استيعاب النخب، أو الاهتمام بالخدمة الثقافية في العاصمة والإسكندرية وإهمال بقية محافظات مصر التي تفتقد أية خدمة ثقافية حقيقية قادرة على التأثير الاجتماعي والفكري في هذه المحافظات غير المركزية وبيئاتها الثقافية..

خامسًا: ترى النقابة أن أخطر ما يهدد مشروع مصر الثقافي على الإطلاق هو قيام السياسات الثقافية على أفراد، وعلى مصادفات الطرح والأداء، لأنها بذلك سوف تنتهي إلى خدمة مصالح فئات بأعينها، نخبوية أو وظيفية، على نحو يمنعها من تمثيل جمهور المثقفين المصريين بمختلف طيوفهم! وهو وعي يتماس مع مفهوم المواطنة في أوسع معانيه. إن خطورة تنامي الشعور العام بعدم الانتماء -بين فئات ثقافية وعلمية- إلى المجتمع القائم، هو أمر يمسُّ أمن مصر الثقافي، وقد يؤثر على نحو مباشر بمشروع الدولة –ولا نقول الحكومة- في البناء والتطوير، لأنه موقف يشير –بصرف النظر عن صحته- إلى الإقرار بعدم أهلية هذا المجتمع، وافتقاد مؤسساته التنفيذية الحد اللازم من الشرعية، وهو وضع يفسر الأسباب التي دفعت عددًا مهمًّا ومؤثرًا من كبار المثقفين المصريين إلى رفض الانضمام إلى المؤسسات الثقافية القائمة والمشاركة في أنشطتها، وهذا ما أدى إلى إفقاد الطليعة الثقافية “الإنتلجنسيا” تأثيرها، وجعل أخطاء هذه المؤسسات شديدة الفداحة والضرر. من جهة، كما أدى إلى ظهور تجليات ثقافية رجعية كان أبرزها تنمية الخطاب الثقافي السلفي في أشرس صوره، وأضيقها أفقا من جهة أخرى، الأمر الذي خلق مواجهة زائفة غالبا ما اكتفت بالرؤية القائمة على تشويه من يُسمى آخر ورفضه، من دون قدرة على فرض بدائل مواجهة صحيحة معه، أو متناسبة مع رؤية واضحة لطبيعة المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا على الصعد كافة. لأننا بمجاوزة الإشارة البسيطة إلى التفصيلات ننتقل إلي السؤال المهم عن شروط إنتاج أحداث العنف والتطرف في مجتمعنا، من أجل التفرقة بين وجهها الأمنيّ، وتأويلها الثقافي! ذلك لأن النقابة ترى الثقافة ضلعًا ناقصةً دائما في فهم المسئول عن هذه الأحداث، بل إن أية مساءلة لن تكون ذات جدوي إذا نظرنا إليها من وجهة نظر أمنيّة فحسب دون مساءلة السياسات الثقافية والإعلامية القائمة، ذلك لأننا لا نكاد نرى أثرًا فاعلاً لها علي مجمل الوعي الاجتماعي الحاضن لهذه الأحداث، أو المهيّأ لتبنيها. هذا بعد أن فرغت أنشطة وزارة الثقافة بنهجها الكرنفالي العمل الثقافي من مضمونه..

سادسًا: يؤكد مجلس إدارة النقابة أهمية المرسَل إليه في المشروع الثقافي بعد أن فقدت الوزارة الحدّ اللازم الذي يراعي عموم جمهور المستفيدين من أبناء الشعب من الأنشطة والصناعات الثقافية دون تمييز، وهذا الخلل أداءً ورؤيةً منح السلعة الثقافية وأصحابها أهمية تفوق أهمية المستهلك! وهذا وضع لا يملك المثقف العضوي أمامه إلا المقاومة والرفض. إن الإسهام بنصيب في مشهد التطور العالمي الحادث على كل الصّعد، لا يمكن أن يتمّ إلا بتجاوز حدود تراثنا إلى ما هو فاعل فيه، والوقوف موقفا نقديا فاعلاً من الخطابين -السلفيّ والغربيّ المعاصر- معا اقتناعا منا بأن المعاصرة تهتم بإجابة أسئلتها الخاصة بزمنها ومكانها، وأنها مهما تمادت في تحليقها فإن نجاحها مرتبط بما تتغذّى به عبر جذور عميقة ومتصلة بتراثها الممتد. وهذا ما يرسخ مبدأ حاكما لأي نشاط ثقافي مؤثر، فوزارة الثقافة في رؤيتنا يجب أن تتوجه إلى غير المثقفين، وليس إلى المثقفين فحسب، يجب أن تتوجه إلى المحتاجين الحقيقيين إلى المعرفة من أبناء مصر. وليس إلى نخبة المثقفين الذين يجب أن يكونوا أدوات مساعدة لتحقيق الأثر الاجتماعي للثقافة، وليس كما هم الآن؛ هدف الوزارة ومحيط تأثيرها –ورضاها- وكفايتها!

سابعًا: تذهب النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر إلى أن إحدى المهمات الاستراتيجية التي يجب الاهتمام بها في عصر الثورة المعرفية والعولمة هي تسكين موضوع الهوية الثقافية على سلم الأولويات، وتحديد العوامل الأساسية لتطورها، تعيينا للاتجاه الأمثل للعمل، لخلق وعي عام باتجاه يدفع إلى مستقبل يرغب فيه المجموع، بدلا من مستقبل تضع أطره طبقة “تكنوقراط” ثقافي مستفيدة من استمرار الوضع الثقافي على ما هو عليه دون تغيير حقيقي، بعد أن نجحت في التحكم في واقعنا الثقافي، وانفردت بإدارته، وفرغت توجهات الدولة وتوجيهاتها من مضمونها، فحرمت عددًا من الأجيال الإبداعية والفكرية الجديدة حقها في أن تسهم في وضع رؤيتها لمستقبلها الإبداعي والفكري والنقدي، وهذا ما لن تكفله إلا تشريعات ولوائح، تتيح لأكبر عدد من منظمات المجتمع المدني ومن المثقفين، بمختلف تياراتهم، وانتماءاتهم، وأجيالهم، المشاركة في وضع مشروع مصر القومي للثقافة، وفي وضع السياسات العليا للمشروع الثقافي، وإدارة شأنهم.

ثامنًا: تؤكد النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر أن أي مشروع له تأثير مجتمعي في ظل التدفق المعلوماتي، والانفتاح الثقافي والإعلامي في العالم المعاصر لا يمكنه التحليق إلا بجناحين: الأول هو مؤسسات الدولة ببنياتها التحتية ومواردها الكبيرة، والثاني هو مؤسسات المجتمع المدني من نقابات واتحادات وجمعيات تم إنشاؤها تحت مظلة القانون، وبمن فيها من خبرات نادرة، ومثقفين ومفكرين ومبدعين لهم منجزهم الراسخ في الواقع الثقافي “هنا والآن”، وهذا ما لا يمكن الوصول إليه إلا إذا توافرت مبادرة مخلصة للشراكة والتعاون لا الاحتراب، وإذا خلصت النية في وضع تصور متكامل ومشترك وواضح على مستوى “التخطيط الاسترتيجي”، و”التوظيف الاستراتيجي”، و”المتابعة والتقويم” مشاركة مع النقابات ومنظمات المجتمع المدني للمشروع الثقافي المصري، تطلعًا لتنمية معرفية شاملة تعتمد الاستدامة، والإدارة الاستراتيجية العلمية لمشروع مصر الثقافي، كي لا يبدأ كل وزير من الصفر ثانية، لغياب رؤية يقوم على تنفيذ عناصرها الجميع تراكمًا والتزامًا، رؤية شاملة ترسم حدودها لوائح وقوانين، بوصفها سياسة قومية ثقافية مستدامة تنفذها قطاعات الوزارة بمشاركة فعلية من النقابات الأدبية والفكرية والإعلامية، والجمعيات الثقافية، ومؤسسات المجتمع المدني، وترى النقابة أن الوزير القائم بهياكل وزارته القائمة ونشاطاتها الكرنفالية وابتعادها المتراكم عن مشاركة النقابات ومنظمات المجتمع المدني، واستبعاد خبرات عدد من النقابات، ومنظمات المجتمع المدني، سيكون عاجزًا عن التنسيق لوضع هذه الرؤية أو الإشراف على تنفيذها..

تاسعًا: تؤكد النقابة أن النظام ليس مجموع أجزائه فحسب! هو أكبر من ذلك، هكذا يمكننا أن نعرف الفساد بصفته ذلك الجزء الخارج من النظام الذي يقوم بالتوقف عن الالتزام بلعب دوره في إطار المجموع، وهذا ينطبق دون منازع على وزارة الثقافة ومؤسساتها، فهي إلى الآن على الرغم من كونها جزءًا من النظام فإن أجهزتها تلعب أدوارها على نحو يخالف المتوقع من مؤسساتها، وبما يعرقل سير عجلة النظام التنموي إلى أهدافه، وذلك حُكمًا من خلال نتيجة واحدة واضحة للجميع هي غياب أي أثر اجتماعي لإنفاق الدولة المالي على الثقافة! في ظل غياب فادح لاستراتيجية ثقافية واضحة تستطيع أن تتحدى ظرفنا الحضاري المعيش-وهي مهمة وزير في مقامها الأول- وهذا ما أدى إلى وقوع المثقف المصري بين تصلب شرايين الإدارات الثقافية وتكلسها من جهة، والتعامل مع عدد من القائمين على هيئاتها، ولجانها، وقطاعاتها، ممن يفتقدون الحد اللازم من التجرد من المصلحة الشخصية، ومن حس الانتماء من جهة أخرى، وذلك بسبب فساد منطق الترشيح والاختيار، فبتنا نشهد ردات فعل مطردة تفصح عن معارضتها لعدد من السياسات الثقافية القائمة عبر إصدار البيانات، وتشكيل الجماعات الثقافية، وتكوين الجبهات، وخلافه، وهذا أمر دال على أن الشارع الثقافي المصري قد جاوز الأزمة الثقافية إلى ثقافة الأزمة! وذلك في ظل تردي أحوال الكتاب والمثقفين المرتبطة بالعلاج الصحي، والمعاشات، والنشر والإنتاج، إلا في الحدود التي تستطيع النقابات توفيرها لهم ضمن ميزانياتها المحدودة.

يطرح هذا الوضع – الذي ينذر بالخطر- التساؤلَ حول شكل الثقافة الملح واللازم الذي يجب أن يحدد إطاره ومهماته وآليات تنفيذه -على نحو مستدام- واضعو السياسات العليا للدولة، كي تبثها مختلف المؤسسات والوزارات إلى المحتاجين الحقيقيين إلى الثقافة والمعرفة على نحو تكاملي، وذلك في ظل تهديدات هذا الانفتاح الإعلامي الهائل، وتأثير السياسات السلبية للعولمة على ثوابتنا النسبية، وخصوصيات ثقافتنا الوطنية؟ وفي كل الأحوال لن تكفي الأرقام المصدرة من الوزارة إلى الأجهزة الإعلامية في الرد على هذه الانتقادات المركزية في الرؤية، وكوارث الأداء، وتهافت نتائجه، وكثرة مخالفاته التي وصلت إلى حدود لم يعرفها الواقع الثقافي من قبل! وذلك في ظل احتياج الدولة الشديد والملح إلى رديف ثقافي فاعل يقف مع الأساس الفكري للتطوير القائم في الصعد كافة، ويسهم في وضع الثقافة المصرية في سدة المشهدين العربي والدولي –الإفريقي بخاصة- إسهامًا في استرجاع مكانة مصر الثقافية المستحقة، وحضورها الواجب بكل قواها العلمية والمعرفية والحضارية الكامنة التي لم تستغل بعد.

إن النقد المتصل على وزير الثقافة وعلى عدد من رؤساء هيئات الوزارة، من أدباء ونقاد وكتاب ممن هم في حاجة إلى المشاركة في البناء، سواء كان الذي يقوم بالتعبير عن ذلك أناس لهم مصلحة، وحق في نشر إبداعهم ونقدهم وفكرهم للمواطن، أو مثقفون لا مصلحة لهم سوى التعبير عن حقوق الآخرين والدفاع عنها، أو قامت بذلك نقابات ومؤسسات مجتمع مدني؛ هو نقد لا يمكن تجاهله، ويعبر بقوة عن الأزمة الحقيقية للتوجهات الثقافية للوزير وطاقمه، وللإجراءات القائمة على الجهل بالواقع الثقافي وحراكه..

وعطفًا على كل ما تقدم، تعلن النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر عن عدم تجديد ثقتها في وزير الثقافة الحالي وقياداته المنتدبة القائمة، مشيرة إلى مجموعة من مواطن الفساد في الأداء تختصرها على النحو الآتي:

  1. سيطرة البعد الذاتي والرؤية الشخصية للوزير ولمجموعة صغيرة من قياداته -المنتدبة بخاصة- بإدارة ثقافة دولة بحجم مصر، هو وضع معيب وفاسد، خصوصًا إذا قام على مصادفة الاختيار، للمنتدبين من خارج الوزارة بخاصة، وعلى فساد منطقه، وذلك في ظل نقص الكفاءة المقرون بغياب الرؤية الشاملة للمشروع الثقافي المصري من قبل الوزير الحالي، إنها أزمة يشعر بها الجميع، ذلك لأن النشاط الذي يتغيَّا خدمة المصالح الخاصة، وتوثيق شبكة العلاقات، والحفاظ على صورة مزيفة في الإعلام تقوم على أرقام لا تأثير لها بالواقع الثقافي، من الصعب أن يسهم على نحو حقيقي في تثقيف المواطن والاهتمام بمصالحه، وهذا ما عبر عنه صدقًا عدد من أعضاء مجلس النواب وهم يؤكدون لوزير الثقافة ما يشعر به الجميع، أما أصدق انتقادات أعضاء مجلس النواب وأهمها تتلخص في أن: “أرقام الوزيرة لا وجود لها على الارض، ولا تاثير لها في الواقع”، وأن “الوزيرة بقياداتها لا تؤدي دورها”، وأن “غياب تأثير إنفاق الدولة على الثقافة على المجتمع كان من نتيجته المباشرة “انتشار فكر التطرف والإرهاب في الريف والمناطق النائية بخاصة”، فضلا عن “تدني المستويات الفكرية، وضعف الحوار المجتمعي الراقي”، بالإضافة إلى “تراجع الإنتاجين المسرحي والسينمائي، وتدهور أوضاع السيرك القومي، وتهالك البنية التحتية –المسرح الروماني بالمنيا على سبيل المثال- وغياب أي دور فاعل حقيقي لما يسمى قصور الثقافة”، وأن “مؤسسات الوزارة لا تأثير لها في محيطها الاجتماعي، ولا تجاوز نشاطاتها القائمين عليها، وهذا ما جعل المقهى مكانًا أثيرًا بات يمثل الشارع الثقافي، وذلك في ظل “غياب فادح لوصول الخدمات الثقافية على نحو كاف وعادل إلى القرى النائية والأطراف”، فبتنا نعانى من ظواهر مثل “الإرهاب والتكفير والإلحاد والانتحار وإدمان المخدرات والتحرش والشذوذ والتشوه البصري في كل مكان”، فضلا عن “شيوع الكثير من الأفكار الغريبة عن مجتمعنا”، في ظل “غياب خطة متعددة الأبعاد لمواجهة التطرف الفكرى”، وتضاؤل قدرة الوزارة يومًا بعد آخر “في الارتقاء بالثقافة البصرية، والسلوك الحضاري”، كل هذا إضافة إلى الإجهاز على المسرح المصري، وضعف المجلات الأدبية المتخصصة شكلا ومضمونًا “فمعظم إنتاج المثقف المصري النقدي والثقافي يذهب إلى الدوريات العربية والأجنبية”، مثله في ذلك مثل جزء كبير من فننا وتراثنا التشكيلي، الذي فرط المسئولون في المحافظة عليه وحراسته، بسبب التراخي الإداري، وسوء أحوال مخازن ثروتنا التشكيلية، هذا بالإضافة إلى غياب مراكز ثقافية مشعة لها دور فاعل في محلياتها. بل إن أحد النواب لم يجاف الحقيقة في قوله: “إن النواب أصبح لديهم وعى فى هذه الجلسة أن وزارة الثقافة ليس لها دور في مصر”. هذا فضلاً عن النشر الذي أصبح عبئا هائلا على الكاتب والأديب بعد أن تحول عدد من دور النشر إلى محض وكلاء لمطابع يأخذون من قوت الكاتب والأديب وحقوقه الفكرية والمالية. وهذا ما جعل العديد من الكتاب ينشرون أعمالهم بأعداد لا تجاوز مئتي نسخة، يمولون طباعتها مفرطين في قيمة إبداعهم الفكري والنقدي والإبداعي، وهذا ما أثر سلبيًّا على نحو غير مباشر على الحضور الكمي لأعمالهم، الأمر الذي أضعف تأثير كتاباتهم الفكرية والإبداعية لصالح الخطاب الثقافي الاستهلاكي الخفيف المحتفى به إعلاميًّا دائمًا في القنوات الفضائية؛ غير الرسمية بخاصة. وبدلا من دعم المبدعين وزيادة منح التفرغ للكتاب والأدباء الذين يدفعون من قوتهم وقوت أبنائهم إلى دور النشر لنشر أعمالهم، دعمت الوزيرة دور النشر بتخصيص ميزانية من الهيئة العامة لقصور الثقافة للشراء من الناشرين! هكذا تستمر القرارات العشوائية المعتادة التي تزيد كل يوم من حدة تردي أحوال الكتاب والمثقفين والمبدعين، تحت وطأة الحاجة والإقصاء..

أما أخطر ما جاء في ردود الوزيرة في مجلس النواب فهي أرقامها التي قدمتها ردًّا على هذه الانتقادات بوصفها حقائق لها تأثيرها الحقيقي -دون جدال- على المجتمع، هذا على الرغم من تردي الحاضر الثقافي المعيش، وكأن المتوقع من هذه الأرقام من تأثير هو بداهة “لا نقاش فيها” تنطلق منها الوزارة في بناء يقينها، وإن لم يتسق مع الواقع -كما يظهر أول وهلة لعيان الجاهلين والعارفين معًا- فهي تقدم مختارات لصورة بانورامية رقمية هي أقرب إلى الخرافة منها إلى الواقع. ولا تعني هذه الانتقادات في أشد صورها حدّةً أن المؤسسة الثقافية المصرية لم تفعل شيئا فهذا غير صحيح أيضا، ربما تقوم هذه الأحكام على المسافة الواقعة بين ما تعلنه المؤسسة من مشروعات ونشاطات لا يربطها نسيج، ولا تنتظمها رؤية، وما تحققه في الواقع الاجتماعي من تأثير؛ ربما تقوم على العلاقة بين تماسك الحركة الذي يشير إلى رؤية، وتفككها الذي لا يشير إلا إلى أثر خافت لا أهمية له! فالسؤال الأساس ليس في الأثر المادي من أبنية وهياكل إدارية وخلافه بل في التأثير؛ تأثير هذا الإنفاق على الواقع، وعلى المجتمع. فعلى الرغم من الاهتمام الذي تبديه الدولة لمسألة الثقافة على مستوى الإنفاق المالي، فإنه لا يختلف أحد على أن جانبًا كبيرًا من هذا الانفاق عديم الجدوى، وهذا ما أدى إلى خلق بيئة ثقافية “مزيفة”، يتم الإعلان بلسانها عن أهمية مشاريع المؤسسات الثقافية القائمة، والدفاع عنها عبر فئة مستفيدة ذات نفوذ وظيفي وإعلامي، من هنا يأتي تبرير السياسات الثقافية القائمة متلبسا وجهه الرمزي واللغوي، ومغالطته المنطقية.

  • 2 – فشل الوزارة في خلق أي تأثير اجتماعي ملحوظ لإنفاق الدولة على المشروع المصري الثقافي، واكتفاء الوزير عند كل حوار نقدي برفع الكارت الأحمر المتمثل في أن الوزارة على خطى 2030! على نحو فرغ هذه الإرشادات المدونة في مشروع 2030 نفسه من مضمونها، وجعلها مجرد أداة صدّ وردّ لأية انتقادات، وليس بوصفها رؤية تشجع على الاجتهاد، والتغيير، وإعادة الهيكلة، والمراقبة والمتابعة، ومحاربة الفساد. فالوزارة تسير بقانون “القصور الذاتي” معتمدة على إرثها السابق بكل جوانبه الإيجابية والسلبية معا دون تمييز! إن ملء فراغات العمل بالرقم وببلاغة المراوغة والتلفيق، رغبة في استمرار الإدارة الحالية في مناصب لن يتحقق دوامها إلا على حساب التفريط في المصلحة العامة، وهو استمرار غير مؤهل لشيء إلا لبدء إعادة دورة جديدة من الفشل التاريخي للوزارة بهذه الهيكلية والبنية المتهافتين، وبهذه الرؤية التي تتسم بالقصور والضآلة..
  • 3 – استمرار العيوب المركزية أنفسها للوزراء السابقين وعلى رأسها: غياب التغذية الثقافية اللازمة والضرورية إلى الأحياء الفقيرة والعشوائية والمدن الصغيرة، وفي الريف المصري بخاصة، وقد وصل نصيب المواطن فى ريف مصر، وفي محافظات الجنوب بخاصة من الخدمات الثقافية الحكومية أقل من عدة جنيهات سنويًّا. في الوقت الذي قد تبلغ فيه ميزانية مهرجان سينمائي واحد ما يزيد على عدة أضعاف من الميزانية المخصصة لمكتبات جنوب مصر كافة على سبيل المثال! ويظل سؤال الاقتصاد الثقافي يطل بإلحاح على أي وزير قادم وهو: هل يمكن أن تأكل مرتبات العاملين، والمكافآت ما يزيد على 60% من ميزانية الدولة لوزارة الثقافة؟ دون أية رؤية إدارية تنظيمية شاملة تضع –على أقل تقدير- الرجل المناسب في مكانه المناسب، مع حتمية إعادة الهيكلة، والتسكين، والتدريب، ومتابعة الأداء، لكل من يريد النجاح، على أن يقوم كل ذلك من خلال قياس حقيقي شفاف –من خارج الوزارة- للأثر الاجتماعي لأنشطة الوزارة!
  • 4 – استشراء الفساد المالي في قطاعات الوزارة وعلى رأس ذلك الهيئة العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، وآخر ذلك الملف الذي حوّل إلى هيئة الرقابة الإدارية ضد موظف الهيئة والذي قدمته إلى الوزير مديرة مكتبه، وفيه شبهة فساد كبير، بل إن الفساد المالي والإداري قد وصل إلى أعلى الهرم الإداري نفسه، وكان آخره القبض على مجموعة من قيادات الوزارة، ومن مكتب الوزير نفسه، في شبهة التربح و قضايا فساد ورشى مالية وجنسية، فضلاً عن تعذر مرور البعض الآخر في إحدى الهيئات من اختبارات التعاطي. بالإضافة إلى موضوع تحقيق الرقابة الإدارية في تزوير نتيجة جائزة الدولة التشجيعية، فضلاً عن دعم الوزارة المادي الكبير لمهرجان يقوم عليه من لا علاقة له بالسينما اختصاصًا أو دراسة مثلاً، أو من كان له تاريخ في مجلسه تثار فيه شبهات فساد قديمة وجديدة يعرفها الجميع. وغير ذلك كثير مما يضيق المقام عن سرد تفصيلاته.
  • 4 – ذيوع الفساد الإداري الذي أصبح حديث المثقفين على مستويات عديدة بداية بآليات نشر الكتاب والطباعة والتوزيع والتصميم والتخزين وما يرتبط بكل ذلك من شبهات فساد، وإهدار مال عام، في أهم مؤسستين ثقافيتين وهما الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، ومرورًا بطرائق اختيار اللجان المحكمة لجوائز الدولة التي يحركها مجموعة ممن ليس لديهم علم كاف بالوسط الثقافي وجغرافيته. وانتهاءً بآليات الترشح لجوائز الدولة في المجلس الأعلى للثقافة، فعضو لجنة التصويت للجائزة له حق الترشح لها في سابقة فريدة ومتصلة في المجلس الأعلى للثقافة من عقود، علما بأنه لا توجد في أفقر الدول ثقافةً وميزانيةً وعلمًا، لجنة لجائزة صغيرة أو كبيرة يترشح لها من يصوت عليها! وهي عجيبة من عجائب الإدارة الثقافية في الوزارة، فعلى سبيل المثال حجبت جائزة النيل للعلوم الاجتماعية هذا العام بعد أن تقدم إلى نيلها عضوان من أعضاء المجلس من المصوتين عليها، وإن غادر المرشح قاعة المجلس عند التصويت على ترشحه فقط! وفي الآداب تقدم إليها عضو آخر، وفي التقديرية تقدم لها أكثر من عضو من أعضاء لجنة التصويت، وفي النيل كذلك، وكلهم يستحقونها –دون شك- إذا كانوا من خارج لجنة التصويت على جوائز الدولة! بل إن معظم الحاصلين على هذه الجوائز التقديرية والنيل حصلوا عليها وهم أعضاء في لجنة جوائز الدولة، في سلوك إداري مستهجن ومرفوض من البيئة الثقافية. هذا فضلا عن العدد الهائل المحجوب من جوائز الدولة التشجيعية في فروعها كافة في السنوات الثلاث الماضيات بسبب ضيق الاختيار وضعف الأداء والمتابعة، وتكلس فكر الإدارة الذي يضع محاور المسابقة، من أول سنة لعمل الوزير حتى الآن، هذا في ظل ثبات أسماء بأعينها دون أي تغيير سواء في أعضاء هيئة المكتب وهي الإدارة الفعلية التي تفرخ مشكلات المجلس كافة، والتي كان يجب أن تنص اللائحة على البقاء دورتين لا أكثر، لتجديد الدماء والأفكار، فضلاً عن ثبات عدد كبير من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة في عضوية المجلس في أكثر من دورة دون تغيير، هذا دون الانتباه -رغم تعدد التحذير والطلب من عدد من أعضاء المجلس أنفسهم ومن مثقفين من خارجه- بضرورة استصدار تعديل لقانون أعضاء المجلس الأعلى للثقافة لمنح تمييز إيجابي للشباب في هذا المجلس، وهم من يمثلون 60% من الكتلة التصويتية في مصر تقريبا. ألا يحتاج هذا إلى وقفة لتغيير حقيقي يجذب هذه القطاعات الشبابية إلى الثقافة المؤسسية للوزارة بدلا من الصالونات الخاصة، والغريب هو ترشيح جهة علمية تخضع لولاية وزير الثقافة لقيادة تنتمي إلى جماعة محظورة لإحدى جوائز الدولة الكبرى، وإدارج ذلك في بيانات المجلس الأعلى للثقافة. وقد أدى غياب الكفاءة الإدارية اللازمة للمنتدبين إلى رئاسة قطاعات وهيئات الوزارة وأعوانهم بخاصة، إلى الاعتماد على وجهات نظر صغار الموظفين في الاختيار، وفي آليات التعاون مع المحيط الثقافي أفرادًا ومنظمات، لأن الوزير الحالي لم يأت من المحيط الثقافي ولا يعرف -إلا على نحو فولكلوري- الوسط الثقافي، ولم ينتبه على مدار ثلاث سنوات إلى أهمية الصروح الثقافية الكبيرة، والأسماء الكبيرة التي تقع خارج نطاق الاتباع والابتداع والملاحقة والشهرة، والمهمات التي كان يمكن أن تتعاون معهم فيها، وهنا يكمن جزء من مشكلة الوزارة، حين تتبنى مواقف دون درس وتمحيص تورطها في فصل مؤسسات المجتمع المدني النقابية بخاصة عن المشاركة مع الوزارة في بناء الثقافة المصرية. كما حدث من استبعاد النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر من المشاركة في اللجنة العليا لمعرض القاهرة الدولي للكتاب على سبيل المثال لا الحصر، هذا بالإضافة إلى غياب قدرة الوزير على التحكم في موظفيه إلى الدرجة التي وصل الأمر بعدد من وكلاء وزارة الثقافة إلى اختلاق مشكلات مع شخصيات عامة وصروح ثقافية كبرى بالمخالفة للقوانين والقرارات، مع تدني مستوى عدد من قيادات الوزارة حوارًا وسلوكًا وأداء، على نحو تسبب في خلق احتراب مجتمعي وثقافي مجاني بين عدد مؤثر من الكتاب والمثقفين، هذا بالإضافة إلى عدد من مظاهر الفساد الخلقي الفج لعدد من كبار موظفي الوزارة على صفحات التواصل الاجتماعي وهذا ما خلق صورة ذهنية سيئة ومعيبة للثقافة المصرية في المخيال العام مصريًّا وعربيًّا..
  • 6-    خلق حالة من الاحتراب – دعمها وزير الثقافة- بين الوزارة وعدد من النقابات ومؤسسات المجتمع المدني، بل إن أية مقارنة في حجم التعاون مع هذه المؤسسات مع من سبقوا الوزير الحالي، وقضوا مدته نفسها في الوزارة لن تكون في صالحه، وهو تعاون لا يخضع لرغبة الوزير، بل إنه فرض لازم لتوفير ما يحتاجه المواطن المصري من ثقافة ضرورية تمثل حقًّا دستوريًّا له، نص عليه الباب الثالث من الدستور، هذا في ظل ميراث طويل من غياب التكامل بين قطاعات الوزارة أنفسها، أو بينها وبين الوزارات الأخرى ذات العلاقة بالشأن الثقافي، فكيف يتسنى للوزير الحالي خلق حالة من التعاون الفاعل والمؤثر مع الوزارات الأخرى كالتعليم، والتعليم العالي، والشباب والرياضة، والأوقاف، والآثار، والإعلام! ناهيك بمنظمات المجتمع المدني كنقابة اتحاد الكتاب، والجمعيات الثقافية، والنوادي والاتحادات الأدبية والثقافية، بعد فشله في تنسيق بيته الداخلي، وفي هذا تفصيل ليس هنا مكانه. فضلاً عن إثارة عدد من قيادات الوزير المنتدبين العديد من الخلافات مع مؤسسات المجتمع المدني والنقابات الراغبة في المشاركة في دعم مشروع الدولة الثقافي، على الرغم من أنها ليست جهات منافسة بل إنها داعمة للوزارة وللدولة، ولكن لا حياة لمن تنادي. فعدد الدعاوى المرفوعة على الوزارة لمخالفتها القانون، ولغياب الحوار المشترك، مع مؤسسات المجتمع المدني وأفراده، كبير إلى حد مزعج ودال..
  • 7-    امتناع الوزارة عن دعم النقابات الفكرية والأدبية والفنية ماديًّا ومعنويًّا، إلا في حدود ضيقة تتم من خلال علاقات شخصية، دون رؤية أو خطة شاملة، أو شفافية. بالإضافة إلى تهافت ما تقدمه الوزارة لشباب المبدعين ومشروعاتهم. واقتصارها على الاهتمام بما يسمى النخب، وموظفي الوزارة. إن نجاح الأهداف العامة لرؤية 2030 لن يتسنى له التحقق دون التناغم الكامل على المستويين: الرسمي المتمثل في الوزارة ومؤسساتها وقطاعاتها في أفضل أداء شفاف وخال من الأهواء، وجماعات المصالح، ومؤسسات المجتمع المدني الثقافية المتمثلة في مجالس النقابات الأدبية والفنية، والجمعيات والاتحادات والنوادي والروابط، وهذان هما الجناحان اللازمان ليحقق إنفاق الدولة على الثقافة أثره الاجتماعي، وهذا ما لا يمكن تحققه إلا من خلال توزيع صحيح للأدوار بينهما، ومن خلال مشاركة كاملة في الرؤية والأداء وهو ما لم ينجح فيه الوزير على أي مستوى، فغياب التفاعل بين المؤسسات الثقافية الرسمية وما يموج به الواقع الثقافي الحالي من تيارات، وما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني الثقافية من أنشطة دون أي تعاون أو تنسيق مع الوزارة، هو الشاهد على محدودية الخطاب الثقافي الذي يتنباه الوزير الآن..

تؤكد النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر وهي تشير إلى مواطن الفساد والخلل في أداء وزير الثقافة وقياداته المختارة، وذلك بوصفها نقابة فكرية تمثل في مجموعها الضمير الثقافي الوطني في أرفع صوره الفكرية وتجلياته الإبداعية أنها لا تجدد الثقة بأداء الوزير الحالي، كما تؤكد النقابة أن بيانها هذا لا يتطرق إلى كون الوزير القائم، وقيادات هيئاته المنتدبين، من المؤهلين فكريًّا لقيادة حراك التنوير الثقافي من عدمه، لإدراك منها -أثبتته الوقائع- مفاده أن تغيير الوزير لم يثبت في العقدين الأخيرين أن له أدنى تأثير حقيقي إذا ظل استمرار العمل في الوزارة بالهياكل الفكرية والإدارية والتنظيمية القائمة أنفسها دون تغيير، وتناشد النقابة واضعي السياسات العامة بإعادة هيكلة شاملة لجمّاع المؤسسة الثقافية، مع ضرورة الدقة في اختيار قيادات جديدة مبدعة، لم يمسّها الفساد الإداري طوال العقود السابقة، وذلك من أجل تحقيق الأثر الاجتماعي المأمول للثقافة؟ وتؤكد النقابة أنه لا يمكن لقيادات ثقافية مستهلكة، أثبت الواقع الثقافي فشلها، أن تتصدى لتنفيذ أية أهداف ثقافية موضوعة لخدمة الرؤية الجديدة لمستقبل مصر الحديث الذي يسعى إلى تحقيقه بتفان وجهد غير مسبوق فخامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وهذا ما لا يمكننا الحكم عليه إلا من خلال إجابة وافية لسؤال مركزي وحيد وحاكم هو: ما الأثر الاجتماعي الفعلي لإنفاق الدولة الثقافي؟ فمن غير المعقول أن نكرر الأشياء أنفسها وننتظر نتائج مختلفة؟

وإذ تطرح النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر هذا الطرح من خلال فهم للثقافة لا يرتبط بالحدود الضيقة للكتابة الأدبية فحسب. بل يرتبط بالمثقف بالمعنى الاجتماعي للثقافة بصفتها مهمة مجتمع كامل وليست مهمة وزير أو وزارة، فإنها تعمل من أجل استعادة المثقفين إلى دورهم الاجتماعي الفاعل في مواجهة التطرف والفتن والفساد، إيمانا منها بقدرة المثقفين في ظل الأزمات الثقافية القائمة على طرح البدائل، فضلا عن سعى النقابة إلى صوغ جديد لمعنى الثقافة المصرية على نحو يمثل مجمل عناصرها فى شمول وتكامل بين الوزارات ذات الشأن الثقافي، والنقابات ومنظمات المجتمع المدني . لأنه لا يمكننا مقاومة الفساد الاجتماعي دون التفاف جمعي من المواطنين حول سياسات الالتزام، والانتماء، والإصلاح والمحاسبة، والسؤال الذي يطرح نفسه دائمًا عند كل تغيير ثقافي جديد هو: كيف نغير الوعي الذي يحتضن البيئة التي تنمو فيها ثقافة الفساد والتطرف في مصر الآن؟

وأخيرًا تعلن النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر للرأي العام بعد هذا الطرح، وإيمانا بما جاء فيه، امتناعها عن تجديد الثقة في وزير الثقافة الحالي، وقيادات هيئاته المنتدبين، بعد أن اهتم القائمون على إداراتها بالشكل والمهرجان والفرد، على حساب المضمون والأثر والمجتمع. فمصر تستحق من هو أفضل سعيًّا من أجل نهضة ثقافية جديدة تعيد إلى مصر مكانتها التاريخية، ومكانها المستحق عربيًّا وأفريقيًّا ودوليًّا..

والله ولي التوفيق

النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات