أَطْوَار نمو الأطفال والشباب وعلاقتُها بالقِصَّة

06:52 مساءً الخميس 5 أغسطس 2021
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

(الطَّوْرُ): مصدر طارَ يَطُورُ، وهو المَرَّةُ والتَّارَةُ؛ تقول: طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ؛ أَي: تارةً بعد تارةٍ، (أو)  القَدْرُ والحَدُّ، وهو ما كان على حَدِّ الشَّيءِ أَو بِحِذَائِهِ، (أو) الصِّنْفُ والنَّوعُ، (أو) الحالُ والهَيئَةُ، (أو) كلُّ شيءٍ ساوَى شيئًا، فهو طَوْرُه، و(عَدَا أو تَعَدَّى طَوْرَه): جاوَزَ حَدَّه وقَدْرَه، و(تَعَدَّى النَّبيذُ طَوْرَه): تَعَدَّى حَدَّه وحالَه الّذي يَخُصُّه ويَحِلُّ فيه شُرْبُهُ، والجمعُ: أَطْوَارٌ، و(في القواعدِ): تُعرب في نحو: (أجيءُ تارةً وأغيبُ طوْرًا): [ظرف زمان منصوبًا بالفتحةِ].

وقد عني عُلَمَاء التَّربية بدراسة أَنْوَاع القِصَّة على أساس الفكرة لمعرفة أيُّها أكثر ملاءمة لِلطِّفْلِ والمراهق والبالغ في أطوار النّمُو العَقْلِيّ والوجداني المختلفة. وهم-  وإن كانوا غير متفقين على بدء هذه الأطوار ونهايتها-  فقد حددوها تحديدًا إجماليًّا كما يأتي:

  • الطَّور الواقعي المحدود بالبيئة (ب) طور الخَيَال الحر (ت) طور المُغَامرة والبُطُولَة (ث) طور الغَرَام (ج) طور المثل العليا. 

وقد اعتمدت دراسات القِصَّة وعلاقتها بالنّمُو، إلى جانب النّمُو العام، على: اللُّغَة، الصّور، الخَيَال، وعلاقة كل هذا بما يقدم إلى الطِّفْل والنَّاشِئ من قصص.

فاستنادًا إلى الخصائص الَّتي يتميز بها الأَطْفَال في عملية التَّخيل، يتحدد المضمون الثَّقافي المناسب والشّكل الّذي يسكب فيه.

وفي كل الأحوال، فإن “كل نوع فني أو أدبي مقدم إلى الأَطْفَال يتطلب قدرًا من الخَيَال يتوافق ومستوى النّمُو الخَيَالي لِلأَطْفَالِ، ويزيد-  في الوقت نفسه-  من مستوى ذلك النّمُو”. ولتفصيل الأطوار:

  • الطَّور الواقعي المحدود بالبيئة ( 3- 5 ) سَنَوَات:

تنمو صورة الجسم body image-  في هذه المَرْحَلَة-  باطِّراد، ويحدد حجم الجسم وقوته صورة هذا النّمُو الَّتي تساعد الطِّفْل على الحركة المعتمدة على اللّعب والاكتشاف الحسي لاختبار البيئة المحيطة، ما يدعو الأهل إلى توفير الوقت أمامه لينمو، وإتاحة الفرصة ليستكشف، وإباحة الحرية ليجرب.    

فالطِّفْل مشغول باكتشاف ما حوله ومَن حوله؛ عالمه قريب منه، محيط به، يتلخص بكلمتين اثنتين هما: (هنا) و(الآن)، ويتمركز غالبًا حول أمِّه الَّتي يشعره وجودُها بالطُّمَأنينة وبفقدان الرّغْبة في القيام بأعمال ارتيادية Pioneering تبعده عن عالمه وعنها رغم كل ما يقوم به من محاولات اكتشاف يمكن للقِصَّة أن تساعده فيها لما تنطوي عليه من شخصيات إنسانية وحَيَوَانية مألوفة يزيد إلفتَها إضافة القاص الصِّفَات المعروفة من قبل الطِّفْل؛ على أن تكون: حسية، واضحة، ملونة، مثل: “الدَّراجة الزَّرقاء، الدِّيك الأبيض والدِّيك الأسود، القبعة العنيدة، النّمر العنيد…”.

كذلك اعتماد القاص الإيقاع rhythm في القِصَّة نظرًا إلى تطور سمعه السريع في هذه المَرْحَلَة، وأهمية حاسة السّمع بالنّسبة إلى النّمُو اللُّغَوِيّ. ويكون الإيقاع باستخدام موسيقا الكَلِمَات، والجمل المنغمة، والعبارات الموزونة أو المسجوعة، والأصوات المرحة الَّتي تطلقها شخصيات قصصه، ومزج النّثر بالشّعر، واستخدام نبرات الكِتَابَة، والتِّكْرار Repetition.

أما (الخَيَال) في هذه المَرْحَلَة، فهو (خيال توهُّم) حاد يجعل الطِّفْل يتخيل الكرسي قطارًا والعصا حَيَوَانا والوسادة كائنًا حيًّا يتبادل معه الأحاديث، ويتقبل القصص والتَّمثيليات الَّتي تتكلم فيها الحَيَوَانات والطُّيور، ويتحدث فيها الجَمَاد بشغف إضافة إلى شغفه بالقصص الخرافية والخَيَالية، شرط ألا يبالغ في تقديم هذه القصص- رغم أهميتها في توسيع خيال الطِّفْل وخصوبة تفكيره- حتى لا يؤدي ذلك إلى تشويه الحقائق المحيطة به، وإضعاف نموه العَقْلِيّ، بل الاستعانة ببعض القصص المرحة الَّتي سيعجب بها، إذ “يكون  فيه من الفُكاهَة عِرق” في نهاية هذا الطَّور، وهي  تلعب دورًا في إذابة التُّوتر الّذي قد يشعر به وفي زيادة مرونة عقله، فتكون علاجًا ناجعًا في المواقف الصّعبة الَّتي يقف الأهل إزاءها عاجزين. أخيرًا، وفيما يتعلق بالكتاب.

ورغم أن الطِّفْل لن يستطيع قراءة كَلِمَات القِصَّة، يجب أن تكون الكَلِمَات بالحجم الكبير، مضبوطة بالشّكل التام، قليلة العدد في السَّطر الواحد، وقليلة الأسطر في الصَّفحة الواحدة.

  • طور الخَيَال الحُر [الخَيَال المنطلق] ( 5- 8 ) سَنَوَات:

أو من الخامسة حتى التَّاسعة، ويكون الطِّفْل-  في هذا الطَّور-  قد قطع مَرْحَلَة التَّعرف إلى البيئة المحسوسة وتاقَ إلى تخيل شيء آخر وراء الظَّواهر الطّبيعية الواقعية الَّتي خبرها بنفسه، فيجنح إلى الخَيَال الحر حيث الملائكة، والحور، والجِنِّيَّات العجيبة، والسَّاحِرات، وغيرها من الشَّخْصِيَّات الغريبة الَّتي تتضمنها القصص الخَيَالية كقصص (ألْف ليْلَة ولَيْلَة) والَّتي يحتار الأَطْفَال بين تصديقِ وجودها وتكذيبه؛ إلا أن اعتيادَهم سماعها يجعلهم يدركون حقيقة كونها من عالم الخَيَال الممتع.

ويبدأ الطِّفْل إذن بالتَّحَوُّل من التَّخيل المحدود بالبيئة، متجاوزًا النَّوْع الإيهامي إلى النَّوْع الإِبْداعِيّ، أو التَّرْكِيبي المُوجَّه إلى هدف عملي يتبلور فيه ولعهُ  بالقصص الخَيَالية، فينجذب للإنصات إلى قصص الجان والعَفَاريت والأعاجيب، ولكن أكثر القصص نفعًا له هي الَّتي تنقله إلى آفاق بعيدة خارج حدود معارفه دون أن تغفل الواقع.

ويتشبه الأَطْفَال-  في هذه المَرْحَلَة-  بالمغامرين الأبطال، فينجذبون إلى “قصص المُغَامَرَات الخَيَالية مما يستوجب أن تراعى، في مثل هذه المُغَامَرَات،  مضي الحوادث وفق عامل السَّبَبية قدر الإمكان حتى لا تبدو الحياة أمام الأَطْفَال وكأنها مجموعة من المقالب والأفخاخ.

وبما أنهم لا يعرفون بَعدُ معنى الأخلاق الفاضلة وكنه المعايير الاجْتِمَاعِيّة في هذه المَرْحَلَة، فإن المواعظ والأوامر لا تجدي في طبعهم على سلوك معين؛ وإنما يتأتى هذا باستغلال ميولهم إلى اللّعب والتّقليد والتَّمثيل، وبقراءة القصص الشائقة الَّتي تشجع على الاتصاف بالصِّفَات الخلقية الطّيبة والمبادئ الاجْتِمَاعِيّة المحمودة، فيكون لها دورها المهم في عملية التَّربية. 

أما بالنّسبة إلى (لغة القِصَّة)، فهذه مَرْحَلَة (الكِتَابَة المبكرة) الَّتي يمكن فيها اسْتِعْمَال “الكُتُب المصورة الَّتي تضم-  إضافة إلى الرَّسم-  بعض كَلِمَات وعبارات بسيطة في حدود ما يمكن أن يضمه قاموس الطِّفْل في هذه السّن من ألفاظ”، شرطَ أن تكون الكَلِمَات-  كما في المَرْحَلَة السَّابِقة-  كبيرة الحجم، قليلة العدد، مضبوطة بالشّكل التام، والأسطر قليلة في الصَّفحة الواحدة. ويجب أن تكون الجمل بسيطة ومن ضمن الأنماط اللُّغَوِيّة المعروفة، وإن اعتبرت نهاية هذه المَرْحَلَة مَرْحَلَة “الجمل المركَّبة الطَّويلة”.

و(فنيًّا): إنَّه عمر النَّزعة الحرْفية، كما يصنفه جاردنر، إذ يستمر الأَطْفَال في النّظر بشكل مباشر، من خلل الأعمال الفنية، إلى الأشياء الَّتي تمثلها أو تشير إليها في الواقع. كما أنهم يصبحون أكثر تصلبًا في تفكيرهم إذ يفرضون قواعد صارمة على إدراكهم هذه الأعمال. وتتجلى إيجابية التزام هذه القواعد في أن المرء “لا بد له أن يعرف القواعد والأصول قبل أن يتحرك تدريجيًّا بعيدًا عنها، أي قبل انتقاله إلى مَرْحَلَة انهيار الحرفية وانبثاق الحساسية الجَمَاليّة”. أما (صفات القِصَّة)، في هذه المَرْحَلَة، فيجب أن تكون: مرحة، شائقة، حبكتها بسيطة، خيالها حر، بعيدة عن المواعظ والأوامر

  • طور المُغَامرة والبُطُولَة ( 8- 12 ) سنة:

ينتقل الطِّفْل، في هذا الطَّور، إلى مَرْحَلَة أقرب إلى الواقعية. فهو “يبتعد عن التَّخيل الجامح بعض الابتعاد، ويهتم بالحقائق، ويشتد ميله إلى الألعاب الَّتي تتطلب مهارة ومنافسة، وتظهر على الطِّفْل أنماط سلوكية فيها تحدٍّ للأسرة ولبعض تقاليد المجتمع”، فيُرى “يتسلق الأشجار والحيطان، ويعتدي على زرع غيره فيقتلعه، ويسرق ثماره، ويترك االمَدْرَسَة مغامرًا مع زملائه في عمل من الأعمال، ويشترك في الألعاب الَّتي تظهر فيها المنافسة والشُّجاعة، ويكوّن فِرَقًا للمحاربة والهجوم على فِرَق أُخْرى معادية له. من أجل هذا أطلق على هذا الطَّور: (طور المُغَامرة والبُطُولَة)” الّذي يرى فيه عُلَمَاء نفس الطِّفْل أنه “أنسب المراحل لعملية التطبيع الاجْتِمَاعِيّ”.

ويلعب الأتراب-  في هذه المَرْحَلَة- دورًا مهمًّا. وبالنّسبة إلى (لغة القِصَّة)، تشْمُل هذه المَرْحَلَة مرحلتي كتابة هما: مَرْحَلَة الكِتَابَة الوسيطة ( 8- 10) سَنَوَات ومَرْحَلَة الكِتَابَة المتقدمة ( 10- 12) سنة.

ويتسع قاموس الطِّفْل، في المَرْحَلَة الأولى، بعد أَنْ يَكُونَ قد سار في القِرَاءَة والكِتَابَة شوطًا لا بأس به، ما يشجع على تقديم قِصَّة كاملة موضحة بالرُّسُوم تساهم فيها الكِتَابَة بدور رئيس، على أن تراعى البساطة والسّهولة في العبارات المستعملة، وإن كان الطِّفْل يستطيع أن يدرك التباين والاختلاف القائم بين الكَلِمَات، ويدرك التماثل والتَّشابُه اللُّغَوِيّ، ويتقن الخبرات والمهارات اللُّغَوِيّة، ويدرك معاني المجردات مثل (الكذب، الصّدق، الأمانة، العدل، الحرية، الحياة، الموت)، ويلاحظ طاقة التَّعْبير والجدل المنطقي، ويظهر الفهم والاستمتاع الفني والتَّذوق الأدبي لما يقرأ.

أما في المَرْحَلَة الثَّانية، فإن قاموس الطِّفْل اللُّغَوِيّ يكون قد اتَّسع إلى درجة كبيرة، فصار أكثر إتقانًا لقواعد لغته ولأنظمة ثقافته الرمزية الأُخْرى، وأصبح يعرف هذه القواعد إلى الدَّرجة الَّتي لم يعد يخاف انتهاكها. فهو قادر على الذهاب إلى ما وراء القراءات الحرفية للكَلِمَات والصّور والأغاني، وقادر على فهم الجوانب الإشارية Denotational، وقادر على تكوين مخططات عقلية أساسية حول القصص من خلل معرفة مدى أنماط الشَّخْصِيَّات والأحداث الخاصِّ، وقادر على فهم فكرة الحبكة، وقادرٌ على استيعاب الخط الفاصل بين الواقع والخَيَال، وقادر أيضًا على تذكر القصص بدقة، وإعادة حكيها بكفاءة، والتنبؤ بما سيحدث لشخصيات القِصَّة، والنفاذ إلى ما وراء سطح القِصَّة الظاهري ليحس بنشاطها الدَّاخِلي، ويكتشف محاكاتها التهكمية Parody، ويتذوق أُسْلُوبها حتى لو كان خارجًا عن المألوف. لكن فهم القِصَّة يكرس إذا ما نصح الطِّفْل بتلخيصها، والقيام بالتدريب اللُّغَوِيّ السليم، والعناية باللُّغَة الفُصْحَى الَّتي يساعد ضبطُ كَلِمَاتها ضبطَ إعراب مع المحافظة على ضبط عين المضارع دومًا على إتقانها.

  • طَوْر الغَرَام (مَرْحَلَة اليقظة الجِنْسية) (12- 18) سنة:

يصاحب هذا الطَّور فترة المُراهَقَة بمرحلتيها: [المُراهَقَة المبكرة Early Adolescnce:  12-14سنة]، و[المُراهَقَة الوُسْطَى  Adolescnce Middle: 15-17 سنة]؛ أي مَرْحَلَة الإِعْدادِيَّة فالثَّانويّة.

وتمتاز المُراهَقَة بأنها “فترة عواصف وتوتر وشدة  تكتنفها الأزمات النَّفْسية وتسودها المعاناة والإحباط والصِّراع والقلق والمشكلات وصعوبات التَّوافق”؛ لذا تحتاج إلى استنهاض كل قوى الأهل والمربين لاحتواء أزماتها وتحويل مسارها إلى الطَّريق الصَّحِيح.

(فنيًّا): هذا العمر هو عمر الاستغراق الجَمَاليّ؛ إذ يمتلك المراهقون مدى واسعًا من المهارات والمَعْرِفَة الَّتي تمكنهم من الإحاطة بالفُنُون. فهم يهتمون بقضايا التَّاريخ والفلسفة المرتبطة بالفُنُون فينجذبون نحو موضوعات طبيعة الفن، والشّكل الفني، والنّقد، ويصبحون أكثر وعيًا بنسبية الأحكام الجَمَاليّة، خاصة إن نُبِّهوا إلى قضية الاكتساب القائمة على تذوق الكثير من الفُنُون شرطَ توافُرِ معرفة كيفية نموّ الأعمال الفنية وتطورها وارتقائها لدى الأفراد والجماعات، وتوافر معرفة معاييرها الفنية المستندة إلى قضايا الذَّوْق أو قضايا حقائق العلم والحياة، وتوافرِ معرفة علاقة الفن بالحياة وبفروع المَعْرِفَة الإِنْسانِيّة الأُخْرى، ما يحول المراهقَ من الاندفاع في أحكامهِ إلى التَّأَنّي والتَّأَمُّل اللَّذين يقربانِهِ من روح الفن والجمال.

وبالنّسبة إلى (لغة القِصَّة): هذه المَرْحَلَة هي مَرْحَلَة الكِتَابَة النَّاضجة؛ لذا يمكن تقديم قِصَّة ناضجة إلى المراهق؛ وتناسبه: القصص الوجدانية، قصص البُطُولَة والجاسوسية، قصص تحقيق الرغبات الاجْتِمَاعِيّة، قصص الغَرَام والحب. وإذا كان لا بد من ذِكر الغَرَام، فليكن ذلك النَّوْع الشّريف الّذي تظهر فيه العلاقات البريئة بين الفتى والفتاة والمَعْرِفَة الَّتي تؤدي إلى الزَّواج، لا تلك العلاقات الفاسدة الَّتي تمتلئ بها قصص الغَرَام الرَّخِيص الَّتي يقصد بها تغذية الرّغْبة الجِنْسية.

  • طور المثل العليا ( 18- …):

هو طور [المُراهَقَة المُتَأَخِّرَة Late Adolescnce:  12-18سنة]، وتعادل مَرْحَلَة (التَّعليم العالي) وتسبق مباشرة تحمل مسؤولية حياة الرّشد. ويطلق البعض على هذه المَرْحَلَة اسم (مَرْحَلَة الشَّبَاب Youth) ، إذ تبدأ مَرْحَلَة النّضوج العَقْلِيّ والاجْتِمَاعِيّ عند كل من الفتى والفتاة، ويصل الذَّكَاء إلى أعلى قمم نضجه، ما يساعد على اكتساب المهارات العَقْلِيّة، والمهارات الأُخْرى الَّتي تلزمها الكفاءة.

كما يساعد مستوى الذَّكَاء  على إدراك المفاهيم المجردة والقيم الأخلاقية، فيطرد نمو التَّفْكير المجرد والمنطقي والابتكاري، ويتبلور التَّخصص ويتضح، ويخطو المراهق خطوات كبيرة نحو الاستقرار في المهنة، وتزداد القدرة على التحصيل تمامًا كما يزداد كمُّ وكيف القِرَاءَة المتخصصة من سياسية وفلسفية وأدبية ودينية، وتزداد الإحاطة بمصادر المَعْرِفَة المتزايدة.

إلا أن تنوع القراءات وتخصصها يجعلان من الصّعب تحديد نوع القِصَّة الَّتي يميل المراهق إليها، وإن كان لدراسته ومعارفه ومهنته ونشاطه الاجْتِمَاعِيّ وميوله وثقافته الأثر في اختيار قصته. كما تؤثر تربيته وبيئته وأصدقاؤه وأفراد أسرته على اختيار القِصَّة، دون إغفالِ تأثيرِ مَثل المراهق الخلقي أو الاجْتِمَاعِيّ أو العِلْمِيّ الأعلى مع ما يحيط بالمثل الأعلى من اختلافات في وجهات النّظر. لهذا، لا يمكن حصر أَنْوَاع القصص المناسبة لهذا الطَّور، مما يؤكد مقولة (أَحْمَد نَجيبْ) بأن هذه المَرْحَلَة: تخرج عن نطاق عمل كاتب الأَطْفَال.

(الصُّورة) [المرتبة الثَّانية]: لا يستغني الطِّفْل عن الصُّورة بمجرد البدء بقراءة الحُرُوف والكَلِمَات، بل تنتقل من مرتبتها الأولى إلى المرتبة الثَّانية لتقوم بوظيفة “النّقْطَة، أو الاستجمام، وإراحة العين والنَّفْس” فتكمل النصَّ.

وبعد أن كان الطِّفْل (يقرأ الصُّورة) في (مراحل ما قبل القِرَاءَة)، ينتقل إلى قراءتها بشكل مزدوج مع النَّص في (مَرْحَلَة القِرَاءَة)، وهو ما يطلق عليه اسم “القِرَاءَة المزدوجة للنَّص والصُّورة”.

ولمعرفة علاقة الطِّفْل بالصُّورة، ووفقًا لمشروع  (صفر أو زيرو)، تبين أن ارتقاء التَّفضيل الجَمَاليّ لدى (أَطْفَال الثَّانية حتى السَّابِعة) القائم على معرفة الرُّمُوز، يتحول إلى (النَّزعة الحرفية) من عمر (السَّابِعة إلى التَّاسعة)، فيستمر الطِّفْل في النّظر بشكل مباشر إلى الأشياء  الَّتي تمثلها أو تشير إليها في الواقع. كما يصبح أكثر تصلبًا في تفكيره إذ يفرض قواعد صارمة على إدراكه هذه الأعمال، فيكون العَمَل ناجحًا بالنّسبة إليه بمقدار تشابهه مع المشهد الّذي يسجله، وفاشلًا وسخيفًا وغبيًّا إن ابتعد عن تشابهه مع ما يمثل. على أن الحرفيَّة تنهار، لتنبثق (الحساسية الجَمَاليّة) بدلًا منها (ما بين التَّاسعة إلى الثَّالِثة عشرة)، فيذهب الأَطْفَال إلى ما وراء القراءات الحرفية للكَلِمَات والصّور والأغاني، ويهتمون بالجوانب الإشارية Denotational  الأكثر تعبيرًا من الرُّمُوز.

ومن (الثَّالِثة عشرة إلى العشرين)، تسمّى المَرْحَلَة: (مَرْحَلَة الاستغراق الجَمَاليّ)، الَّتي يهتم المراهقون فيها بموضوعات طبيعةِ الفنّ وشكله ونقده، ويصبحون أكثر وعيًا بنسبية الأحكام الجَمَاليّة.

وقد أكد (بارسونز) في حديثه عن مراحل الحكم الجَمَاليّ أن (طفل ما بعد الخامسة) يبدأ بوعي ذاتية الفن، فيحاول الاقتراب من معنى العَمَل، ثم لا يلبث أن يحاول فهمه في سياق اجتماعي وتاريخي خاص للوصول إلى مَرْحَلَة الحكم الجَمَاليّ.

أما شروط اللَّوْحَة في مَرْحَلَة القِرَاءَة، فهي: (الجمال) سواء اكتفت القِصَّة بالصّور وحدها أو جمعت بينها وبين النَّص، والتنوع غير الناقل للسوقية أو القبح، والإبداع الّذي يقدمه كبار رسامي الطُّفُولَة، وهي شروط تساهم في رفع مستوى ذوق الطِّفْل الفني وترقى به.

بعد قراءة مراحل نمو الطِّفْل وعلاقتها بقراءة النص والصُّورة، نخلص إلى أنه لا يمكن لقِصَّة الأَطْفَال أن تكتب أو تدرس أو تُختار إلا من خلل معرفة مراحل النّمُو، وإلا وقع كل من القاص والبَاحِث والمربي في مشاكل متشعبة مركبة. 

بقلم: د. إيمان بقاعي

5\8\2021

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات