مصر: محطة الضبعة النووية وتغييب مفهوم المواطنة

04:38 مساءً الجمعة 21 ديسمبر 2012
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

خريطة تبين موقع الضبعة، والى اليسار شكل يبين خلوها من الألغام

يتجدد إحساسهم بأنهم أناس مستبعدون, لا تنظر إليهم حكومة بلادهم على أنهم من مواطنيها ,فقط تتجه الإنظار نحو أراضيهم وآبارهم , وتعقد الصفقات وتقام المشاريع على ترابهم ..  فلامانع من تجريف الأرض وتبويرها , وردم آبار المياة التي يسقون منها الزرع والضرع , بل وتهجير أعداد كبيرة منهم والإستيلاء عليها ولم لا؟ فالموقع جد عبقري تنافست عليه المشاريع الإستثمارية في المجال العقاري والقرى السياحية على طول الساحل الشمالي , ومنذ أن وقع الإختيار على منطقة الضبعة لإقامة محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية وكأنه الكابوس الذي أحاط بأهلها لأنه مشروع يحمل في طياته مخاطرة كبيرة قد تؤدي إلى كارثة حال حدوث أي تسرب إشعاعي محتمل ,و إقصاء لأهل المنطقة عن أرضهم التي عاشوا فيها منذ آلآف السنين من أجل الحلم النووي ولما قامت ثورة يناير تجدد الأمل في إلغاء الفكرة لكن وللأسف تجدد الحديث عن حتمية المحطة النووية وأن الحكومة ستقوم بصرف تعويضات لأهالي المنطقة!!!

والسؤال الأهم الذي لا يتوقف أهالي الضبعة عن تكراره : لماذا النووي في مصر في حين أن الدول العظمى أصبحت تبحث عن مصادر آمنة ونظيفة للطاقة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح؟ وهل ستحقق التجربة النووية في مصر الحل الأمثل لتوفير إحتياجاتنا الكبيرة من الطاقة ؟ وماهي إجراءات الأمن والسلامة التي إتخذتها الحكومة المصرية لحماية السكان من شبح التسرب النووي في حال تشغيل المحطة ؟؟

إنهم أهالي منطقة الضبعة 140 كم شرق مدينة مرسى مطروح الواقعة شمال غرب جمهورية مصر العربية حيث يشعرون دائما بالتجاهل والتهميش فلا حقوق لهم ولا من مجيب لشكواهم فالشيخ /مهنا الهيش عمدة قبيلة الضبعة يتحدث بأسى عن بدايات فكرة المشروع النووي في مصر عندما أصدر الرئيس المصري الراحل أنور السادات < 1970-1981> قرارا بإنشاء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية بالإسكندرية إلا أن القرار لم يتم تنفيذه بسبب الأضرار الصحية والبيئية المتوقعة وتم نقله إلى منطقة الضبعة التي كانت تعاني من التجاهل والنسيان على مدار تاريخ مصر الحديث .

منطقة الضبعة كانت موجودة منذ الحكم الروماني لمصر وأهلها يعيشون حتى الآن على الآبار التي حفرها الرومانيون ويزرع مواطنو  الضبعة التين والزيتون والشعير كما يقومون بتربية المواشي وهم في حالة مستمرة من الإكتفاء الذاتي ولكن لما بدأت المشاريع الإستثمارية في المنطقة وانتشرت القرى السياحية وإحتدم الصراع بين مؤيدي ومعارضي المشروع النووي في الضبعة وتم تبوير الآراضي وردم آبار المياة فضلا عن تهجير أعداد كبيرة من مواطني الضبعة قامت الهيئة النووية ببناء شواطئ وشاليهات خاصة بالعاملين فيها على أراضي المواطنين في إطار الإستعداد للمحطة النووية .

وأكد السيد مستور أبو شيكارة منسق إعتصام أهالي الضبعة : إن المنطقة التي أقرت الحكومة إخلائها منذ عام 2003 مازال بها سكان حتى الآن مشيرا إلى  ان 90 ألف نسمة تسكن المنطقة وسط تهجير الكثير من سكانها .

وعلى الصعيد الحكومي أكد الدكتور يسري أبوشادي كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مصر ومسئول الطاقة بمشروع النهضة الذي كان الرئيس المصري قد طرحه أثناء حملته الإنتخابية أكد أن 90% من كهرباء مصر تعتمد على السولار والمازوت وقليل من البترول لندرته منوها أن مصر قد تظلم بشكل تدريجي إذا لم تجد مصادر بديلة للطاقة خاصة بعد توقف محطة الكريمات وهي أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط .

وفي رد عن أسباب نقل المشروع من مدينة الإسكندرية إلى منطقة الضبعة أوضح أن التضخم السكاني الكبير الذي حدث في منطقة العجمي هو الذي أدى إلى تغيير منطقة المفاعل من سيدي كرير إلى منطقة الضبعة في عهدالرئيس  السادات لأن المواصفات المطلوبة لإقامة محطة نووية لتوليد الكهرباء تتوافر فيها  مثل قرب المنطقة من البحر المتوسط بما يفيد في إستخدام مياهه في تبريد درجة حرارة المفاعل علاوة على خصائص التربة والمياة الجوفية وأخيرا ضعف الكثافة السكانية , وكانت إحدى الشركات الفرنسية المتخصصة قد أجرت فحوصات على الموقع بالتعاون مع معاهد البحوث المصرية .

ويفجر الدكتور يسري  أبوشادي مفاجأة من العيار الثقيل تبرهن  على مدي  إستخفاف الحكومة المصرية بالمواطنين الذين يعيشون في الأطراف وبعيدا عن العاصمة المركزية إذ أن هناك خطأ في مساحة الكيلومترات التي تم إجتزاؤها من منطقة الضبعة لإقامة المشروع,  فهناك  65 كم تم تحديدها بطريقة عشوائية لإقامة المشروع عليها  في حين أن المساحة المطلوبة هي فقط 5 كم !!مشيرا إلى ان المفاعل النووي في كوريا الجنوبية يستخدم مساحة 2.5 كم مربع فقط !! هكذا وبعد 30 عاما إكتشفت الحكومة ان هناك حوالي 60 كم مربع تم إستقطاعها من مواطني الضبعة عن طريق الخطأ !!

كانت منطقة الضبعة في عام 2006 محل صراع بين علماء هيئة الطاقة الذرية وخبراء الطاقة النووية وبين شركة إستثمار عقارية كبرى وهي شركة < العمار > التي كان  يدير مكتبها في مصر آنذاك الملياردير شفيق جبر المعروف بعلاقاته الوثيقة بالإدارة الأمريكية , حيث تم تجميد المشروع لأجل إقامة مجمع سكني عملاق ممادفع المهتمين بإقامة المحطة النووية بالتقدم بطلب عاجل للرئيس المصري السابق حسني مبارك <1981- 2011> لإنقاذ المشروع الذي  انفقت عليه الدولة مئات الملايين من الدولارات والذي صدر قرارا جمهوريا بإنشائه عام 1983 ولكن وقوع أكبر كارثة نووية في العالم ألا وهي إنفجار مفاعل تشرنوبل النووي في أوكرانيا بالإتحاد السوقيتي السابق عام 1986 جعل ملف المحطة النووية في مصر ملفا مغلقا لأجل غير مسمى .

أهالي الضبعة حين وعدهم الرئيس محمد مرسي بحل مشكلتهم

لما قامت ثورة يناير المجيدة 2011 وتولى رئاسة مصر الدكتور محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت جماعة محظورة قبل الثورة إعتقد مواطنو الضبعة أن الدولة ستنظر إليهم كمواطنين مصريين معرضين للتشرد والمرض والتهجير جراء هذا المشروع الكارثي وقد عرضوا على الحكومة المصرية التبرع بالأرض المستقطعة لصالح المشروع النووي لإقامة أية مشاريع تنموية وخدمية أخرى تعود على منطقتهم وعلى وطنهم الأم بالخير والتنمية , إلا أنهم فوجئوا بالرئيس مرسي أثناء زيارته لمرسى مطروح يتحدث مجددا عن أهمية المحطة النووية مخيبا لآمال أهالي الضبعة الذين صدموا بعرضه التعويضات على المضارين جراء إجلائهم والتي كانت قد عرضت عليهم أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك والتي رفضوها جملة وتفصيلا .

عقب زيارة مرسي لمحافظة مرسى مطروح عقدت اللجنة الشعبية لأهالي الضبعة بأرض المحطة النووية مؤتمرا حاشدا بحضور الأهالي وعدد كبير من أهالي محافظة مطروح والعمد والمشايخ والشخصيات العامة داخل المحافظة وحارجها من بينها أعضاء ممثلي حزب الخضر ومركز الإصلاح المدني والتشريعي وحزب أمل الأمة , وشبكة حقوق الأرض والسكن من أجل التأكيد على الرفض الشعبي لإقامة المشروع النووي على أرض الضبعة, حيث قام أعضاء حزب الخضر بتعليق اللافتات المنددة بإقامة المشروع مثل <لا  نووية ولا ذرية , مطالبنا مش فئوية> وشهد المؤتمر رفع أعلام مصر على المنصة واللافتات المناهضة للمشروع مثل < لا للمليارات .. لا للمساومات > , < بالروح , بالدم … أمن بلادنا أهم > مؤكدين رفضهم فكرة إعادة تقدير التعويضات التي كان الرئيس محمد مرسي قد طرحها أثناء زيارته شهر أكتوبر 2012.

وقد جاء هذا المؤتمر عشية اللقاء المقرر بين وفد ال30 الذي يمثل محافظة مطروح للقاء رئيس الجمهورية نوفمبر 2012 بالقصر الجمهوري لبحث مشاكل ومطالب أهالي مطروح لاسيما أهالي منطقة الضبعة .

أهالي الضبعة يحتجون أمام قصر الاتحادية

وفي رد فعل شعبي عملي بعيدا عن المؤتمرات والشعارات قام أهالي الضبعة بزراعة كامل مساحة الموقع محل النزاع بالشعير التحرك الذي إعتبره أهالي المنطقة إنجازا غير مسبوق في مجال التنمية لتوفير متطلبات مواشيهم وطعامهم مؤكدين أنه سيتم الإعلان عن مقاجأة كبيرة خلال حصاد المحصول الشهر القادم والذي من المتوقع أن يحقق أنتاجا يفوق عائدات البرنامج النووي على حد قول البعض !!

ومن جانبها أعلنت اللجنة النقابية للعاملين بالمواد النووية عن تمسكها بإستكمال مشروع الضبعة مع تعويض الأهالي المتضررين من المشروع عن الآراضي الخاصة بهم بالأسعار الحالية ورفضها لمزاعم حركة ألتراس الضبعة التي تحاول بث الخوف في نفوس الأهالي بدعوى أن للمشروع مخاطر كبيرة مؤكدة أن المشروع لايمثل أية خطورة وأنه يوفر فرص عمل للأهالي .

وختاما لابد وأن نلفت النظر إلى نقطة مهمة في إطار المشروع النووي المزمع إنشاؤه في مصر أننا ليس لدينا تقنيات لتصنيع الوقود النووي اللازم لهذه المحطات < تخصيب اليورانيوم > مما يمكن أي دولة لديها مثل هذه التقنيات أن تفرض علينا السعر الذي تريده مما يفقدج هذه المحطات إقتصادياتها التي تأسست من أجلها , كما أن الدولة التي ستقوم بتوريد وتركيب هذه النوعية من المحطات سيكون لها الحرية في فرض أي سعر والإستمرار في التواجد على أراضينا بحجة تشغيل المحطة النووية لتكون قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة , كما سيكون علينا الإلتزام بالولاء السياسي والإقتصادي لهذه الدولة حتى نضمن سلامة تشغيلها وبالتالي فالعواقب وخيمة أمنيا وصحيا وسياسيا .

وإذا كانت الحكومة المصرية تتحدث عن إحتمالات نفاذ الطاقة وأن المستقبل للطاقة النووية وفي ظل إنقطاع التيار الكهربائي بصورة تكاد تكون منتظمة وإرتفاع تعريفة إستهلاك الكهرباء بصورة غير مسبوقة تفوق مقدرة المواطن العادي وتصاعد المطالبة من قبل المسئولين عن الطاقة والكهرباء في البلاد بضرورة التقليل من معدلات إستهلاكنا للكهرباء في منازلنا يكون من المثير للدهشة والإحباط على أقل تقدير أن نجد أن ذات الحكومة ونفس المسئولين يصدرون الغاز الطبيعي والكهرباء بأسعار بخسة لدول الجوار والتي تهدد أمن مصر وحدودها الشرقية لاسيما دولة الإحتلال الإسرائيلي وحكومة حماس الإنفصالية في قطاع غزة .

 

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات