في روايته الأحدث؛ (زاوية الشيخ)، أرسل الكاتب حاتم رضوان قدميه إلى حقل من الألغام السردية، حيث عليه أن يمضي بشخوصه وأحداثه بعيدًا عن ملامسة المكرور والإكليشيهي والبديهي ليستخرج من أرض واقعه الروائي نبتا جديدا.
د. حاتم رضوان، مع روايته الأحدث (زاوية الشيخ)، وهو عضو اتحاد كتاب مصر، واستشاري جراحة العظام في مستشفى بنها التعليمي، وله مجموعات قصصية و3 روايات منها (طرح النهر)، و(بقع زرقاء).
فالصور الذهنية التي تستحضر ذاتها حين نسمع بالعارفين والصوفيين والأولياء والمريدين تتناثر حولنا، وتتماس مع تصوراتنا، سواء في الفضاء الاجتماعي، أو المجال البحثي، أو الأعمال المصورة في السينما والتليفزيون، وكذلك في الرواية، وكان على المؤلف أن يقنعنا أنه اجتاز تلك الألغام الساكنة في الوعي، ليخرج علينا بعمل روائي له خصوصيته، وجديته، وجدته أيضا.
وقد رأيت المؤلف يبني زاويته – حجرا حجر، أو فكرة فكرة، وشخصية شخصية – يحاول أن يمنح كلا منها آية تتباين مع ما قبلها، غير أنني، وبعين القاريء بحثت عن مساحات التداخل في شخصيته الأساس، علي الشريف، وبين شخصية فاوست أو فاوستوس؛ البطل في الحكاية الألمانية الأشهر، الذي يبرم عقدا مع الشيخ صفوان يسلم إليه روحه، كمريد في حضرته، في مقابل الحصول على المعرفة المطلقة.
صحيح أن الشيخ صفوان ليس شيطانا، لكننا مع تنامي الأحداث نرى ذلك التماهي مع الشيطنة برمتها، ونبدأ في إعادة اكتشاف العلاقات بينه وبين دائرته الضيقة من مريدين ودوائره الأوسع في السلطات بنفوذهم المالي والجنسي وما تتيحه علاقة المصالح بين تلك الدوائر من أفعال شيطانية.
المدهش أننا حين نغلق زاوية الشيخ، نجد على عتبة الباب الخارجي ثلاثة مفاتيح، يدونها حاتم رضوان وكأنه يفسر لنا ما عشناه، فإذا كان قد افتتح عمله بسطور جلال الدين الرومي: “وقد يأتي أحدهم خفيفًا، يطفو بجانبك، في كل هذا الغرق، كجذع شجرة يصلح للنجاة”، فقد اختتمه بعبارات هي المفاتيح: الصوفي: من وصل إلى الحقيقة … درجة الإحسان، المتصوف: السّالك على طريق الإحسان، لم يدركه بعد. المشتبه: هو الفاسق، يتشبه بهما، يبغي غرضا في نفسه؛ مالا، شهوةً، أو مكانة بين الناس.
علينا بعد أن نقرأ أن نصنع جدولا لنوزع شخصيات الرواية بين هذه التصنيفات، التي تتوزع بين داخل الزاوية وخارجها. ولعلنا نتفق مع البطل؛ علي الشريف (لاحظ التهكم من اللقب) حين نكتشف أن ليس سوى متشبه، كما يعترف هو نفسه، يتحول إلى شريط كاسيت يسجل حركات الشيخ ومفرداته، إلى كاميرا تصور أداءه، لكنه نسي أنه لن يصل إلى درجة شيخه، لأنه مجرد متشبه. أما صديقه اللبان فهو المتصوف عينه.
ولكن ما هي الزاوية؟
هل هي تلك الأبنية المادية التي وصفها الروائي، بأسوارها العالية، وحراستها المشددة، ومراقبتها الحريصة، أم أنها الأفكار المجهولة الغائبة عن وعينا؟ لقد نُسجت القصص عما وراء الأسوار مما لا يستطيع أحد أن يراه، ولعل ذلك المجهول هو القوة الخفية التي صمدت بها الزاوية. نحن نخاف المجهول، الذي ينشر الخرافات عن قواه الأسطورية، وأياديه الباطشة، وسحره الباتع.
وفي حين تصور الرواية المرأة بالضحية، لكننا نراها دومًا لا تستسلم، فهي تهرب من زوجة الأم الشرسة، وتغادر الزوج السكير القاتل الذي أجهض حلمها وجنينها، وهي تتعلم لتنهض بشخصيتها، وكذلك تقاوم لتحفظ عفتها، وحين تعشق تكون هي المبادرة، أما حين تثور، فتكون القوة الأكبر التي تنهي أسطورة الزاوية وشيخها.
زاوية الشيخ فاوست، المتشبه، أوزاوية الشيخ راسبوتين زير النساء وسلطان السهرات الحمراء، هي نفسها زاوية الشيخ التليفزيوني الذي يستخدم التقنية الحديثة لتمكين آليات الخرافة والجهل. وجغرافيا الرواية لا تبدأ في مصر وتنتهي عندها، وإنما سننتقل بين الريف والمدينة، بين البحر والصحراء، وبين المغرب والجزائر، وكأن في كل بقعة جغرافية زاوية، ولكل زاوية شيخ، ولكل سطوة نهاية، وتأتي نهاية الشريف الذي ورث الزاوية حتمية حين ثارت الجموع من أجل هدم الزاوية. هذه الجموع التي لن تتحرر إلا حين تكسر قيود الجهل والخوف والخرافة التي تكرسها زاوية الشيخ، وكل زاوية مماثلة.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.