ملك بورفؤاد

11:58 مساءً الجمعة 29 أكتوبر 2021
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بقلم: أسامة كمال ( كاتب وشاعر ومحرر ثقافى حرمصر

 تعود قصتى مع تمثال الملك فؤاد إلى عشرين عام مضت .. يومها التقيت بالمؤرخ البورسعيدى الراحل: وليم قوسة وكشف لى أنه عثر على تمثال للملك فؤاد بأحد مخازن هيئة قناة السويس منسياً مهملاً لا يدرى به أحد أو حتى يعرف أنه ملك حكم مصر أو بمعنى أدق تاريخياً: حكمها سلطاناً لمدة خمس سنوات ( ١٩١٧ – ١٩٢٢ ) واعتلاها ملكاً أربعة عشرة عاما ( ١٩٢٢ – ١٩٣٦ )  وتمثال الملك بكل صولجانه ونحاسه وهيبته وبُرنزه مُودع بمخزن الودائع  كوديعة على  سبيل الأمانة الى ان يهل فى سمائه جديد أو يلح فى طلبه طالب أو يظهر له حاجة أو ضرورة.. وكانت مفاجأة المؤرخ الراحل أن التمثال كامل وليس نصفياً كما أخبره والده الذى سبقه إلى العمل بالهيئة بقسم العلاقات العامة وأتاحت له ظروف عمله أن يراه .. ونقب المؤرخ الشغوف عن كل ما يمت بصلة للتمثال من قريب أو بعيد أو حتى فيه شك أو احتمال ..

وتوصل إلى : فى الأول من شهر نوفمبر عام 1951 أفردت جميع الصحف المصرية صفحاتها عن موضوع  زيارة  الملك  فاروق الأول ( 1920 – 1965 ) لمدينة بورفؤاد على اليخت الملكى ” فخر البحار” إحتفالاً باليوبيل الفضى لنشأة المدينة وإزاحة الستار عن تمثال والده الملك فؤاد الأول الذى اعتلى قاعدته بالفعل على مدخل المدينة فى انتظار حضور ابنه بكل سطوته وبهائه الملكى لإعلان عودة الملك الأب الى مدينته وعرينه وتنصيبه على مدخلها وناصيتها بالقرب من قناة الاحلام .. قناة السويس  .. وتكفلت شركة قنال السويس فى نسختها الفرنسية بسبك وتشكيل التمثال وتنصيبه ورفعه إلى قاعدته ومدينته بورفؤاد على الضفة الثانية من القناة  فهى المدينة التى خرج اسمها من اسمه و حروفها تمتزج بحروفه امتزاج الماء بالماء، ولم تبخل الشركة على التمثال وكلفت من ينحته فى عاصمة الفن بباريس ويحمله من مارسليا الى بورسعيد ..

وتأهبت المدينة لانتظار تمثالها حتى يكتمل زهوها واحتفالها بمرور خمس وعشرين عام على انشائها وخروجها من صحراء بلا نهاية إلى مدينة فى قلب البحر و القناة لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى المدينة ولا الملك الابن ولا التمثال الأب، ولم يتحرك الملاح بيخت ” فخر البحار ”  من مرساه ولم يخرج الملك الابن من ديوان  القصر ولم  يتم الاحتفال أو حتى الزيارة ومكث التمثال وحده على باب المدينة منتظراً قدره وطالعه الجديد .. وطال به الانتظار عدة شهور قضاها فى تيه وفخر بالسفن العابرة أمامه من شرنقة العالم الجديد التى اختصرت الجغرافيا ودخلت التاريخ  ومستشعراً  بأنه  حارس المدينة الابدى التى ستحمل اسمه طال الزمن أم قصر لكنه لم يعرف ماذا يخبىء له القدر، فمعارك  القناة دائرة بين الفدائيين المصريين والقوات البريطانية المرابطة فى معسكراتها على طول خط النار، وإضرابات عمال ميناء بورسعيد مستمرة ولهيب النار مد أوصاله الى القاهرة فى حريق يناير الشهير عام ١٩٥١ والوزرات المصرية  تتغير وتتبدل مثلما تتغير فصول العام كل  ثلاثة شهور…

لابد أن هناك شىء تحت السطح كامن وأن صفحة من التاريخ ستطوى وستبدأ صفحة أخرى وبالفعل خرج الجيش من ثكناته وحاصر كل أصحاب السمو والفخر و السعادة والمعالى وكل من كان للملك منتمى أو موالى ونجح الضباط الأحرار فى ثورتهم عام ١٩٥٢ وبدلا من أن يعتلى الابن يخته ” فخر البحر ”  للاحتفال بتمثال أبيه ارغموه على ركوب المحروسة التى لم تحرسه وتركته لأربعة عشرة ضابطاً يقرروا البت فى  مصيره وأمره ، وكما حاصرت قوات الجيش كل أصحاب الجاه والسلطان جاءت الأوامر بانزال تمثال المغفور له من عليائه ونقله  بسيارة مجلس بلدية المدينة بورفؤاد إلى اقرب مدفن أو مخزن وتغطيته  بستار افتتاحه كى لا يعرفه الناس أو التاريخ  حتى يحين البت فى القائه أو رميه …

ووجد التمثال نفسه محشوراً فى القبو وحوله أجزاء متهالكة من قطار بضاعة كان يمرق وسط ترسانة بورسعيد البحرية وانتهت مهمته، ومكاتب تركها الزمن تواجه مأساتها، وألات كاتبة فقدت حروفها، ومراوح عتيقة فقدت زمانها وطاقة عملها،  وفوانيس بحرية هجرها البحر ورماها البر، وملابس عمال رثة  نسيها العمال ونستيهم، وأعلام من تاريخ بائد لم يعد له وجود ولا يعرف أحد أين رفرفت أو حلقت، وكلها مهملات ترجع  إلى القرن التاسع عشر حتى يوم وصوله لمحبسه، وكلها تم بيعها كخردة وتخلصت منها الشركة على مدى سنوات إلا تمثال الملك الحائر تركوه بعد أن نسيه ضباط الثورة ولم يعد يتذكره المصريون ..

وما حدث مع المؤرخ الشغوف حدث مع نائب الحزب الحاكم عن بورفؤاد  ”  محمد صلاح الدين أبو الفتوح ” عضو المجلس المحلى السابق بالمحافظة الذى فوجىء بالتمثال أثناء جرده لأحد المخازن ووقع فى غوايته وقرر تقديم طلب عاجل  إلى المجلس المحلى  بإعادته إلى  مدينته وناصيته مرة أخرى عام ٢٠٠٢  بعد أن قضى خمسين عاماً حبيساً فى  ظلام المخازن .. ولكل حبس نهاية ولكل ملك هيبته ومكانته، لكنه خشى من  رفض الجماعات الدينية ومن تبعها من الشعب المؤمن بطبعه الذى ينتظر فتاوى شيوخ الفضائيات مع الثلاث وجبات خاصة بعد  أن  غزوا الشاشات السبع ووقفوا على مجرى عقول المصريين ..  والخوف كل الخوف أن يعتبروا التمثال من سلالة هُبل واللات والعزة وفتاويهم معلومة ومقروءة  فى تحريم الصورة والتمثال والدبدوب وكل من له وجه .. واستعان النائب بصديق  وهداه الى  فتوى شيخ مشايخ الأزهر وامام المتنويرين الشيخ الامام محمد عبده  يفتى فيها باتباع فقه زوال المحل بمعنى انتفاء صفة الصنم من التمثال بعد أن تغيرت الظروف  وتبدل التاريخ ..

والمدهش فى الأمر أن الملك فؤاد هو من ضيق الوثاق والخناق وسبل العيش على شيخ مستنير آخر قرأ التراث وتعلم العلوم الحديثة وهو الشيخ على عبد الرازق  الذى أثبت بالعقل وصفحات التاريخ  فى كتابه الهام الاسلام وأصول الحكم أن الخلافة ليست من الدين فى شىء وأن الخليفة اعتلى الحكم بظروف الوقت و الزمن وليس هناك من ظله الله بظله على الارض من الخلفاء أو الحكام، فرسولنا واحد ونحن جميعاًعباد لرب العباد ليس لشخص أو عشيرة أو قبيلة فضل على غيرها من الأمم إلا بفضيلة الايمان والتقوى وليس الحكم والسلطة،  لكن الملك فؤاد فى تلك الفترة كان حالماً بالخلافة ويسعى حثيثا إليها بعد إعلان انتهائها فى محطتها الاخيرة فى الباب العالى باسطنبول عام ١٩٢٤ ونازعه على حلمه االشريف عبدالله الهاشمى الملقب بملك العرب وأمير الحجاز والذى رفض اعلان الجهاد المقدس مع الاتراك أثناء الحرب العالمية الأولى ( ليس حرصا على الدماء المهدرة والأرواح المزهقة باسم الدين ولكن طمعاً فى مد مُلكه الى كل البلاد المجاورة بوعد من الانجليز لكنه فقد الخلافة والملك بل والحجاز التى دانت بعد حرب ضروس بين القبائل لآل سعود وتقلص حكمه هو وأبنائه وأحفاده  فى شط الأردن ) والمثير أن الاثنين حلما بميراث تركيا أو الرجل المريض التى زالت خلافتها فعلياً قبل سقوطها رسمياً بما  يزيد عن مئتى عام ، فمعظم بلاد خلافتها المزعومة والموهومة عاشت تحت الجهل أو الفقر أوالاحتلال من قوى الاستعمار الجدبد ومنها بلاد المتنازعين على وهم اعادة الخلافة من جديد ..

وبفتوى الشيخ محمد عبده بانتفاء صفة الصنم عن التمثال زال اللغم المتوقع  وكان لسان حال الموافقين:  مثلما لكم شيوخكم لدينا فتوى من امام العصر، وتمت الموافقة على عودة التمثال من مجلس مدينة بورفؤاد تحت رئاسة الدكتور علاء أبو صير رئيس المجلس حينها وعهّدت المحافظة إلى مديرية الثقافة بترميم التمثال وإعادته الى قاعدته عام ٢٠٠٢ وسط احتفال كبير قبل أن يُرفع بعد ثلاثة أيام فقط  ويعود إلى نفس المخزن أو المدفن ومع نفس المهملات المجاوره  بعد رفض النائب الراحل  البدرى فرغلى عضو مجلس الشعب السابق عودته بحجة انتمائه إلى العهد الملكى وتزامن رجوعه مع الذكرى الخمسين لثورة يوليو وكأننا نحتفى بالثورة بإعادة الملكية إلى مصر وليس للماضى أن يعود وليس لتمثال الملك إلا مدفنه الذى خرج منه، ويومها رفض المؤرخ الشغوف وليم قوسة وكتب مقالاً لجريدة القاهرة  صب فيه  جام حزنه وغضبه من انزال الملك عن سماء مدينته تلخصت سطوره: هناك  تماثيل عديدة فى مصر  ليس له تاريخ أو حتى انتماءً لمصر ومنها تمثال  ” لاظوغلى باشا  ” وزير مالية محمد على  ورئيس وزرائه و الذى أشار عليه بمذبحة المماليك وتمثال ” سيمون بوليفار ”  محرر أمريكا اللاتنية الذى يرتبط  كفاحه ونضاله بقارته – أمريكا الجنوبية –  و الملك فؤاد جزءًا من تاريخ مصر سواء اتفقنا مع سياساته أو رفضناها، فالمدينة ما زالت  تحمل اسمه وهو من وضع حجر أساسها فى الحادى والعشرين من شهر ديسمبر عام 1926  كذلك  لم يكن الملك  تابعاً لسلطة الاحتلال البريطانى وصدر فى عهده أحد أهم الدساتير المصرية دستور عام 1923،  وله أياد بيضاء على مشروعات عديدة منها: بنك مصر عام 1920، تحويل الجامعة الأهلية إلى جامعة أميرية عام 1924، إنشاء مدينة بورفؤاد عام 1926، انشاء معهد فن التمثيل ، وبنك التسليف الزراعي، والإذاعة الحكومية، ومجمع اللغة العربية ..

ولم تتنهى فصول الحكاية، فالتمثال الذى قضى خمسين عاماً فى محبسه الانفرادى وسط الودائع والمهملات بعد أن رأى نور مدينته لمدة ثلاثة أيام أبى الا أن يعود مرة أخرى لكن بعد أربعة عشرة عاماً عام 2016  بعد أن انطفأت قنوات شيوخ السلفية وخفتت دعاوى نقاء الثورجية عاد مؤسس المدينة الى مدينته كجزء من تاريخ مختلف عليه مثله مثل كل أمور الحياة

أسامة كمال

الاسم: أسامة كمال محمد  أبو زيد

الاسم الأدبى: أسامة كمال

المؤهل : ليسانس آداب ـ جامعة القاهرة

النشاط الأدبى والثقافى والصحفى  

  • كاتب ومحرر ثقافي حر بجريدة الاهرام ويكلى ( 2008 – 2012 )
  • مجلة السياسي ( المصري اليوم ) ( 2012- 2013)
  • مدير تحرير موقع السلم والثعبان الثقافي ( 2013 -2014) ..
  • رئيس تحرير مجلة تنيس الأدبية ( الهيئة العامة لقصور الثقافة )  عام 2017
  • مدبر تحرير نشرة مؤتمر أدباء مصر( 2018 -2019 )
  • عضو  عامل باتحاد الكتاب المصرى( عضوية رقم 3273 )
  • عضو عامل باتحاد الكتاب العرب
  • محاضر مركزى بالهيئة العامة لقصور الثقافة
  • مقرر لجنة القصة والمقال بالمجلس الأعلى للثقافة ببورسعيد
  • عضو الأمانة العامة لمؤتمر أدباء مصر
  • عضو عامل بنقابة الصحافة المستقلة
  • عضو عامل بنقابة الصحافة الالكترونية

الجوائز:

* الترشح لجائزة الصحافة العربية ( فئة الصحافة الثقافية ) عام 2014

* منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون ( أفاق ) عام 2012

* جائزة صندوق التنمية الثقافية المصري في شعر الفصحى  عام 2011

* جائزة العودة ( الفلسطينية ) في أدب الأطفال عام 2015

* جائزة إقليم القناة وسيناء الثقافي في الشعر عام 2002

* حائزة إقليم القناة وسيناء الثقافي في القصة القصيرة عام 2001

* جائزة مديرية ثقافة بورسعيد في القصة القصيرة لخمس سنوات متتالية 1998 : 2002

الإصدارات:

*  لك الموت يا راعى اليمامة ( قصص)- الهيئة العامة للكتاب عام 2000

* الفراشة الخضراء (  أطفال )- الهيئة العامة المصرية للكتاب عام 2006

* رائحة الغياب ( سرد أدبي ) – دار شرقيات المصرية عام 2013

* كتابة بيضاء ( ديوان شعري ) – الهيئة العامة للكتاب عام 2014

* بورسعيد شهادات في الحرب والحب  الهيئة العامة لقصر الثقافة عام 2014

* صباح جديد ( من فنون السرد ) الهيئة العامة لقصور الثقافة  عام 2017

* كل الأشياء جميلة ( أطفال ) هيئة قصور الثقافة عام 2018

تحت الطبع :

*  ضوء واهن ( قصص ) )

* وجوه العائلة ( ديوان شعري)

* فنون مصرية ( مقالات )

أعمال منشورة :

 مجلة العربي الكويتية ، جريدة الأهرام ويكلى –  جريدة الأهرام – مجلة السياسي ( مؤسسة المصري اليوم ) – مجلة الهلال –  جريدة أخبار الأدب –  مجلة الشاهد –  مجلة الدوحة – مجلة تراث الإماراتية – مجلة المجلة ( الهيئة العامة المصرية للكتاب ) –  مجلة المجلة السعودية – جريدة الحياة اللندنية – جريدة البديل – جريدة الأهرام المسائي – جريدة العرب الدولية –  جريدة الدستور الأردنية – جريدة الأحرار المصرية –  جريدة الحقائق اللندنية –  جريدة الجمهورية المصرية – جريدة صوت العروبة-  جريدة القاهرة- جريدة القدس العربي- جريدة الأهالي – جريدة اليوم السابع – جريدة  السياسي المصري  – مجلة قطر الندى للأطفال  – مجلة الثقافة الجديدة المصرية- مجلة المرجان – مجلة أصداف –  مجلة نون الأدبية – مجلة الفاتح للأطفال  – كتاب الأدباء

النشر الالكتروني:   موقع كيكا- موقع جهة الشعر- موقع قصيدة النثر المصرية- موقع القصة العربية – موقع القصة السورية – موقع دروب – موقع فوانيس – موقع محيط – موقع ديوان العرب- موقع عناوين ثقافية الكتابة الثقافى – مدينة – صدى بورسعيد

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات