(انْتِسَابٌ اخْتِيَاريٌّ) قصة قصيرة

03:10 مساءً الثلاثاء 21 ديسمبر 2021
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

وقفَت مديرةُ المدرسة الثَّانوية في الباحةِ تبتسمُ، وقلَّما تفعَلُ، مخاطبةً جموع الطَّالبات والطُّلَّاب الجُدُدَ وقد اصطفُّوا استعدادًا لسماعِ كلمةٍ مهمةٍ قُبَيْلَ الالتحاق بصفوفِهم: 

-أرحِّب أولًا بالطَّالبات والطُّلاب الجُدُد، وأتمنى منهم توقيعَ أوراقِ الانْتِساب إلى الحزب الذي سيعقِد أولَ اجتماعاتِهِ بدءًا من الأُسبوع الثَّاني من الدَّوام المدرسيِّ. 

وصمتَتْ هُنَيْهَة، ثم أَعادَتْ رسْمَ ابتسامتها وهي تركِّز نظراتِها على الوجوه الجديدة التي فاقَتِ المئة، وتابعَت: 

-الانتسابُ اختياريٌّ طبعًا؛ تنفيذًا لأوَّل مبادئ الحزْب، وهو: الدِّيمقراطية؛ لذا أتمنى ممَّن يودُّ التَّسجيلَ المرور إلى مكتب الحزب الملاصِقِ للإدارة وتسجيل اسْمِه اليوم وغدًا. 

والتقطَتْ صبيَّتَان جديدتان كلمَتَيّ: “اختياريّ”، و”الدِّيمقراطية”، وأضافتا إليهما بعد أن راجعتا قول المديرةِ كلمة “يَوَدُّ” المفْعَمَةَ بالتَّمني اللّطيف والحُبِّ، فلم تمرَّا خلال اليومين المُحَدَّدَيْنِ إلى مكتب الحزبِ. 

ولم تتوقعا أن تُطْلَبا إلى مكتب المديرة في اليوم الثَّالثِ والتي طلبَتْ إليهما الجلوسَ على الكرسيين قُبَالَتَها وقد ارْتَدَتْ ابتسامَةً أكثر تقلُّصًا من سابقَتِها: 

-انتما صديقتان؟ 

-نعم!

قالتا بصوتٍ واحدٍ من غير أن تشرَحا؛ فالمديرةُ ابنةُ الضَّيْعةِ نفسِها، وتعرفُ أنَّ الفتاتَينِ ابنتا بيتَين مُلاصِقَين، تمامًا كما تعرف عدد زَهْرِ أحواضِ حدائقِ بيوتِ القرية وثمارِ أشجارها.  والتفتَتْ فجأة إلى إحداهما:

-أنتِ، لماذا لم تنتسبي؟

-لأن الاجتماعَ بعد دوام آخِرِ يومٍ من  كلِّ أُسبوع لا يناسبني، إذ أحتاج إلى تعويض ساعات النّومِ التي خسرتُها بسببِ الدَّوامِ، و…

وقاطَعَتْها المديرةُ بحزم:

-كفى! هذا كلام لا يمتُّ إلى التَّهذيب بِصِلَة. أقصد… إلى الثَّقافة والعِلْم؛ فالمحاضرات المُلْقَاة عليكم تزيد ثقافَتَكُم وتنمِّي شعورَكم الوطنيَّ والقوميَّ.

ولم تنتظرْ ردَّ الفتاةِ التي أَطرقَتْ عاضَّةً شفتَها السُّفلى بأسنانِها، بل نظرَتْ إلى الثَّانية:

-وحضرتك؟

أرادَت الفتاةُ أن تبدوَ أكثرَ “تهذيبًا” وتمسكًا بـ”العلم والثَّقافة والوطنيَّة والقوميَّة؛ فقالت:

-أنا لم أُسجِّل اسمي تطبيقًا لمبدإ الدِّيمقراطيَّة الذي…

ووقفَتِ المديرةُ وقد استبدلَتْ بقيةَ ابتسامَتِها بنظراتٍ ناريَّة كادَت تحرُقُها:

-اخرسي، وبلا فلسفة!

ورمَتْ إليهما ورقَتَيّ طَلَبَيّ انتسابٍ، أتبعَتْهما بقولها:

-وقِّعا آخِرَ الورقةِ، ولا تنسيا موعدَ الاجتماعِ الأولِ آخِرَ الأسبوعِ القادمِ.

ثم نظَرَت إليهما بعد أن وقَّعَتَا، وأمرَتْهما بحزمٍ:

-انصراف!

[الدامور: 30\9\2021]

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات