الفولْكلور اللُّبناني في أعمال الأخوين رحباني | الحلقة الثّانية

10:24 صباحًا الأحد 6 فبراير 2022
مصطفى مصطفى جحا

مصطفى مصطفى جحا

ليسانس العلوم الاجتماعية، جامعة دالارنا السويدية. بالدراسات العليا لإدارة المؤسسات التربوية والتعليمية في جامعة اوبسالا السويدية، يدير مدارس ومعاهد رسمية لتعليم الكبار في السويد.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

طقوس الإيمان: (تصفو الأضواءْ، تعلو الألحانْ)

       استطاع (الأخوان رحباني) أن يدخلا إلى الرُّوح والقلب، لا إلى الجسد وشهواته، بواسطة جملة لحنيَّة بسيطة، دخلت إلى عمق الإنسان ونفسه لتلامس المشاعر والعواطف، حتى اقتربا في موسيقاهما وكلماتهما أو اختيار الأشعار ممَّن كتب لهما فلحّناه إلى صوفيّة اللّحن، أو الرّوحانية، ما أدخل “المستمع في حالة نشوة وسُمّو روحانيّ”.

الباحث مصطفى مصطفى جحا

والدّخول إلى الرُّوح والقلب يعود إلى الثّقافة الموسيقية المتنوعة للأخوين؛ فقد تأثر (عاصي ومنصور) بالموسيقا (البيزنطية)، كونهما من الطَّائفة الأورثوذكسية، فكان من الطَّبيعي أن يهتمّا بالقداديس وصلوات الطَّقس (البيزنطي)، تمامًا كما تأثّرا بالموسيقا (السِّريانية). وقد كتب (منصور) ألحانًا للقدّاس (الماروني).

كما تأثرا أيضًا بموسيقى الكلاسيكيين الكبار les grands maîtres، واستمعا إلى الموسيقا (الرّوسية)، و(الفرنسية)، و(الألمانية) الكلاسيكية و(الموسيقا الشَّرقية)، وخاصة المصرية: (سيّد درويش)، (محمد عثمان)، (عبدو الحمولي)، (محمد عبد الوهاب)، (أم كلثوم)، (رياض السّنباطي).

وتعاونا مع (محمد عبد الوهاب) الذي لحّن أغنية (سَكنَ اللَّيل) من كلمات (جبران خليل جبران) للسَّيدة (فيروز)، [كما لحّن أغنية (سمرا ياامْ عيونْ وْساعْ) التي كتب كلماتها (الأخوان رحباني)، و(خايف أقول اللّي في قلبي)، كلمات: (أحمد عبد المجيد)، وألحانه وغناء (فيروز)، و(يا جارة الوادي)، كلمات (أحمد شوقي)، وألحان (محمد عبد الوهاب)، وغناء (فيروز)، و(مُرَّ بي)، من كلمات (سعيد عقل)، وألحان (محمد عبد الوهاب) وغناء (فيروز)]، فقد كانا منفتحين على كل الحضارات وعلى كل المصادر الموسيقية غربية كانت أم شرقية.

ونستطيع القول إن أسلوب (الأخوين رحباني) في الموسيقا هو الـ (الكلاسيك الخفيف: Light Classics)، فهي شعبيَّة لانتشارها بين النّاس،  ولكنها، في الوقت نفسه، مرتفعة بقيمتها عن اللَّحن الشَّعْبِيّ العادي؛ فهي ألحان شعبيّة مرتفعة وراقية، وتصنّف أنها من (السّهل الممتنع). [نقيب الموسيقيين أنطوان فرح: المجلة التّربوية، المركز التّربوي للبحوث والإنماء، بتصرف]

وللموسيقا دور موجِّه، وقد قال (كرليل): “إنّ الموسيقا ضرب من الكلام غير المنطوق به، وغير المحدود، وهي توصلنا إلى حد اللَّانهائية، وتصيرنا ننظر مليًا في ذلك مدة من الزمن، ومن ذا الذي يستطيع أن يصف بألفاظ منطقية مبلغ تأثير الموسيقى في نفوسنا. فلندعها تبقى لغزًا وذلك خير من أن نحله، وتضيع الموسيقا سدى”، وقال في موضع آخر ما محصله: “قد قدرت الأمم العظيمة الغناء والموسيقى قدرهما باعتبارهما أعلى مرتبة للعبادة وسائر ما يكون سماويًا في نفوسهم”. وقد أكد (شكسبير)   أهمية الموسيقا في استخراج الصّدق والخير والنّور من داخل الإنسان، فقال: “إذا خلت نفس إنسان من الموسيقا وانعدم تأثره من اتحاد الأصوات الرّخيمة، كُتب عليه أن لا يصلح إلا للمخادعة، ونصب الحبائل للنَّاس، والإضرار بهم؛ فتخور عزيمته، وتموت مشاعره، وتظلم عواطفه كاللَّيل الدَّامس، ويكون غير أهل لأن يخلد إليه بالثّقة”.

وربط (غلادستون) بينها وبين فنّ الشّعر الشّريف، فقال إنه من المحال أن يكون الإنسان شاعرًا دون أن يكون موسيقيًا، وما من شعر نُظِم في المراحل الأُوَل لهذا العالم إلا وكان للموسيقا اليد الطولى في صوغهواحتوائه على لطيف الحس، وشريف الوجدان، فضلًا عن أنها المرشد الأمين والسّراج الوهَّاج الذي يضيء النَّهج الموصل إلى قلب الإنسان”.

وليس أصدق من قول (ريتشنر): “يمكننا بواسطة الموسيقا أن نستبطن كُنْه أمور لم يسبق أن رأيناها ولن نراها”، وهو ما يتوافق ورأي (هولمز) أنه “بدون الموسيقا لا تلين العريكة، ولا تنكسر حدة الغضب، فبها يفيض قلب الإنسان بالحب لأخيه الإنسان وكل مخلوق حيٍّ”. [قسطندي رزق: الموسيقا الشّرقية والغناء العربي، هنداوي، الفصل الثّامن والعشرون]

عاصي وجارة القمر

فإذا ما عُمِل على اختيار كلمات مطمئِنة، موجِّهة لهذه الموسيقا، نجحت في إقناع العقل وإثارة الوجدان وبث روح المشاركة الإنسانية في الأمور التي تعني النّاس، كل النّاس، في العالم، كل العالم على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وطقوسهم و(فولكلوراتهم).

فالسّلوك الجيّد لا يُكتَسب بسرد المواعظ وإلقاء الأوامر والتّهديد بالعقاب، بل بالقدوة الصّالحة، والفنون الجميلة، والأفكار العادلة المفيدة، ما يحمّل الموسيقي والكاتب مسؤولية بث الصّور المتخيلة للقيم السّامية والمبادئ المثلى، فيبرز جمال المبدأ في جمال المثال، وهذه أجمل صور الدّعوة إلى الانتماء الإنسانيّ، وأسهل طرق التّوجيه نحو الخلق القويم والسّلوك المستقيم وأرقاها، ما يسهّل تحصين النّاس وتقوية وعيهم وتربية ضمائرهم الحية،  وتشبثهم بالفضائل، وتساميهم عن الرذائل، ونهوضهم بواجباتهم الإنسانية التي أثبتت الطّرق المباشرة المهدِّدة بإعادة النّفوس البشرية النّافرة العنيدة[1] إلى طريق الإنسانية الصَّالح عُقمَها، فوجب البحث عن إيقاظها عن طريق الجمال من الدّاخل، حيث تخاطَب فطنتُها ويخاطَب إدراكُها، فتشرق أذهانها وقلوبها، وتتأثر بما يُقدَّم لها، فتنقاد بسلاسة له، وتحرص عليه، لأنها اكتشفته في نفسها، وأدركته بفطنتها، لا بحملها عليه كوسيلة لبسط السّيطرة، بل بربطها مع ما يجري في الحياة من حولها والتماس الحلول لها من خلال تناول حياة الإنسان كفرد، فعضو في عائلة، فحَيّ، فمدرسة، فجامعة، فبيئة عمَل، فوطن، فجماعة إنسانية.

       وقد عمل (الأخوان رحباني)، ملتَزِمَيْن حُرَّين في اختياراتهما بإرادتيهما الواعيتين الهادفتين إلى التّغيير والتّجديد والتّطوير والتّحرير والتّحسين اجتماعيًّا وسياسيًّا وفكريًّا وحضاريًّا وروحيًّا، لا مُلزَمَيْن سُرقَت حريتهما وزيّفَت أفكارهما وعواطفهما وسحقت ذاتيتهما كما كثير من المبدعين الذين لم يعرفوا الفرق بين الالتزام والإلزام، فاختاروا الثاني، وسُحقوا وسُحقت أعمالهم المزيفة.

منصور الرحباني

لقد التزما بحريّة، وطواعية، وإرادة فردية، من خلال موسيقاهم وكلماتهم، تكريسَ الأجواء الإيمانية في نفوس النّاس التي تميل، أكانت طيّبة أو شريرة، إلى الاقتداء بالقدوة الصّالحة في تهذيب السّلوك من خلال كل ما يبث الطّمأنينة من الفنّ الجميل الذي يعرض صور القيَم الإيجابية السّامية على أرض الواقع، فتكون قابلة للتّطبيق، مقنِعة، فنراهما ردّدا كثيرًا في أعمالهما كلمة (الصّلاة: بمعناها الحقيقي أو بمعنى الدّعاء)، و(الصّوم)، و(الرّكوع)، و(نشر الفضيلة). 

وبالعودة إلى علاقة الإيمان بالأعياد في (الفولكلور) اللّبناني، يقول (أديب القسيس): تتداخل الأعياد في القرى اللّبنانية، بما فيها من مظاهر إطلاق الأسهم النّارية، أو إشعال النّيران، أو عقد حلقات الدّبكة وغناء الأغاني الشّعبية كـ(العَتَابا والمُعَنَّى)، وهما نوعان مِن الشِّعرِ الزَّجَلِيِّ، تتميز بهما القرية اللُّبنانية، تدل (العَتابا) على موسيقا القرية، و(المعَنّى) على نغم الجبال. وكلّ غناء في القرية سوى (العتابا) و(المعنّى) غناءٌ غريبٌ. وكذلك (أبو الزّلف)، و(غزَيِّلْ)[2]، وغيرها، إلى جانب ألعاب الفروسية بالنُّذور التي يعتبرونها جزءًا من طقوس الإيمان، فيتمسكون بها كما يتمسكون بالصَّلاة والصَّوم وغيرها من تفاصيل أديانهم التي يدينون بها. [أديب القسيس: القرية اللّبنانية في مؤلفات شكري الخوري وأنطون خياط، لبنان، مؤسسة دكاش للطباعة، ط1: 2001، ص: 120-127]

وبمتابعة الأجواء الإيمانيَّة (الرّحبانية)، نلحظ استخدامهما الأدب الشّعبي اللّبناني (الفولكلوري)، كاستخدام (العّدّيّات)، وهي شعرٌ عامِّي شفهيّ فكِه يستنبطه الخيال الشّعبيّ كأداة للغناء واللّعب ، ومنها (عدّيّة): (يلَّلا تنامْ)، مع تغيير بعض الكلمات لتتناسب وأجواء الأغنية و(ريما) ابنة (عاصي وفيروز) التي توجهَت الأغنية لها، فذُكرت (الصّلاة)، وذكر (الصَّوْم) في مقطع:

وقد جاءت على الشّكل التّالي:

يلَّا تْنامْ ريما\يلّا يجيها النَّوْم

       يلَّا تحبّْ الصَّلاهْ\يلَّا تحبّْ الصّوْمْ

       يلَّا تجيها العوافي\كلّْ يومْ بيومْ.

فيروز

وعن (الصّلاة)، بمعنى الدُّعاء في أغنية (جايبلي سَلام) من كلماتهماوألحانهما وغناء (فيروز):

كلْ ليلِهْ عشيِّة، قنديلِكْ ضوِّيهْ\قوِّي الضَّوّ شويِّهْ، وارجعي وَطِّيِهْ

بيعرفها علامِهْ، وبيصلِّي تَ تنامي\وتقومي بالسَّلامِهْ، ويبقى قلبِكْ لايِنْ

وتكثر الصّلاة، ففي أغنية (عَ اسمَكْ غنّيْتْ) التي كتب كلماتها ولحّنها (الأخوان رحباني)، تتردد جملة (ركَعْتْ وصلَيْتْ) خمس مرات توجهها للبنان:
ع اسْمَكْ غنَّيْتْ

عَ اسمَكْ رحْ غني

رَكَعْتْ وصلَّيْتْ والسَّما تسمعْ مِني

وتغني (فيروز) من كلمات (سعيد عقل) وألحان (الأخوين رحباني): (غنيتُ مكةَ)، ودعَتْ إلى الرّكوع والصّلاة والدُّعاء، فالسّماء تستجيب للمصلّين وتجود:

يا قارئَ القرآنِ صَلِّ لَهُم، أهلي هناكْ وطيِّبِ البيدا

مَنْ راكِعٌ ويداهُ آنَسَتا أنْ ليسَ يبقى البابُ موصودا

أنا أينما صلَّى الأنامُ، رأتْ عيني السَّماء تفتحَتْ جودا 

وتغني (فيروز) عام 1999: (أقول لطفلتي)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، ومنها:

أقول لطفلتي إذا اللَّيلُ بردُ\وصمتُ الرُّبى ربى لا تُحَدُّ 
نصلِّي فأنتِ صغيرةْ \وإن الصِّغارَ صلاتُهم لا تُردُّ

ولأنّ “الصِّغارَ صلاتُهم لا تُردُّ”، كتب (الأخوان رحباني) ولحّنا، وغنت (فيروز) للزّغار: (بَدِّي خَبِّركُن)، داعية الله أن يكبروا، عن قصة أطفال فقراء لا يملكون حتى ثمن زينة شجرة ميلاد (الطّفل السّعيد)، لكن الشّجرة زُيِّنَت بفعل (صلاتهم) و(إيمانهم)، وصلاة الصّغار مستجابة لا تُرَدُّ، وإيمان الصّغار مستجابٌ لا يُرَدّ:

صاروا يصَلُّوا يركَعُوا يصَلُّوا\يمكن صَلاتُن بَكِّت الدِّني

وتغني (فيروز) في (أومِنْ) التي سنتوقف عندها بالتّفصيل:

أُوْمِنْ أنْ خَلْفَ الرّيحِ الهَوْجاءِ شفاهْ، تتلو الصَّلاهْ

وتغني للقدس (زهرة المدائن)، من كلمات وألحان (الأخوين رحباني):  

لأجلكِ يا مدينةَ الصَّلاة أصلِّي

لأجلكِ يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائنْ

يا قدسُ، يا مدينةَ الصَّلاةْ أصلّي

عيوننا إليك ترحل كل يومْ\تدور في أروقةِ المعابِدْ

تعانقُ الكنائسَ القديمَةْ\وتمسحُ الحزنَ عن المساجدْ

يا ليلةَ الإسراءْ\يا درب من مرّوا إلى السَّماءْ

عيوننا إليك ترحلُ كلّ يومْ\وإنّني أُصَلّي

وتكرر:

الطِّفلُ في المغارةْ وأمُّه مريمْ وجهان يبكيان، وإنني أُصَلّي

وتكرر:

لن يُقْفَل بابُ مدينتِنا فأنا ذاهبة لأُصلّي

لنخلص إلى علاقة الصَّلاة الوثيقة بالإيمان في (زهرة المدائن):

وأنا كلي إيمان!


وهذا يقودنا إلى أغنية (أومِنْ) التي أبدع (الأخوان) إذ عرّباها عن أغنية

I believe: Frankei laine))، وقصتها مشهورة، ففي عام 1953 طلبت مقدمة البرامج التّلفزيونية الشّهيرة (جين فورمان)، من أربع كتَّاب وملحنين هم (إرفين دريك) و(إيرفين جراهام) و(جيمي شيرل) و(آل ستيلمان)، وضع أغنية تشيع الأمل والإيمان في النّفوس بعد انتشار موجات التّشاؤم في الولايات المتحدة والغرب إبان الحرب الكورية 1950، إذ لم تكن ذكريات الحرب العالمية الثّانية ومآسيها قد غابت عن الأذهان، خاصة بعد أن وقفت الولايات المتحدة إلى جانب كوريا الجنوبية، مقابل وقوف الاتحاد السُّوفياتي مع كوريا الشّمالية، فجاءت أغنية: (أنا أؤمن)، بصوت (فرانكي لين)، وسرعان ما أصبحت في رأس قائمة الأغاني لمدة عشرة أسابيع متتالية في بريطانيا، واحتلت الموقع الثَّاني في الولايات المتحدة ، فيما  سجلها مغنون من جميع أنحاء العالم بلغاتهم ومنهم (فيروز)، بكلمات (الأخوين رحباني)، وبلحن قال عنه (د. سعد الله آغا القلعة): “إن  إخراج (أغنية فيروز) الموسيقي أجمل بكثير من إخراج الأغنية الأصلية”، في صفحته على الفيس بوك.

تقول كلمات الأغنية:

أُومِنْ 

أُوْمِنْ أنْ خَلْفَ الحبّاتِ الوادعاتْ، تزهو جنَّاتْ

أُوْمِنْ أنْ خَلْفَ اللَّيل العاتي الأمواجْ، يعلو سراجْ

أُوْمِنْ أنّ القلب المُلقى في الأحزانْ، يلقى الحنانْ

كُلّي إيمــــانْ

أُوْمِنْ أنْ خَلْفَ الرّيحِ الهوجاءِ شفاهْ، تتلو الصَّلاهْ

أُوْمِنْ أنْ في صمتِ الكونِ المُقْفَلِ، من يُصغي لي

إنّي إذْ ترنو عينايَ للسَّماءْ، تصفو الأضواءْ، تعلو الألحانْ

كلي إيمــانْ

I believe: Frankei laine

I believe for every drop of rain that falls a flower grows

I believe that somewhere in the darkest night a candle glows

I believe for everyone who goes astray

Someone will come to show the way

I believe, I believe

I believe above the storm the smallest prayer will still be heard

I believe that someone in the great somewhere hears every word

Every time I hear a newborn baby cry or touch a leaf or see the sky

Then I know why I believe

Every time I hear a newborn baby cry or touch a leaf or see the sky

Then I know why I believe (why I believe(

وعن الإيمان، غنّت (فيروز) من كلمات (الأخوين رحباني) و(ألحانهما) في (المحطة 1973) (إيماني ساطعْ):

إيماني ساطعْ يا بحر اللّيْلْ\إيماني الشَّمس، المدى، واللّيلْ

ما بيتكسَّرْ إيماني\ولا بيتعبْ إيماني

أنتَ اللِّي ما بتنساني.

أنا إيماني الفرحْ الوسيعْ\مِن خلف العواصفْ جايي ربيعْ

إذا كبرِتْ أحزاني\ونسيني العمر التَّاني

إنْتَ اللِّي ما بتنساني

وعلاقة المحبة بالإيمان علاقة وثيقة، وقد جسّد (الأخوان رحباني) هذه العلاقة إذ لحّنا شعر (جبران خليل جبران): (المحبة) المختارة من كتاب (النّبي) في (ناس من ورق 1972) على لسان (المُصطفى):

إذا المحبَّة أومَتْ إليكمْ، فاتبعوها

إذا ضمَّتكمْ بجناحيها، فأطيعوها

إذا المحبة خاطَبَتْكُمْ، فصدّقوها.

المحبة، تضمُّكمْ إلى قلبها كأغمارِ حنطة

على بيادرِها تدرسُكمْ لتظهرَ عُريكمْ

تطحنُكمْ فتجعلكمْ كالثَّلجِ أنقياءْ

ثمَّ تُعِدُّكمْ لنارِها المقدّسة

لكي تصيروا خبزًا مقدّسًا

يقرَّبُ على مائدةِ الرَّبِّ المقدّسة

المحبة، لا تعطي إلا ذاتَها

المحبة، لا تأخذُ إلا مِن ذاتِها

لا تملُكُ المحبةُ شيئًا، ولا تريدْ أن أحدٌ يملُكَها

لأنّ المحبة مكتفية بالمحبة

وأخيرًا يقول:

أما أنتَ إذا أحببتَ فلا تقل: اللهُ في قلبي،

لكنْ قُلْ: أنا في قلبِ الله.

و(إذا كلُّنْ نِسيوني: وحدَكْ ما بتنساني)، غنَّتْ (فيروز): (بيتي أنا بيتَكْ) في (ناطورة المفاتيح 1972) من كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، ومن الأغنية:

لاتِهملني لاتِنساني\ما إلي غيرَكْ لاتِنساني

بلدي صارِتْ مَنفى\طرقاتي غطَّاها الشَّوكْ والأعشابْ البَرِّيِّهْ

ابعتلي بها اللَّيْل من عندَكْ حدا يطلّْ عليي 

لاتهملْني لاتنساني\ياشمسْ المساكينْ

من أرض الخوفْ منندهلَكْ\ياشمسْ المساكينْ

من أيام المظلومينْ\من لفتاتْ الموعودينْ

عم اندهلَكْ خلِّي يضوي\صوتَكْ عليي

وأنا عالوعدْ وقلبي طايرْ\صوبَك غنيِّهْ

       ومن (أيام فخر الدّين 1966)، غنّت (فيروز) من كلمات (الأخوين رحباني) وألحانهما ترنيمة (يا ساكِن العالي) في أجواء إيمانية تطلب من الرّب إنهاء الحرب وإحلال السّلام:

ياساكِنْ العالي\طِلّْ مْن العالي\عَيْنَكْ علينا\على أراضينا\رجِّعْ إخوِتنا وأهالينا\من هالسّهلْ الواسعْ\ممحي بصوت المدافعْ\إيدينا مرفوعة صوبَكْ\متل الشّجرْ العاري\اللي ساجِدْ بالبراري\يا ربْ\عَن عتْباتْ بيوتنا\نندهلَكْ تحمي بيوتنا\ركعنا بهاللّيالي\صرنا دمع اللّيالي\يا ربْ\يا ساكن العالي\عنا بيوت سطوحها\علّيِّهْ ورا عِلِّيِّهْ\بوابها مفتوحة للشَّمسْ وللحريِّهْ\يا ساكِن العالي\طِلّْ من العالي\وطَيِّر} الحمامْ عَ طراف الأيامْ\وقدِّرْنا ننامْ\ع إيدينْ السَّلامْ.

وهنا لا بد وأن نذكر أغنية (خدني على تلّاتها الحلوينْ) التي غنتها (فيروز) وهي من كلمات وألحان (الأخوين رحباني):

خدني على تلّاتها الحلوينْ\خدني على الأرض اللِّي ربتنا

انساني على حفافْ العِنَبْ والتِّينْ\اشلحْني على تْراباتْ ضيْعِتْنا

بوابْ العتيقا عم تلوِّحْ لي\وصوْتْ النِّهورا يندهْ الغيابْ

وعيونْ عاشبابيكْ تشرحلي\صحابْ عم بتقولْ نحنا صحابْ

وإِمشي على طرقاتْ مِنسيي\دِنْيةْ غيابْ ورحْ يبيتْ الطَّيْرْ

أُنْطُر شي إيد تسلمْ عليي\شِي صَوْتْ عمْ بيقولْ: مسا الخيرْ

خدْني ازرعني بأرض لبنانْ\بالبيت يلّلي ناطر التَّلِّي

إفتحْ البابْ وبوِّسْ الحيطانْ\وإركعْ تحت أحلى سما وصَلِّي

هذا، ونذكر أن فيروز  رتّلت: (أنا الأم الحزينة، يا شعبي وصحبي، قامت مريم، وا حبيبي، اليوم عُلّق على خشبة، يا يسوع الحياة نعظّمك، كامل الأجيال، استنيري، المسيح قام… من: تراتيل الجمعة العظيمة)، ومن (تراتيل الميلاد: تلج تلج، نجمة العيد، يا مريم البكر، سبحان الكلمة، أرسل الله).

وأخيرًا، نذكر أن (فيروز) عندما كانت تصل إلى (وإركعْ تحت أحلى سما وصَلِّي)، كانت الموسيقا تتوقف، فتركع (فيروز) وتصلّي أمام الجمهور، وهو ما حدث في حفلات (أميركا)، و(إنجلترا)، و(فرنسا) و(استراليا)، و(البرازيل)، و(الإمارات)، و(البحرين)، و(مصر)، و(بعلبك)، وخاصة عام 1961، حيث ركعَت على (أدراج بعلبك) أمام أكثر من خمسة آلاف مشاهد، ورفعت يديها للصَّلاة منشدةً: (وإركعْ تحت أحلى سما وصَلِّي)!

[إيناس كمال: (ترانيم) فيروز صلوات ساحرة تعانق أجراس السَّماء]

مصطفى مصطفى جحا

5\2\2022


[1]مثل شخصيتَيّ الشّريريْن: (عيد وفضلو) في مسرحية (بياع الخواتم: 1999)، اللّذين يزعجهما في الضّيْعة الورد والحب وتزعجمها الأغاني، فيقرران زراعة “الصّبّير والعلّيق والمساكب السَّوداء”، ويقرران التَّصرف بحرية طالما أن شخصية (راجح) الوهمية يمكنها أن تغطي أعمالهما.

[2]ومن (غزيّلْ) هذا المطلع: يا غزيِّلْ يا بو الهيبَهْ\يا هاوي يا معَذِّبا\يا بنيهْ هاتي الفَرَسْ\والبارودي والعِبا.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات