وائل غنيم: أقول (لا) لمشروع الدستور حتى لا نستقر في القاع

01:02 مساءً السبت 22 ديسمبر 2012
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

وائل غنيم يكتب: لهذه الأسباب سأقول  “غير موافق” على الدستور:

لماذا يرفض وائل غنيم مشروع الدستور؟

– جمعية تأسيسية انسحب 26 عضوا من أعضائها قبل يومين من التصويت .. وقبلها انسحب 9 من أعضائها المائة لظروف شخصية أو اعتراضات على تشكيلها .. ليكون عدد المنسحبين الأساسيين الذين نص استفتاء مارس على انتخابهم: 35 عضوا من إجمالي الأعضاء أي أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية .. وحضر يوم التصويت 20 احتياطيا منهم 11 عضوا يحضرون للمرة الأولى من الأعضاء الخمسين الاحتياطي التي لم ينص استفتاء مارس على انتخاب أو اختيار أي منهم .. ليصوّت في اليوم الأخير للجمعية على المواد: 65 عضوا من الأعضاء الذين اختيروا بناء على استفتاء مارس و23 عضوا اختيروا بناء على اجتهاد مجلس الشعب بغير استفتاء الشعب المصري ..

– جمعية تأسيسية آثرت الإسراع في إخراج دستور بالرغم من اعتراضات المعارضين من رفقاء الثورة الذين شارك كل منهم بجهد في الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية بدعوى أن المعارضين لا وزن لهم وأن الدستور هو واحد من أفضل دساتير العالم .. وخرج الدستور للاستفتاء رغم وعود رئيس الجمعية ورئيس الجمهورية بتحقيق التوافق وهو ما لم يحدث! بل حدث عكسه تماما وهو اهمال وجود الآخر والسخرية التي وصلت إلى اتهام المعارضة بأنها نسبة قليلة إجمالي عددها هم زائرو مدينة الانتاج الاعلامي ..

– جمعية تأسيسية 21 عضوا من أصل 85 عضوا (25% من أعضاء الجمعية ليلة انتهاء أعمال الجمعية) عينهم رئيس الجمهورية ومجلس الشورى في مناصب تنفيذية كمستشارين ووزراء وأعضاء في مجالس قومية أثناء قيامهم بصياغة الدستور وفي هذا تضارب كبير للمصالح لم يكن مقبولا أن يقعوا فيه (مع احترامي للكثير منهم وعدم التشكيك في نواياهم).

– أحد وظائف الدستور هو تنظيم العلاقة بين السلطات .. وأحد المشاكل التي أرى أنها ستكون حاضرة وبشدة في المستقبل هو أن هناك الكثير من التعقيدات في العلاقة بين مؤسسات الدولة (خاصة السلطتين التنفيذية والتشريعية) ستؤدي إلى قدرة كل طرف من أطراف السلطة على: “وضع العصا في العجلة” للطرف الآخر لشلّه عن التحرك. مثال على ذلك آلية تعيين رئيس الوزراء والتي بالمناسبة اعترض عليها 16 عضوا من أعضاء التأسيسية وحينما قال رئيس الجمعية أن ذلك سيستدعي تأجيل التصويت لـ 48 ساعة قرر 14 عضوا سحب اعتراضه على المادة وكأن الأهم هو الانتهاء من مشروع الدستور على حساب التوافق حتى !

– الدساتير تُكتب بفلسفة مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجه المجتمع ويجتهد كاتبو الدستور في إجبار المشرّع (وهو مجلسي الشعب والشورى) على البحث عن حلول لهذه التحديات. والسؤال: هل فعلا كانت هذه هي الطريقة المتبعة في كتابة الدستور؟ هل هناك في الدستور ما يتحدث عن إلزام للمشرع في سن قوانين تحل المشكلات التي تواجه مصر ومن أهمها: الزيادة السكانية الرهيبة على نفس مساحة الأرض المستخدمة – أزمة المياه التي ستواجه جيل أبنائنا وأحفادنا – التطور التكنولوجي الكبير الذي نحن متأخرين عنه بشكل غير عادي – الحفاظ على الطاقة وتوفير مصادر بديلة لها .. وهكذا .. ستجد أن أغلب هذه المشاكل لم يتم التطرق لها وإن حدث تطرق لها فكان بعبارات لا تضع إلزاما محددا للمشرّع.

– مادة الأزهر: تعجبت من رفض مقترح الدكتور محمد سليم العوا بنقل مادة الأزهر من الباب الأول إلى الباب الرابع الخاص بالهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، خاصة وأن وجوده في الباب الأول يعني أنه من مقوّمات الدولة والنص على إلزام المشرع المنتخب بأخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر في تشريعاته (مع الإقرار بأن الرأي استشاري وليس إلزامي ولكنه عُرفيا سيصبح إلزاميا بشكل أدبي مع الوقت) يفتح بابا كبيرا لتدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في مؤسسة الأزهر ورغبة المسؤولين في هذه المؤسسات على تسييس المؤسسة. الأزهر يا سادة ليس مؤسسة مصرية فحسب، بل هو مؤسسة دعوية إسلامية عالمية، كان شيخها في الخمسينات تونسيا. وتسييس دور الأزهر له الكثير من المخاطر منها بحث السياسيين من مختلف التيارات على وسائل التدخل في سياساته خاصة وأن اختيار هيئة كبار العلماء سينظمه القانون الصادر من تيار الأغلبية في مجلس الشعب، وكذلك فإن السلطة التنفيذية والتشريعية سيكون كل منهما مسؤولا عن توفير الدخل اللازم للمؤسسة. النقطة الأهم في وجهة نظري هو أن قصر الاجتهاد في أمور الشريعة الإسلامية على “هيئة كبار العلماء” بالأزهر الشريف هو أمر لم يكن موجودا عبر التاريخ الإسلامي. وأغلبنا يعلم قصة الخليفة أبي جعفر المنصور الذي طلب من الإمام مالك أن يكتب كتابا يجمع فيه كل الأحكام الفقهية والشرعية ليجعلها الخليفة مصدرا لتوحيد آراء القضاة والفقهاء في كافة الأمصار قائلا: “قائلا: “يا أبا عبد الله ضع الفقه ودوّن منه كتبا وتجنّب شدائد عبد الله بن عمر، ورخص عبد الله بن عباس، وشوارد عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع إليه الأئمة والصحابة، لتحمل الناس إن شاء الله على عملك، وكتبك، ونبثها في الأمصار ونعهد إليهم ألا يخالفوها”. فكتب الإمام مالك كتاب الموطّأ ولكنه لم يجبه لطلبه ورفض أن يكون كتابه هو المرجع الوحيد، وقال: “إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها”.

– من الواضح بمقارنة دساتير 23 و54 و71 ومسودة الدستور الحالية أن مواد الجيش في الدستور الجديد أصبحت أكثر تفصيلا وتوضيحا وأقرب لدسترة وضع خاص للمؤسسة العسكرية. فلم يرد في أي دساتير مصر السابقة نصا يُجبر رئيس الجمهورية المنتخب أن يكون وزير دفاعه من المؤسسة العسكرية، ولكن هذا النص أضيف في الدستور الجديد، كما أن مجلس الدفاع الوطني في دستور 71 لم ينص على وظائفه وترك ذلك للقانون الذي يكتبه مجلس الشعب. بل إن عبارة “ويختص مجلس الدفاع” تجعله المختص دون غيره فيما يتعلق بشؤون ميزانية القوات المسلحة.

– الدستور في المادة 70 وضع اشتراطات لعمل الأطفال دون منعه، وتحدث الكثير من أعضاء الجمعية عن أن هذا الأمر متسق مع المواثيق الدولية في حين أن هذه المواثيق تنظم عمل الأطفال بعد سن التعليم الإلزامي وهو 15 عاما، في حين أن في دستورنا الجديد لن يكون هناك مانع من تشغيل الأطفال أبناء العشر سنوات طالما (على حد تعبير صُناع الدستور) كان هذا العمل لا يمنعه من استكمال تعمليه، أو لا تناسب عمره. وعبارة “مناسبة” هي عبارة مطاطية تقديرية. قد أتفهم ما يسوقه البعض من ظروف مجتمعية حالية، ولكن كما ذكرت أعلاه الدساتير تكتب لمواجهة التحديات والمشكلات وطرح حلول مرحلية لها، وليس لتقنين ودسترة الأوضاع الخاطئة الراهنة.

– الدستور يسمح بإنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات، ولكن في نفس الوقت ينظمها بقوانين سيصدرها مجلس الشعب! وأيضا يجعل للقضاء سلطة في حل النقابات أو الاتحادات أو التعاونيات، ليس فقط حل مجلس الإدارة بل حل النقابة أو الاتحاد أو الجمعية التعاونية كلها! ويقصر أيضا حرية انشاء النقابات المهنية على نقابة واحدة فقط لا يجد أصحاب أي مهنة سوى نقابة واحدة فقط يمكن لهم الانضمام لها.

– إعطاء رئيس الجمهورية الحق في الدعوة لأي استفتاءات جماهيرية وتكون نتائجها ملزمة لكافة السلطات دون أي ضوابط هو ممارسة غير ديمقراطية، حيث أن الرئيس يمكنه بذلك تمرير العديد من القرارات متجاوزا غيره من السلطات تحت مسمى الحرص على مصلحة الدعوة العليا. في أمريكا مثلا يُمنع رئيس الجمهورية من الدعوة للاستفتاء لنفس هذه الأسباب. وبالمناسبة الرئيس السادات رحمه الله كان من أكثر من يدعو المصريين للاستفتاء. ما هو الخوف تحديدا؟ الخوف أنه في حالات نادرة جدا ترفض الشعوب الاستفتاءات (ويمكن تفصيل ذلك لاحقا).

– تنص المادة 64 في فقرتها الثانية: “ولا يجوز فرض أي عمل جبرا إلا بمقتضى قانون”، وهذا يعني أن 50%+1 من أعضاء السلطة التشريعية يمكن لهم إصدار قانون يُجبر مجموعة معينة أو دفعة مهنية معينة أو أبناء مهنة معينة بعمل جبري يجب عليهم. طبعا أتفهم أن البعض يفسر هذه المادة على أنها المادة التي ستنظم العمل الاجباري للسجناء، ولكن نص المادة عام ويسمح للمشرع أن يصدر قرارات استثنائية تحت ذريعة مصلحة الوطن العليا لإجبار أي مواطن على عمل لا يريده. (بالمناسبة هذه المادة لا علاقة لها بالتجنيد الإجباري لأنه سبق ذكره في المادة 7 من الدستور).

– تعديل الدستور ليس بالسهولة كما يحب البعض تصوير الأمر، فتعديل أي نص دستوري يشترط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان بغرفتيه في الشعب والشورى على طلب التعديل وهو أمر لم يكن مثلا مشترطا في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية أنفسهم!

وأخيرا أقول: إن طريقة إدارة ملف الدستور منذ تشكيل الجمعية وحتى عرضه على الاستفتاء بالنسبة لي كانت كفيلة لذهابي والتصويت بـ “غير موافق” .. ولكنني أيضا أجد أنه من الظلم أن يكون هذا المحتوى الذي بين يدي المصريين هو دستور الثورة .. ومع تكرار عبارات من نوعية: “هذا الدستور من أفضل دساتير العالم في كل ما يتعلق بالحقوق والحريات” من أعضاء في الجمعية التأسيسية .. كل هذا يزيدني إيمانا بعبارة من كلمتين: “الأمل في الشباب”.

لا للاستقرار “في القاع”
لا للدستور

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات