الشرق الأوسط: الاستقرار هو السراب

07:59 مساءً الإثنين 24 ديسمبر 2012
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أخذت أصداء الاضطرابات السياسية التي بدأت تجتاح منطقة الشرق الأوسط قبل عامين، فيما سمي بالربيع العربي، تتردد طوال عام 2012 وإذا بالتوابع التي تمخضت عن تلك الاضطرابات تدفع المنطقة نحو آمال محطمة وخلافات متجددة.

ومع اقتراب عام آخر على نهايته، مازالت خطط الانقاذ لا تجد المناخ الملائم لبدء تنفيذها في بعض البلدان، فيما تقع بين الفنية والفنية أحداثا جديدة ومزلزلة، ما يزيد من عرقلة جهود إعادة البناء التي تمضى بالفعل بخطى بطئية.

اضطرابات لا تهدأ

إن انهيار الأنظمة الحاكمة في مصر وليبيا وتونس واليمن في عام 2011 لم يفض إلى انتقال سلس إلى الاستقرار السياسي الذي كانت ينشده مواطنو هذه الدول الأربع في عام 2012، ناهيك عن تجديد شباب اقتصاد بلدانهم.

في مصر، تمكن الإسلاميون من الصعود على الساحة السياسية بعدما أصبح محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة، أول رئيس مصري منتخب. ولكن استمرار تدهور حالة الاقتصاد واتساع رقعة الانقسام السياسي جعلا حشودا من المتظاهرين يتجمعون مرة أخرى في ميدان التحرير كلما اصدرت القيادة الجديدة قرارا مثيرا للجدل وهي قرارات لا تمت بصلة للديمقراطية التي انتخب مرسي من أجلها، بل تعد تكريسا لديكتاتورية جديدة. فبعد فوزه في الانتخابات ، لا يرغب مرسي على ما يبدو في تقديم تنازلات للمعارضة بشأن قضايا رئيسية فيما يغتنم العلمانيون والليبراليون كل فرصة ليتصدروا المشهد السياسي مذكرين بأنهم هم من ساندوا حزب الحرية والعدالة في سباقهم ضد النظام السابق.

ويلجأ الجانبان إلى القيام بمظاهرات دورية تفضى في بعض الأحيان إلى اشتباكات عنيفة، ما يؤدى إلى هروب المستثمرين والسائحين الذين باتت البلاد في أمس الحاجة إليهم. وهذا ما يدفع السلطات إلى تأجيل إجراءات تقشفية من بينها خفض الدعم وزيادة الضرائب رغم أنها حاسمة من أجل الحصول على قروض صندوق النقد الدولي ومنح الأجنبية.

ومع اقتراب عام 2012 من نهايته، يبدو أن مشروع الدستور الذي حمل الكثير من التعسف للحريات، والذي قامت الجمعية التأسيسية وغالبية اعضائها من الإسلاميين بصياغته واقرته في جلسة متعجلة طويلة دامت 16ساعة ، وتمت الموافقة عليه عبر استفتاء يرى معظم المراقبين المحايدين أنه مزور بشكل فج، ومع ذلك فهو سيثير على ما يبدو خلافا جديدا بين الحكام والليبراليين في الأشهر القادمة.

وفيما تتكشف هذه الدراما في مصر، ظهرت مسرحة هزلية أيضا في ليبيا التي ساعدت فيها بعض البلدان الغربية “الثوار” على الإمساك بزمام السلطة بالقوة، لتخرج الأمور من بين أيديهم بعد عرض فيلم مسئ للإسلام أثار حنق العالم الإسلامي برمته.

والأسوأ من هذه المسرحية الهزلية الدبلوماسية أن الليبيين يشعرون بخيبة أمل أكبر جراء الاضطرابات التي تجتاح بلادهم . وزاد تعطش اللجان العسكرية القبلية والمحلية للسلطة من تصاعد الاقتتال فيما بينهم، فيما أدت سيطرة مركزية غير محكمة إلى تأخر انتهاء تداعيات الحرب الأهلية التي دارت العام الماضي ويخشى من ان تؤدى إلى نكوص مجتمعي.

وظلت تونس، التي كانت أول من اسقطت النظام القديم في المنطقة، تعاني طوال عام 2012 من عدم تناغم اجتماعي وبطالة عالية وكذا فساد. فيما شعر اهالي اليمن، التي شهدت على ما يبدو انتقالا سلسا للسلطة بمساعدة أجنبية، بخيبة أمل عندما تعرقلت المصالحة الوطنية بسبب عدم قدرة القيادة الجديدة التي تدعمها الولايات المتحدة في ردع محاولات انفصال الجنوب واتساع نشاط فرع تنظيم القاعدة في اليمن.

بيد انه مقارنة بشعوب تلك البلدان الأربعة، كان السوريون الأشد معاناة في عام 2012.

فمازالت سوريا، التي تقع في وسط المنطقة، تعاني من أزمة عسيرة على وشك ان تدخل شهرها الـ 22 ولا توجد على في الأفق على قرب انتهائها.

وإن عناد كل من الرئيس بشار الأسد والمعارضة يجعل المصالحة الوطنية مهمة مستحيلة. ومع تأجج الاشتباكات المسلحة في أرجاء البلاد ، ما يعرض حياة المدنيين للخطر، لن يستطيع أى من الطرفين تحقيق فوز سهل.

ولم تنجح الجهود الخارجية في حل الأزمة السورية في عام 2012 بالرغم من محاولات الوساطة التي قام بها المجتمع الدولي بقيادة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان والدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي .

وقد جعل الصراع ، الذي طال أمده والمصحوب بعقوبات غربية، حياة السوريين أصعب فأصعب، إذ يضطرون إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على ضروريات الحياة اليومية مثل الخبر والبنزين علاوة على ارتفاع أعداد اللاجئين . وفي الوقت نفسه يثير تدفق الأسلحة الثقيلة والمتطرفين قلق الكثيرين ومن بينهم الحكومات الغربية. وليس هناك سبيل سوى أن يحدث تغير مفاجئ في المواقف، سواء من دمشق أو جهات أخرى، حتى يستطيع السوريون فتح صفحة جديدة.

إعادة رسم الخريطة السياسية

وإن موجة الاضطرابات هذه التى تجتاح الشرق الأوسط تعمل أيضا على إعادة تشكيل ملامح المشهد السياسي في أحد المناطق الأكثر تقلبا في العالم.

وفي الوقت الذي تنعمس فيه الدول الجمهورية في مشكلاتها ، تعمل دول ملكية مثل السعودية وقطر على زيادة نفوذها فى المنطقة وتسعى إلى أن تحل محل الدول القوية القديمة. وعلاوة على ذلك، أحدثت عودة الإسلاميين إلى الساحة السياسية في المنطقة تغييرات هيكلية وقد تعرض الفكر الليبرالي للخطر.

وحاولت تركيا خلال عام 2012 المضي في طريقها نحو اعتلاء المكانة الرئيسية في المنطقة، إذ عمقت من مشاركتها في الشؤون العربية مثل القضية السورية واستفادت من ميزانها الجغرافية وهى تتعامل مع الغرب واتخذت في بعض الأحيان خطوات منسقة لتحد من نفوذ القوى العربية التقليدية.

كما كانت أصداء الهزة السياسية في الشرق الأوسط واضحة فيما وراء المنطقة.

فقد وجدت واشنطن ان مصالحها في المنطقة معرضة للخطر بعد سقوط الأنظمة العلمانية والمؤيدة للولايات المتحدة خلال العامين الماضيين في الوقت الذي سعت فيه الحكومات الجديدة إلى اتباع دبلوماسية أكثر استقلالية وتوازنا.

والدليل على ذلك انه بدلا من زيارة الولايات المتحدة، توجه الرئيس المصري محمد مرسي إلى السعودية والصين في أول زيارة له خارج البلاد بعد وصوله إلى سدة الحكم. وعندما تعرضت السفارة الأمريكية في القاهرة لهجوم في أعقاب عرض فيلم مسئ للإسلام، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن مصر ليست حليفا وليست عدوا.

وبالرغم من جميع أوجه عدم اليقين، إلا ان الكثير يعتقدون أن واشنطن من غير المرجح ان تدخل تعديلات مفاجئة على سياستها تجاه الشرق الأوسط بين ليلة وضحاها بسبب الأهمية الجيوسياسية للمنطقة وما تذخر به من نفط.

ومن ناحية أخرى، تسعى الدول الأوروبية ، في ضوء مساهمتها في القضية الليبية عام 2011، لأن يكون لها دور أكبر في المنطقة، ولا سيما القضية السورية، فيما ترى روسيا أن نفوذها يضعف شيئا فشيئا.

مشكلات قديمة تزداد تأججا

ولم تبرز الصراعات الجديدة على الساحة على نحو أكبر من القضايا الساخنة التقليدية في المنطقة، بل تفاعلت معها لتتمخض عن عام ذاخر بالأحداث في عام 2012.

ففي نوفمبر الماضي، شنت دولة الاحتلال الإسرائيلي، في استعراض لعضلاتها قبل انتخاباتها البرلمانية المقرر إجراؤها في يناير 2013، غارات جوية هائلة ضد حركة حماس الإسلامية في غزة فيما وصف بأنه انتقام من وابل الصواريخ الذي أطلقته الجماعات الفلسطينية المسلحة على جنوب إسرائيل. وانتهت المواجهة الجديدة، التي خلفت عشرات القتلى ومئات المصابين ومعظمهم من المدنيين، بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار تحت وساطة القاهرة بعدها بنحو ثمانية أيام.

وأخذت حالة العداء تتصاعد. إذ أنه بعدما تمكن الفلسطينيون من رفع مكانتهم في الأمم المتحدة في أعقاب صراع غزة، جدد الإسرائيليون في إجراء عقابي بناء المستوطنات بالضفة الغربية والقدس الشرقية. وفي الوقت ذاته تقريبا، استخرج الفلسطينيون رفات ياسر عرفات لأخذ عينة لفحصها، إذ يعتقدون أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تقف وراء الوفاة الغامضة للزعيم الفلسطيني منذ ثمان سنوات.

بيد أن الاتهامات المتبادلة وقفت حائلا أمام معالجة الطرفين لجوهر هذا الصراع القديم، ولا سبيل آخر لعلاجه سوى إجراء مفاوضات مخلصة حول القضايا الرئيسية مثل بناء المستوطنات.

وعند التوجه شرقا، ربما بدا البعض مسرورا برؤية القضية النووية الإيرانية وهى تمضى نحو حل ممكن، حيث ابدت طهران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا رغبة في إجراء حوار. وتطرقوا للمرة الأولي إلى أنشطة تخصيب اليورانيوم في ثلاث جولات من المحادثات التي جرت في عام 2012.

وبالرغم من الآفاق الوردية للحوار، إلا ان انعدام الثقة مازال عميقا. ولاتزال العقوبات الغربية القاسية وتبادل التهديدات العسكرية يضيف مزيدا من العقبات على الطريق الوعرة.

ومع ذلك فإن تحقيق اختراقات في المحادثات مازال أمرا محتملا إذا توصلت القوى العالمية وطهران في المستقبل القريب إلى تسوية حول درجة نقاء التخصيب وطلما أنهم ملتزمون بإيجاد حلول السلمية وطالما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تتدخل بسعيها إلى توجيه ضربة استباقية لإيران التي تقول إسرائيل إنها على وشك إمتلاك قنبلة نووية.

وأمام دعوة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى توجيه إنذار ملموس لإيران، آثرت واشنطن تأجيل هذا الأمر في عام 2012. ولكن أوباما تخلص الآن من عبء الانتخابات، وبكل تأكيد ستعود مسألة كيفية التعامل مع أحد أشد خصومه مرة أخرى لتحتل صدارة أجندة سياساته الخارجية. (من القاهرة ـ (شينخوا)

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات