عايدة سوبوليفا في بيت التمساح الكاريكاتوري

10:40 صباحًا الثلاثاء 16 أغسطس 2022
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
محيي الدين اللباد

كان لمُعلّمي الفنان الأكبر، محيي الدين اللباد، فضلٌ بلا حدود، حين فتح لي عوالم ثقافية عدة، تعرفت فيها للمرة الأولى على مجلات متخصصة في الفنون، وخاصة بمجالي الرسم للأطفال والكاريكاتور السياسي. وقد أعادتني رحلة قامت بها الصديقة الروسية عايدة سوبوليفا إلى تلك العوالم، حين نشرت صور معرض مجلة كروكوديل!

كنت أنتظر صفحات (نظر) الأسبوعية، التي تنشرها مجلة (صباح الخير) بشغف لا يوصف، وأعلم أن هناك جديدا، سيأخذني إليه نص مكتوب بحب وحرفية، ورسوم تنافس مساحة المكتوب وتغزل معه ذلك الجديد والطريف والنفيس.  وقد جاء اللباد على سيرة كروكوديل، (التمساح)، في مقالته (الكاريكاتور  السوفييتي والكومنولثي!)  لنعلم أن لينين كان من مؤسسيها، “قبل أن يطويه هادم اللذات (الثورات) ومفرق الجماعات (الدول الاشتراكية) بسنتين، على حد تعبير اللباد.

ينفرد ستالين بالسلطة، وتموت مجلات الكاريكاتير السوفييتية، واحدة بعد الأخرى، لكن مجلة كروكوديل الروسية اللسان تنفرد بالبقاء، لتصبح لسان حال الكاريكاتور الرسمي، يعقب اللباد: “وفي الحقيقة لم يكن هناك كاريكاتور آخر غير رسمي”.

يصف اللباد رسوم التمساح الروسية: “على درجة عالية من مهارة الصنعة، والتقنية، والجمال الشكلي، والإحكام، “غير الكاريكاتوري”، ويعدد أسماء رساميها الحرفيين العظام: رادلوف وملاخوفسكي ورادكوف وجريجورييف الذين بدت رسومهم متكلفة، ومصطنعة قليلة الفكاهة واللماحية، صحية خالية من البهار والمواد الحريفة، مؤدبة خالية من التلقائية والتهور، ومسهبة طنطانة عاجزة عن الإيجاز والتجريد وكانت تلك الكاريكاتورات _ على الأغلب _ مجرد رسوم إيضاحية لنك بسيطة مكتفية بذاته ولا تحتاج لكل ذلك الجهد الشكلي المصاحب لها، وبالرغم من التوزيع الأسطوري لها (5 ملايين نسخة كل عدد، كل 10 أيام) لم يستطع كاريكاتورها أن يؤثر في حياة الناس. ولا في عقولهم ونفوسهم، إذ كانت كما يقول محيي الدين اللباد، مجرد مجلة للتسلية. فلم يسمح لها بهجاء السلطة،  وضاق مجال النقد فيها، حتى شبهه الناقد السوفييتي إيفان شفالوف “مثله مثل نهر نيجيلينكا بعد أن تم تحويل مجراه الطبيعي – الذي كان يخترق قلب موسكو في السابق – تحويلا اصطناعيا ليمر في ماسورة ضيقة مدفونة تحت الأرض….”

أعود إلى رحلة الصديقة المخرجة والإعلامية والناقدة الروسية عايدة سوبوليفا التي قدمت فيلما تسجيليا بعنوان “مِصْرُنا” وهو وثيقة سينمائية تاريخية، جاءت به مخرجته ليعرض في مصر عام 2010، في الذكرى الخمسين لتشييد السد العالي في أسوان.

عايدة سوبوليفا

تزور عايدة الأكاديمية الروسية للفنون (Prechistenka، 19)  التي أقامت  معرضا مخصصا للذكرى المئوية لمجلة “Crocodile” بالروسية “Крокодила” التي لا تُنسى، وتكتب: أحببت قراءتها عندما كنت طفلة، وعمل عمي الأكبر Iu.Levshits-Konikov كمراسل هناك وأعطاني بشكل دوري إصداراتها.  كانت هذه المجلة تتلقفها الأيدي على الفور من الأكشاك، في السبعينيات.  وتستطرد:

“تجاوز توزيعها 6.5 مليون نسخة. وأُطلق عليها اسم “صوت الشعب الساخر”، حيث تم إعداد العديد من المواد حول الحياة الداخلية للبلد وفقًا لرسائل انتقادية من القراء – حول الرؤساء البيروقراطيين ومقدمي الرشوة، وحول الطرق السيئة والأشخاص الموصومين باللا مبالاة، والأغبياء والسكارى في الشغل. كانت جميع المواد مصحوبة برسوم كاريكاتورية، غالبًا ما تكون بارعة جدًا. لا يزال! تم صنعها من قبل الأسطوات أمثال  كوكرينسكي- Kukryniksy  .

في العقود الأولى من نشر المجلة، نُشر فيها ماياكوفسكي وزوشينكو وإلف وبيتروف. وكانت صفحاتها تعكس التاريخ الكامل للاتحاد السوفيتي – بدأت المجلة في الظهور قبل ستة أشهر من تأسيس الاتحاد السوفيتي في عام 1922 (كملحق لرابوتشايا غازيتا، ثم إلى برافدا)، لكنها توقفت بسبب مشاكل التمويل في عام 2003 .

تكتب عايدة سوبولويفا مشيرة للمحتوى: “كانت هناك رسوم كاريكاتورية “لطيفة” – تتعلق بشكل أساسي باستكشاف الفضاء الخارجي والأراضي البكر والتنفيذ المبكر للخطط الخمسية وحل المشكلات الاجتماعية الملحة وصداقة الشعوب. ويُظهر ملصق عام 1954، المخصص للاحتفال بالذكرى الـ 300 لتوحيد أوكرانيا مع روسيا، نظرة خاصة – رجلا روسيا فخيما يحمل كأسًا من الشمبانيا في يده يدعو فتاة إلى طاولة الأعياد.”

وتضيف: “لكن بالنسبة للغرب، وخاصة حلف الناتو، فقد عاملها كروكوديل دائمًا بشكل سيئ لا لبس فيه – على سبيل المثال، مقارنة الحلف بطائر الوقواق الذي يلقي ببيضه القاتل (القنابل) في أعشاش الآخرين. وتم تخصيص قسم كبير لفترة الحرب العالمية الثانية والوضع الدولي قبلها – منذ البداية (منذ عام 1933) لم يكن لدى الاتحاد السوفيتي أوهام بشأن سياسة هتلر، وأصبحت صورته كل عام أقبح وأكثر تسلية. لا عجب أن هناك أخبارا عن جائزة خاصة لرئيس رسامي الكاريكاتير إيفموفEfimov لنجاحهم في هجاء النازي. ينجح الفنان في العيش حتى  بلغ103 أعوام، حتى نجا من “التمساح” نفسه.

تختتم عايدة:”يتطلب المعرض بالطبع مساحة أكبر بكثير من 4 قاعات – يمكنك فقط أن ترى بالتفصيل ما هو على مستوى العين وما هو أعلى أو أقل قليلاً، وجميع الجدران والممر معلق مع المعروضات من الأرضية إلى السقف المرتفع . ربما ليس هذا هو المعرض الأخير لـ “التمساح” …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات