زمن متغير

09:26 صباحًا الثلاثاء 25 ديسمبر 2012
محمد سيف الرحبي

محمد سيف الرحبي

كاتب وصحفي من سلطنة عُمان، يكتب القصة والرواية، له مقال يومي في جريدة الشبيبة العمانية بعنوان (تشاؤل*، مسئول شئون دول مجلس التعاون في (آسيا إن) العربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تكفي شرارة بسيطة لتشتعل هواتفنا بالأنباء الواردة حول مسألة ما، وحينها يكون التعاطي مع النبأ / الشرارة وفق معطياتنا النفسية، وهي في أغلبها قابلة لتقبل الفكرة وإضافة البهارات عليها، وفي عصر المدعو (واتس اب) فإن إضفاء المزيد من الروح الساخرة ضروري لتبدو الحكاية أجمل بما ييسر أمر هضمها وكأنها.. حقيقة لا لبس فيها.

قلة لا تصدّق..

وكثرة .. لا تكذّب.

والغالبية لا يفصلون بين الحقيقة والخيال، يقبلون بها على أنها (النبأ المبين) فلا يقبل الشك والتأويل، وإنما عدم استبعاده من دائرة الحقيقة التي اتسعت كثيرا خلال العامين الأخيرين، فكل حديث عن فساد هو صدق بيّن، وكل كلام عن تسهيلات تمس حياة الناس مجرد كذب محض.

يصدّق الناس ما تقوله الإنباء (حقيقتها وإشاعاتها) لأنها تمر بمرحلة يمكن تسميتها بالانتقالية، بين قضبان قديمة تأبى حتى التلميح، وفضاءات حديثة لا ترضى إلا بالتصريح، وفارق بين ما تصر القضبان على إخفائه، وما تتطلبه الفضاءات من حرية قد تكون قاسية وعنيفة ومجنونة وغير واعية، خاصة عندما تنطلق من عقالاتها العتيقة.

لا يمكنني (شخصيا) قراءة ما يحدث خارج هذا الإطار..

الناس (بما فيهم الكتاب والمثقفين والمدونين) يتعلمون أبجدية الحرية في زمن جديد شكّل هبوطه فجأة مع زوابع الربيع العربي صدمة لهم، فضاعت الفواصل بين المسموح (من جهة) .. والممنوع، واللامرغوب (من بقية الجهات) كما ضاعت فواصل أخرى تتعلق بأدبيات التخاطب وفق الخطابات التقليدية ومؤسساتها (الأبوية) الفارضة شروط الاحترام (أولا وأخيرا) وعدم النبش في مخصصاتها واختصاصاتها.

هي فوضى المرحلة الانتقالية..

أو لنقل حدة خطابها القوي القادر على الوصول إلى مكتب الوزير دون استئذان، بل والتفتيش في أدراجه بحثا عن حقيقة ما، أو افتراض حقائق يمكن التعويل عليها في بناء خيال خصب يؤيده توجه شعبي لتصديق كل ما له علاقة بموضوع الفساد، قد يكون أصغر موظف في وزارته يتعاطى حبوب الفساد لكن الوزير يبقى المسئول الأول، بالنظام الوظيفي الذي وضعه، بالرقابة التي لم يضعها،  بالانشغالات تحت وطء بريد يومي ثقيل الملفات، واحتفالات دائمة، ورعايات لمناسبات لا تتوقف.

يصدق الناس النبأ (حقيقة أو كذبا) لأنهم وجدوا ضالتهم في إعلام بديل يقدم لهم الجديد مما لم يعهدوه في وسائل الإعلام التقليدي التي لم تغير سلوكها المهني كثيرا، لا زالت تنحني وهي تطرق أبواب الوزراء احتراما وتبجيلا، الصحفي الذي لا يقترب من وزير (إن سمح له) إلا عبر مصالح (له أو لإدارة صحيفته .. طلبات خاصة أو إعلانات).. يضغط عليه تاريخ اجتماعي حافل بمسائل الاحترام (للكبير) فيما تدوس (تقنيات الإنترنت) على كل الأزرار لتكتب حريتها الخاصة، قد تكون حرية مبتذلة ومعاقة وكاذبة، لكنها تحرك (صوامت، وسواكن) لا يمكن إلغاء تأثيرها، وليبق الآخرون صامتون أمام سيل لا يمكن الوقوف بالصمت وحده أمامه، بل بكشف الحقائق المضادة (إن وجدت) وإلا فإن الناس الذين لا يكادون يرفعون أعينهم عن هواتفهم ستتكدس في دواخلهم حقائقهم التي يصدقونها.

أظن أن زمن البحث عن ألحفة لتغطية (الأخبار) لم يعد له وجود، ولا مجال إلا الكشف من خلال شفافية تضرب يد الفساد (بعدالة) تلجم أكله للأخضر واليابس، كما تفرق بين اللص والشريف، وتحمي الاثنين من أنفسهما، اللص الذي طبق شعار (المال السايب يعلم السرقة) والشريف ليستمر في سمو أخلاقه فيبقى قيمة للوطن.

One Response to زمن متغير

  1. ロレックスコピー時計 رد

    26 ديسمبر, 2012 at 7:34 ص

    逆に、お祝いメッセージ送らなきゃ、どんだけ叩かれるか…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات