حكايات شهر زاد كوريا: رقصة القناع

03:55 مساءً الثلاثاء 25 ديسمبر 2012
إيناس العباسي

إيناس العباسي

شاعرة وكاتبة وصحفية من الجمهورية التونسية، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يُسمى رقص الأقنعة المسرحي التقليدي “تالتشوم” والتي تعني رقص أو حركة درامية. “تشوم” تعني الرقص و”تال” القناع..ويقام العرض عادة في الهواء الطلق حيث يكون الممثلون على مقربة من الجمهور…قديما، كان الوسيلة الأمثل للتعبير عن آراء الشعب ومشاغله ومطالبه…وفي الثمانينات، انتشر كثيرا أيام الحركة الشعبية الديمقراطية حيث استعمله الطلبة في ساحات الجامعات للتعبير عن غضبهم وللمطالبة  بالديمقراطية….

كنت أتمنى حضور “رقصة الأقنعة ” وبما أننا لم نحضرها إكتفيت بشراء قناع صغير للذكرى…متخيلة حياة وتاريخا بأكملهما يتخفيان وراءه …إلا أنني تذكرت أنه ليس قديما كل ذلك القدم ليعبق بحكايات قديمة، حكايات ناس وملوك وأخبار حروب وأرض ومطر وحكايات عشق وخيانة ووفاء …كل يحكى من خلف الأقنعة المختلفة في ألوانها ورموزها…كنت أشتهي حضور حفلة تقليدية راقصة تحكى الحكاية فيها من خلال الرقصة والأمثولة التي يستعملها الراوي…لكن المناسبة لم تأت وحتى إن أتيت فلم أكن لأفهم ما يُقال بما أنه ما من ترجمة فورية و الترجمة تكاد تكون مستحيلة عند متابعة عرض مباشر وديناميكي إلى ذلك الحد لكنني شاهدت فيلمThe king and the clown… (كان مترجما للانكليزية). الفيلم الذي شاهدناه ذات ظهيرة بعد درس اللغة الكوري صباحا، كفرض من فروض البرنامج المخطط لنا، كان ممتعا ومفيدا في معلوماته عن الرقصة وفي تقديمه لملامح أخرى من ملامح التاريخ الكوري القديم..ذكرتني العلاقة التاريخية بين الملك و الراوي وأسلوب الحكاية المشفرة بالحكايات العربية القديمة…وأسلوب الحكيم الهندي في كتاب “كليلة ودمنة”…

بولغوكسا

بعد ليلة حافلة  بالمأكولات البحرية في مطعمين تقليدين في مدينة “بوهانج” الساحلية والشهيرة عالميا بمصانع “بوسكو” للحديد، (حضرنا هناك فعاليات ملتقى لأدب بلدان آسيا)…اختتمنا سهرة بدأناها بالحديث عن الأدب، بالغناء كجوقة موسيقية غير محترفة  في “نوري بانج” قريب من الفندق..وضاحكين من ارتباكات ارتجالنا لأغاني كثيرا ما تسبقنا موسيقاها وكلماتها…كنا كتابا من بلدان وأجيال وأذواق موسيقية مختلفة لكن الأدب وأغاني “البيتلز” وبعضا من أغاني التسعينات وحدتنا…..

وصباح اليوم التالي، مررنا في طريق عودتنا إلى سيول، بمدينة “كيونجو” الشهيرة بالـ”بولغوكسا” المعبد البوذي المسجل ضمن لائحة اليونسكو للمواقع الأثرية…يقع هذا المعبد في أعالي جبال “توهامسان” . بُني في عهد الملك “جيونك ديوك” (أحد الذين حكموا البلاد في فترة مملكة “سيلا”) واستمر بناءه أكثر من ربع قرن….اشتغل فيها الرهبان البوذيون والمهندسون على حد سواء. المعبد الذي تأذى بسبب الاجتياح الياباني سنة 1592 و أعيد بناءه (لكوريا تاريخ حربي قديم مع جارتيها اليابانية و الصينية ..قديم قدم التاريخ نفسه)، يتكون من ساحة رئيسية لها ثلاثة مداخل تتميز بتماثيلها  الضخمة والملونة والتي يُعتقد أنها تحمي المكان والمتعبدين وتطرد الأرواح الشريرة مرسلة إياها للجحيم…وفي الساحة أيضا العديد من القاعات مختلفة الأسماء والوظائف: “صالة الفردوس” و”جسر الكنوز السبعة” و”جسرأزهار اللوتس” و”بوابة الجنة” وقاعات أخرى عالية يوجد سلمان متوازيين للصعود إليها، كل واحد منهما يتكون من ثلاثة وثلاثين درجة تمثل السماوات الثلاثة والثلاثين حسب الاعتقاد البوذي… وقاعة أخرى، عُلق جرس صغير أعلى بابها المشرع، يُعلق فيها المتعبدون أمنياتهم ودعواتهم المكتوبة على قصاصات ورقية ….

أما القاعة الرئيسة التي يوجد فيها تمثال بوذا الذهبي والمهيب بشكل غامض، فمن الممنوع الدخول إليها..ويكتفي المتعبدون بتأدية صلاتهم في خشوع من أمام العتبة الخارجية…

كان من الصعب معرفة كل تفاصيل الديانة البوذية في كوريا في زيارة خاطفة لأحد معابدها…. لكن أكثر ما كان يشد العين وسط الساحة الرئيسة للمعبد، هو “الباكودا ” المبنية من الغرانيت الأبيض والذي يمثل أحد أهم الكنوز التاريخية الوطنية الذي يفتخر به كل كوري مهما كان دينه…

يومها سألت “أوو” (كان ضمن الملتقى كمترجم من الانكليزية إلى الكورية والعكس بالعكس) عن “الباكودا”، فحدثني عن تفرد “بولغوكسا”  “كيونجو”  …فرغم أنه توجد معابد “بولغوكسا” في مدن كورية وفي بلدان آسيوية أخرى تعتنق البوذية إلا أن الـ”بولغوكسا” الموجودة في “كيونجو” متميزة لأنه لم يُهدم منها أي جزء. وحين سألته عن دور “الباكودا” في الديانة البوذية، أجابني ببساطة بأنها كانت المكان الذي يُوضع فيه القربان الذي يٌقدم لبوذا.قربان لم يكن سوى أضحية…. بشرية !

أضحية يتم اختيارها بعناية ، فيجب أن تكون شخصا قصيرا وصغير الحجم  ليتمكنوا من وضعه داخل “الباكودا” ليظل هناك سجين المكان الضيق..سجين الجوع والعطش إلى أن يموت…

ثقافة “السوجو”

كثيرا مايكون اللقاء الأول الذي قد يجمعك مع شخص كوري مثقلا بالمجاملات الرسمية وببعض الفراغات التي لا تغطيها إلا مدى اجتماعية  محدثك…والكوريون عادة، متحفظون ورسميون ماعدا الذين عاشوا لفترات طويلة خارج كوريا…. فهم مختلفون تماما في التعامل وفي انفتاحهم على الآخر… أما الآخرون فكثيرا ما يرون فينا “غرباء” قادمين لبلادهم إما للدراسة أو لسياحة عابرة…

لكن الصمت الذي يظلل جلسات الغداء أو العشاء…يتبدد سريعا بعد بضعة كؤوس من “السوجو”…ليصبح حديثا مكللا بأصوات وضحكات عالية وبتربيتات على الكتف أو ملامسة لليدين…هم المتحفظون عادة والمكتفون بإلقاء التحية على الطريقة الكورية المتمثلة في نصف انحناءة ..لكنهم وبلمسة سحرية من “السوجو” يتحولون للنسخة الآسيوية عن الشعب الايطالي….

توجد أنواع عديدة من الكحول في كوريا وتنقسم إلى نوعين، نوع تقليدي مثل”الماكولي” و”الدونغدونغجو” الشبيهان بالنبيذ لكنهما يعدان من الأرز…ويتم عادة تناولها مع ما يسمى بـ “البيتزا الكورية” أو “الباجون” (أمليت من البيض وثمار البحر والبصل والكرات والجزر). ونوع حديث مثل “السوجو”، سيد المناسبات الكورية، الحاضر الدائم في كل المناسبات وكل الوجبات ..إن أحببت مذاقه فكأنك قطعت نصف المسافة لتكوين صداقة متينة مع جليسك الكوري…هو “الشفرة” السحرية لتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية جديدة…ولا يخفي الكوريين خيبتهم إن لم يعجبك “السوجو” ليجدوا دائما حجة لصالحه: فبـالتأكيد أن “السوجو” قوي بالنسبة لك وهذا مايميزه.

من عادات طاولة الأكل (لأن الشراب يرافق دائما مائدة الطعام الكورية): يسقي شخص واحد الخمر للآخرين وعندما ينتهي يسقيه شخص آخر، ففي العادة الكورية لا يجوز أن تسقي نفسك بنفسك…

وأعتقد أن الكوريين هم أكثر مستهلكين للكحول في العالم…فكوريا بلد يعد فيها من العيب رفض كأس تقدم لك وخاصة حين يقدمها لك مديرك أو أحد زملاءك الأعلى منك مرتبة في السلم الوظيفي…

2 Responses to حكايات شهر زاد كوريا: رقصة القناع

  1. プラダ コピー رد

    26 ديسمبر, 2012 at 7:27 ص

    まぁ片想いであれば自分はシーズンで終わっちゃいそうですねパンダ

  2. link building tools رد

    26 ديسمبر, 2012 at 11:20 ص

    Nice weblog here! Also your site so much up very fast! What host are you using? Can I get your affiliate link for your host? I want my site loaded up as quickly as yours lol

اترك رداً على プラダ コピー إلغاء الرد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات