روحانيات | 2 | هيام

03:45 مساءً الخميس 3 نوفمبر 2022
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print


” لم يبق بيني و بين الحق تبياني
و لا دليل و لا آيات برهان
هذا تجلي طلوع الحق نائرة
قد أزهرت في تلأليها بسلطان ” *

– و تستمر مسيرة هيام العشاق بالمحبوب .. كل عاشق و محبوبه لكنك لن تجد في نهاية الطريق سوى الحقيقة و نور الحق. المطلق ، في اليوم الثاني من مهرجان ” روحانيات ” بمدينة ” نفطة ” أحدى المدن الهامة بولاية ” توزر ” ..

بدأت فعاليات اليوم الثاني للمهرجان بمحاضرة علمية للدكتورة ” سامية الدريدي ” أستاذة الأدب القديم مديرة مدرسة الدكتوراه بكلية 9 أفريل .. التي ألقت محاضرة هامة عن الشعر الصوفي و مدى إرتباطه و تأثره و تأثيره في الشعر العربي ، و بعد المحاضرة القيمة سلك رواد المهرجان ” طريق المريدين ” نحو مقام سيدي أبي علي السني لزيارة الولي الصالح و قراءة الفاتحة عليه .. حيث يتوسط مقامه المريح للنفس غابات النخيل الباسقة التي تشتهر بها ” نفطة ”  , تشعر عند دخولك المقام بالتواضع و السكينة و الزهد و التقشف و تلتقي بأصحاب الأحوال و أعداد من الزوار جلهم من الأشقاء الجزائريين الذين يترددون دائما على المقام لزيارة سيدي أبي علي السني و صلاة ركعتين في الزاوية المجاورة و التي تعد جزء من المقام ، و سيدي أبي علي السني و يطلق عليه أيضا أبو علي النفطي .. هو أبو علي حسن محمد بن عمران الحسيني .. من سلالة الإمام علي بن أبي طالب ، و هو من مشاهير الصوفية في المغرب الكبير و أكبر داعية لأهل السنة في منطقة الجريد بالجنوب الغربي التونسي و يلقب بسلطان الجريد ..
بعد الزيارة المباركة لمقام سلطان الجريد سيد أبي علي السني .. كان رواد المهرجان على موعد مع فعالية أخرى من فعاليات المهرجان تمثلت في عرض غنائي للفنانة ” عبير نصراوي ” ..



 لا إضافة رغم التفاعل الكبير –

لم يمثل العرض الذي قدمته فرقة ” المرعشلي ” السورية أية إضافة لبرنامج المهرجان أو قيمة فنية تذكر رغم التفاعل الكبير للجمهور معها إذ تجيد الفرقة ( الشعبوية الفنية ) إن جاز التعبير .. فالفرقة إرتكبت الكثير من الإخلالات الفنية ( فحشرت ) وسط برنامج الإنشاد الديني فقرات لا علاقة لها بالإنشاد و ليتها قدمتها صحيحة ؟! مثل موال ” يا من هواه أعزه و أذلني ) الذي أفسد معناه من أداه حيث أصر المغني على تكرار الخطأ الفادح الذي ينحرف كليا بالمعنى إذ غناه هكذا ( يا من هواه أعزني و أعزني ) ، ثم تعسفت الفرقة على الحان تراثية و أخرى غير تراثية لايملكونها أو يملكون حقوقها في تعد واضح على حقوق الملكية الفكرية ليركبوا عليها كلمات تحولها لشكل من أشكال الإنشاد الديني بلحن عاطفي مسروق !! مثل لحن ( يا ويل حالي ) من التراث الشامي على سبيل المثال لا الحصر ، ثم قيامهم بإنشاد أعمال للغير بصورة مخلة منها على سبيل المثال أعمال للفنانة الكبيرة ” ياسمين الخيام ” ، متجاوزين مرة أخرى الملكية الفكرية بخلط تراث مناطق أخرى بالتراث السوري كتراث الإنشاد و التواشيح المصري و المغربي دون إشارة ، و إستخدام الحان الغير أو بالأحرى إنتحالها مثلما حدث مع القصيدة الصوفية الشهيرة ( أكاد من فرط الجمال أذوب ) و التي أثارت من قبل لغطا حول لحنها و طريقة أدائها بين المنشد ” عليوة ثابت ” و المنشد الكبير الشيخ ” ياسين التهامي ” ليدخل على نفس الخط المؤدي ” محمد ياسين المرعشلي ” الذي تسبب إهتمامه الزائد بالإستعراض الصوتي المبتذل و الإفراط في إستخدام ( العُرَب ) الصوتية إلى الوقوع في النشاز ..


و كما ذكرت إدارة المهرجان أن وزارتي الداخلية و الثقافة قد بذلوا جهدا فائقا و مشكورا لإستقدام ( فرقة المرعشلي ) و قامتا بإستخراج تأشيرات الدخول لها في وقت قياسي و هو جهد مشكور للوزارتين بطبيعة الحال و لا تثريب عليهما .. ، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه لماذا لم تستغل إدارة المهرجان ذلك التعاون المحترم من الوزارتين سالفتي الذكر لإستقدام فرقة متميزة تقدم إضافة حقيقية للمهرجان ، أو وفرت الجهد و المال و إستقدمت فرقة تونسية ذات باع و ذارع في هذا المجال و هم كثر .. أو إستقدمت فرقة جزائرية من المدن الجزائرية المجاورة حيث المسافة بين مدينة ” نفطة ” و الجزائر أقل من 50 كيلومتر .. إذا كان هناك إصرار من القائمين على برمجة المهرجان على وجود مشاركة عربية أو دولية ..
مر الجزء الأول من ( سواريه ) المهرجان بشكل جيد و مرض نظرا لتفاعل الجمهور الكبير مع فرقة     ( المرعشلي ) السورية .. رغم الإخلالات الفنية الفادحة على المستوى النقدي .. ليبدأ الجزء الثاني و الأهم من سهرة المهرجان بالذهاب لحضرة سيدي أبي علي السني وسط غابات النخيل ..



 عندما يختلط الواقع بالميتافيزيقا –

عندما يختلط الواقع بالميتافيزيقا ، و الدين الشرعي بالدين الشعبي ، و الواقع بالخيال ، و الحقيقة بالخرافة ، و الإنس بالجان .. وسط غابات النخيل ، و تختلط ( عجعجة ) البخور بالدخان المنبعث من الجريد المشتعل ، و الخشوع الصوفي الزاهد و الأذكار .. بالجدل بين البشر و كائنات أسطورية مفارقة تنطق على السنة بعضهم ، و بين تمايل المنتشين بالذكر مع هستيرية الحركات و الصيحات الوحشية لمن يصفهم المصطلح الشعبي بالذين ( تخمروا ) مع دقات الدفوف القوية إلي حد التماس مع النيران و لمسها بل و أكلها أيضا .. فأنت تقف أمام عرض فرجوي عفوي حقيقي مذهل و بالغ الروعة ، و نادر الوجود قليل ما يحظى المرء بمثله و هو يرى ذلك التناقض و التكامل الموحي و القدرة على الإستيعاب بين الأضداد في تماه إنساني عجيب ..
كان ذلك هو الجزء الثاني و الأخير من سهرة اليوم الثاني للمهرجان و الذي استمر حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي .. حيث تولت جماعتي ( عيساوية الكاف ) و ( قادرية نفطة ) الصوفيتين بإحياء حضرة صوفية خارج مقام سيدي أبي علي السني في الساحة الصغيرة بين المقام و غابات النخيل ، حيث كان التفاعل الحي بين الجمهور و القائمين على الحضرة التي تداخل معها طقس الإسطمبالي الذي يحيلك إلى العديد من الطقوس الإفريقية و على رأسها ( الماكومبي ) ..
أستفزت الفرجة الفريدة المذهلة جمهور الحضور إلى حد إستخراج القدرات الكامنة و إعادة إكتشافها حيث نطقت الألسن بلغات غريبة ربما لم تدرسها أو تعرفها من قبل ، و لعل بعضها ليس من اللغات الأرضية المعروفة .. إنه الكون الغامض الغريب الذي نظن إننا نعرفه أو ندعي ذلك كِبرا أو مكابرة لكنه يطرح أسئلة لا حصر لها قد تسرق النوم من الأجفان كما حدث لكاتب السطور.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات