في السُّوقِ والسُّوْقِيِّ

08:30 صباحًا الأحد 5 فبراير 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بقلم: د. إيمان بقاعي

لبنان

4\2\2023

السُّوقُ (س و ق): موضعٌ يَتَّصِلُ فيه المشترونَ والبائعونَ اتّصالًا وثيقًا. ويُستخدمُ تعبيرُ السُّوقِ بمَعنيينِ اثنينِ: أحدهما ضَيِّقٌ والآخَرُ واسعٌ.

ففي (المعنى الضَّيِّقِ)، يُقصَدُ بالسُّوقِ مكان مُعَيَّنٌ تُعرَضُ فيه السِّلَعُ على مرأى من المُشترين الوافدين لاقتنائِها، كسوقِ الخُضَرِ وسوقِ الصَّاغةِ.

أمّا في (المعنى الواسعِ) للسُّوقِ، فإنَّ السُّوقَ قد يشملُ العالمَ كلَّه، كسوقِ القطنِ، وسوقِ الأسهمِ.

 وفي هذه الحالِ، لا يشترطُ لقيامِ السُّوقِ أن يتمَّ لقاءٌ مُباشرٌ بين المُشترينَ والبائعينَ، وإنّما يتمُّ الاتّصالُ بين الفريقين عبر الوسطاءِ في أكثرِ الأحيانِ، وبأيَّةِ وسيلةٍ من وسائلِ الاتِّصالِ كالهاتفِ أو البرقِ أو غيرهما.

و(سُوقُ الحَرْبِ): حَوْمَةُ القِتالِ،

و(السُّوقُ الحُرَّةُ): التَّعاملُ خارجَ نطاق البورصةِ،

و(السُّوقُ الرَّسميّةُ): البورصةُ،

و(السُّوقُ الموسميّةُ):  لقاءٌ دَورِيٌّ بين المُنتِجينَ والمُستهلِكينَ في مَكانٍ معينٍ وزمانٍ معينٍ،

و(السُّوقُ السَّوداءُ): اسمٌ يُطلَقُ على مختلفِ العمليّاتِ التِّجاريّةِ المَحظورةِ التي تتمُّ، بصورةٍ سِريّةٍ عادةً، على نحوٍ مُخالِفٍ للقيودِ التي تفرضُها الحكوماتُ على البيعِ والشِّراءِ والَّتي  تتَّخذُ أشكالاً مختلفةً كالتَّقنينِ، وتحديدِ الأسعارِ، وتحريمِ بيعِ السِّلعةِ تحريمًا كلِّيًّا في بعضِ الأحيانِ،

و(سِعرُ السُّوقِ): الحالةُ التي يُمكِنُ أن تَشتريَ بها الوَحدةَ أو ما شابَهها في وقتٍ واحدٍ، و(سِعرُ الصَّرفِ): (سِعرُ السُّوقِ) بالنِّسبةِ إلى نُقودِ الأُمَمِ،

و(سياسةُ السُّوقِ الحُرَّةِ في الاقتصاد): تعبيرٌ يَدُلُّ على سِياسةِ المَصارفِ المَركَزِيَّةِ في بيعِ الأوراقِ المالِيَّةِ وشِرائِها، لزيادةِ المُتَداوَلِ من النُّقودِ أو نَقصِه،

و(سوقُ عُكاظ): سوقٌ كانت تُقامُ في الجاهليّةِ في عكاظ مرّةً كلَّ عامٍ من هلال ذي القعدةِ إلى العشرينَ منه. وقد عاصرتْ سوق عكاظ الإسلامَ في عَهْدَي الخلفاءِ الرّاشدينِ والأمويّين وإن لم تبلغْ في هذين العهدين الازدهارَ الّذي بَلَغَتْه قبل الإسلامِ،

و(سوقُ خَيْبَر): هي إحدى الأسواق العَرَبِيّة القديمة التي كانت تُقامُ بعد أشهر الحجِّ، وتُعقَدُ فيها المُناظَراتُ الأدبيّة ونحوها، والجمع: أَسواقٌ.

 أمّا(السُّوْقِيُّ)، فالمَنسوبُ إلى السُّوقِ أو السُّوقةِ؛ يقال: (هذا الشّيءُ سُوقِيٌّ): غيرُ جَيِّدِ الصُّنعِ، وهي سُوقيّةٌ، و(كلامٌ سُوقِيٌّ): مُبتَذَلٌ أو فاحشٌ.

و(في الكَلام):  صنف العَرَب منذ القديم الأَلْفَاظ، فتحدث [الجاحظ] عن (التَّغريب)، ورأى أن سنَّة البلاغة تكمن في مجانبةِ اللَّفْظ الغريبِ و(السُّوقي) في آن، وقال:

“وكما لا ينبغي أَنْ يَكُونَ اللَّفْظ عاميًّا، وساقطًا سوقيًّا، فكذلك لا ينبغي أَنْ يَكُونَ غريبًا وحشيًّا”.

وفي (الكَلامُ المرذولُ أو المهمَلُ): هو الكَلامُ الّذي يكتب به الأَدَب الرَّخِيص،  إذ يستخدم المُرْسِلُ (ألفاظًا سوقيَّةً) ولغة ركيكة وصياغات نحويَّة غير سليمة.

وفي (الكلاسيكيَّة العَرَبِيّة) التي تعتمد القصيدةُ فيها على (عمود الشِّعْر العَرَبِيّ)، فإلى اعتمادِها: شرَف المعنى، وصحَّته، واستقامته، والتحام أجزاء النّظم والتئامها، تناسب اللفظ مع المعنى والقافية،  تدعو الكلاسيكية إلى اعتماد (جزالة اللَّفْظ): فلا يكون اللَّفْظ غريبًا أو (سُوقيًّا) مُبتذلًا.

ومن أحد أهمِّ شُروط (المقالَةِ) الجيّدةِ، “أن تكونَ صحيحةً، لا تناقضَ فيها بين المقدِّماتِ والنّتائجِ، عميقةً، مركّزةً، بعيدةً عن هزيلِ الآراءِ وشائعِ المعارفِ، (وسوقيِّ) الفِكْرِ، وسطحيِّ المشاعرِ، فلا تشكِّلُ قراءتُها  هدرًا للوقتِ وخيبةً لأملِ القارئِ”.

السُّوقُ والسّوقِيَّةُ في أدب الأطفال

كتبَ [محمد الهراوي] في (سمير الأطفال للبنات): (الكمالِ في السّوقِ) يتكلمُ فيها- على لسانِ فتاةِ عن حُسن التَّصرف في (السُّوقِ):

(أَنَا فتاةٌ إنّما\لي هِمَّةُ الرِّجالِ

أروحُ للخبّازِ\والقصَّابِ والبدّالِ

أشْري بنفسي حاجتي\مُنْجِزَةً أعمالي

أَحِمْلُها على يدي\في الطُّرقِ لا أبالي

ولا أرى ضرورَةً\تدعو إلى حمَّالِ

\في ذلكَ انتقاءُ\حاجاتي وحفظُ مالي

ماذا يشينُ سُمعتي\إنْ سِرْتُ في كمالِ)؟

و(السُّوقيَّةُ) (في أَدَبِ الأَطْفَالِ والنَّاشِئَةِ):

(السُّوقيَّةُ): مؤنّث (السُّوْقِيُّ). وقد أتت  اللَّفظةُ في إطارِ دعوة ناقدِ أدَبِ الأطفال [عَبْد الرَّزَّاق جَعْفَر] في كتابهِ (الطِّفْل والكِتاب) إلى استخدام “الضَّحِك” في أدبِ الأطفالِ، فيرى “أن الرَّاشِدين يريدون الجِدِّي والمَعْقول من الأدب، من دون أن ينتبهوا  إلى تلك الميزات العظيمة الَّتي تقدمها السُّخْرية الَّتي يخلقها الضِّحْك والتَّلاعُب بالكَلِمَات، معتقدين خطأً أن السُّخريةَ تفاهةٌ و(سُوقيَّةٌ)، وهي ليسَتْ كذلكَ”.

وأوافقُ (عَبْد الرَّزَّاق جَعْفَر) الرَّأيَ، ولن نتخلصَ من نظرة الرّاشدين الخاطئة هذه- وقد أوردتُ رأيي مفصلًا في روايتي الأخيرة (الأثير)- إلا حين يرفع رجالُ التّربية والتّعليمِ يدهم عن أدبِ الأطفال، ويتركون الأدباءَ يكتبونَ هذا الأدب، من غير أن يحملوا ميزانَ قيمِهم التربوية ومساطرِهم التي يريدون “تأديب” الأدباءِ كما يؤدّبون الأطفال.

ووردتِ الكَلِمَة أيضًا في لوحاتِ الأطفالِ: “ومن شروطِ اللَّوْحة في مرحلةِ القراءةِ عند الأطفالِ: الجمالُ، سواء اكتفت القِصَّة بالصُّوَر وحدها أو جمعَت بينها وبين النَّص، والتَّنوع غير النّاقل (للسُّوقيَّة) أو القُبحِ، والإبداع الّذي يقدمُه كبار رسامي الطُّفُولَة، وهي شروط تساهمُ في رفع مستوى ذوقِ الطِّفْل الفنيِّ وترقى به”

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات