معها … بصحبة رموز الفكر والأدب ونسائم الزمن الجميل

04:15 مساءً السبت 25 فبراير 2023
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 نادية كيلاني اسم أدبي ساطع في الحركة الأدبية المصرية الراهنة، وله في نفسي وذاكرتي الكثير من المعاني الرائعة؛ إنها أستاذتي الغالية صاحبة الروح الشفافة والوجه البشوش والدعابة الدائمة . تعودت منذ سنوات صباي الأولى أن أقضي ساعات عديدة في بلدتي (الكردي– دقهلية) في الاطلاع على أمَّهات الكتب، وروائع الأدب، وكان من أمْتع وأحبّ الكُتَّاب لديَّ عملاق الأدب العربي يحيـى حقي، وعندما التحقْت بالعمل الصحفـي داخلَ مؤسسة دار الهلال الصحفية فى التسعينيات تعرفت عليها فَعلمتُ بأنها كانت تلميذة مقربة من صاحب القنديل زادت فرحتي ومحبَّتي لها، ومنذ تلك اللحظة وأنا لا أعلم للآن ما سر ارتباطهما معاً بِـي؟!.. فإذا قرأت ليحيى حقي (الأستاذ) تذكرت نادية كيلاني (التلميذة)، وعندما أقرأ لنادية كيلاني الأديبة، أو أقابلها أتذكر خفة دم وبساطة وتلقائية وعبقرية أسلوب الأديب الكبير، وكأنهما أصبحا في نظري (وَجهَيْـن  لعُمْلةٍ واحدة). امتدت يدي إلى أرفف مكتبتي لأخرج كتابها الرائع (أيام مع يحيى حقي) والذي يزين باطن الصفحة الأولى منه صورة نادرة– وهى الصورة الوحيدة التي تجمعهما معاً بعد أن فقدت معظم صورها معه حسب قولها–

وفى الصورة الأستاذ يتحدث والتلميذة النجيبة تبدو في ريعان شبابها مُمسكة بورقة في يديها وجالسة في حالة من التركيز والانتباه والإنصات لما يقوله.. وهذه الصورة ذكرتني بصورة خاصة جداً لي معها وبالرغم من التقاط  عدد كبير من الصور لنا معاً في كثير من الفعاليات الثقافية إلا أنني لا أنسى يوم أن كنا في ميدان رمسيس قبل أن يُنقل التمثال الشهير من الميدان الكبير حيث مقرّه الآن فى متحف الحضارة الكبير.. يومها قالت لي “تعالي يا عزة نتصور مع تمثال رمسيس؛ كانت أمي تحب أن تتصور معه كلما جاءت إلى الميدان”  وما زلتُ أحتفظ بتلك الصورة وأعتز بها كثيراً. فى مقدمتها لكتاب (أيام مع يحيى حقي) ذكرَتْ أنها لم تعتمد على الذاكرة وحدها؛ فقد كانت تدون المهم أولا بأول، ويظل لقاء اليوم الأول محفوراً فى واجهة الذاكرة لديها لا يتوارى، وكأنني أنا الأخرى  أتذكر جلساتي الأولى بجوارها نتبادل أطراف الحوار والضحكات في مكتبها فى مجلة حواء بمؤسسة دار الهلال، وكانت مكتبة دار الهلال العريقة ومكتب نادية كيلاني هما أحب الأماكن بالنسبة لي، فى المكتبة الكبيرة وجدت متعتي العقلية وفى مكتبها الصغير ضمني قلبها الكبير فأصبحت نافذتي على القاهرة الثقافية، ولمَ لا وهى التي معها ومن خلالها عرفت الكثير من الأعلام من رموز الصحافة والأدب.. وتعلمت منها كيف أكتب وأصحح مقالي بنفسي لكي لا تعبث به يد الآخرين..

أتذكر الآن أنها أول من صحبتني معها إلى نادي القصة بجاردن سيتي . وكنت سعيدة بزيارتي الأولى لنادي القصة بصحبتها، لعلمي بقيمة  المكان وما يشغله من حيز كبير من اهتمامات كل من هو مهتم بفنون القص وبالأدب والنقد على حد سواء ولما قدمه من إسهامات كبرى في مسيرة القصة والرواية} كما كانت أول من صحبني  إلى ندوات الفكر والثقافة، وفي بداياتي رأيت معها احترام الكبار للمواهب الجديدة أذكر يوم أن صحبتني إلى منزل الأديب الكبير “رستم كيلاني” فى جاردن سيتي وقابلني بود ولطف شديدين وأهداني  كتابا من مكتبته  مزيناً بكلمة كان لها وقع جميل على نفسي لما تحمله في طياتها من رُقِـيّ واحترام في كيفية التعامل مع المرأة فبالرغم من أنني كنت في هذه المرحلة صحفية صغيرة ولكنه كتب لي: “إلى الأديبة الفاضلة عزة هانم أبو العز مع أصدق تحياتي وتقديري.. رستم كيلاني”. وكان ذلك في إبريل عام 1996م.. خرجت من عنده بصحبتها وأنا مبهورة بكم التواضع من كاتب كبير مثله؛ فرستم كيلاني صاحب تاريخ أدبي ثري في مجال القصة، فَـلَـهُ: (دموع الذكرى 1965- وهكذا التقينا 1966- والجدران الباكية 1968– ورفيق العمر 1970– وقلادة من شوك 1970 – ولا ترقبي عودتي 1972- هى الحياة 1975- وكان لقاء 1978- وزوايا الحياة 1983- وحكايات من حولنا 1987- ومن حياة الحياة 2003م. وهو الأديب الحاصل على كأس القباني للقصة القصيرة عن كتابه (الجدران الباكية) 1968 والحائز على الجائزة الأولى في مسابقة القصة والأسرة من هيئة الاستعلامات عام 1980 والحائز على جائزة الثقافة الجماهيرية فى القصة القصيرة عام 1981م فتعلمت درساً مهماً ومزدوجاً فى هذه المقابلة وأنا معها أن نادية كيلانى الإنسانة لا تقل أهمية عن الكاتبة لأنها صحبتني فى زيارة أديب كبير منعه المرض من الخروج والتواجد فى الفعاليات بشكل منتظم فبادرت هي بالسؤال عنه، أما الدرس الآخر فهو عظمة وتواضع الرجل صاحب التاريخ الأدبي الكبير في الحوار معي.. وهكذا اعتدت أن أرى معها عقولاً تشع بالفكر، وقلوباً محبة، وظرفاء يأخذون من روحها الخفيفة حديثاً  ورد. كانت تقول لي :”اجلسي كي تسمعي قصتي الجديدة وتقص على”  فكنت على الفور أقول لها بعد الانتهاء لو أنا منك لانقطعت عن كل شيء إلا عن الكتابة الأدبية وكعادتها كانت تقابل كلامي بابتسامتها المعهودة، وأحياناً بقفشاتها وروح الدعابة.. وتمر السنون بنا ونذهب معاً لمعرض الكتاب فى دورته ال49 لعام 2018 ونمر على دور النشر كي نطمئن على وجود أعمالها الأدبية المتنوعة ما بين (القصة والرواية والدراسة وكتب الأطفال) أقول لها :”أنا تعبت لنسترح قليلاً” وبالفعل جلسنا على أريكة أمام سراي الاستثمار بالمعرض في التاسعة مساءً وتبادلنا الحوار فأخرجت من حقيبة يدها ديوان طفولة مطر وهذه كانت عادتها لابد لي من نسخة جديدة ممهورة بجميل كلماتها الفياضة حباً وحناناً وإنسانية.. قالت لي : “الأيام مرت يا عزة ولكن أنا أمر بأحلى مراحل العمر أكتب ثم أكتب ثم أكتب ولا أريد غير ذلك” تفحصتها جيداً وخبرت أن أستاذتي ظهرت على ملامحها علامات الزمن وأنني الأخرى مر بي الزمن وكأن شريط الحياة أمامي منذ أن التحقت بالعمل فى الصحافة عام 94 فور تخرجى مباشرة في كلية الأداب جامعة المنصورة، أنا الفتاة القروية التى خدمتها ثقافتها وتفوقها واجتهادها وهدوئها النفسي ثم هذه السيدة المبدعة الجالسة أمامي في ساحة أرض المعارض بمدينة نصر، نظرت إلى إهداء طفولة المطر، اكتشفت أنها مازالت  تنعتني  بصديقتي وابنتي عزة.. كنت أبحث عن كلمة ابنتي لأن إحساسي بها إحساس مختلف منذ أن احتوتنى في بداياتي إحساس بنت بأمها إحساس ممتد رغم طول سنوات البعاد ورغم بعدي عن القاهرة لفترات طويلة في رحلة شقاء على المستوى الإنساني نالت من عمري ونفسي وصحتي وأبعدتني عن الصحافة وعن كل ما أحب كما أبعدتني عن متع الحياة وأبعدتني عنها  أيضاً ولكن ظلت تلك المساحة الإنسانية الخاصة جداً ساكنة قلبينا، على الفور تذكرت أول إهداء منها لي (على روايتها الأولى، “حب لم يعرفه البشر”) وكان فى يوم 29-12-1994 وهو {تلميذتي الغالية عزة.. أتمنى لك أن يكون حظك أحسن من حظي.}    هنا بادرت بالاعتذار لها وقلت لا أعلم لماذا أنا محجمة عن الكتابة عن أدبك أستاذتي رغم تقديري لقلمك منذ أن كنت فتاة صغيرة.. بكل سماحة الأم وخبرة الأديبة قالت: انتظر ما ستفعلينه يا عزة وأعلم أن لديك الكثير مما  تقولينه عنى.. أو منتظرة أن أرحل  عن الحياة ثم تكتبي عنى.. هنا شعرت بمدى تقصيري رددت على الفور أعطاك الله العمر أستاذتي أعلم مدى تأخري ولكن ربما إحساسي الدائم بأنك الأستاذة . فكيف للتلميذة أن تكتب عن الأستاذة ؟! تأملتني بنظرة متفحصة وبذكائها المعهود المخبوء تحت روح من البساطة والدعابة وهى تدرك صدق قولي وكأننا على اتفاق غير معلن بأنني سأكتب وهى ستبوح بما لم تبح به من قبل لأحد وانصرفنا في صحبتنا الودودة المعهودة.. هي لا تمل من روح الدعابة وأنا لا أمل من عفويتها وبساطتها وتبسيطها للأمور كعادتها، ولكن الجديد على أن التلميذة أصبحت أكثر صمتاً وأقل ضحكاً وأعمق فكراً عن ذي قبل . فجر الثلاثاء 27-3-2018 قررت البدء في الكتابة عن سيرة ومسيرة الأديبة نادية كيلاني، وكان السؤال  من أين أبدأ؟ – لم أفكر كثيراً قلت ليس سواه الرجل الذي جمعني حبه بها.. أستاذها المباشر وأستاذي غير المباشر الرجل الذى أعادني لها بعد سنوات من البعد عن الساحة الأدبية لابد أن يكون  حب هذا العملاق الكبير يحيى حقي مدخلي، وكانت قد أصدرت كتابها عنه آخر عام 2004 م ليكون قد مر على مولده 100 عام في يناير 2005م، ثم تقابلنا بعدها بأربع سنوات فى 18-12-2008 نظرت في إهداء “أيام مع يحيى حقي” فوجدت قولها “حبيبتى عزة.. سعادتي بالغة بالعثور عليك مرة أخرى”. انتبهت  .. يا الله مجدداً يجمعنا يحيى حقي

One Response to معها … بصحبة رموز الفكر والأدب ونسائم الزمن الجميل

  1. ثناء شلش رد

    26 فبراير, 2023 at 6:36 م

    ما أروعك وما أروع سردك المشوق وحروفك العذبة .. اشتقنا لقراءة هذا الكتاب الذي أظنه سيكون رائعا كهذه المقالة الباذخة .. دمت ودام الألق والعطاء الراقي

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات