حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الثَّانية | سليمُ البطل

02:12 صباحًا الجمعة 24 مارس 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |حانَ وقتُ الحكايةِ | (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

الجدّة (تنادي سامي): سامي، سمسوم، يا روحَ جدّتِكَ مُهيبة؛ اصعَدْ إلى بيتِكَ وغيّر ثيابَ المدرسةِ ثم انزلْ لتناولِ الغداءِ معي ومعَ جدِّكَ عزيز، فقد أعددْتُ لكَ الدَّجاجَ الذي تحبُّهُ.

الجدّة (على طاولةِ الغداء): هه يا سامي، كيف كانت نصيحةُ “جدّتِكَ” لصديقِكَ نادر؟

الجدّ (يعترض): تقصدين حكايةَ جدِّكَ؟ 

الجدة (تتحداه): ما فائدة الحكاية بدون النّصيحة؟

الجد (متنهدًا): لا فائدةَ لها!

الجدة: الفائدة في الزُّبدةِ.

الجد: نعم، فمَن يمخُضُ الحليبَ- أقصد الحكايةَ- ويخضُّه بعنفٍ حتى تطفو على سطحِهِ كُتَلُ الزّبدةِ الغنية بالفيتامين (أ) و(د) سوى تيتا مُهيبة العظيمة؟

الجدة (تتنحنح بفخر): لا أحدَ!

الجد (بدهشة): لا أحد؟

الجدة (تقرأ في سؤاله تحديًا مبطنًا): أتشكُّ؟

الجد (مدَّعيًا البراءة): أنا؟ بالعكس!

سامي (يخاطبهما): على فكرة، لقد أخبرتُه الحكايةَ والزُّبدَةَ…

الجدّ والجدّة يسألانه معًا بلهفة: واقتنعَ؟

سامي (بأسف): بل أصرَّ على تركِ المدرسةِ بحثًا عن مدرسةٍ أخرى يُقَدَّر فيها، وتُفَجَّرُ فيها مواهبُهُ، حتى إنه قد أمهلَنا سنواتٍ لا يتجاوز عددُها عددَ أصابعِ اليدِ لنسمعَ صيتَهُ يملأ الآفاقَ، فتنافس شهرتُهُ شهرةَ شارلي شابلن شخصيًّا.

الجدّ والجدّة (يأسفان): لا!

سامي (باستسلام): بلى!

سامي (يتابع سامي الموضوع): على كل حالٍ، ما أجملَ نادر أمامَ سليم.

الجدّ والجدّة (يهتمان): سليم؟

الجدّ (يسأل باهتمام): وما قصةُ سليم؟

سامي: سليم يعتقدُ أنه بطلُ الأبطالِ، فقد أمسكَ  بكلِّ اللُّصوصِ في بيروتَ والمناطقِ المجاورة القريبةِ والبعيدةِ، وأنقذَ كلَّ الموشكينَ على الوقوعِ في حبائلِهم، وبفضلِهِ عمَّ الأمنُ والسّلامُ!

الجدّ (يضحك بينما الجدّة تشهق مستغربة): جميلٌ جدًّا!

سامي (متذمرًا): جميلٌ إذا سمعْتَ يا جدي حكايةً من بطولاتِهِ، أما أنْ تسمعَ عشراتِ الحكاياتِ كلَّ يومٍ؛ فهذا مزعجٌ جدًّا! 

الجدّة (بجد): طبعًا مزعجٌ، وقد ذكرَني سليم هذا بحكايةِ النَّملةِ المدَّعيةِ.

الجدة (تتابع متحدية زوجَها): اليوم دوري في قصِّ الحكايةِ، فقد سبقَ وقصصْتَ حكايتَكَ لنادر، (وتتنهد وتتابع): ولم يستفِدْ منها!

الجد (متحديًا): لم يستفدْ منها، أو أن الزُّبدةَ كانتْ مغشوشةً؟

الجدة: إن كانَت مغشوشةً، فلأنها ارتجَنَتْ بالحليبِ.

الجد: ارتَجَنَتْ؟

الجدة (بتحدٍّ): لا تقل لي إنك لا تعرفُ معنى الكلمةَ؟

الجد (بارتباك): هه؟ أتعتقدين أن كلمةَ ارتجَنَتْ لم تمرَّ عليَّ عشرات المراتِ، بل مئاتِ المراتِ؟

سامي: ارتجَنَتْ؟ لم أسمعْ بها من قبلُ.

الجد: هاتِ هاتفي يا سامي!

الجدة (تخاطب حفيدَها): لا تعطِهِ الهاتفَ يا سامي، فهو يريد الاستنجادَ بالمُعجمِ الموجودِ فيه.

الجد (مستنكرًا): الاسْتنجاد؟ أنا؟ أَلي يقال هذا الكلامُ، أنا حفيدُ أعظمِ لغويي العربِ؟

الجدة: لمَ الهاتف إذن؟

الجد: كي أتأكد من موعدِ قبضِ معاشي التَّقاعدي.

الجدة: حسنًا، نقبض معاشاتنا التَّقاعدية معًا بعد يومين اثنين.

الجد (مستسلمًا): طيبْ، شكرًا لمعلوماتِكِ، وكلي شوقٌ إلى سماعِ حكايتِكِ.

الجد (مخاطبًا نفسه): ارتجَنَتْ؟ أرجو ألا تكون شتيمةً!

الجدّ وسامي معًا (بحماس): احكيها لنا!

(ب)

الجدّة (تأخذ نفسًا ثم تحكي): في سالفِ الأزمانِ، يا سادةْ يا كرامْ….نحكي أو ننامْ؟

سامي والجدّ (يضحكان): نحكي!

الجدّة (ضاحكة): حسَنًا! عاشَتْ- في قريةٍ صغيرةٍ- نَمْلَةٌ يُقال إنها كانَتْ قويةً إلى درجةٍ كانتْ تَقْوى فيها  على  رَفْعِ حبَّتَيْنِ كبيرَتَيْنِ منَ الشَّعيرِ عنِ الأرَضِ.

سامي (يعلق): كما يقوى سليمٌ على الإمساكِ بِلِصَّيْنِ معًا، ويضربهما، بل يقفز عليهما حتى يسمعَ رجالُ الشّرطةِ صراخهما.

الجدّة (تستنكر المقارنة): لا، لا يا سامي، فهي كانت صادقةً ونالَت- عن جدارةٍ- شُهرةً  ذائِعةً  في الشَّجاعةِ، حتى إِنَّها إذا ما التقَتْ بِدودَةٍ هجَمَتْ عليها وصَرَعَتْها ومَزَّقَتْها تَمْزيقًا، وقد قِيلَ:  إنها كانَتْ لا تَخْشى بَأْسَ العَنْكَبوتِ.

الجدّ (معجَبًا بها): آه! إنها بطلةٌ حقيقيةٌ!

الجدّة (بحماس): نعم! لذا كانتْ تَزْهو بما يُغْدَقُ عليها مِنْ عِباراتِ الْمَدْحِ، حتى اختالَتْ، وَكأنها تَقُولُ  للأرضِ: “اشتدّي، فما عليكِ قَدِّي”!

سامي وجده معًا: ثم؟

الجدّة (تتابع): ثم قررتِ السَّفَرَ إلى المدينةِ؛ لتكسِبَ فيها شُهْرةً جديدَةً، فهَرْوَلَتْ إلى قِمَّةِ حُزْمَةٍ مِنَ التِّبْنِ، كانتْ مَوْضوعَةً بجانبِ سائقِ المَرْكَبَةِ الذَّاهبةِ إلى المدينةِ، وجلسَتْ فوقَها مُعْتقدةً أنها ستدخلُها دخُولَ الفاتحِ الْعَظيمِ.

الجدّ (ضاحكًا): تريدُ شهرةً “مدينيةً” أوسعَ من شهرةِ القريةِ.

سامي: طَموحةٌ.

الجدّة (تكمل): ولكنْ… حدثَ ما لم تتوقعْهُ، فلم يهرعْ أحدٌ لرؤيةِ ما كانتْ تقومُ بهِ على قمةِ التّبْنِ من حركاتٍ بهلوانيةٍ، بل لم يلتفتْ إليه أحدٌ أبدًا.  

الجدّ (بأسف): أوه!لم تكسبْ شهرةً جديدةً.

سامي (بأسف): لم!

الجدّة: اسمعا بقية الحكايةِ (تتابع):  وأَخيرًا  يا سادةْ يا كرامْ، نظرَتْ إلى الكلبِ الرَّاقِدِ بِجانِبِ مَرْكَبَةِ سَيِّدِهِ، وخاطَبَتْهُ قائِلَةً: ألا ترى أنّ سكّانَ هذه المدينةِ مجرَّدونَ من الفهمِ والإحساسِ، إذ لم ينتبهوا إلى النَّملةِ العظيمةِ المشهورةِ التي زارَتْهم؟

الجدّ وسامي (معًا يسألان): وماذا أجابَ الكلبُ؟

الجدّة: انتظرَتْ جوابَ الكلبِ، لكنَّ انتظارَها طالَ وطالَ وطالَ، فما كانَ منها إلا أنْ…

الجدّ وسامي معًا (بلهفة): أنْ؟

الجدّة: أدارَتْ له وللمَدينَةِ ظَهْرَها، واتَّجَهَتْ نحو قريَتِها.

(ت)

سامي: أتَرى أنها اقتنعَتْ بشهرتِها القديمةِ يا جدو عزيز؟

الجدّ: وهل كانَ لها ألا تقتنعَ؟

الجدّة: إذا لم يكنْ ما تريدُ، فأرِدْ ما يكونُ؛ هذا ما يقوله المثلُ.

الجدّ: يعني… وهذه المرةُ؛ اسمحا لي أن أستخلصَ الزُّبدَة.

الجدّة وسامي: تفضلْ.

الجدّ: لو حظيَ سليمٌ بجمهورٍ كجمهورِ المدينةِ، لما عرضَ بطولاتِهِ كلَّ  يومٍ؛ لذا…

سامي (يستخلص): نعم يا جدي، نعم!

الجدّة: فهمْتَ يا روحَ جدتِكَ؟

سامي: تجاهُلُ حكاياتِ البطولةِ يعيدُ سليمًا إلى حجمِهِ الطّبيعيّ.

الجدّ: زبدةُ الحكايةِ!

الجدّة: أخبرِ الحكايةَ والزُّبدَة لجمهورِ سليم.

الجدّ: وليسَ لسليمٍ!

سامي: غدًا.

الجدّ (ضاحكًا): هذا إذا لم يعترضْ “جمهورُ سليم” على زُبدةِ الحكايةِ والحكايةِ كما حصلَ مع صديقِكَ نادر من قبلُ؛ فعندَها…

سامي (ضاحكًا): تعمُّ أخبارُ بطولاتِ سليمٍ العالمَ لا المدرسةَ.

الجدّة (تتنحنح): ناولني يا سامي بعضَ سُكَّرِ النّباتِ، فقد تعبَتْ حبالي الصَّوتيةُ، ولكن لا بأسَ، فلتتعبْ ما دمتُ قد ساهمْتُ في حلِّ مشكلةِ سليمٍ.

الجد (ضاحكًا): بل لقد حلَلْتِها.

الجدّة (صوت نهوضِها عن الكرسي حردة): لن أحكيَ لكَ حكايةً بعدَ اليومِ…

الجدّ يضحك: لي؟ أكنتِ تحكينَ لي الحكايةَ إذن؟

الجدّة (حردة): بل لسامي…

سامي: أصلًا، يا جدي، سليم صديقي وليس صديقَكَ.

الجدّ (ضاحكًا): آه! نسيتُ… كنت أعتقدُ أنه صديقي…

الجدّة (تعلق الباب وتخرج): ممنوعٌ عليكَ أيها الجدّ حضورَ جلسةِ الحكايةِ في المراتِ القادمةِ!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات