حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ الثَّالثة | الجَرْوُ يتحدَّى فيلًا

12:11 مساءً الجمعة 24 مارس 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |حانَ وقتُ الحكايةِ | (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

سامي (ينادي جده وهو يصعدُ الدّرجَ إلى بيتِه): جدو عزيز، تيتا مُهيبة، سأتناولُ غدائي ثم أنزلُ لأخبرَكُما عمَّا حدثَ مع سليمٍ “بطلِ الأبطالِ” اليومَ.

الجدّة (تناديه): أنتظرُكَ يا روحَ جدَّتِكَ.

سامي: نصفُ ساعةٍ وأكونُ عندَكما.

الجدّ: لا تتأخرْ!

سامي: نصفُ ساعةٍ فقط!

(ب)

(دخول سامي إلى بيت جديه وهما ينتظرانِهِ بفارغِ الصّبرِ)

الجدّة (تسأله بلهفةٍ): أخبرتَ جمهورَ سليمٍ “بطلِ الأبطالِ” حكايةَ النّملةِ؟

الجدّ (يسأله بلهفة أيضًا): أخبرتَ الجمهورَ الزُّبدَة؟

سامي (يطمئنهما): أخبرتُ الجمهورَ الحكايةَ والزُّبدَة، و… (يتوقف عن الكلام)

الجدّ (يسأل بلهفة): وحصلَ ما حصلَ مع نادر؟

الجدّة (تستبق الجواب وتقول بشبه حرد): إنْ كانَ حصلَ ما حصلَ مع نادر، فلا فائدةَ من أيةِ حكايةٍ تُحْكى بعدَ اليومِ.

سامي: سأخبرُكُما بما حدثَ.

الجدّ والجدّة (يصغيان باهتمام): تفضلْ!

سامي (بحماس): وافقَ الجمهورُ على تجاهلِ أخبارِ بطولاتِ سليم،  لكنَّ فتًى وحيدًا اسمُه (وحيدٌ)، رفضَ اعتبارَ أخبارِ سليمٍ مُضخَّمةً، بل كانَ يثقُ أنها أخبارٌ حقيقيةٌ، فلحقَ بهِ يصغي ويصغي ويصغي بفرحٍ ما بعدَهُ فرحٌ.

الجدّ والجدّة معًا (بأسف ودهشة): معقولٌ يا سامي؟

الجدّ (معلقًا): آهِ يا وحيدَ عصرِهِ وزمانِهِ!

سامي: والغريب أنَّ سليمًا  كانَ سعيدًا بوجود وحيدٍ أيضًا، حتى لو كانَ وحيدًا، ولم يهتمَّ كثيرًا لانفضاضِ بقيةِ الجمهورِ من حولِه!

الجدّ (يحلل): لا غرابةَ في الأمرِ يا حفيديَ، فهؤلاءِ الذين يضخّمونَ الأمورَ ويتحدثونَ عن بطولاتِهم لا يقتنعونَ بسهولةٍ أن جمهورَهَم هربَ، بل يُوهمونَ الآخرينَ أنه ما زالَ لديهِم مَن يُصغي إليهمْ؛ لذا يتمسكونَ بهِ حتى لو كانَ وحيدًا مثلَ وحيدٍ.

الجدّة (محللة): بل تعلو أصواتُهم أكثرَ فأكثرَ في تحدٍّ!

الجدّ (يخاطب زوجتَه): سلمَ فمُكِ يا تيتا مُهيبة، ليقولوا: نحنُ هنا… تمامًا كما حصلَ في حكايةِ ذلكَ  الجروِ الذي تحدّى فيلًا!

سامي (بدهشة واستغراب): ماذا؟ أيتحدَّى الجروُ فيلًا؟

الجدّة (بثقة): إنْ علا نباحُهُ.

سامي (ضاحكًا): آهِ يا جدتي، تعرفينَ الحكايةَ التي سيحكيها جدّي إذنْ؟

الجدّة (باستنكار): أنا؟

الجدّ: لا تعرفُها جدتُكَ يا سامي، ولكن، بحدْسِها القويِّ تتنبأُ.

الجدّة  (بفخر): حدْسي قويٌّ جدًّا!

سامي (يداعبها): آه يا تيتا مووووهيبة يا روحَ حفيدِكِ أنتِ.

الجدّة: يا حبيبي يا سامي يا سمسومةَ قلبِ جدّتِكَ أنتَ.

الجدّ (يروي الحكاية): كان يا ما كانْ في قديمِ الزّمانْ… نحكي أو ننامْ؟

سامي وجدته (معًا بحماس): نحكي!

(ت)

الجدّ (يروي): كانَ الفَيّالُ يقودُ فيلًا هائِلًا في أكبرِ طرقِ المدينةِ، فرآهُ جَرْوٌ صغيرٌ، فطَفِقَ ينبَحُ حولَ الفيلِ ويَثِبُ نحوه وكأنَّه يهاجمُه ويستثيرُهُ لمُنازلتِه ومُصارعتِه.

سامي (يسأل جده باستغراب): أحقًّا يرغبُ الجروُ في مصارعةِ الفيلِ؟

الجدّة (تتابع): سؤالُكَ في محلِّهِ يا روحَ جدتِكَ.

الجدّ (يوافق الجدّة ويخاطب سامي): صحيحٌ تعليقُ جدتِكَ، والدَّليلُ أنَّ الفيّالَ نظرَ إلى الجروِ بدهشةٍ، وانتهرَه في سخريةٍ، وهو يقولُ له:

– أحقًّا ترغبُ، يا ضئيلُ، في مصارعةِ هذا الفيلِ؟

الجدّة (تضحك): أعجبتني مناداةُ الفيّالِ الجروَ بـ (يا ضئيلُ).

سامي (معلقًا): وأنا أعجبتني…

الجدّ (يتابع حكايته): وتابعَ الفيّالُ قائلًا للجروِ الضّئيلِ:

  • فإذا كانَ الأمرُ كذلكَ، فثِقْ أن صوتَكَ سيُبَحُّ قبل أن يرمُقَكَ بنظرةٍ، أو يعيرَكَ أقلَّ اهتمامٍ، ونصيحتي لكَ هي: أن ترحمَ نفسَكَ وتريحَ حنجرتَك، وتذهبَ في حالِ سبيلِك.

فقالَ الجروُ الخبيثُ:

  • هوِّنْ عليكَ يا صاحِ، لأني مُتيقِّنٌ من صدقِ ما تقولُ، ولولا هذا اليقينُ لما اجترأْتُ على مهاجمةِ فيلِكَ الجبّارِ بما يجعلُ كلَّ منْ يعلمُ بها يَعجَبُ لشجاعتي ويقولُ: “انظرْ إلى هذا الجَرْوِ الجريءِ! حقًّا إنه بطلٌ صِنديدٌ [أي شجاعٌ]، وداهيةٌ، وإلا ما أقدمَ على تحدّي هذا الفيلِ”.

سامي: يا إلهي!

الجدّة: يا له من جوابٍ خبيثٍ!

سامي: من هنا جاءَ وصفُ الحكايةِ الجروَ بالخبثِ.

الجدّ: أرأيتُما أنه أيضًا يسعى إلى الشّهرةِ؟

سامي: وواثقٌ أنه سينالُها.

الجدّة: وبطريقةٍ آمنةٍ.

الجدّ: ويصبحُ اسمُهُ: بطلٌ صِنديدٌ، وداهيةٌ!

سامي: جدي، أتعتقدُ أنَّ تحدّي أيِّ قويٍّ يوصِلُ إلى لقبِ “بطلٍ صِنديدٍ”، و”داهيةٍ”؟

الجدّ: أعتقدُ أن الأمرَ فيه مخاطرةٌ.

الجدّة: طبعًا فيه مخاطرة، فإنْ غضبَ القويُّ من نباحِ الضّئيلِ، فالأمرُ خطيرٌ.

الجدّ: واللَّقبُ ينقلبُ إلى ضدِّهِ.

سامي: أعتقدُ أن على المرءِ ألا يتحدى الأقوى في سبيلِ شهرةٍ زائفةٍ.

الجدّة: أحسنتَ يا سامي يا روحَ جدتِكَ. أرأيتَ ما أجملَ هذه الحكاية التي رويتُها؟

الجدّ (مستنكرًا): أنتِ رويتِها؟

الجدّة: أنا تنبأتُ بها، ولو لم أتنبأْ، لما رويتَها…

الجدّ: كأنكِ تتوقينَ إلى الشّهرةِ؟

الجدّة (بحرد): أنا؟

تتوجه بالحديث إلى سامي: أسمعْتَ ما قالَ جدكَ؟ أصلًا معروفٌ عندَ الجميعِ أنني أنا صاحبةُ الحكاياتِ الجميلةِ والمفيدةِ.

الجدة (تغادر المكان وهي غاضبة): ما كلُّ مَن روى حكايةَ جروٍ صارَ راويةً!

الجدّ (يضحك): اذهبْ ونادِ جدَّتَكَ إذ يبدو أنها…

سامي (يضحك): سأناديها!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات