التجربة الذاتية والرؤى الكونية

01:17 صباحًا السبت 25 مارس 2023
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قراءة في كتاب ( سر مصر .. قضية رد شرف ) للكاتب محمد جاد هزاع – رقم 3 –

بقلم : عزة أبو العز

لقد وفق الكاتب محمد جاد هزاع في بداية عرضه لكتاب ” سر مصر” سواء علي مستوى نصه الشعري أو على مستوى النص السردي التالي فهو في كليهما ينطلق من واقع تجربة ذاتية إلى رؤى كونية ، فمن خلال تشريح هذه المعزوفة الإبداعية” سر مصر”  التى نبعت من تجربة ذاتية لمبدع أجاد العزف على صدق التجربة فتفتحت له  ولنا أفاقاً رحبة خرجت بإبداعه وتجربته من حدود الذاتي إلى أفاق الكونى لأن همه العام وقضيته الرئيسة تجلت فى بحثه الدائم عن ثلاثية العلاقة بين ( الله – الكون – الإنسان ) فحقق معادلة أبعد من عالمية الأدب ربما إلى مستوى ومصطلح أكبر وهو كونية الأدب .

الناقدة عزة أبو العز مع المؤلف محمد هزاع

ظل محمد هزاع مهمومًا في إبداعه السابق ب ( الله – الكون – الإنسان ) وتجلياتهم ،  وها هو في سر مصر يبدأ كتا به البحثي بالتاكيد على ما همه وشغل عقله وقلبه لسنوات عديدة من عمرة ، فنجده يبدأ بنص معنون بعودة زرقاء اليمامة ، وفي العنوان دلالة ورمزية كبرى لما لزرقاء اليمامة من إرث تراثي في أدبنا العربي ، وكأنه يدق ناقوس الخطر منذ البداية بهذا العنوان ونصه الجامع لمجريات الأمور داخل الكتاب ، وقد رأيت في هذا النص مفتتح ذكي لما يود طرحه من قضايا ، فهي تحذر وتحذر ويتهما المتعالمون بالنفاق للزعيم تارة، وبالتخويف لتكمم الأفواه تارة أخرى .

 // قال المتثاقفون : لعلك تنافقين الزعيم ، أيتها الفاجرة //

//قالوا : تخوفوننا بالحرب ،لتكمموا ، بالخوف ، أفواهنا .// ( ص16)

وتتوالى الحوارية النصية بين تحذير زرقاء اليمامة من مخاوف الشر القادم في صورته الحديثة وبين أبناء الجهالة والعمالة ، بكل جدالهم ، فما كان منها إلا تذكيرهم بما حدث في الماضي ، حيث قالت : فانتظروا إذن حتفكم ، ككل الذين قالوا قولكم ، // قالوا : الدجال والشيطان وهم ، فلكم دينكم ولنا ديننا // قالت : تذكروا هابيل ، وقابيل ، وموسى ، والسامري ، // وابن الصياد ، وابن سلول ، والخوارج ، وبقية المحن .//

ويحتد النقاش بين زرقاء اليمامة الحديثة وبين من لا يصدقونها حتى تصل للقول الفصل في ( ص 20) معلنة أن من يعرفون سر القضية ، فسيقاتلونهم ، ويقاتلونكم . فإما النصر أو الشهادة .

  • ومثلما بدأ نصوصه بنص عودة زرقاء اليمامة الذى لخص كثيرا من القضايا بين المتخاذلين المعالمين وبين كل من ينذرهم في صورة زرقاء اليمامة الحديثة ، ينتقل بنا لسيرة الراوي العليم ، وهي طريقته المعتادة ولا سيما في كتابه السابق ” وجودك ذنب ” فالراوي العليم  عادة ما يحمل سمات شخصية الكاتب نفسه في الواقع ، يحدثنا عن اهتمامه وإنشغاله الدائم بثلاثيته ( الله – الكون – الإنسان ) وتجلياتهم ، منوهاً أن هؤلاء الثلاثة هم جل اهتمامه وتفكيره .
  • وفجأة يدخلك معه إلى الحدث الأهم ” كوفيد 19″ لتشعر أنك لست ببعيد عن العصر فمنذ دقائق بسيطة كان شاغلك بتحذيرات عودة زرقاء اليمامة خوفاً على الوطن  والآن هو معك ومصاحبك في هم كوني آخر هز العالم كله بتداعياته المؤلمة ، وهكذا هو محمد هزاع كما عهدته ينتقل بك من الذاتي إلى الوطني إلى الكوني بسرعة ربط غريبة لا نجدها إلا عند هؤلاء القلة من الكتاب ممن لديهم تلك الرؤية الكلية  لذواتهم ولما حولهم من أمور وأحداث .
  • ففي لمحة من لمحات ربط الذاتي بالكوني في ( ص 27) يقول لك الراوي العليم أنه قام ليذكر الله في خلوته مردداً دعاء سيدنا يونس عليه السلام ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” الأنبياء 87 ، أيقن أن هذا الوباء أمر خطير كالتقام الحوت لنبي الله ، وأن الله سيلطف بخلفائه في نهاية الأمر ، كما لطف به عليه السلام .
  • ملمح آخر من ملامح ارتباط العام بالخاص يتمثل في لقاء الشيخ حب الله بالراوي العليم ، ومن قرأ أعمال محمد جاد هزاع السابقة يدرك أن للرجل على مستوي الحال مجموعة من الحوارات الروحية الكاشفة بينه وبين أشياخه ، وهنا ( ص 31) يذكره شيخه حب الله بمقولته أن عام 2013م هو عام بداية انكشاف حقيقة أصحاب الدين المبدل ، ويؤكد عليه مجدداً أن عام 2020 هو بداية عام (افتضاح) أمر أتباع الدين النقيض ، وما كورونا إلا جندي من جنود الله وكل بهذا الأمر !!
  • يطبق الراوي العليم نظرته الخاصة ورصده لمواقف الدول العظمى من كوفيد 19 ونظرة وطريقة الدول النامية ومنها مصر في كيفية التعامل مع خطر هذا الوباء ،ويربط بين النظرتين وبين مفهوم الحضارة بشكل عام ، فقد أدرك أن كوزونا فضح أكذوبة الغرب اللاإنساني ، أدرك أن كورونا فضح ديمقرايطتهم ، ورأسماليتهم ، وليبراليتهم ، وأنها محض رايات كاذبة .
  • كما أدرك أن أرض الكنانة هي فعلاً وحقاً خزائن الأرض وأن مهمتها هي الحفاظ على إنسانية الإنسان .

وكما عنونت هذا الجزء من الدراسة ” التجربة الذاتية والرؤى الكونية ” ها هو الكاتب أو الراوي العليم يبدأ معنا ويشركنا على بداية الرحلة مع كشف سر مصر في ( ص43) ببدء قراءته لمخطوط ” سر مصر الذى لا يعرفون ” من بداية رحلة ذاتية مع مخطوط متوارث من الأب والجد لجد الجد ، ليحدثنا عن الوطن الذى علم العالم العلوم ،العلوم التي هى ميزة الإنسان الخليفة في كل زمان ومكان ، عن غيره من المخلوقات .

ثم يسرد في نص ” الوطن ميثاق غليظ ” ( ص45 – 52 ) صفات الوطن في الدين المنزل ، كتمهيد لرسائل  مخطوط سر مصر في الصفحات التالية .

لتبدأ أداة الربط بين الخاص والعام ، فالخاص هو هذا الإرث المبارك عن الأجداد ، والعام هو لمن تبدأ ملكية هذا المخطوط المتوارث ، وهي الترجمة الأولي بالعربية لمقولات ” النتر” المصري القديم ، ” توت ” العظيم، وكان المصريون القدماء يسمونها ( مدو نتر ) وأطلق عليها اليونانيون مصطلح ( الهيروغليفية ) ، ويستمر الراوي في سرد عرض مخطوطه المقدس على الحبشي والعثمانلي والفارسي والصهيوني ، كماورد في السرد وتزداد قيمته المادية ولكن الأب يوصيه بعدم التفريط قبل موته ، وقد رأيت في هذا المدخل ذكاء الراوي ، فسواء القصة حقيقة أو مدخل تخيلي ليقص علينا سر مصر الذى لا يعرفون ، فهو مدخل منطقي في السرد .

  • يعود بنا لربط الخاص بالعام في ذكر اسم بلدته الأصيلة ، ” طحانوب” أرض الذهب أو وادي الذهب ، والتي تحمل اسمًا مصريًا خالصًا للنتر “نوب” .
  • كما يعود بنا من حواراته مع بتاح حتب عن مكانة مصر قديماً وتعظيمها للحضارات الحقيقية إلى العصر الحديث وتطاول البعض على مصر (ص 85) حيث يشير لنائبة الدولة الوليدة والتي بفضل مصروجيشها الذي تدخل لإنقاذها لربما مسحت من على الخريطة الدولية ، ويشير إلى صبيان الماسونية العالمية الذين يهاجمونها من منافيهم ، ولا ينسى رصد ما كتبه المدعو” نيوتن “الذي أصبح معروفاً للجميع من هو ، ومطالبته المغرضة بتعيين حاكم مستقل لسيناء ، يكون له الحكم المطلق في إدارة 61 ألف كيلو مترا من أرض مصر ، وهو نفس مشروع ( إقليم سيناء ) الذي طفا على السطح أيام حكم الإخوان ، ويختم الراوي العليم أحكامه في ( ص 87) بحقيقة دامغة مفادها أن مصر كانت ولاتزال وستظل تمر بحروب بحكم دورها وموقعها بين الأمم ولكن تظل حرب الوعي والهوية أخطر حروبها .
  • في نقلة نوعية أخرى ينقلنا من حضرته مع العظيم توت  ( ص 168) ويتجول بنا حول موضوع الهكسوس وانتشار الأنبياء والرسل من عهد أتوم أو آدم ،  ليثبت لنا كم من الحقائق جاء على لسان توت المعظم وهى : أن آدم وحواء هبطا إلى أرض اليمن ،ومنها انتشر أبناءآدم في بقاع الأرض ،وأن شيث استقر في وادي النيل ، وأنه رغم تفرق أبناء آدم في أصقاع الأرض ولكنهم  ظلوا موحدين لله عدة قرون .

ولكن السؤال الذى طرح نفسه ، كيف وصل قابيل وأبنائه إلى أمريكا كما جاء على لسان توت ؟

وهل أراد الكاتب بذلك سحب حجم الشر على أمريكا العصر؟

  • وفي لفتة حوارية تنقلنا من العام إلى الخاص مرة أخرى يقرر توت أن أول نبي بعد آدم هو شيث وعاش ومات في مصر وأول رسول بعد آدم هو إدريس وقد ولد  وتربى وعاش ومات في مصر أيضا .
  • ثم تكشف لنا تلك التجربة الذاتية ما بين الراوي العليم والمعظم توت عن حقيقة كونية مهمة وردت على لسان توت وهى ” للسموات أبواب للعروج أهمها وأقدسها ثلاثة ، البيت الحرام ، بيت المقدس ، والوادي المقدس طوى ”
  • وبحرفيته المعهودة يعود بنا من حوارات التجربة الذاتية مع توت وحب الله إلى الأحداث المعاصرة على المستوى المحلي و الإقليمي ، فها هو يتحدث عن حادثة بئر العبد يوم 30 مايو 2020  ،حيث قام الإرهابيون بتفجير سيارة عسكرية ، كانت توزع الطعام على الضباط والجنود في بئر العبد بشمال سيناء وأرجأ ذلك إلى أنه ربما رد على مسلسل الاختيار ، وربما رد على إعلان المشير حفتر بتفويض شعبي شبيه بما حدث في مصر مع السيسي ، وربما رد على ما أفتتحه السيسي من مشروعات تكلفت 600 مليار جنيه مصري في سيناء ، ويرصد رد الجيش المصري على تلك العملية بدقة وبأرقام ، مما يعطي الكتاب صفة توثيقية دقيقة ، ( ص 198) . ولا ينسى التعريج على وصف الوضع التركي الداخلي المتأزم للرئيس التركي الغارق في أوهام الإمبراطورية العثمانية الجديدة حسب وصف الكاتب في الصفحة سابقة الذكر .
  • حروب حول الهوية المصرية :

يدور حوار مهم وكاشف بين الراوي العليم وبين حب الله أو ” بتاح حتب ” ( ص 89) يوضح الحروب التي تعرضت لها مصر على مر تاريخها ، وكان الهدف من هذه الحروب هو ( استهداف العقل الجمعي المصري ، القلب الجمعي المصري ) من أجل الهدف الأكبر للشيطان وهوقتل ( الروح الجمعي المصري ) الذي يمثل التجلي الأقدم والاعظم والأصح والأشمل للإله الحق .)

  • ذكر في حوار توت مع حب الله والراوي العليم ( ص 194 ) أنه من أحبار اليهود القدامى
  • نلاحظ هنا تعامل حب الله ” بتاح حتب” مع مصر الوطن بحضراتها الثلاثة ( العقل والقلب والروح) إذن مصربين الأمم كالإنسان في أعلى حضراته .
  • ويدلل على احتفاظها بحضراتها الثلاثة الجمعية ( احتلال كل من الهكسوس والفرس والإغريق والرومان لها ولكنها ظلت محتفظة بشخصيتها أو بالأحرى بحضراتها الجمعية ، حتى عند دخول الفتح الإسلامي لها تقبله أهلها بترحاب ، ولكنه اكتسى فيها بطابع وادي النيل ، واكتست العربية فيها بالطابع المصري ، كما تميز الدين بالتسامح وقبول الآخر وعدم التدخل في شأنه والتعامل معه كصاحب بلد ، وظلت مصر مصرية بالرغم من تعاقب الحقب التاريخية عليها ، ولقد احتلها الفرنسيون والإنجليز لفترات طويلة ومع ذلك ظلت بعقلها وقلبها الجمعي وروحها الكلية ، .
  • ويقر الراوي العليم أن تاريخ مصر ممتد إلى أكثر من 6000 قبل الميلاد ،  وهذا ما جعل الكاتب أو الراوي العليم  يطالب بأن يتم تدريس العلوم المصرية فلدينا تاريخ 8000 سنة ، فلماذا لا يدرس أبنائنا متون الأهرام ومتون التوابيت ، وكتاب الخروج إلى النهار المعروف بكتاب الموتى ، الذي تتحدث نصوصه عن حياة ” الكا والبا ” والاخ الخ في عالم ما بعد الموت ؟ يطالب بذلك أسوة بديوان المتنبي وغيره من الشعراء العرب القدامى .
  • ويتسائل : لماذا لا يدرسون الشاعر بحيري ، وأيبور ، والأديب بابيروس ، والأديب شيشونق؟، ولماذا لا يدرسون وصايا ( الملك خيتي) و(الحكيم كامنجي) و ( الحكيم بتاح حتب) ؟ لماذا لا يدرسون تعاليم ( توت) وحوليات ( تحتمس) ؟
  • ويجيب على عدم تفعيل ذلك للتشويه الذي حدث للتاريخ المصري القديم ووصم الأمة المصرية بكونها أمة كافرة وثنية لمجرد حكمها فرعون الذي قال ( انا ربكم الأعلى) .
  • في سؤال عن لماذا نجحوا في طمس الوعي المصري ومسخ الهوية المصرية ؟ يجيب الراوي بنفسه ولا ينتظر رأي حب الله أو بتاح حتب ، بل يؤكد أن هذا النجاح حدث لأنهم دخلوا للمصريين من مدخل الدين ، الذي يعد العمود الفقري للشخصية المصرية السوية ، مستغلين ضعف الوعي المصري واهتزاز مفهوم الهوية المصرية في فترة تاريخية عصيبة ، صوروا لهم أن كل أجدادهم كانوا كافرين وثنيين وأن دين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كان دين نقيض عن دينهم ، بينما الحقيقة أن الدين عند الله الإسلام ، ( وما كنا معذبين حتي نبعث رسولاً ) الاسراء 15
  • ذكر في حوار توت مع حب الله والراوي العليم ( ص 194 ) أنه من أحبار اليهود القدامى والمحدثين ، أنهم يتداولون فيما بينهم أن تابوت العهد مدفون في مكان ما في مصر ، وفيه نسخة التوراة الأصلية ، المكتوبة بالمدو نتر ، وأن ظهورهذا التابوت وتلك النسخة فيه نهاية إسرائيل ، وهذا سبب مباشر للاهتمام بكل مايجرى في مصر ، ولذلك يزورون التاريخ واللغة ، ويحاربون بل ويقتلون لو استطاعوا كل من يعمل لتصحيح التاريخ المصري .  
  • في حواره المهم حول محن مصر التي تتحول إلى منح ، ذكر حب الله في حواره للراوي العليم ( ص210 )  على أنه من أهم أسرار مصر الذي لا يعرفون ، هو قدرتها على تجديد الحياة ، فتعيد للعالم كله رشده وتوازنه وحيويته ، من خلال النتر حور.

وللحديث بقية إن شاء الله .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات