حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ التَّاسعةُ | السَّيارةُ والجمَلُ

11:13 صباحًا الجمعة 31 مارس 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |حانَ وقتُ الحكايةِ | ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)


سامي (ينادي من الدَّرج): تيتا مُهيبة، جدو عزيز، جدو عزيز، تيتا مُهيبة، أنتما في البيتِ؟

الجدّ (يفتح الباب): نعم يا سامي، في البيتِ!

الجدّة تتجه نحو زوجها (صوت حذائها سريع): نعم! أكيد في البيتِ. انزلْ! انزلْ!

سامي (صوت حذائهِ ثم صوت سحب كرسي): مرحبًا!

الجدّ والجدّة (يضحكان): وَجَدْتَ أهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا، لا وَعْرًا!

الجدّة: في فمكَ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ- واللهُ أعلمُ- كلامٌ لا يؤَجَّلُ.

سامي (حانقًا): اليومَ جئتُكما بأخبارِ زميلتِنا في الصَّفِ (سلامْ).

الجدّ (ممازحًا): يا سلامْ على سلامْ!

سامي: تعتقدُ زميلتُنا في الصّفِّ (سلام) أن سيارةَ والدِها هي أفضلُ سيارةٍ في العالمِ.

الجدّة (بعد تفكير): قد تكونُ!

سامي: حسنًا، فإنْ كانَتْ، يكفي أن تتكلمَ عنها مرةً، مرتينِ، ثلاثَ مرّاتٍ… ولكنْ (سلام) لا تكفُّ عن التّحدثِ عنها.

الجدّ: قد تكونُ معجبةً بها لأنها جديدةٌ؟

سامي (يضحك): جديدةٌ؟ عمرُها عشرونَ سنةً يا جدي. لقد قالت لنا إن والدَها اشتراها منذُ عشرينَ سنةً.

الجدّ: حسنًا! إن كانَ يعتني بها، فسيكونُ مظهرُها جيدًا رغمَ عمرِها.

الجدّة: وسيكونُ محرِّكها جيدًا أيضًا.

سامي: المسألةُ يا جدتي ليستْ مسألةَ مظهرٍ، وليستْ مسألةَ شكلٍ، بل مسألةُ أنَّ كلَّ شيءٍ يجري حولَنا تربطُهُ بهذهِ السّيارةِ العجيبةِ.

الجدّ (ضاحكًا): مثلًا؟

سامي:  إذا  كنا نتحدثُ عن السّلحفاةِ مثلًا، قالَتْ إن سيارةَ والدِها أرنبٌ، وإن تحدثْنا عن بردِ الشّتاءِ، قاَلتْ إنَّ سيارةَ والدِها مدفأةٌ، وإن تحدثْنا عن حرِّ الصّيفِ، قالَتْ إن سيارَةَ والدِها سيبيريا.

الجدّة والجدّة (يضحكان): يا سلامْ!

سامي (منفعلًا): وإنْ قلْنا إننا نعطشُ أثناءَ الصّيامِ، قالَتْ إن سيارَةَ والدِها شرابُ التَّمرِ هندي، وإن قلنا إننا نشتهي الحلوى، قالَتْ إن سيارةَ والدِها عسَلٌ… آخْ! آخْ!

الجدّة تسألُ زوجَها: أليسَ أمرُها عجيبًا يا جدو عزيز؟

الجدّ: بل ليسَ عجيبًا، فهذهِ (مشكلةٌ) موجودةٌ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ.

الجدّة: كيف؟

سامي: كيفَ يا جدو عزيز؟

(ب)

الجدّ: اسمعا!

سامي: أتحكي لنا حكايةً؟

الجدّة: ستكونُ بارعًا إنْ ذكَّرتْكَ سيارةُ والدِ (سلام) بحكايةٍ.

الجدّ: بل ذكرَتِني فعلًا بحكايةٍ، بل بحكايةٍ مهمةٍ.

سامي: أسمِعْنا يا جدي، أسمِعْنا!

الجدة: أتحفنا يا جدو عزيز، أتحفْنا!

الجدّ: تقولُ الحكايةُ: ﺭﺳﺐَ ﺃﺣﺪُ ﺍﻟﻄّﻼﺏِ ﻓﻲ ﻣﺎﺩﺓِ ﺍﻟﺘَّﻌﺒﻴﺮِ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳُﺌﻞَ ﺍﻟﻤﺪﺭﺱُ ﻋﻦ ﺳﺒﺐِ ﺭﺳﻮﺑِﻪِ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓِ ﻗﺎﻝ: إنّ هذا الطّالبَ يخرجُ دائمًا عن الموضوعِ المطلوبِ منه، ليكتبَ عن:… (يتوقف عن الكلام)…

سامي: عن سيارةِ والدِهِ؟

الجدّ: لا!

الجدّة: لا نريدُ أُحجِيةً يا جدو عزيز…

سامي: أنا أوافقُ تيتا مُهيبة! 

الجدّ (ضاحكًا): حسنًا! ليكتبَ عن الجمَلِ.

الجدّة وسامي (معًا): عنِ الجمَلِ؟

الجدّ: نعم! عن الجمَلِ. ولما سُئلَ الأستاذُ عن مثَلٍ أو أكثرَ- كما سألنا أنا وأنتِ حفيدَنا-، أجاب: ﻃﻠﺒْﻨﺎ ﻣﻨﻪ ﻣﺮةً ﻛﺘﺎﺑﺔَ ﻣﻮﺿﻮعٍ ﻋﻦ ﻓﺼﻞِ ﺍﻟﺮّﺑﻴﻊِ، فكتبَ:
” ﻓﺼﻞُ ﺍﻟﺮّﺑﻴﻊِ جميلٌ، ﺗﻜﺜﺮُ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀُ، ﻣﺎ ﻳﺘﻴﺢُ ﻟﻠﺠﻤﻞِ أﻥ ﻳﺸﺒﻊَ. ﻭﺍﻟﺠﻤﻞُ ﺣﻴﻮﺍﻥٌ ﺑﺮّيٌّ ﻳﺼﺒﺮُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉِ ﻭﺍﻟﻌﻄﺶِ أﻳﺎﻣًﺎ، ﻭﻳﺴﺘﻄﻴﻊُ ﺍﻟﻤﺸﻲَ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮَّﻣﻞِ ﺑﻜﻞِّ ﺳﻬﻮﻟﺔٍ ﻭﻳﺴﺮٍ. وﻳﺮﺑﻲ ﺍﻟﺒﺪﻭُ ﺍﻟﺠﻤﻞَ…. ﺍﻟﺦ”….

سامي والجدّة معًا: ولكن….

الجدّ:  قبلَ أن تقولا إنَّ ثمةَ علاقةٌ منطقيةٌ بين الرَّبيعِ والجملِ، وهذا ما اعتقدَهُ الأستاذُ وقتَها، فاعتبرَ وجودَ الجمَلِ مناسبٌ. أعطى الطّلابَ- في الأسبوعِ التَّالي- موضوعًا عن  ﺍﻟﺼِّﻨﺎﻋﺎﺕِ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥِ، ﻓﻜﺘﺐَ التلميذُ: “تشتهرُ ﺍﻟﻴﺎﺑﺎﻥُ ﺑﺎﻟكثيرِ ﻣﻦ ﺍﻟﺼّﻨﺎﻋﺎﺕ،ِ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﺴّﻴﺎﺭﺍﺕُ، لكنَّ ﺍﻟﺒﺪﻭَ ﻓﻲ ﺗﻨﻘّﻼﺗِﻬﻢ ﻳﻌﺘﻤﺪﻭﻥَ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﻞِ….”.

سامي ضاحكًا:  “ﻭﺍﻟﺠﻤﻞُ ﺣﻴﻮﺍﻥٌ ﺑﺮّﻱٌّ ﻳﺼﺒﺮُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉِ ﻭﺍﻟﻌﻄﺶِ أﻳﺎﻣًﺎ إلخ… “

الجدّة (ضاحكة): حسنًا، إنها وسائلُ مواصلاتٍ!

الجدّ: وماذا لو أخبرتكِ- إذن- أن الموضوعَ الثَّالث كانَ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﺳﺐِ ﺍﻵﻟﻲِّ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪِﻩ، فكتب: “ﺍﻟﺤﺎﺳﺐُ ﺍﻵﻟﻲُّ ﺟﻬﺎﺯٌ ﻣﻔﻴﺪٌ ﻳﻜﺜﺮُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻥِ، ﻭﻻ ﻳﻮﺟﺪُ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺒﺪﻭِ، ﻷﻥ ﺍﻟﺒﺪﻭَ ﻟﺪﻳﻬﻢ ‏(ﺍﻟﺠﻤَﻞ)…

الجدّة ضاحكة وكذلك سامي، ولكنها تقول: “ﻭﺍﻟﺠﻤﻞُ ﺣﻴﻮﺍﻥٌ ﺑﺮّﻱٌّ ﻳﺼﺒﺮُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉِ ﻭﺍﻟﻌﻄﺶِ أﻳﺎﻣًﺎ إلخ… “.

الجدّ: ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻋﻠﻢَ ﺍﻟﻄَّﺎﻟﺐُ ﺑﺄﻧﻪ ﺭﺳﺐَ ﻓﻰ ﻣﺎﺩﺓِ ﺍﻟﺘَّﻌﺒﻴﺮِ،  ﺗﻘﺪﻡَ ﺑﺸﻜﻮﻯ ﻳﺘﻈﻠّﻢُ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﻮﺯﻳﺮِ ﺍﻟﺘَّﻌﻠﻴﻢِ، كاتبًا:

الجدّة وسامي (يضحكان): لا تقلْ لنا إنه كتبَ عن…

الجدّ (يقاطعهما): لا تستعجلا! لقد كتبَ:

“ﺳﻌﺎﺩﺓَ ﻭﺯﻳﺮِ ﺍﻟﺘَّﺮﺑﻴﺔِ ﻭﺍﻟﺘَّﻌﻠﻴﻢِ
ﺍﻟﺴّﻼﻡُ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔُ ﺍﻟﻠﻪِ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗُﻪ
أﻗﺪﻡُ ﻟﻤﻌﺎﻟﻴﻜﻢ ﺗﻈﻠُّﻤﻲ ﻫﺬﺍ، ﻭﻓﻴﻪ أﺷﺘﻜﻲ ﻣﺪﺭِّﺱَ ﻣﺎﺩﺓِ ﺍﻟﺘَّﻌﺒﻴﺮِ، لأنني ﺻﺒﺮْﺕُ ﻋﻠﻴﻪِ ﺻﺒﺮَ ﺍﻟﺠﻤﻞِ. ﻭﺍﻟﺠﻤﻞُ…..

سامي يكمل (ضاحكًا): “ﻭﺍﻟﺠﻤﻞُ ﺣﻴﻮﺍﻥٌ ﺑﺮّﻱٌّ….. ﻳﺼﺒﺮُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉِ ﻭﺍﻟﻌﻄﺶِ أﻳﺎﻣًﺎ إلخ…..”

الجدّة (ضاحكةً): “….. ﻳﺼﺒﺮُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﻉِ ﻭﺍﻟﻌﻄﺶِ أﻳﺎﻣًﺎ إلخ…..”

سامي: والحلُّ؟

(ت)

الجدّ (يفكر بمنطق): أرى أنَّ طالبَ التّعبيرِ و(سلامْ) يتشابهانِ، فهما يشعرانِ بالأمانِ حينَ يتحدثانِ عن شيءٍ يعرفانِهِ تمامَ المعرفةِ، وهذا يدلُّ أنهما خائفانِ من الخوضِ في موضوعٍ جديدٍ، وأنهما بحاجةٍ إلى تشجيعٍ لا إلى (ترسيبٍ) من قبلِ الأستاذِ، ولا إلى (تذمّرٍ) من قبلِ الأصدقاءِ.

سامي (بخجل): آه يا جدي! كم أنا آسفٌ إذ تكلمتُ عن (سلام) بتذمرٍ…

الجدّة (تتنهد): وكم أنا آسفةٌ من أجلِهما معًا!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات