في ذكرى الخديوي .. أبو السباع

12:16 مساءً الإثنين 31 ديسمبر 2012
سماح أبو بكر عزت

سماح أبو بكر عزت

كاتبة بجريدة الوطن المصرية ومجلة العربى الصغير الكويتية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

فى قصر المسافرخانة بالقاهرة ، وفى ليلة من ليالى الشتاء الباردة ، جاء الى الدنيا ، جاء فى اللحظة الفاصلة ما بين غروب أمس و شروق غد جديد و فى آخر يوم من أيام عام 1830 م بالتحديد … و كأن القدر أراد له أن يكون علامة فارقة بين عصرين ..

و كما حارت أهالى المحروسة فى الوان قوس قزح الذى رصع السماء ليلتها ، احتار المؤرخون فى فهم و تحليل شخصيته .. انه الخديو إسماعيل ، صوره البعض بأنه الحاكم الشرقى المستبد الطاغية الذى إستولى على كل السلطة وأنفقها بلا حساب و حينما نفذت بحث عن مصدر آخر و جده فى الإقتراض من الخارج  ، بينما رأى فيه البعض الآخر النموذج النادر للأمير الشرقى المستنير الذى كان يعيش عصره و يدرك جيداً خريطة العالم القائم بموازينه و مشاريعه و مطامعه و يعرف موقع بلاده منها و يرى ان الضمان و الحماية الصحيحة تتحقق بإقامة دولة عصرية شرقية تكون قدوة و مثلاً ، وذلك بان تكون الجسر الذى تلتقى عليه و تتفاعل معه ، فتتفتح ثمار الحضارتين و يتصالح الشرق والغرب ..

و لنبدأ معاً قصته من البداية ، عل نقوش عصره تمنحنا الإجابة عن كل علامات الإستفهام التى سكنت صفحات التاريخ ..هو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد على ، وهو ثانى أنجال إبراهيم باشا ، ولد فى 31 ديسمبر 1830 م ، و منذ صغره عنى أبوه بتربيته وكان يتوسم فيه النبوغ فعلمه مبادئ العلوم و اللغات العربية والتركية و الفارسية ، و هو فى الرابعة عشرة من عمره ، ارسله ابوه إلى باريس حيث نال الامير إسماعيل قسطاً وافراً من العلوم الهندسية و الرياضية و الطبيعية وأتقن اللغة الفرنسية ليتلحق بعدها بكلية ( سان سير) العسكرية الشهيرة و التى خرجت كثير من الأمراء والقادة العسكريين ، ليصفه أحد أساتذته فى الكلية  قائلاً عنه ( إنه طراز نادر لمن ولد ليحكم ، وربما ليصنع التاريخ )

تولى الخديو إسماعيل عرش مصر فى شهر يناير عام 1863 م ، وكان لتوليه العرش خلفاً لعمه سعيد باشا قصة غريبة ، فلم يكن إسماعيل يفكر أثناء حكم سعيد ان يؤول اليه عرش مصر من بعده ، إذ كان يحجبه عنه أخوه الأكبر الأمير أحمد رفعت ، لكن حادثاً مفا جئاً ساقته الأقدار عام 1858 م ، أزال العقبة القائمة فى سبيله ليكون ولياً للعهد

فقد أقام سعيد باشا بالإسكندرية حفل دعلا اليه أمراء البيت العلوى فلبوا الدعوة و من بينهم الامير أحمد رفعت ، أما الامير إسماعيل فإعتذر لوعكة صحية ألمت به ..

و فيما كان الأميران عبد الحليم و أحمد رفعت عائدين الى القاهرة بقطار خاص سقطت العربة التى تقلهما فى النيل .. لتصبح الفرصة سانحة للأمير إسماعيل الذى تميز بحيوية فائقة و جاذبية شخصية وكفاءة فارقة على المستوى السياسى و الإقتصادى و الإدارى ، فقد تولى الكثير من المهام الكبرى الداخلية و الخارجية و مثل مصر فى العديد من المؤتمرات الدولية فى عهد عمه سعيد باشا وكأنه يعد نفسه إعداداً خاصاً لليوم الذى ينتظره و يبدأ به تاريخاً مختلفاً ،كما قال عنه القنصل الفرنسى آنذاك .. وعندما تولى عرش مصر كانت القاهرة لا تزال مدينة صغيرة تمتد من المقطم و القلعة إنتهاء بالعتبة الخضراء تحيط بها المستنقعات من كل جانب محاطة بالحقول والقرى و كان نهر النيل يبتعد عن العمران ، حلم اسماعيل وكان مشروعه هو ان يجعل القاهرة ( باريس الشرق

إستعان اسماعيل باشا بالمهندس الفرنسى الشهير ( هاوسمان) الذى خطط باريس وبعض المدن الاوروبية ، ليمنح القاهرة وجهاً حضارياً ، و كان اول قرار للمهندس الفرنسى هو تغيير مجرى النيل من مكانه القديم و تحويله الى وسط المدينة ، مثلما يمر نهر السين بقلب باريس ، ونيل القاهرة الذى نراه الآن شريانا حيويا يفيض بالجمال لم يكن له وجود قبل عهد إسماعيل ، ثم جاء كوبرى قصر النيل تاجاً يتلألأ فوق صفحته عام 1869 م وسمى وقتها ، كوبرى الخديو اسماعيل

ووصف الكوبرى وقت انشائه الذى استغرق عاما ونصف العام بانه من أجمل الكبارى فى العالم وتم تزيينه بتماثيل اربعة سباع من البرونز وكان ذلك سبباً فى اللقب الذى اطلقه عامة الشعب على الخديو اسماعيل ( أبو السباع ) ، كما شقت كثير من الشوارع فى عهد اسماعيل مثل شارع الاهرام ، شارع كلوت بك الطبيب الفرنسى، ايضا مهد الشارع الموصل للقلعة واطلق عليه اسم جده(محمد على ) كثير من الشوارع منحها شهادة ميلادها   كشارع عابدين ، وعماد الدين ، و بولاق والفجالة وغيرها اضافة للكثير من الحداثق كحديقة الاورمان و حديقة الحيوان و حديقة الاسماك ، اضافة للعديد من القصور كقصر عابدين و دار الاوبرا الخديوية

تقدمت مصر خلال سنوات حكم الخديو اسماعيل الستة عشر فى كل ما يتصل بالحضارة الحديثة اكثر مما تقدمت فى المائة السنة السابقة ، ولكن بسبب الديون المتراكمة صدر مرسوماً بعزل اسماعيل وتنصيب ابنه توفيق خديويا على مصر ، وفى يوم السادس والعشرين من شهر يونيو 1879 م، اقلع اليخت (المحروسة ) بالخديو اسماعيل متوجها الى نابولى وانهمرت دموعه وهو يودع معشوقته مصر للمرة الاخيرة ، عاش الخديو منفيا فى نابولى ثم انتقل الى الآستانة لكن قلبه ورورحه كانت هائمة تحوم حول كل شبر فى ارض مصر التى اوصى ان يسكنها جسده بعد رحيله، وفى الثانى من شهر مارس عام 1895م ، فارق الخديو اسماعيل الحياة ليسكن جسده كما اوصى بمسجد الرفاعى بالقاهرة .. التى منحها كل التفرد و الجمال …

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات