حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ 15 | الزَّلابِيَة

09:31 صباحًا الخميس 6 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي (ينادي من الدّرج): تيتا مُهيبة، تيتا مُهيبة، تيتا مُهيبة!

الجدّة (تنادي): نعم يا سامي، أينَ أنتَ؟

سامي: أنا آتٍ لزيارتِكما، فافتحي لي البابَ.

الجدّة (صوت فتح الباب والجدّة متهللة): أهلًا سامي حبيبي. أنهيتَ دروسَكَ؟

سامي: أنهيتُها كلَّها!

الجدّة: ادخلْ يا حبيبي. ادخلْ!

سامي: أينَ جدو عزيز؟

الجدّة (بقهر وبصوتٍ منخفض): يصنعُ الزَّلابِيَةَ في المطبخِ.

الجدّ (قادمًا): بل صنعتُها، وهاهيَ: ساخنةٌ، هشَّةٌ، مليئةٌ بالقَطْرِ.

الجدّة (تتنهد): وما أخبارُ فرنِ الغازِ؟

الجدّ: سألَني عنكِ، وقالَ لي: لماذا لا تزورُنا تيتا مُهيبة؟ 

الجدّة (غاضبة): لا تتهربْ من الإجابةِ!

سامي (يتدخل لإطفاء غضبها): تيتا مُهيبة!

الجدّة (بحرد تشكو لحفيدها): أسألُهُ ما أخبارُ فرنِ الغازِ، فيجيبني: سألَني عنكِ، وقالَ لي: لماذا لا تزورنا تيتا مُهيبة؟

سامي (يضحك): طيِّبْ، إنه يمازحُكِ!

الجدّة: يمازحُني، لأنه لا يريدُ أن يقولَ لي الحقيقةَ.

الجدّ: وهي؟

الجدّة:  وهي أنه- كالعادةِ- مليءٌ بالزّيتِ والقَطْرِ؟

سامي (يتبرع): أنا أنظّفُهُ.

الجدّ (بحرد): نظفتُهُ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ، ولكنها لا ترضى إلا أنْ يكونَ لامعًا كأنَّهُ جديدٌ.

سامي: لا يا تيتا مُهيبة، هذه مطالبُ لا يقوى عليها الرّجالُ، ومنهم أنا.

الجدّة (تضحك): حسنًا! والبورسلانِ؟ اسألْ جدَّكَ عنه؟

الجدّ (بتذمر): لا تقمعيني يا تيتا مُهيبة بحجةِ الغازِ والبورسلانِ، بينما السَّببُ الرّئيسُ لاعتراضِكِ مختلفٌ تمامًا، وأخافُ أنْ أبوحَ باسمِهِ.

الجدّة: بُحْ باسمِهِ.

سامي: بُحْ يا جدو عزيز ولا تَخفْ.

الجدّ: تدافعُ عني؟

سامي: أدافعُ.

الجدّ: السَّببُ الحقيقيُّ هو (الغَيْرةُ).

الجدّة (مستنكرة وهي تشهق): الغَيْرةُ؟

سامي (مستنكرًا ويشهقُ كجدته): الغَيْرةُ؟

الجدّ (مدافعًا عن موقفه): نعم! الغَيْرةُ من زلابيتي التي لا تتقنينَ صنعَها.

الجدّ (يستنجد بحفيده): أليسَ كذلك يا سامي؟

سامي (مرتبكًا): يعني تيتا مُهيبة تتقنُ طبخَ الطَّعامِ المالحِ أكثرَ من الحلوِ، لكنها تتقنُ صنعَ بعضِ أنواعِ الحلوى…

الجدّ: إلا الزَّلابِيَة، تكونُ معها- في كل مرةٍ- مُعَجِّنةً.

الجدّة (مستنكرة): تكونُ مُعَجِّنةً؟

الجدّ: ولم تتشربْ قَطرًا.

الجدّة: ولم تتشربْ قَطرًا؟

الجدّ: أليسَ كذلكَ يا سامي؟

الجدّة: أهي كذلكَ يا سامي؟

سامي (مرتبكًا): يعني… يا جدو عزيز… يعني… يا تيتا مُهيبة…

الجدّ والجدّة معا: يعني؟

سامي: يعني… لكنها لذيذةٌ…

الجدّ (متنهدًا): الحمدُ للهِ!

الجدّة: طيبْ! لستُ تيتا مُهيبة إنْ لم أجدْ في الأنترنتْ وصفةَ (المفتَّقة) على أصولِها، وأنافسْكَ يا مَن تصرُّ أنَّكَ ملكُ الزَّلابية بلا منازعٍ.

الجدّ (ضاحكًا): أسمعتَ جدتَكَ يا سامي؟ تريدُ- بمساعدة الأنترنت- أن تنافسَ زَلابيتي بـ(مفتَّقتها). [سامي يضحك، بينما يتوجه جده لجدته بالحديث]: هذه ليسَتْ منافسَةً!

الجدّ (بسرعة): بل غَيْرةٌ. 

الجدّة (بتحدّ): غَيْرةٌ؟ أوافقُ، شرطَ أنْ تلحِقَها بصفةٍ تصفُها، وهي أنها غَيْرةٌ بنّاءةٌ،  فما الزَّلابِيَة مقارنةً بالمفتّقةِ؟

(ب)

سامي: جدو عزيز… أترى أنَّ الغَيْرةَ- كما وافقَتْ جدتي على تسميتِها- بنّاءةٌ؟

الجدّة: مثَلًا؟ أعطنا مثلًا يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ.

الجدّ: نعم! أعطِنا مثلًا!

سامي: مثلًا، أنا أغارُ من (أميرة)، وهيَ في الصَّفِّ الخامسِ أيضًا، ولكنْ في شعبةٍ غيرِ شعبتي.

الجدّ (مهتمًّا): وما مشكلتُها؟

الجدّة (مهتمةً): بل ما مشكلتُكَ أنتَ معها؟

سامي: مشكلتُها، أو مشكلتي معها: إذا طُلبَ منها أن تدرسَ نصَّ الإملاءِ مرتينِ، درسَتْهُ أربعَ مراتٍ، وإن طُلبَ منها حفظُ ثلاثةِ جداول ضربٍ، حفظَتْ ستةً، وإنْ كنتُ أستيقظُ في السَّادسةِ والنِّصفِ لأتناولَ فطوري وألبسَ ثيابي وأذهبَ إلى المدرسةِ، تستيقظُ في الخامسةِ لتراجِعَ كلَّ دروسِها قبلَ الذَّهابِ إلى المدرسةِ.

الجدّ: والنّتيجةُ؟

الجدّة: والنَّتيجةُ؟

سامي (بقهر): النَّتيجةُ أنَّ اسمَها مكتوبٌ على لائحةِ الشّرفِ بينَ صفوفِ (الخامسِ).

الجدّة: حلَّ مشكلَتَكَ كما فعلَتْ تيتا مُهيبة بالمفتقةِ.

سامي: لم أفهمْ!

الجدّة (متوفزة): وأنا أيضًا لم أفهمْ. 

الجدّ: أي: بالغَيْرةِ البنّاءةِ، ترَ اسمَكَ معلَّقًا على لائحةِ الشّرفِ.

الجدّ:كما فعلَت جدتُكَ مُهيبة [سامي يضحك]، وكما فعلَ ذلكَ التّلميذُ الذي سئمَ دروسَهُ، فاتّجهَ إلى شاطئ النّهرِ كئيبًا، فإذا  به يرى طفلًا يتعلمُ السِّباحةَ، فيسبحُ في المرةِ الأولى مسافةً صغيرةً يعودُ بعدَها إلى الشَّاطئِ، ثم يعودُ فيسبحُ مسافةً أكبرَ فأكبرَ، إلى أن اجتازَ النَّهرَ كلَّهُ في المرةِ الأخيرةِ، فاتَّعظَ به، وقال لنفسِه: “استطاعَ هذا الطِّفلُ أنْ ينجحَ بمثابرتِه، فكيفَ بكَ وأنت أكبرُ منه وأعقلُ”؟

وعادَ إلى البيتِ ليدرسَ ويدرسَ، ونجحَ نجاحًا باهرًا.

(ت)

الجدّة:  (مَنْ صبرَ وتأنَّى، نالَ ما تمنَّى)! لا (أميرة) بقادرةٍ على منافسةِ حفيدي، ولا الزَّلابِيَة تنافسُ المفتَّقة، وإنَّ غدًا يا جدو عزيز العزيز جدًّا، ويا (أميرة)، لِناظرِهِ قريبُ!

الجدّ (ضاحكًا): بقيتْ قطعةُ زَلابيةٍ واحدةٍ، مَن يأكلُها؟

الجدّة: أنا آكلُها وأمري لله!

سامي (يسأل جدته بهمس): لذيذةٌ؟

الجدّة (تمضغها ولا تريد الاعترافَ بأنها لذيذة): يعني… لا بأسَ بها!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات