حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ 17 | صينيَّةُ الحلاوةِ

10:21 صباحًا السبت 8 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي |حانَ وقتُ الحكايةِ | ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه

[إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

الجدّة: طابخُ الحجَرِ مُضطَرٌ. أما هاوي الطَّبخِ، أو الموهوبُ، خاصةً إنْ دعَمَ موهبتَهُ بالدّراسةِ- ولو من كتابِ طبخٍ قديمٍ- فعليهِ أن يوسِّعَ مشاريعَهُ وينشئَ عملًا مثمرًا.

الجدّ (باهتمام): تقصدينَني؟

الجدّة: لا أقصدُ غيرَكَ!

الجدّ (بصوتٍ فخور): أتقترحينَ أن أقدمَ برنامجَ (الزَّلابِيَة) على إحدى قنواتِ الطَّبخِ في التّلفازِ، فيراني الملايينُ؟

سامي (يهتف بفرح): أنا أساعدُكَ يا جدي، فأناولُكَ السّكرَ والطّحينَ.

الجدّة (تكمل): …. الموجودَيْنِ تحتَ المجلى على يمينِ رفِّ الطّناجرِ.

سامي( يهتف): وأصيرُ مثلَكَ مشهورًا.

الجدّة: قبلَ الشّهرةِ على شاشاتِ قنواتِ الطَّبْخِ في التّلفازِ، يا سمسومةَ قلبِ جدَّتِكَ، يجبُ أنْ يكونَ جدُّكَ معروفًا، على الأقلِّ بينَ أولادِ الحيِّ.

الجدّ: لم أفهمْ!

سامي: وأنا لم أفهمْ أيضًا.

الجدّة: فكّرا!

الجدّ: فكرْ يا سامي!

سامي: سأفكرُ يا جدي، ولكنْ ساعدْني أنتَ في التَّفكيرِ.

الجدّ: اقترحْ فكرةً وأنا أُطوِرُها!

سامي (بعد تفكيرٍ قليل): نوزعُ أوراقًا مطبوعةً للأولادِ في الحيِّ!

الجدّ: نوزعُ أوراقًا؟ 

الجدّة: مطبوعةً؟

سامي(بحماس): نقولُ فيها إنَّ جدي يتقنُ صنعَ الزَّلَابيةَ.

الجدّ: وليسَتْ مجردَ موهبةٍ؛ بل موهبة ودراسةٌ، فقد درسَ من كتابِ طبخٍ قديمٍ…

الجدّة (تقاطعه): بل من كتابِ طبخٍ عريقٍ…

سامي: عريقٍ…نعم! درسَ من كتابِ طبخٍ عريقٍ معاييرَ الزَّلابِيَة…

الجدّة (تسأل سامي معجبة بأفكاره): ثمَّ؟

الجدّ (يسأل سامي معجبًا بأفكاره): ثم؟ 

سامي: ثم نقولُ لأولادِ الحيِّ: إذا سألَكُم مندوبو قنواتُ الطَّبخ رأيَكَم، قولوا: إنها أطيبُ زلابِيَة في العالمِ.

الجدّة: وبعدُ؟

الجدّ: أقدِّمُ برنامجَ (الزَّلابِيَة) على إحدى قنواتِ الطَّبخِ في التِّلفازِ، وتساعدني يا سامي، فتصبحُ مشهورًا مثلي.

الجدّة: الأطفالُ لا يكذبونَ، فهم يريدونَ تذوقَ الزَّلابِيَة فعلًا، والحلُّ الوحيدُ فكرةُ (أمِّ وليد) التي قدمتها لأبي وليد.

الجدّ وسامي معًا: أم وليد؟

الجدّة: زوجةُ أبي وليد.

سامي: أبو وليد؟

الجدّة: بائعُ الحلاوةِ بالسّميدْ.

الجدّ: حكايةٌ يا سامي!

سامي (بفرح): حكايةٌ يا جدو عزيز!

سامي وجده: إننا نصغي!

(ب)

الجدّة: تقاعَدَ (أبو وليدٍ) مِن وظيفتِهِ، وعادَ إلى بيتِهِ فَرِحًا، لأنَّ ساعاتِ النَّهارِ كلَّها ستكونُ مِلْكَ يديْهِ، إذ لن يضطرَّ- بعدَ اليومِ- في أَصْباحِ الأيامِ القارسِةِ أو الحارّةِ إلى الالتحاقِ بوظيفتِهِ، ولن يتصبَّحَ بوجهِ المديرِ ذي التّكشيرةِ المشهورةِ، معتبرًا أنه نالَ حريتَهُ مع حصولِهِ على التّقاعد.

الجدّ: ما أجملَ التّقاعد!

الجدّة: وشربَ القهوةِ عند العاشرةِ لا السَّابعةِ، وبفنجانِ البورسلانِ الأبيضِ لا البلاستيكيِّ!

الجدّ: ما أجملَ الحريةَ! [يخاطبُ حفيدَه]: كل شيءٍ حتى الآنَ جميلٌ ومفرِحٌ.

سامي: نعم!

الجدّة: ولكنْ…!

الجدّ (بقلق): أخافُ من كلمةِ (ولكنْ)…

الجدّة:لم يمضِ يومٌ وبعض اليومِ على تقاعدِ (أبي وليدٍ)، حتى راحَ يتمشَّى في البيتِ، قبلَ أن تبزُغَ الشَّمسُ، وراحَ يمدُّ سَبَّابَتَهُ إلى طاولةِ الطَّعامِ يتفقَّدُ سُمْكَ الغُبارِ عليها حينًا، وحينًا يتأفَّفُ من إهمالِ زوجتِهِ سقايةَ نباتِ الشُّرفةِ، هذا قبلَ أن يجرُؤَ فيشيرَ إلى أرضِ الشُّرفةِ الَّتي يظهَرُ أنها لم تُنَظَّفَ “مِنْذُ دَهْرٍ أو دُهورٍ”،  كما قالَ وقالتْ نظرةٌ مُتفحِّصَةٌ شَزْراءُ.

سامي (مندهشًا): شزْراءُ؟

الجدّ: شزراءُ يعني: غاضبةٌ.

سامي: آه! تذكرتُ، (الرِّيجيمُ)، و(ينظرُ شذَرًا)، وجدُّكَ.

الجدّ: أحسنتَ! [يخاطب زوجته]: أكملي أكملي!

الجدّة: وقبلَ أن يُتِمَّ جولَتَهُ في البيتِ، نادَتْهُ زوجته تسألُه: ألا تفكرُ- بدلَ أنْ تقضي نهارَكَ ضَجِرًا- أن تعملَ؟

الجدّ (وكأنه هو المقصودُ): وماذا يعملُ هو الذي بالكادِ تقاعدَ وفرِحَ  لأنه لم يعدْ خاضعًا لأيةِ سُلْطَةٍ؟

الجدّة: وهذا ما جعلَها تطمئِنُه، وتقولُ له إنَّهُ  لن يكونَ تحتَ سُلطةِ أحدٍ؛ بل سيكونُ سيدَ عملِهِ وسيِّدَ وقتِهِ، إذا ما باعَ كلَّ يومٍ صينيَّةَ الحلاوةِ الَّتي سوف تصنَعُها له كلَّ صباحٍ طازجَةً بالسّميدِ والسَّمنةِ والسُّكَّرِ وهو جالسٌ أمامَ مدخَلِ البنايةِ على كرسيٍّ خشبيٍّ مُغطى بطراحةٍ صوفيَّةٍ، نظيفةٍ، سميكةٍ، مُريحةٍ، واضعًا الصَّينيةَ على كرسيٍّ مُقابلٍ.

سامي: ووافقَ؟

الجدّ (مستنكرًا): وهل تنتظرُ أمُّ وليدٍ أن يوافقَ؟ نزلَ- طبعًا- مع بزوغِ الشَّمسِ.

الجدّة (بأسف): وباعَ أربعَ قطعٍ لأربعةِ صبيَةٍ غادروا المدرسةَ للتوِّ،  وباعَ بقيةَ القطعِ لـ(أبي وليد).

سامي (ضاحكًا): أكلَها؟

الجدّة: لم تعرف (أمُّ وليدٍ) بدايةً أنه أكلَها، فدللتْهُ عندما عادَ، وقالَتْ له: “الله يعطيكَ العافيةَ!”، لكن…ما لبثَ أنْ علا صوتُها بعد دقيقةٍ أو دقيقتين، وسَمِعَ الجيرانُ بقايا جُمَلٍ معظمُها غيرُ مفهومٍ، تفوَّهَتْ بها (أمُّ وليد) تتركزُ كلُّها حولَ حظِّها السَّيئِ.

الجدّ (ضاحكًا): حظٌّ سعيدٌ، حظٌّ سيئٌ، المهمُّ أنهُ الآنَ يستمتعُ بتقاعدِهِ!

(ت)

الجدّة (حردانة: لزوجها): أفهمُ أنَّ فكرةَ أم وليد لم تعجبكَ!

الجدّ (يضحك): أعجبتني فكرةُ (أبي وليد) أكثرَ!

سامي (يضحك): وأنا!

الجدّة (حردانة): تريدانِ شهرةً تلفزيونيةً؟ ومن دونِ خبرةٍ؟ لا تحلما!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات