بين علْمِ التَّراجِم وأَدَبِ التَّراجِم (حبوبة حدَّاد- بقلم د. وجيه فانوس- نموذجًا)

11:52 صباحًا السبت 8 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قضايا أدبية تطرحها د. إيمان بقاعي

التَّرْجَمَة (ت ر ج م): مصدر تَرْجَمَ، وهو سَرْدُ حكايةِ شخصٍ وتاريخِ حياتِه، و(التّرجمةُ الذّاتيّةُ، أو السِّيرةُ، أو ترجمةُ الحياةِ، أو التّرجمةُ القصصيّةُ): أن يكتبَ شخصٌ قصّةَ حياتِه بنفسِه، نحوَ كتاب (سبعون) لميخائيل نعيمة، و(الأيام) لطه حسين.

أما (عِلْمُ التَّرَاجِم)، فلعل أقرب تعريف له بشكله العام أن يُعَرَّف بأنه العِلْم الذي يُعْنى ببيانِ سِيَر الأَعْلام عامَّة وذكر حياتهم الشَّخْصيّة، ومواقفهم وأثرهم في الحياة وتأثيرهم.

ولا شك أن عِلْمُ التَّرَاجِم علمٌ مرتبط ارتباطًا قويًّا (بعلم التَّأْريخ[1])، ولعل تسمية بعض المتقدمين لمصنفاتهم في علمِ الرِّجال بالتَّأْريخ دليل على ذلك[2]، بما يتضمنه من علوم كثيرةٍ، منها علم السِّيَر والطّبَقاتِ[3] وغيرها.

أما تَأْريخ نشأة هذا العلم؛ فلا بد أن نَعْرف أَوّلًا بأن الأُمَم منذ القِدَم تُعنى بتخليد ذكر كبرائها وأعيانها، وقد اعتنى به أهل الإسلامِ[4]. وتبدو أهميته من خلال: ذكْرِ الله تعالى في القرآن أخبار بعض الأُمَمِ السَّابِقة؛ وقد قص الله تعالى أخبار الأُمَم السَّالِفة في أُمِّ الكتاب؛ فقال تعالى: }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ{، وذِكر أخبار أنبياء الله ورسله ومواقف أقوامهم، وأخبار بعض عباد الله الصَّالِحين، وأخبار بعض الطُّغاة والظَّالمين والجبابرة والمستكبرين؛ كفرعون وهامان والنّمرود، وأخبار عن مواقف أهل النِّفاق والضَّلال، وغيرها.

ومن دلائل الأهمية أنه جاء الأمر في كتاب الله تعالى لنبي الهدى- صلى الله عليه وسلم- أن يستعمِلَ القصص والأخبار في دعوة النَّاس إلى الحق والإيمان، كما في قوله سبحانه وتعالى: }فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{[الأعراف: 176]، وقوله تعالى: }وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ{[المائدة: 27]، وغيرها، وهو توجيه رباني للاستفادة من هذا العلم في التَّربية والتَّوجيه.

أما فوائد وثمار دراسة التّراجم:

  • دراسة المواقف التَّربَويّة من حياة المترَجم لهم، لتربية النَّفسِ، وترقيق القلب وزيادة المعرفة وتوجيه النَّاس، فيعتني المربون والأدباء والكتَّاب والمصنفون في إبراز المواقف التَّربَويّة من حياتهم، وتسليط الضَّوْء على الدُّروس المُستقاة من دراسة أخبارهم، وتوجيه ذلك للنَّاشئة بأسلوب ميسر وواضح؛ فيكون أقوى في التَّوجيه، وأبلغ في النّصح التَّربية.
  • ومنها: أننا بدراسة هذه السِّيَر والتَّرَاجِم والنَّظر في صفحات التَّأْريخ، نتذكَّر أن هناك أَجيالًا من الأُمَم عظامًا، بادَت أخبارُهم، واندثرت آثارهم، واندرسَ ذكرُهم، ولم يبقَ إلا ما خلفوه ومن الذّكْر تركوه، فعني هذا العلم بإبراز أولئك الأَعْلام، الذين وضعوا لهم في سجل التَّأْريخ موطئ قدم.
  • ومنها: أنها من تَأْريخ الأُمَم “والتَّأْريخ يصل الماضي بالحاضر”، وكما قيل: مَن لا ماضي له فليس له حاضر، فما من أمة حية، إلا ولها صفحات تَأْريخ تعتز بها، وتقتات عند الضّعف على تذكرها، وتتلمس فيها مواقف الاعتبار ومواطن الاعتزاز، وترى أنها شخصيتها التي تؤكد هويتها ووجودها.   
  • ومنها: أن القراءة في كتب التَّرَاجِم، تطلعنا على صور لجوانب كثيرة من الحركة الفكرية والسِّياسية والاجتماعية والعقائدية والاقتصادية على أعلام كل عصر، ومدى تأثيرهم فيها وتأثرهم بها.

كيف تُجْمع الأخبار عن الأَعْلام؟  (مصادر التَّرَاجِم):

  • من خلال أقوالهم عن أنفسهم، وتعريفهم بذواتهم. سواء كان ذلك في كتب لهم خاصة في التعريف بأنفسهم، أو ما يدونونه من مذكراتهم أو ذكرياتهم، أو ما يكتبونه لخواصهم من طلابهم أو أبنائهم، لإيضاح مواقف من حياتهم، أو ما يسطرونه من أحداث خاصة تتعلق بأشخاصهم، أو ما يسطرونه من مواقف تجاه أحداث في أعصارهم، أو ما يرد من ذلك في مصنفاتهم الأخرى، أو ما ينقله عنهم غيرهم مشافهة أحيانًا؛ ممن يوثق بنقله عنهم. [حبوبة من مقالاتها وقصصها والإذاعة وما كتب عنها شخصيًّا أو عن ابنها (فؤاد حداد)].
  • من خلال معايشة صاحب التَّرجمة ومعرفته،كمن يكتب عنه أهله وأبناؤُه، أو طلابه أو معاصروه ، أو بعض أهل عصره، (أو يتحدثون به شفهيًّا عنه)؛ من محبيه أو من مناوئيه. ويجب التَّثبت منه، وخاصة في كلام الأقران بعضهم عن بعض.
  • من خلال النَّقل عن المصادر التي ورد فيها شيءٌ من خبرهم، سواء كانت هذه المصادر مفقودة في عصرنا، ونُقِل الخبر عنها في غيرها، أو كانت موجودة متوفرة؛ مطبوعة كانت أم مخطوطة.
  • من خلال معرفة العصر الذي عاشوا فيه، وأحداثه، ودورهم في توجيه هذه الأحداث، أو صنعها أو معالجة آثارها، أو عدم ظهور دور لهم في ذلك ، وسلبيتهم تجاه ما وقع من مواقف، أو تورعهم عن الدخول فيها، [إغلاق سلطة الانتداب الفرنسي جريدة حبوبة لأنها كانت تكتب ضدهم].
  • من خلال الباحث لأقوالهم أو مؤلفاتهم أو مواقفهم. [تحليل شخصياتهم لاستنتاج الجديد عنهم][5].

بين علمِ التَّراجم وأَدَبِ التَّراجِم

( حَبُّوبَة حدَّاد نموذجًا)

(حَبُّوبَة حَدّاد) رائدة في الكتابة عن قضايا المرأة العربية 1897-1957

تحيَّة إلى عطاءاتها لمناسبة مرور 124 سنة على ولادتها. بقلم الدكتور وجيه فانوس

اللّواء: آذار 2021.

يبدأ الكاتب ترجمة حبوبة حداد بالذَّاتي:

أنتمي إلى نوعيَّةٍ من ناسِ جيلٍ، بدأ وَعْيُهُم يتفتَّح على شؤون الدُّنيا مع مطلع السنوات الأولى من خمسينيات القرن العشرين. شكَّل المذياع، أو ما نعرفه جميعا بـ (الرّادْيو)، نافذة شديدة الفاعليَّة في تزويدنا بنوعيات معرفية وآفاق ثقافيَّة؛ إذ كان (الرّادْيو) أبرز أداة شعبية متوافرة، لمعرفة كثيرٍ من أمور الشَّأنِ العامِ التي كانت تدور خارج نطاق البيت أو الحي.

أذكرُ أنَّ (الرّادْيو)، الذي كان في منزلنا، زمن طفولتي كان من صنع بريطانيٍّ يحمل العلامة التجارية «AirMic»، أو ما يمكن فهمه بـ “مذياع الهواء”، بالعربيَّة؛ والجميل أنَّ شعار هذه العلامة كان The World Between Your Fingers، بما يعني، بالعربيَّة “العالم بين أصابعك”.

وبالفعل، فإنَّ “الرَّاديو” كان، لكثير من أبناء جيلي، وكبارهم على حدٍّ سواء، المدخل الأكثر قدرة على تأمين معرفتنا لبعض ما في العالم.

كنت شديد الشَّغَف بمتابعة ما تقدمه (دار الإِذَاعَة اللُبْنانية)، زمَنَذاك؛ والتي أصبحت تُعْرَف، لاحِقًا، باسم (إذَاعِة لُبْنان)، من فِقْرات ومنوعات وبرامج؛ وما زلت أذكر، بوضوح وبكثير من الألَقِ والبهجة، برنامج الأَطْفَال الذي كان يُذاع أسبوعيًّا، ولعل إذاعته كانت غروب كل يوم أربعاء، وكانت تقدِّمه (حَبُّوبَة حَدّاد).

 يغلب على ظنِّي، ورَغْم ما سعيتُ كثيرًا إلى معرفته عن البرامج الإذاعيَّة للأَطْفَال، فإنَّ هذا البرنامج الذي كانت تعدُّه وتقدِّمه (حَبُّوبَة حَدّاد) من (دار الإِذَاعَة اللُبْنانية)، هو من أوَّل البرامج الإذاعيَّة العربية من نوعه، إن لم يكن أولها على الإطلاق. بدأت (حَبُّوبَة حَدّاد) تقديم برنامجها الإذاعي للأَطْفَال منذ سنة 1938، وكانت الإذاعة تُعْرَف، عهدَذَاك، باسم (راديو الشَّرق). وتُعَدُّ هذه الإذاعة من أقدم الإذاعات في العالم العربيِّ، إذ أُنشئت سنة [6]1938، زمن الانْتِدَاب الفرنسيِّ على لُبْنان؛ ثم انتقلت إدارتها كاملةً، في شهر نيسان من سنة 1946، إلى الدَّولة اللُبْنانيَّة، وأصبح اسمُها الرَّسمي (الإِذَاعَة اللُّبْنانيّة).

ما يمكن اعتباره برج هوائي الإذاعة بالقرب من مباني مدرسة الصنائع، بيروت

  • لا أذكر أنَّ البرنامج كان يستضيف أَطْفَالا يلقون الأناشيد أو يؤدُّن بعض الأدوار التَّمثيلية، كما صار الحال، لاحِقًا، مع بعض البرامج الإذاعية؛ فكل ما في هذا البرنامج، كان ينهض على حكاية تقصُّها (حَبُّوبَة حَدّاد) على مسامع متابعيها من أَطْفَال وسواهم.

ما عدت أميِّز في ذاكرتي اليوم، وبعد مرور أكثر من خمس وستين سنة على ذلك العهد، إن كانت (حَبُّوبَة حَدّاد) تقدم تلك الأقاصيص بالعربية الفُصحى أو بتلك المحكيَّة؛ ولكنِّي، وللَّحظة، ما زلت أذكر بكل صفاء صوت (حَبُّوبَة حَدّاد) وهي تروي تلك الحكايات عبر (الرّادْيو). لم تكن تحاول، على الإطلاق، أن يكون في أدائِها ما قد يشبه أصوات الأَطْفَال، أو ما قد يُحاكي أو يقترب من بعض ما جرى التَّعارف على أنه من أساليبكلامهم وطرق تعبيرهم[7]. كان صوت (حَبُّوبَة حَدّاد)، صَوْتًا ناضِجًا وعَذْبًا، في آن؛ غير أنَّه لم يكن ليشبه صوتَ أيَّةِ واحدة كنت أعرفُها من معلمات المدرسة أو النَّاظرات أو الإداريَّات فيها.

نعم، لم يكن صوتُ (حَبُّوبَة حَدّاد) يحمل نَبْرَة الأوامر والنَّواهي؛ ولم يكن، كذلك، صَوْتًا يمَوْسِقُ تنغيماتِ اللَّوم أو العِتَاب أو حتَّى بعض الإعجاب. كان، وبكل سعةٍ وجلاءٍ، صَوْتًا هادِئًا وبسيطًا. واليوم أقول، لقد كان صَوْتًا مُقْبِلًا بكليَّتهِ على مَن يسمعه، لا يستجدي الاستماعَ، ولا ينفِّر منه.

نعم، كان صوت (حَبُّوبَة حَدّاد) صَوْتًا لا يمكن لسامعه، طِفْلًا أو ناضِجًا، إلاَّ أن يستسيغَه ويحبَّه ويقبلَ عليه.

لقد كان صوت (حَبُّوبَة حَدّاد)، بكل إنصاف وصدق وبيان وحقٍّ، صوتَ الأم؛ وبكل ما في حضورها من رحمة ومحبة ومَهَابة وألَق، وبكل ما يمكن أن تعنيه الأم لأَطْفَالها أو يرجوه أَطْفَالُها من وجودها.

(من الذَّاتي ينتقل الكاتب إلى الموضوعي)

قدَّمت (حَبُّوبَة حَدّاد)، في برنامجها الإذاعي للأَطْفَال، الذي استمرَّ زهاء تسع عشرة سنة، قصصًا قصيرة، يحكي معظمها عن القرية والوطن؛ بلغة بسيطة عذبة، وبتعابير بلاغيَّة جماليَّة راقية مبسَّطة، وبحبكات[8] قصصية رشيقة السَّبك. ومن هنا، يزهو ذكر (حَبُّوبَة حَدّاد)، رائدة في مجالي (أَدَب الأَطْفَال) و(البرامج الإذاعية الموجَّهة للأَطْفَال)، ليس في لُبْنان وحده؛ بل في العالم العربي قاطبة.

وُلِدَت (حَبُّوبَة حَدّاد)، يوم الإثنين، الواقع فيه الخامس عشر من آذار سنة 1897، في بلدة (الباروكْ) من قضاء (الشُّوف) في محافظة (جَبَلْ لُبْنان). وتقع بلدة (الباروكْ) في أعالي (تلال الشُّوف)، مرتفعة عن سطح البحر حوالي 1200 متر. ويبدو أنَّ (حَبُّوبَة)، يوم كانت في السَّابعة عشرة من العمر، كانت من التِّلميذات النَّجيبات؛ إذ اختارتها إدارة مدرستها، في (المدرسة الإنكليزية في شمْلان)، لإلقاء كلمة الطَّالبات التَّرحيبية بالرِّوائي والصّحافي والسِّياسي الفرنسي (موريس باريس (1862-1923)، Auguste-Maurice Barrès، يوم زار المدرسة، قُبَيْل اندلاع الحرب العالميَّة الأولى، خلال تجواله في لُبْنان وبعض مناطق شرق البحر المتوسط، سنة 1914.

الباروك، قضاء الشوف، لبنان

وكان أن أُعْجِب (باريس) بشخصيَّة (حَبُّوبَة) وفصاحتها باللّغة الفرنسيَّة؛ وشجَّعها، من ثمَّ، على السَّفر إلى العاصمة الفرنسيَّة (باريس) والتَّعرّف على ما فيها من آداب وفنون. ولم تدرِ (حَبُّوبَة)، يومذاك؛ ولعلَّ (موريس باريس) نفسه، كان يتصوَّر أن تشجيعه لهذه التِّلميذة، سيتجاوز العبارات التقليديَّة، ليُشكِّل، لاحِقًا، محطَّة مفصليَّة تنطلق منها مسيرة (حَبُّوبَة حَدّاد) في دنيا الثَّقَافَة.

ولم تلبث (حَبُّوبَة) أن تزوَّجت من قريب لها اسمه (أسعد حدَّاد)؛ وسرعان ما أنجبت منه ابنها الوحيد (فؤاد). ولعلَّ (حَبُّوبَة) لم تكن لتتصوَّر آنذاك، أنَّ هذا الزَّواج سيشكّل أيْضًا نقطة انطلاق أساس لحضورها النِّسائِيّ الفذ ونضالها الدّائِم في سبيل حرية المرأة ونهضتها؛ إذ سرعان ما تمَّ الانفصال بين الزَّوجين؛ ولم تكن (حَبُّوبَة) قد تجاوزت الثَّامنة عشرة من سني العمر.

لم تعد (حَبُّوبَة) إلى تكرار تجربة الزَّواج على الإطلاق؛ بيد أنها كرَّست كثيرًا من جهدها لتربية وحيدها (فؤاد)؛ الذي سيصبح في خمسينيات القرن العشرين واحدًا من أبرز أهل الأَدَب والصِّحَافَة في لُبْنان، ويتَّخذ لنفسه اسمًا أدبيًّا، هو (أبو الحن)، ويلقى حتفه سنة 1958، مخطوفًا ومقتولًا، بعد سنة واحدة من وفاة والدته.

تابعت (حَبُّوبَة حَدّاد) دراستها الجامعيَّة في رحاب (الجامعة الأميركيَّة في بيروت)؛ حيث تخصَّصت في (العلوم الاقتصاديَّة والسِّياسيَّة)؛ غير أنَّ ميولها إلى الكتابة، طغت على أي توجُّه معرفيٍّ آخر عندها؛ فإذا بـها تندفع بكل عزم وثقة إلى عالم الصِّحَافَة والأَدَب. وما إِن أنهت (حَبُّوبَة حَدّاد) دراستها الجامعيَّة في بيروت سنة 1920، حتَّى توجَّهت إلى العاصمة الفرنسيَّة (باريس)؛ وهناك التقت، مجددًا، بـ (موريس باريس)، الذي احتفى بحضورها، كما شجّعها وساعدها على إصدار مجلَّة أسمتها )الحياة الجديدة).

انتقلت (حَبُّوبَة) من (باريس) إلى الولايات المتَّحدة الأميركية؛ حيث اجتمعت بجبران خليل جبران[9]؛ وقد كتبت عن لقائها بجبران مقالًا نشر في الصفحة العاشرة من مجلة (المعرض)، لميشال زكُّور، يوم الأحد، الواقع فيه 3 أيار سنة 1931. تذكر (حَبُّوبَة حَدّاد) أنها قدَّمت، في (بوسطن) مع (جُبْران) محاضرة واحدة؛ وتروي أنها سألته قبيل المحاضرة:

“- أوأنت جبران”؟

فوضع يده على كتفي وقال مازحًا:

  • أَنَّى لي أن أصدقك الخبر وأنا أعزل من المعاول وبقايا القبور كما ترين.

ثم أخذني بتُؤَدَة (بتُؤْدَة) إِلى كرسي موضوعٍ الى جانبه؛ فجلسْتُ مأخوذةً برصانة تلك الشَّخصية التي أسبغت عليها الثَّقَافَة اللَّاتينية السَّامية أبهى حلَلِها، وبإشراق ذلك الوجه المستطيل الذي أُفْرِغَت في تكوينه وتقاطيعه آيات النُّبوغ السَّماوي، وكيف أن تلك العيون التي خِلْتُها بالأمس مُقَرَّحة مُجْدِبة، تتدفق بأنوار الحِكْمة والمعرفة”.

وتروي (حَبُّوبَة حَدَّاد)، أيْضًا، أنَّ (جُبْران) سأل “النِّساء المتحمسات الموهوبات”:

  • “لماذا تقتلْنَ مواهبَكن السَّامية بالسِّياسة والصِّحَافَة والتِّجارة”؟

 وأجاب:

  • “ارجَعْنَ إلى غريزتكن الطَّبيعية واكتبْن في النَّهار سطرًا واحدًا من شعورِكن وعواطفِكن، فلا تمرّ السّنة إلا ويتجمع عند الواحدة منكن 365 سطرًا خالدًا”.

وقد ظلَّت (حَبُّوبَة حَدّاد) على تواصل أدبي وفكري إلى حين وفاته سنة 1932.

لم تطل إقامة (حَبُّوبَة حَدّاد) كثيرًا، بين (فرنسا) و(الولايات المتَّحدة الأميركيَّة)؛ إذ ما لبثت أن عادت إلى لُبْنان، أواخر العقد الثَّاني من القرن العشرين؛ وكان البلد قد صار تحت سلطة حكم الانْتِدَاب الفرنسي. استقرَّت (حَبُّوبَة) في (بَيْروت)، وتابعت، طيلة سنوات تسع، إصدار مجلتها (الحياة الجديدة).

ولقد تبوَّأت المجلة مكانة رفيعة عند أهل الأَدَب وناس الثَّقَافَة، كما حقَّقت انْتِشَارًا واسعًا بين أبناء الوطن؛ ويبدو أنَّ صفحات المجلة غدت منبرًا لمقالات تنادي بمناهضة السُّلطة المنتدبة وتطالب بالحقوق الوطنيَّة للُّبْنانيين[10]؛ لم يكن هذا الأمر ببعيد عن مسيرة المجلَّة السَّابقة، يوم كانت تصدر خارج لُبْنان[11]؛ ولعلَّ هذا الانتشار كان السَّبب الأساس الذي دفع بالسّلطات الحكوميَّة، عهدَذاك، من إصدار قرارها بإقفال المجلة ومنع صدورها.

وما إِن صدر القرار بإقفال (الحياة الجديدة)، حتَّى جعلت (حَبُّوبَة حَدّاد) من منزلها، في (بَيْروت)، صالونًا أدبيًّا؛ تابعت عبر نشاطاته، المسيرة الوطنية والأَدَبية والثَّقافية العامَّة للمجلَّة. و(الصَّالون) كلمة من أصل لغوي لاتيني (salon) تعني المكان الذي يستقبل فيه أهل البيت زوارَهم.

و(الصَّالون الأَدَبي) هو ملتقى لأدباء وفنانين وأهل معرفة وثقافة. ولم تكن ظاهرة (الصَّالونات) أو المجالس (الأَدَبية)، التي تنشؤها سيدات، بجديدة على الثَّقَافَة العربيَّة على الإطلاق، ولا على الزَّمن الذي أنشأت فيه (حَبُّوبَة حَدّاد) صالونها الأَدَبي في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين.

ويذكر الباحثون مجلس السيِّدة (سُكينة بنت الحسين)، في (المدينة المنوَّرة) في العصر الأموي؛ وقد ضمَّ نخبًا من شعراء مجتمعها، يتبارون في حضرتها بما ينظمونه ويتقبلون أحكامها على هذا المنظوم.

كما يذكر التَّاريخ الثَّقافي العربي مجلس (ولَّادة بنت المستكفي) في الأندلس، وكانت شاعرة لها مجلس في قرطبة يؤمّه الأعيان مع صفوة الأَدَباء.

وقد عُرِفت فرنسا، لاحِقًا، (الصّالون الأَدَبي) في القرن السَّابع عشر وكثرت الصَّالونات في القرن التَّالي له، واكتسبت طابعًا عالميًّا، وكان يقوم عليها سيدات اتَّصفن بالذَّكاء والألمعية والثَّقَافَة والجمال، والحس الاجتماعي الرَّهيف.

وشهد العالم العربي (أوَّل صالون أدبي) في القاهرة، حيث كان (صالون الأميرة نازلي فاضل) بنت الأمير مصطفى فاضل (1853 – 1914)؛ ويقال إن كبار المصريين والأوروبيين، ومنهم [الإمام محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ومحمد المويلحي وآخرون، كانوا من روَّاد هذا الصَّالون].

وقد شهدت مدينة (حلب)، في بلاد الشام، مولد (صالون ماريانا المراش) (1849-1919)؛ ولعلها أول أديبة سورية برزت في مجالات الأَدَب والشّعر والصِّحَافَة في مطلع القرن العشرين، كما كانت تجمع بين الثَّقافتين العربية والفرنسية.

ولا يمكن، والحال كذلك، إلاَّ ذكر أكثر الصَّالونات الأَدَبية العربية شهرة في القرن العشرين، وهو (صالون مي زيادة) (1886-1941)، التي كانت أديبة لامعة تجيد الفرنسية والإنكليزية والألمانية؛ وكانت تعقد جلسات صالونها في منزلها في القاهرة، حيث يحجُّ إليها كبار أهل الفكر والأَدَب والسِّياسة والصِّحَافَة العرب في زمانها، ومنهم [عباس محمود العقاد، وخليل مطران، وأنطون الجميل، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وأمين الرّيحاني، ولطفي السيد].

وكانت (جوليا طعمة دمشقية)، وتعتبر من أبرز رواد التَّربية والاجتماع والصِّحَافَة في لُبْنان، قد سبقت (حَبُّوبَة حَدّاد) سنة 1917، إلى تأسيس صالون أدبي لها.

وكان (صالون حَبُّوبَة حَدّاد)، ينعقد في منزل مؤسَّسِتِه، ويجمع في لقاءاته كبارًا من لُبْنان والعالم العربي، من مختلف الانتماءات الدِّينية والسِّياسية والاجتماعية، وروادًا في مجالات الأَدَب والفكر. لقد كان كان مجلسًا مختلطًا، يضم إلى رحابه الأَدَباء كما الأديبات، في تبادل النِّقاشات وعرض الأفكار والآراء. استمر هذا (الصَّالون) من سنة 1948 إلى السّنة التي توفيت فيها مؤسسته، سنة 1957.

ومن أبرز المشاركين في هذا المجلس، عهدَذاك، [(رامز سركيس: مدير جريدة “لسان الحال”)، و(سلمى الصَّايغ: مؤسِّسة الجمعيات العديدة ورئيسة تحرير مجلة صوت المرأة)، و(جبران التّويني: الوزير صاحب جريدة النَّهار)، و(الأميرة نجلا أبي اللَّمع: الصّحافية والكاتبة ومنشئة مجلة الفجر)، و(أمين نخلة[12]: الأديب والمحامي)، و(أمين الرّيحاني: فيلسوف الفريكة)، و(جوليا طعمة دمشقية: المربية والأديبة)، و(حبيب باش السّعد: (الرئيس السَّابق لمجلس الإدارة اللُبْناني ورئيس الجمهورية اللُبْنانية الأسبق)، و(طانيوس عبده: الكاتب المسرحي)، و(ميشال زكور: الوزير وصاحب مجلة المعرض)، و(داود بركات: صاحب الأهرام)، و(إلياس أبو شبكة: الشَّاعر الكبير)، و(أحمد شوقي: أمير الشّعراء)، و(صبحي بركات: رئيس الدَّولة السُّورية الأسبق)، و(جميل مردم بيك: الوزير السّوري الأسبق ومؤسس جمعية العربية الفتاة)[13].

وقد أضافت (حَبُّوبَة حَدّاد) إلى المكتبة العربية كتابين؛ أولهما (نفثات الأفكار)، وثانيهما (دموع الفجر)، ويضم كل منهما مجموعة من مقالات مؤلفته؛ في موضوعات وطنية واجتماعية وثقافية؛ ولها، أيْضًا، كتاب يعرض لبعض عادات ناس بيروت وتقاليدهم؛ فضلًا عن قصص أَطْفَال وأعمال أخرى لم تنشر[14].

(من الموضوعي يعود الكاتب إلى الذَّاتي)

يطيب لي اليوم، وفي الذِّكرى السّنوية الرابعة والعشرين بعد المائة الأولى لبزوغ شمس (حَبُّوبَة حَدّاد)، أن أحيي ما قدَّمته لي، ولأبناء جيلي، وللُبْنان، وللثَّقافة العربيَّة من غنى؛ والأمل، الأمل الكبير، أن يكون الاحتفال بالذّكرى السَّنوية الخامسة والعشرين بعد المائة الأولى لولادتها، مناسبة لاحتفال وطني ثقافي جامع حول نتاجها وأعمالها، وكشف كثير من كنوز عطاياها التي ما انفكَّت قابعة ضمن مكتبة تسجيلات (إذَاعِة لُبْنان)، أو في بطون بعض الصّحف، أو في صناديق عائلتها.

(حَبُّوبَة حَدّاد)، وألف عبق شوق معطاء لفكرك وعطائك وصوتك الذي حفر في وجودي حضورًا له لا ينتسى.

رئيس المركز الثَّقافي الإسلامي

د. وجيه فانوس

مراجع دراسة الدكتور فانوس:

  1. 1-               إميلي فارس إبراهيم: أديبات لُبْنانيات. دار الرّيحاني، بيروت، 1961
  2. جورج مخايل كلاَّس: الحركة الفكرية النّسوية في عصر النّهضة. بيروت، دار الجيل للنَّشر والطَّبع والتَّوزيع، 1996.
  3. ناديا الجردي نويهض: نساء من بلادي. بيروت، المؤسسة العربية للدِّراسات والنَّشر، 1986.
  4. نجيب العيني: صحافيات لُبْنانيات رائدات وأديبات مبدعات. بيروت، مؤسسة نوفل، 2007.
  5. يوسف أسعد داغر: مصادر الدّراسة الأَدَبية. مكتبة لُبْنان ناشرون، 2000.

أفكار لمناقشة النَّص:

إذا كان عِلْمُ التَّرَاجِم، هو العِلْم الذي يُعْنى ببيانِ سِيَر الأَعْلام عامَّة وذكر حياتهم الشَّخْصيّة، ومواقفهم وأثرهم في الحياة وتأثيرهم:

*
  • فكرة أولى للمناقشة:

نحن نرى هنا (دراسة) هي من صميم (علم التَّراجم): اسم المترجَم له، أعماله، تنقلاته، تأثيره…. [يعني: علم التَّراجم الموضوعي][يرجى أن تركزوا على أهم خمسة أعمال قامت بها (حبوبة حداد) [حسب رأيكم تبدأ بالأهم، فالأقل أهمية…..]

*
  • فكرة ثانية للمناقشة:

إن الدّراسة استُهِلَّتْ بـ(الذَّاتي)، ثم انتقلَتْ إلى (الموضوعي) حين تحدث الكاتب عن أعمالها والصالونات الأدبية، والحركات النسائية….ثم ختم بتوجهاتِها، وعاد فأنهى ترجمته بالذاتي. ونلاحظ أنه حين تحدث (بموضوعية) عن حياتها وتنقلها وآدابها والصالون الأدبي (لم يكن الحَكَم، ولم يقل: هذا صح وهذا خطأ؛ بل عرضَ فقط من دون تدخُّلٍ، ولم يتدخل فيحكم عليها؛ لذا نراه لم يخالف الجانب (الموضوعي) في علم التَّراجم؛ بل أدخل (الرُّؤية الذَّاتية) سواء في استهلال الدِّراسة، وفي خاتمتها- إذا وجه إليها التحية- وعاد فذكر (صوتها) وكان قد أفردَ له وصفًا ذاتيًّا أقرب إلى الرومانسية.

*
  • فكرة ثالثة للمناقشة:

هل أعجبك- كما في هذه الدِّراسة إدخال الذَّاتي بالموضوعي؛ أي بترجمة الكاتبة؟  وهل تعتقد أنه إذا دخلت “الوجدانية الأدبية، أو الفنية الأدبية” بصوغ التَّرجمة تؤثر على هذه التَّرجمة؟ تضرها؟ تفيدها؟ تساعد على الإقبال عليها؟ أم تنفِّر منها؟ وهل مع  إدخال هذه الذاتية الأدبية صارت تستحق الدخول تحت عنوان: “أدب التّراجم”، لا (علم التراجم)؟ 

*
  • فكرة رابعة للمناقشة:

إن الذَّاتيةَ التي بدأت الدّراسة الموضوعية بها، ترتبط بخيوط متينة بالشّخصية المترجَمِ له، بل تضيف إلى القارئ جديدًا قد يستفيده إن أراد التّوسع في بحثه عن (حبوبة حداد). اذكر أربع معلومات استفدتها من النَّص الذَّاتي في هذه الدِّراسة متدرجًا من الأكثر أهمية.

*
  • فكرة خامسة للمناقشة:

هل ترى أن إيراد الكاتب أسماء (الصالونات الأدبية) عندما تكلَّمَ عن صالون (حبّوبة حدَّاد) كانَ ضروريًّا، أم كانَ إثراءً خاصًّا قدَّمه الكاتبُ لنصِّه وكان يمكن الاستغناء عنه؟


[1]  – التَّأريخُ والتَّاريخُ: كتابةُ الأحداثِ والأحوالِ، عامةً أو خاصةً، وتقييدها بالزَّمان. و(علم التاريخِ أو التأريخ) فرعٌ من فروعِ العلوم يدوِّنُ أحداثَ الماضي ويعللها.

[2] – يقول (الجبرتي) في (كتاب عجائب الآثار 1/10): “وفن التَّأْريخ علم تندرج فيه علوم كثيرة؛ لولاه ما ثبتت أصولها، ولا تشعَّبت فروعُها؛ منها: طبقات القُرَّاء والمفسرين والمحدّثين وسير الصَّحَابَة والتَّابعين، وطبقات المجتهدين وطبقات النُّحاة والحكماء والأطباء، وأخبار الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام، وأخبار المغازي وحكايات الصَّالِحين، ومسامرة الملوك من القصص والأخبار والمواعظ والعِبَر والأمثال، وغرائب الأقاليم وعجائب البلدان، ومنها كتب المحاضرات ومفاكهة الخلفاء وسلوان المطاع ومحاضرات الرَّاغب”.

[3] – أي طبقات كل صنف من أهل العلم كالأدباء والأصوليين والأطِبَّاء والأولياء والبيانيين والنَّابغين والحُفَّاظ والحكماء والحنفية والحنابلة والمالكية والشَّافعية والمفسِّرين والمحدِّثين والخطاطين والرُّواة والخواص والشُّعَراء والصَّحَابَة والمجتهدين والصُّوفية والطَّالبين والأُمَم والعلوم والفُرسان والعلماء والفرضيين والفقهاء ورؤساء الزَّمَن والقراء والنحاة واللغويين والمتكلمين والمعبرين والمعتزلين والممالك والنَّسابين والنُّساك إلى غير ذلك.

[4] – حينما أنزل الله تعالى قُرآنًا يتلى إلى يوم القيامة وفيه التَّنْبيه على ضرورة معرفة النَّاقل للأنباء والأخبار والتّأكد من معرفة صلاحه واستقامته وتدينه، كما في قول الله جل وعلا: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين{ [سورة الحجرات، 6].

[5]إبراهيم بن حماد الريس: علم التّراجم، أهميته وفائدته. الرّياض، جامعة الملك سعود، 1422هـ = 1423 هـ. (بتصرف)

[6] – يذكر (جان داية) في مقاله المنشور في موقع (القديسة تريزا)، وهو منقول عن النَّهار، عن (حبوبة حداد) أنها بدأت برنامجها للأطفال عام 1938، أي: سنة إنشاء الإذاعة.

[7] – يقصد الكاتب ما يحصل الآن من تقليد لأصوات الأطفال في بعض المسلسلات الكرتونية.

[8]الحَبْكَةُ (ح ب ك): هي، في الأدبِ القصصيِّ والمسرحيّ، ربطُ الأحداث والحالات ربطًا مُتَسلسلًا مُحكَمًا، يجذبُ القارئَ والمُشاهِدَ بعواملِ التّشويقِ والإثارة، وصولًا بالتَّدَرّجِ إلى خاتمة تكون نتيجةً لاحقةً لأسبابٍ. أقسامُها: (أ) صورة البناءِ (الحبكة المفكَّكة)، (ب) الصُّورة العُضْوِيَّة.

[9] – لم تكتفِ ابنة الدَّوحة الحدَّادية بإرسال مجلتها إلى بلاد العم سام، بل هي أبحرت إلى نيويورك وبوسطن، تلبية لروحها المغامرة وتعميقًا لثقافتها الانكلوسكسونية. وفي بوسطن طلبت منها بعض سيدات الجالية مشاركة (جبران خليل جبران) في الكلام عن المجاعة التي أصابت عموم بلاد الشَّام وبخاصة جبل لبنان. وأجابت بسؤال: “لماذا تريد جمعياتكن أن تحشرني مع هذا الرجل الذي لا هم له إلا العويل ونبش القبور والتَّفتيش عن مصائب النَّاس ليضيفها إلى نكباته ومصائبه”؟ ووافقت بعد تردد ممزوج بالغنج. وتقول في سياق مقالها “كيف عرفت جبران”، إن احدى السَّيدات نقلت إلى جبران رأيها السَّلبي به. لذلك حين جلسا إلى المنبر “وضع يده على كتفي وقال مازحا”: أنَّى لي أن أصدقك الخبر، وأنا أعزل من المعاول وبقايا القبور كما ترين”. ووصفت خطبته بأنها “كانت أشبه بكلام الآلهة منها بأقوال النَّاس”. [جان داية: في مقاله المنشور في موقع (القديسة تريزا)، وهو منقول عن النَّهار].

[10] – من علامات تسيّس حبوبة حداد ومعارضتها للانتداب، تبرّعها ببعض المقالات لجريدة “الحقيقة” البيروتية لصاحبها كمال عباس، والتي عطّلها المفوض السامي اكثر من مرة. [جان داية: في مقاله المنشور في موقع (القديسة تريزا)، وهو منقول عن النَّهار].

[11] – وهذا يعني أن حبوبة لم تكن محبوبة من الانتداب الفرنسي، وأن مجلتها معارضة لفرنسا في عقر دارها. [جان داية: في مقاله المنشور في موقع (القديسة تريزا)، وهو منقول عن النَّهار].

[12] – وهو ابن رشيد نخلة، واضع النَّشيد اللُّبناني، وتلميذ العلّامة الشِّيخ عبد الله البستاني.

[13] – و(شبْلي الملَّاط: أحد أبرز الشّعراء العرب في النّصف الأول من القرن العشرين، وله ديوان مع أخيه تامر: 1925، و”ديوان شاعر الأرز: 1952)، و(فيلكس فارس 1882-1939، الأديب، الشَّاعر، المحامي، الخطيب، المناضل في سبيل اليقظة العربية، المترجم لنيتشه “هكذا تكلم زرادشت: 1938″، وصاحب كتاب “رسالة المنبر إلى الشَّرق العربي: 1936)، و(معروف الرّصافي: 1873-1945، من مشاهير شعراء العراق والعرب. له مؤلفات عدة ومنها “ديوان الرّصافي: 1910)، و(أحمد شوقي: 1885-1932، أحد كبار شعراء العرب)، و (سلمى صائغ، المربية والكاتبة والخطيبة والصِّحافية والمساهمة في تأسيس الجمعيات النّسائية؛ كجمعية “زهرة الإحسان”، و”جمعية الاتّحاد النّسائي” و”جمعية النَّهضة النِّسائية”، ورئيسة تحرير مجلة “صوت المرأة”. زمن مؤلفاتها: “النّسمات: 1923″، و”فتاة الفرس”، و”المرأة الجديدة”. [جورج هارون: صالون حبوبة حداد. مجلة الجيش: العدد 238]

[14]كرس المقال الكبير الحجم المعنون (وكان صباح وكان مساء) المنشور في 6 آب 1932، حبوبة حداد كاتبة سياسية وساخرة وتقدمية، في الوقت نفسه. وفيه تؤكد الكاتبة أن “حاكم دولة لبنان الكبير توجه، فور تعيينه: إلى السّرايا وطالب أن يكون راتبه “ليرة سورية في السّنة جريًا على مثال المستر هوفر في الولايات المتحدة والمستر ضودج في الجامعة الأميركية، وان تلغى معاشات النواب والوزراء لأنهم من الشعب وإلى الشّعب، وعليهم أن يخدموا بلادهم مجاناً”. ثم أصدر قرارًا بدزينة مواد، يقضي بعضها بما يأتي: “يمنع استيراد السّيارات إلى لبنان، ويمنع التجار عن بيع الأشياء الكمالية للنساء، لا يسمح لأكثر من أربع جرائد بالظهور بعد امتحان لرجال الصّحافة… ويحال الصِّحافي أسعد عقل إلى المجلس التَّأديبي لأنه شجع ميشال عبد على إتلاف ثلاثة آلاف ليرة في معامل سويسرا (للساعة) ولم يشجعه على افتتاح معمل صغير في بلاده”. وختمت الكاتبة بقولها المفاجئ الطَّريف: “وعندما شعر القوم بالإصلاح الحقيقي، سمعتهم يصيحون: فليحيَ الاصلاح فليحيَ الإصلاح! وعلى الأثر، فتحت عيني، واذا أنا بالفراش والسَّاعة بلغت العاشرة صباحًا.ومن مقالاتها: “المرأة في باريس، في نيويورك، في الوطن والمهجر” المنشور في 2 تشرين الاول 1932. ومن خلال إقامتها في باريس وزيارتها لنيويورك، لاحظت أن الباريسية “تميل إلى التَّأنق واللّطف والرَّشاقة والتَّجمل والفتنة”. لكنها فضلت الأميركية عليها؛ لأنها “خرجت إلى الدَّائرة الواسعة وصارت أكثر إقدامًا من الرَّجل، ومعيشتها العائلية ممتلئة لياقة وحكمة”. والنِّساء في بلاد الشَّام المهاجرات “لا ينقصن رقيًّا وتربية ونشاطًا عن الأَميركيات اذا تثقفن في المدارس العالية” [جان داية: في مقاله المنشور في موقع (القديسة تريزا)، وهو منقول عن النَّهار].

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات