حَانَ وقْتُ الحِكايَةِ | الحكايةُ29 | سميرُ البناتِ وسميرُ البنينَ

01:40 صباحًا الخميس 20 أبريل 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

د. إيمان بقاعي   (ثلاثون حوارية منقَّحة ومزيدة أبطالُها: حفيدٌ وجدّتُه وجدُّه)

 [إهداء: إلى كل من لم يتسنَّ له سماعها مُمَثَّلةً عبر أثير إذاعة القرآن الكريم- دار الفتوى في بيروت – 2019]

(أ)

سامي:  أحببتُ يا جدي تلكَ القصةَ النَّثريةَ التي دخَلَ فيها الشَّعرُ فأعطاها… أعطاها… [يتوقفُ مفكرًا].

الجدّة (تساعده في إيجاد الكلمة): إيقاعًا؟

سامي (بفرح بقول جدته): نعم!

الجدّ: كما كلُّ الشِّعرِ يعطي عندَ قراءتِهِ موسيقا من خلالِ الإيقاعِ.

الجدّة: ولهذا يحبُّ الأطفالُ الشِّعرَ.

سامي: لأنهم يحبونَ الموسيقا.

الجدّ: نعم! تذكَّرْ، وراقبْ نفسَكَ أنتَ…

سامي (يركز ويكتشف بصوت بطيء): أحبُّ زقزقةَ العصافيرِ، وصوتَ الضّفدعِ، وصوتَ الهررةِ تموءُ، وصوتَ الكلبِ يعوي…

الجدّة:  ومرةً أحببْتَ صوتَ الجدّجُدِ. كنتَ- على ما أعتقدُ- في السَّنةِ الثَّانيةِ من عمرِكَ، وأدهشَتْكَ موسيقاهُ التي يُعتَقَدُ أنها ناتجةٌ عن احتكاكِ جناحيهِ، ورحْتَ تبحثُ عنه بعينيكَ بينَ أغصانِ الشّجرِ.

سامي: الجدّجُدُ؟

الجدّ (ضاحكًا): هو حشرةٌ سوداءُ، تقفزُ، وتطيرُ، تشبهُ الجرادَ.

سامي (بدهشة): يغنّي؟

الجدّة: يغنّي، وكنا- عندما كنا صغارًا- نسميه: صَيَّاحَ اللَّيلِ، أو الصَّرْصَرَ.

سامي (بقرف): الصَّرْصَرُ؟ يعني الصُّرصُورُ؟

الجدّ (ضاحكًا): لا؛ فالصُّرصُورُ قذرٌ يعيشُ في الأماكنِ القذرةِ، أما الجدّجُدُ، فهو نوعٌ من الجرادِ، يعيشُ في الطبيعةِ؛ ولكن: سموهُ صَرْصَارَ اللَّيلِ، لأنَّ صوتَهُ- يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ- اسمُه: الصَّرْصَرةَ. وصَرْصَرَ؛  في اللُّغةِ العربيةِ: صاحَ بصوتٍ شديدٍ متقطعٍ.

سامي: ولهذا سميَ الصُّرصُورَ صُرصورًا أيضًا؟

الجدّة (تشرح): فعلًا، لأنَّ له أيضًا صَريرٌ متتابِعٌ.

الجدّ (ضاحكًا): وبابُ المطبخِ الذي يصْدِرُ صريرًا متتابعًا كلما فُتِحَ أو أُغلِقَ، نسميهِ صُرصُورًا ريثما ندهنُ مفاصِلَهُ بالزَّيتِ!

سامي (ضاحكًا): صُرصُورُ ما قبلَ الزَّيتِ يا جدو عزيز.

الجدّة: اللُّغةُ قادَتْنا من الموسيقا إلى الصَّرصَرَةِ، وكادَتْ تنْسينا الحديثَ عن علاقةِ الأطفالِ بالشِّعرِ.

الجدّ: وهي علاقةٌ وثيقةٌ؛ ليسَ بسببِ موسيقا الشِّعرِ التي تجذبُ الأطفالَ وتسهِّلُ عليهِمْ حفظَ النَّصِّ فقطْ، بل لأنها: تُكْسِبُهم ألفاظًا جديدةً، سليمةً، فصيحةً، وتعلمهم السّلوكَ الجيدَ. [يتوقف عن الكلام، ويسألها فجأةً]: أتذكرينَ يا مهيبة خانم (سميرَ الأطفالِ)؟


محمد الهَرَّاوي

الجدّة (بفرح): أذكرُهُ..الجدّة [تخاطب سامي]: من زمااااااااااانْ يا سمسومةَ قلبِ جدتِكَ، يعني من أيامِ كنّا في الابتدائي، كان هناكَ شاعرٌ اسمُه: محمد الهَرَّاوي، مِنْ قريةِ (هَرِيَّةْ رَزْنَةْ) في مِصرَ، وقد عاشَ في مِصرَ وسوريةَ ولبنانَ وفلسطينَ،  يكتبُ أشعارًا للبناتِ نُشرَتْ في ديوانِهِ: (سمير الأطفالِ للبناتِ)، وأشعارًا للبنينَ نُشرَتْ في ديوانِه: (سمير الأطفالِ للبنينِ).

الجدّ (بتحدٍّ):  أذكرُ أنَّ أشعارَ البنينِ كاَنتْ أحلى.

الجدّة (رافضةً بتحدٍّ): بل أشعارُ البناتِ.

سامي: أنا الحَكَمُ؛ فمَن يبدأُ؟

الجدّ: ومَن يجرؤُ على أن يبدأَ قبلَ جدتِكَ؟

(ب)

الجدّة (بفرح): ما زلتُ أذكرُ قصيدةَ: (الكمالِ في السّوقِ)، وهيَ قصيدةٌ رائعةٌ:

أَنَا فتاةٌ إنّما

لي هِمَّةُ الرِّجالِ

أروحُ للخبّازِ

والقصَّابِ والبدّالِ

أشْري بنفسي حاجتي

مُنْجِزَةً أعمالي

أَحِمْلُها على يدي

في الطُّرقِ لا أبالي

ولا أرى ضرورَةً

تدعو إلى حمَّالِ

في ذلكَ انتقاءُ

حاجاتي وحفظُ مالي

ماذا يشينُ سُمعتي

إنْ سِرْتُ في كمالِ؟

الجدّة (تشرح لحفيدها): والقصَّابُ هو اللحَّامُ، أما البَدّالُ، فهو البَقّالُ، والشَّاعرُ يدعو الفتياتِ الصّغيراتِ إلى مساعدةِ أمهاتهنَّ، فيشترينَ أغراضهنَّ من الدّكانِ ويحملنَها عائداتٍ بكل فخرٍ إلى البيتِ.  

سامي (يستخلص): ونصيحةُ الشَّاعرِ هي: [أشْري بنفسي حاجتي\ مُنجزَةً أعمالي]، نصيحةٌ جديدةٌ لم تكنْ لتخطرَ لي على بالٍ لو كنتُ شاعرَ أطفالٍ.

الجدّ (يستلهم جواب حفيده): ولم تكنْ لتخطرَ على بالِكَ أنْ تنصحَ البنينَ- في عمرِكَ وأكبر قليلًا- على العملِ بعد المدرسةِ بدلَ قضاءِ الوقتِ محدّقينَ في (الآي باد) أو (التّلفاز)مما يُكسِلُ الأجسامَ ويعطّلُ العقولَ والعيونَ؛ فيقولُ في قصيدةِ (تلميذٌ ونجارٌ):

أنا في الصُّبْحِ تلميذٌ

وبعدَ الظُّهرِ نَجّارُ

فلي قلمٌ وقِرطاسٌ

وإزميلٌ ومنشارُ

وعِلْمي إنْ يكنْ شَرَفًا

فما في صنعتي عارُ

فللعلماءِ مرتبةٌ

ولِلصُّناعِ مِقدارُ

 سامي (بفرح): أيضًا نصيحةٌ جديدةٌ لم تكنْ لتخطرَ لي على بالٍ لو كنتُ شاعرَ أطفالٍ[وعِلمي إنْ يكنْ شَرَفًا\فما في صنعتي عارُ\ فللعلماءِ مرتبةٌ\ولِلصُّناعِ مقدارُ].

الجدّة (تسأل): وهلْ كانَ ليخطرَ ببالِكَ- لو كنتَ شاعرَ أطفالٍ يا سمسومةَ قلبي- أن تبنيَ على قولِ الرَّسولِ (صلى الله عليه وسلم): “تهادوا تحابّوا”، قصيدةً؟  

سامي (بدهشة): هلْ كتبَ الهَرَّاوي قصيدةً عن “الهديةِ”؟

الجدّ: وأوردَ شروطًا قد لا ينتبه إليها الصِّغارُ والكبارُ، فاسمعْ: 

تَقَبَّلِ الهديَّهْ

مِنْ حَسَنِ الطَّوِيَّهْ

وَعِفَّ عنْها مِنْ

يدٍ سيِّئَةٍ دَنِيَّهْ

فَرُبَّ مُعْطٍ حاجَةً

يَمُنُّ بالعَطِيَّهْ

وأنتَ إنْ أعطيتَها

فباليدِ النَّقيَّهْ

لا تُرهِقِ النَّاسَ بها

لغايةٍ خفيّهْ

تُدلي بها صُبْحًا وتبــ

ــغي مثلَها عَشِيَّهْ

أصلُ الهدايا ثِقَةٌ

وَصِلَةٌ وُدِّيَّهْ

الجدّة (تلخص): تقبَّلْ، وعِفَّ: في شروطِ تلقّي الهدية، ولا ترهقِ النَّاسَ بهديتِكَ تريدُ عنها بدلًا أو غايةً: في شروطِ تقديمِ الهديةِ.

(ت)

سامي (بدهشة): لو كانَ الهَرَّاوي حيًّا، لزرتُهُ في بيتِهِ وقدمتُ له هديةً علبةَ حلوى شكرًا له على نصائِحِه الشّعريةِ.

الجدّة: أرأيتَ يا سامي كم يفيدُ الشِّعرُ الأطفالَ؟

سامي: رأيتُ، رأيتُ.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات