حكايات شهرزاد كوريا … (جايجو) جزيرة الأحلام

12:51 مساءً الثلاثاء 1 يناير 2013
إيناس العباسي

إيناس العباسي

شاعرة وكاتبة وصحفية من الجمهورية التونسية، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

نرحل بعيدا باتجاه الزرقة المظللة بالأشجار العالية…واللون الأخضرالمعرش في أعالي الجبال يُوقد القلب بالحنين إلى مدن قديمة ومدن أخرى بعيدة…

ساعة طيران للوصول إلى جزيرة “جايجو” التي تقع في جنوب البلاد…و “جايجو” وجهة المتزوجين حديثا لقضاء شهر العسل…

وفيها  جبل “هالاسان ” المتكون من بركان خامد …بركان تشكلت حممه بعد أن بردت، صخورا وحجارة من الغرانيت بنى منها الكوريون جدران بيوتهم وأرصفة جزيرتهم…

و “جايجو” حلم أزرق مُطعم بالبحر…وفيها بامكانك أن تجد كل ما لن تجده في بقية البلاد: النخل والخيل وثمار “المندارين” و متاحف تحتفي بالحب….

كانت الأيام الثلاثة التي قضيناها هناك بصحبة الكاتب والانسان الرائع “هوانغ سوك يونغ” ، من أجمل الرحلات التي قمنا بها في كوريا…

فزياراتنا المنظمة من إدارة البرنامج cpi…كانت مجرد اطلالات خاطفة لا تجعلنا نتمتع بروح المكان…والسيد “كيم” (المدير المشرف على سير البرنامج العام) أو كما أطلقنا عليه خفية، نحن: المشاركون في البرنامج والمنسقات اللاتي يعملن تحت امرته، السيد “كيمتشي” (نسبة إلى المقبلات الكورية الشهيرة والتي من المستحيل أن لا تجدها على المائدة الكورية وفي كل الوجبات، حتى عند افطار الصباح…)

“جايجو” المدهشة بجمالها المتوحش في بدائية صخوره…. المفاجئة بتماثيل الـ”دولهاربانغ” الحجرية منتشرة في كل مكان ملفت للانتباه وعند الزوايا التي تلتقطها العين بسهولة في مفترق الطرقات وفي محطات البنزين لكنها تجسيمات من البلاستيك…وتمثال “الدولهاربانغ” Dolharbang  ببساطة عبارة عن العضو الذكري، على شكل انسان…تقول الأسطورة الشعبية أن من تلمسه سترزق بصبي….وفي “جايجو “أيضا ثلاثة متاحف تدور في فلك فكرة واحدة هي الجنس. لم نزر إلا واحدا منها: متحف ايروس…..كل هذا لا يتفق مع كون المجتمع الكوري مجتمع محافظ….ثلاثة متاحف دفعة واحدة…لكنني أعتقد أن متاحف جايجو سياحيّة أكثر منها توثيقية لتاريخ الجزيرة ذاتها…

تندس الموجة في خصر الجزيرة متغلغلة فيها حتى العروق الأبعد للتاريخ…من هنا عبر مغول وصينييون ويابانيون في حروبهم القديمة…أيام كانت الامبراطوريات القديمة تتصارع في فتوحاتها..بحروب، تحسبب فيها الغنائم والخسائر بعدد الأنوف المقطوعة و ليس بعدد الرؤوس….

من هنا عبر المغول أيضا…رحلوا في الأرض بعيدا بأحصنتهم وتركوها في جايجو…فهناك بضعة اسطبلات خيل في كوريا وكلها موجودة في جايجو…

مررنا من احداها ورأينا في ساحتها الخارجية بضعة  أحصنة، في الألق الضوئي لأشعة شمس أكتوبر الخفيفة…

وفي جايجو فقط، على أطراف طرقاتها الواسعة الملتوية ترى النخل…من أين جاء؟ من تركه عند عبوره بالبلاد في إحدى القرون البعيدة ؟

و الكوريون في “جايجو” مختلفون في ملامحهم القريبة جدا من ملامح المغول وأجسادهم أضخم مقارنة بأجساد سكان سيول…

و “جايجو” نفسها مختلفة في حركة شارعها صباحا …أكثر هدوءا وكأنها قرية كبيرة. وزيارتنا لأحد القصورالقديمة جعلتنا نعرف أنها قديما كانت المنفى التي كان يُنفى إليها المغضوب عليهم من حاشية الملك ومن النبلاء إذا ماقاموا بحماقة ما…

لم يكن يعاقبهم بالسجن أو القتل…بل بالنفي إلى “جايجو” !

والمكان بنفس التصميمات الكورية التقليدية يختلف عنها بمدرسة بناها أحد المنفيين كمُلحق للبيت …مع وجود مقبرة عائلية، عند أحد أطراف الحديقة، كهامش لا تستطيع العين أن تتجنبه….كانت شواهد القبر موزعة بشكل غريب لكنه مفهوم: حسب التراتبية الأسرية -الذكورية- الأب له الشاهدة الأعلى ثمّ تليها شاهدة الابن الأكبر وتكون أقل علوا منها ثمّ الإبن الثاني وهكذا دواليك…لكن السؤال الأهم: أين شاهدة البنت؟

سؤال كانت اجابته صادمة: إذا ما كانت متزوجة، لا تدفن مع عائلة والدها ولا تدفن في المقبرة الخاصة بعائلة زوجها….ولكن أين تدفن؟ في أي أرض مهمشة ودون شاهدة!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات