وقتما حل الرومان بتونس الجميلة الوادعة جلبوا معهم القتال حتى الموت بين البشر و الوحوش، و حتي بين البشر و البشر ..، و بنوا لهذا الغرض ”

كوليزيوم الجم ” ذلك الصرح العظيم الأكمل هندسيا من ” كوليزيوم روما ” الشهير، و إختاروا له مدينة ” الجم ” بولاية المهدية حاليا حيث يشتهر بإسم ” قصر الجم “، و قد إرتبط المكان في وقت إنشائه بتلك الأنواع الدموية الوحشية من المصارعة الرومانية حتى الموت .. بين البشر و البشر، و بين البشر و الوحوش، ثم إستخدم في أغراض متعددة ضمنها إستخدامه كحصن و مقر زمن المعارك التي دارت بين القائد العربي ” عقبة إبن نافع ” و سيدة البربر التي عرفت بإسم ” ديهيا الكاهنة ” ..، و  ربما إستخدامه كحصن و مقر لها هو الذي أكسبه إسم ” القصر ” ..

لكن تونس المعاصرة العاشقة المعشوقة المحبوبة المُحِبة أبت أن يظل ذلك  الصرح المهيب مرتبطا بالإقتتال و المعارك و مشاعر الكراهية .. فقررت تحويل المكان الرائع إلي مصدر للحب و السلام و الفرح .. و لم تجد أروع من الموسيقى و النغم لإيصال رسالتها إلى العالم لكي يعرفوا تونس الجديدة ..

–  و كعهدنا بها و كما الفناها كانت تونس تسمو بالسلام و الحب و الأنغام مع إفتتاح المهرجان الدولي للموسيقي السيمفونية بالجم مساء يوم  5 يوليو ” جويلية ” في دورته السادسة و الثلاثين و التي كان يفترض أن تكون الثامنة و الثلاثين لولا جائحة كورونا ” كوفيد 19″ التي جثمت على صدر البشرية بأسرها ..

المهرجان الذي سيمتد من 5 يوليو “جويلية ” إلى 12 أغسطس “أوت” إفتتح بالعرض  المشترك بين دولتي النمسا و تونس ” تحية من فيينا ” بقيادة المايسترو النمساوي ” مانفريد موساور ” الذي نجح بمهارة في خلق هارموني مكتمل و متكامل بين الأوركسترا السيمفوني النمساوي و أوركسترا أوبرا تونس، فضلا عن الغناء الأوبرالي في حالتي ” الصولو “.. أو الثنائيات حيث تألق التينور النمساوي “هانز جورج بيريز” و السبرانوا التونسية “نسرين المهبولي” ..

– و قد إنتصرت المقطوعات الخالدة ل ” أماديوس –  موتسارت”، و “شتراوس”، و “فاجنر” و غيرهم من أساطين الموسيقى الكلاسيكية للحق و الخير و الجمال .. إذ قهرت الماضي الدموي الوحشي للمكان الرائع العريق الذي أصبح أروع بفضل أنغام الموسيقى، كما تغلبت على بعد المسافة بين تونس و مدينة الجم بولاية المهدية حيث ينسيك سحر الموسيقى وعثاء السفر على الفور ..

– مهرجان الجم الدولي للموسيقي السيمفونية يتضمن برنامجه في دورته ال 36 ..  عشرة عروض، و قد عوض أوركسترا أوبرا تونس .. أوركسترا القاهرة السيمفوني في أحياء الحفل الذي كان سيقدمه يوم 8 يوليو “جويليه” الجاري بعد إعتذار أوركسترا القاهرة السيمفوني عن الحضور ..، و كان التعديل قد تم إعلانه بواسطة السيد/ مبروك العيوني المدير الفني للمهرجان .. في المؤتمر الصحفي الخاص بالمهرجان الذي إنعقد في النصف الأخير من شهر يونيو “جوان” المنصرم بحضور كل من السيدين “واصل بحري” عن مؤسسة فن و ثقافة “UIB”، “رمزي جنيح” رئيس جمعية المهرجان .. حيث قدم ثلاثتهم شرحا ضافيا لتاريخ المهرجان، و البرمجة، و التمويل، و كافة التفاصيل الخاصة به ..، و جدير بالذكر أنهم أشاروا إلى أن مهرجان الموسيقي السيمفونية الدولي بالجم تعترضه غالبا محدودية التمويل و من ثم فلابد من تضافر الجهود من كافة الجهات المعنية سواء كانوا من الجهات العمومية أو الخواص للوقوف إلى جوار أحد أهم المهرجانات في تونس خاصة و أن مكان المهرجان هو أحد إهم وجهات سياحة الأثار في تونس إن لم يكن أهمها على الإطلاق بالإضافة للبعد المضاف إليه كوجهة فنية نوعية ربما تميزه عن نظيريه .. “مهرجان قرطاج الدولي”، و “مهرجان دڨة” ..

– جدير بالذكر أن المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية بالجم .. قد تأسس بواسطة السياسي التونسي البارز “محمد الناصر” الذي شغل عدة مناصب سياسية رفيعة كان أخرها منصب رئيس مجلس نواب الشعب الأسبق، ثم منصب رئيس الجمهورية بعد إنتقال الرئيس التونسي الأسبق “الباجي قائد السبسي” إلى رحمة الله.

Tweet