أشرف أبو اليزيد ساردًا بين الرواية وأدب الرحلة |2 |

07:45 مساءً السبت 5 أغسطس 2023
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أشرف أبو اليزيد ساردًا بين الرواية وأدب الرحلة كان عنوان الندوة التي أدارها الصديق الروائي فؤاد مرسي، وتحدث فيها الأدباء والنقاد بهاء الصالحي وطارق عبد الوهاب ومحمد أبو الدهب.

 الندوة نظمها نادي القصة برئاسة الكاتب محمد السيد عيد وبالتعاون مع نقابة المهن الزراعية ونقيب الزراعيين في القليوبية المهندس سامي سعد، واستضافتها النقابة بمقرها على كورنيش النيل في بنها، من الساعة السادسة حتى التاسعة مساء الثلاثاء الأول من أغسطس 2023.  وتناول المناقشون أربع روايات: (شماوس) التي ترجمت للإنجليزية والكورية و(31)، و(حديقة خلفية) التي ترجمت للإنجليزية والماليالامية، وبثها مسلسلة البرنامج الثقافي بالإذاعة المصرية، و(التُّرجُمان)، كما تطرق الحديث إلى أدب الرحلة، ومؤلفات الكاتب (سيرة مسافر)، و( نهر على سفر )، و(أيام دمشقية)، و(قافلة حكايات مغربية) الذي تُرجم إلى الأسبانية في جامعة غرناطة… ننشر هنا، بداية، قراءة  طارق عبد الوهاب لرواية (حديقة خلفية):

أشرف أبو اليزيد | صراع الموروث الحضاري و سطوة المادة في ” حديقة خلفية  ”

يطالعنا أشرف أبو اليزيد بأكثر من وجه لموهبته الإبداعية في روايته الرائعة ” حديقة خلفية “، إذ يمتزج حس الشاعر المرهف ولغته الشفيفة مع تعددية المخزون المعرفي للرحالة الذي طالع عديد الثقافات مرتحلاً بين الشرق و الغرب فنهل منها و تفاعل معها، و يبرز السارد من بين هذا وذاك قادراً في حنكة ودربة ومهارة فائقة على إدارة الأحداث و خلق الرؤى و الدلالات عبر الحوار و النص و المشاهد القصصية المتلاحقة .

تدور الرواية في فناء حديقة خلفية لسراي السيد ” كمال ” رمزاً لصاحب الهوية الممسك بأطرافها خشية الفقد و الضياع في مهب رياح عاتية من التغيير و التحولات الباحثة عن المادة و الكسب السريع المشروع أحياناً و اللا مشروع في كثير من الأحيان، يحاول ذلك المحب لأهل مدينته و ضواحيها ألا يتخلى عن قناعاته و هويته وهو فاعل الخير و المصر على الاحتفاظ بروح الجمال و عبق التاريخ من خلال السراي التي يمتلكها و قد جعل منها قبلة لتسجيل الفنون بشتى صنوفها المعمارية و الفنية، يجتمع لديه أهل مدينته فينهلون من كرم ضيافته و يطالعون الجمال هنا وهناك من طراز معماري لآخر في واجهة وحديقة ووصال مع عديد الأشخاص و الأسر الذين يمثلون أصحاب الدور الملاصقة للسراي و التي تشكل مربعاً ناقصاً لضلع واحد تسعى قوى المادية و الاستثمار في الاستيلاء عليه و انتزاع ملكيته من خلال إغواء أهل الدور البسطاء بالمال أحياناً و أحلام السفر و الثروة أحياناً أخرى. ومن خلال تداعيات هذا الصراع تتعدد الشخصيات اللامحورية في الرواية والتي تتفاوت في التأثير على الأحداث، فهناك المهندس الزراعي ” مجدي ” الذي يعتني بالحديقة في غياب السيد كمال، ونراه وقد افتتن بحب ابنة اخته ” كاميليا ” هذه الشخصية التي تأثرت بحضارة الشرق من خلال اليوجا و قراءاتها في ثقافة الهند و حضارتها محاولة اجتذاب المهندس ” مجدي ” إلى هذا العالم المليء بالرموز و الدلالات ليعيشا معاً واقعاً واحداً تختلط فيه المتعة بالشبق و الواقع بالخيال.

وعلى الجانب الآخر نجد م. عبد الحفيظ ” المغترب في بلاد النفط و المال، والذي يقع فريسة لنهم ” الكفيل ” وجشعه نحو امتلاك كل ما هو ذو إرث و قيمة ربما لا يمتلكها هو في وجود المال فقط في خزانته، فيحاول ذلك الكفيل بمساعدة هذا المهندس البسيط أن يحتال على أصحاب الدور الملاصقة للسراي ليبيعوا حاضرهم و دورهم و أرضهم مقابل ثروة من المال لا تساوي بالتأكيد قيمة الماضي بذكرياته و تاريخه ولن تزيد في المستقبل عن كونها صفقة خاسرة ستفنى بالتأكيد في مجتمع يتجه نحو الاستهلاك و الهلاك وليس الجمال و البقاء.

في الحديقة الخلفية تحاك المؤامرات بين عديد الشخصيات في هذه المدينة المسالمة، كل يبحث عن بغيته، الثروة، الميراث، و العالم الجديد في ” ديمه بارادايس ” وهو اسم المشروع الذي يريدون استبداله بتلك السراي التي اجتمعت بين جدرانها كل الذكريات و شواهد العصر على ما احتمله من خير و جمال و فن. فهل كان النصر حليفاً للمتآمرين أم للبسطاء المحبين ؟!

يقتل السيد ” كمال ” في يوم زواج ابنة أخيه ولا ندري من القاتل، و يتهم ” مجدي ” بأنه الفاعل و مرتكب الجريمة بغرض الحصول على الميراث السريع، بينما الفاعل الحقيقي يختفي وراء الأسوار العالية للحديقة الخلفية، نجهل من يكون وإن كنا على يقين أن وجهه و شخصيته و اسمه المدون في بطاقة الهوية أمر لا يهم، فالكل مشترك في هذه الجريمة دون ريب، من باع الدار و الأرض بأبخس الأثمان، من خالف الضمير و خان المحب بوعود زائفة و بلا مقابل منطقي، و تظل الحديقة الخلفية رمزاً لساحة الصراع بين الماضي و التاريخ والجمال في مواجهة الحاضر و المادة و القبح.

بلغة شاعرة، و أحداث متلاحقة لاهثة و حبكة درامية مميزة يصوغ ” أشرف أبو اليزيد ” الرواية، يكتبها بحس الشاعر و ثقافة الرحالة و فكر السارد المتمكن من كافة الأدوات، تاركاً للقاريء مساحة من الجمال و الضوء يتحرك فيها، تسلمه الشخصيات من مضمون للخلفيات التاريخية و المعاني الإنسانية إلى تحولات دلالية لمتغيرات مجتمعية صارت مسيطرة على الواقع في مدينة صغيرة تجاور النهر الخالد وتعبر عن وطن كبير. إن احتفاء ” أشرف أبو اليزيد ” بالمكان و الزمان يبدو جلياً في تكنيك الكتابة من خلال تقسيم العمل إلى فصل استهلالي ة أربعة فصول تعبر عن الحياة و الواقع : ” جنة بلا ناس “، خريف الغياب، شتاء العشق، ربيع السفر، و صيف العودة. أسلوب منظم اعتمده الراوي و السارد الحكيم ليعبر عن الحياة في زمانها ومكانها مختزلاً معاني أيامها و أحداثها و متيحاً للقاريء الفرصة الذهبية لتكوين رأيه و الاستمتاع به كنتيجة حتمية لاستيعابه للأحداث و ما وراءها من دلالات.

إن الدهشة المصاحبة لهذه الرواية هي بالتأكيد بصمة نجاح لعمل روائي ودليل مؤكد على أن هذا العمل استطاع تجسيد الصراع و الأزمة بين الموروث اللا محدود وسطوة المادة ذات القيمة المحدودة في عالم اليوم و ربما كل ما ستأتي به الأيام التالية.

                                                                             طارق عبد الوهاب جادو

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات