التَّرْبِيَةُ وأدبُ الأطفالِ والنّاشئةِ

09:45 صباحًا الأربعاء 20 سبتمبر 2023
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية لبنانية، أستاذة جامعية متخصصة في الأدب العربي وأدب الأطفال والناشئة، وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بقلم: د. إيمان بقاعي (19\9\023)

التَّرْبِيَةُ وأدبُ الأطفالِ والنّاشئة

التَّرْبِيَةُ (ر ب و): مصدر (رَبَّى)، وهو تَنْمِيَةُ قِوَى الإنسانِ الطّبيعيّةِ والعقليّةِ والأدبيّةِ والفنيّةِ تنميةً تُعِدُّه لنَفعِ نَفْسِه ومُجْتَمَعِه، كما تُكْسِبُه الجَدَارَةَ الاجْتِمَاعِيّةَ اللَّازِمةَ لمُوُاجَهَةِ مُحِيطِه. أما (عِلم التّربيةِ)، فعِلمٌ يُعْنَى بفَنِّ تثقيفِ الأَوَّلاد وتهذيبِهم وتَنشئتِهم.

بِسْتالوزي Pestalozzi  (1746- 1827م) وجان جاك روسو:

ويرى بِسْتالوزي Pestalozzi : أنَّ  التّربية تقومُ على: “الجمع بين العَمَل الفكريِّ واليدويِّ، والتَّعْليم المتبادَل [تلاميذ الصُّفوف الكُبْرى يعلِّمون تلاميذ الصُّفوف الدُّنيا]، وتنمية المشاعر الخلقية وقوى النَّفْس الدَّاخِلية”.

ويؤمنُ مع الكاتب الفرنسي جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau( 1712- 1778) بصلاح الطَّبيعة البشريَّة، واعتبار أن (التَّرْبية النَّاجحة) ترتكز على أمرينِ:

  • احترام قِوى الطِّفْل.
  • وتربيته على اكْتِسَاب خبراته من بيئته المباشرة من خلال الحواس والتَّفاعل مع الأشياء.

 أفلاطون Plato (428- 347 ق.م)

وقد ذكرَ الفَيْلَسوف اليوناني أفلاطون Plato صاحب كتاب (الجمهورية The Republic) مبادئَ النّمُو عند الطِّفْل وخصائصه في المراحل المختلفة، واهتمَّ باكتشاف أفضل الطُّرق لتربية (الشَّبَاب) وتهيئتهم للمواطنة.

أرسطو Aristotle (348- 322 ق.م)

كما اهتم الفَيْلَسوف اليوناني أرسطو Aristotle  أيضًا بوصف (مَرْحَلَة المُراهَقَة)[1] ، فشكَّلا البذور الأَوَّلى الفعليَّة لعِلْم نفس النّمُو.

التّربيةُ والعلماءُ والمفكرونَ العربُ

وقد دوَّنَ العلماءُ والمفكرونَ العربُ رؤاهم المنهجيَّةَ في التَّربيةِ الصَّحيحةِ القويمةِ في مؤلفاتِهم؛ف:

(أ)[ابن سينا] يجعلُ أساسَ التَّربية مُراعاة مُيولِ الأطفالِ واستعدادِهم، حتى لا يُرهَقَ الأطفالُ بأعمالٍ يصعبُ عليهم أداؤُها؛ لأنها لا تجري مع رغباتِهم. وعلى ذلك، فـ[ابن سينا] يحترم الميولَ مهما كانت متواضِعَة.

كذلك عالجَ هذا الفيلسوفُ (مشاكلَ التَّأديبِ) بطريقةٍ يتجلَّى فيها الحَزْمُ الممزوجُ بالرِّفْقِ؛ فرأى أن “يجنَّب الصَّبيُ معايِبَ الأخْلاق بالتَّرهيب والتَّرغيب، والإيناسِ والإيحاشِ، والإعراضِ والإقبالِ، وبالحمد مرَّةً وبالتَّوبيخِ مرَّة أُخرى، ما كان كافيًا؛ فإن احتاجَ للاسْتِعانة باليدِ لم يُحجَمْ عنها”.

(ب)أما[الغزالي] الذي يُعَتبر حُجَّةَ الإسْلامِ، والذي كان لآرائِه أكبر الأثرِ في تفكيرِ المسلمين في العصور التَّالية، فيتكلَّم عن الطُّفُولَة بعطفٍ ورقَّة لا حد لهما. فهو يصفُ الطِّفْلَ بأنه “أمانة عند والديْه، وقلبه الطَّاهر جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ”، ومن ثم يجبُ على وليِّ أمرِ الطِّفْلِ أن يقوم بإرشادِه بأمانةٍ وإخلاص. وهو يوجبُ مراعاةَ شُعورِ الطِّفْل؛ فيقول:

“إن الطِّفْلَ المُستحي لا ينبغي أن يُهمَل، بل يُستعانُ على تأديبِهِ بحيائِه وتمييزِه”. كما يرى: “ألَّا يُؤخذ الطِّفْل بأول هَفْوَة، بل يُتَغَافلُ عنه ولا يُهْتَك سرُّه، ولاسيَّما إذا سترَهُ الصَّبي واجتهدَ في إخفائه”؛ كما ينصح المربي: “أن ينظر في مرضِ المريضِ وفي حالِ سنِّه ومزاجِه وما تحتملُه نفسُه من الرِّياضَة ويبني على ذلك رياضتَه”.

(ت) [ابن الحاج العبدري]: ويذكّرُ [ابن الحاج العبدري] المربيَ بتفاصيلَ لا يخرج مرماها عن مراعاةِ المسلمينَ لشعورِ الأطفالِ. فهو ينصحُ المؤدِّب مثلًا:

(أولًا) الغداء والفقراء: ألا يسمحَ للتَّلاميذ أن يحضروا غداءَهم إلى الكُتّاب، أو يحملوا نقودًا لشراءِ ما يرغبون من الطَّعَام، حتى لا يتألمَ الطِّفْلُ (الفقيرُ) الذي لا يمكنُه مجاراةَ الموسرين في مظاهرِ يُسرِهم. وعلى ذلك؛ فهو يفضِّل أن يرجع الأطْفَالُ أجمعون إلى منازلِهم للغداءِ.

(ثانيًا) لَعِبُ الأطفال:  ويرى [العبدريُّ] أيضًا أنْ  يلعبَ الأطْفَالُ لعبًا جميلًا بعد انصرافِهِم من المكتبِ حتى تذهبَ عنْهم آثارُ التَّعَبِ والمللِ، وحتى يستأنفوا دروسَهم بشوقٍ واهتمامٍ.

التّربيةُ والمحسِناتُ والمُحسِنون

ولم تكن رعايةُ الأطْفَالِ مقصورةً على المفكرينَ والمشتغلينَ بالتَّرْبيةِ؛ بل قامَ المُحْسِنون بإنشاءِ (المَعَاهِدِ الخيريَّة) لتعليمِهم وحمايتِهم. وكثير من الكتُبِ الإسلاميَّةِ تفيضُ بذكْر (الكتاتيبِ) التي بُنِيَت لتعليمِ اليتامى والمساكين وإطعامِهم وكسوتِهم.

ولقد ساهمَتِ المرأةُ المسلمةُ بقسْطٍ وافر في هذا الميدانِ، إذ يذكرُ [المقريزي] في كتابِه (الخطط) أسماءَ كثيرٍ من النِّساء اللَّاتي قمْنَ ببناءِ (الكتاتيبِ)، وحبسْنَ عليها الأموالَ والأملاكَ لتعليم أبناء الفُقَراء كتابَ الله.

وكثيرًا ما كان يُبنى (الكُتَّابُ) بجانبِ المدرسَةِ والبيمارستان (المستشفى) مما يسهِّلُ حصول الأطفالِ على العلمِ والعلاجِ.

علمُ التّربيةِ و(أدبِ الأطفالِ والنّاشئةِ)

وقد ارتبطَ علمُ التّربيةِ بـ(أدبِ الأطفالِ والنّاشئةِ) بعد أن انتقلَ الثَّانِي من شكله الشَّفَهِيّ في المجتمعاتِ كافة منذ القديم- إذ كان يروى على أَلْسِنَة الأُمَّهَات والجدات والرّواة، وكان متشابهًا في نشأته وتطوره- فتحوَّل إلى مكتوبٍ، ارتبط بالتَّربية والتَّعْليم ارتباطًا وثيقًا لم يستقلَّ فيه ليصبحَ واضحَ المفهوم والهوية كما هو عليه اليوم.

أما (الأهدافُ المشترَكة ُبين التَّربيةِ والأدبِ)، فتسْعى هذه الأهدافُ إلى:

(أ)تنميةِ القدرة على التَّعْبير تحدُّثًا وكتابةً.

(ب) الفهم.

(ت)قنص الأفكار الدَّقيقة المهمَّة، والتَّلخيص، واستخراج عبرة أو فكرة؛ مما يعني: تنمية الثّروة اللُّغَوِيّة بالاعتمادِ على تنميةِ القدرة على التَّفْكير تحليلًا وكتابةً واستقراءً واستنتاجًا واستدلالًا، وتنمية القدرة على نقل الخبرات إلى مواقفَ مشابهةٍ.

(ث)تنمية ملَكَة التَّصورِ والتَّخيلِ، ومَلَكة الإبداع، ما يؤدي إلى تنمية الإحساس بجمال النَّص الأدبيِّ تصويرًا وتعبيرًا وفكرًا وشعورًا؛ أي صقل المشاعرِ.

(ج) توجيه السُّلُوك الاجْتِمَاعِيّ والأخلاقي، وهو ما يسعى (أدب الأَطْفَال والنَّاشِئة) له.

(ح)تجدرُ الإشارةُ إلى أن اهتمامَ رجال التَّربية وعلم النَّفْس بالطُّفُولَة والأَطْفَال هو الّذي أدى إلى الوصولِ إلى (مَرْحَلَة الكِتَابَة لِلأَطْفَالِ والنَّاشِئة)، وهي المَرْحَلَة الَّتي بدأ الأدباء فيها الكِتَابَة لِلطِّفْلِ.

مكتبة الدراسة:

1-د. إيمان بقاعي: مُعْجَم أَدَب الأَطْفَال(1 ـ 12 سنة) والنَّاشِئَة (12 ـ 21 سنة).

1-د. إيمان بقاعي: قصَّة الأَطْفَال والنَّاشِئة في لبنان (جدلية الشّكل والموضوع).


[1] – [المُراهَقَة المبكرة Early Adolescnce:  12-14سنة]، و[المُراهَقَة الوُسْطَى  Adolescnce Middle: 15-17 سنة]، أي مَرْحَلَة الإِعْدادِيَّة فالثَّانويّة. وتمتاز المُراهَقَة بأنها “فترة عواصف وتوتر وشدة  تكتنفها الأزمات النَّفْسية وتسودها المعاناة والإحباط والصِّراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات