أفلام مصرية برائحة الروايات العالمية

04:28 مساءً الخميس 3 يناير 2013
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

فى تاريخ السينما العربية فى مصر، فإن أجمل الأفلام، كانت دوماً مستوحاة من النصوص الأدبية، سواء العربى منها أو العالمى.

وبالنسبة للعلاقة بين السينما المصرية، والأدب العربى، فإن المصريين لم ينظروا حولهم قط، إلى الآداب المنشورة فى البلاد العربية الأخرى، وليست هناك رواية عربية واحدة تحولت إلى فيلم مصرى، عدا رواية “غابة من الشوك” تأليف الكاتبة السورية هدى الزين، والتى حولتها ايناس الدغيدى إلى فيلم “الباحثات عن الحرية” عام 2001، وتدور أغلب أحداثها فى باريس.

أما الرجوع إلى الأدب العالمى، لتحويل بعضه إلى نصوص سينمائية مصرية، أو ما سمى بالتمصير أو الاقتباس، فإن الأمر أكثر تشابكاً ويحتاج إلى المزيد من التفاصيل، حيث أن عدد الأفلام المصرية التى تم اقتباسها من السينما العالمية كبير، من الصعب حصره بالضبط، وهناك الكثير من الأفلام العالمية التى تم اقتباسها بدورها من نصوص أدبية، سواء تم ذلك فى السينما الأمريكية، أم الفرنسية، أو الايطالية، والألمانية، لكن المقتبس لهذه النصوص، رجع فى الغالب إلى الأفلام، دون أن يرجع إلى الروايات المأخوذ عنها هذه الأفلام، مثل فيلم “شرق عدن” لايليا كازان عام 1953، المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه للروائى جون شتاينبك، وهى رواية ضخمة الحجم، لم تترجم قط إلى اللغة العربية، وبالتالى فإن فيلم “عجايب يا زمن” لحسن الإمام عام 1975، مأخوذ مباشرة من الفيلم الأمريكى الذى قام ببطولته جيمس دين، وليس عن الرواية.

ومن هنا تأتى حساسية المقارنة بين النص السينمائى المصرى المقتبس عن فيلم عالمى مأخوذ بدوره عن رواية عالمية، فهناك حالة أكثر وضوحاً وهى فيلم “من أحب” لماجدة عام 1965، فالفيلم مأخوذ مباشرة عن الفيلم الذى أخرجه فيكتور فلمنج عام 1939، وليس عن الرواية التى نشرت لمرجريت ميتشيل عام 1936، رغم أن الرواية قد نشرت ملخصة باللغة العربية عديد من المرات، لعل أشهرها سلسلة روايات عالمية عام 1964، فالرواية الأصلية تقع فى مئات الصفحات، وفى جزئين كبيرين، حسبما صدرت مثلاً فى سلسلة روايات الجيب الفرنسية، وحتى لو افترضنا أن وجيه نجيب الذى كتب سيناريو الفيلم المصرى قد قرأ الرواية، فإنه رجع إلى الفيلم، لشدة التقارب بين سلوك الابطال فى الفيلمين.

وعلى جانب آخر فإن هناك ظاهرتين تلفتان النظر فى هذا الشأن، تتعلقان بأن هناك سينمائيين عملا فى مجال الترجمة للمسرح، عزفوا على مسألة اقتباس النصوص إلى اللغة العربية وتحويلها إلى مسرحيات، ابان ازدهار المسرح فى العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى، الكثير من هذه النصوص تحولت إلى أفلام، وما أكثر هذه الأسماء، ابتداء من ادمون تويجا، ويوسف وهبى، وزكى طليمات، واستيفان روستى، ثم دخل فى هذا المجال هنرى بركات وحسن الامام، وقد تم أغلب ذلك عن اللغة الفرنسية، ثم الانجليزية، والايطالية والالمانية، أى أن أصحاب هذه الأسماء قاموا بترجمة النصوص، أو قراءتها باللغة الأجنبية بهدف تمثيلها فى مصر، سواء على المسرح، أو فى السينما..

أما الشق الثانى، أو الظاهرة الثانية، فهى صدور السلاسل الأدبية التى تعنى بترجمة الروايات العالمية إلى اللغة العربية، وقد كان عمر عبدالعزيز أمين فى اصداره أسماء المترجمين، وهو أيضاً ناشر، وقد أصدر سلسلة “روايات الجيب”، والعديد من الاصدارات الفنية، مثل مجلة الاستديو، حيث خرجت هذه السلاسل على ترجمة أرقى الابداع العالمى، اما بشكل مختصر، أو ترجمات كاملة، وقد استمرت هذه السلاسل لفترة طويلة، وكانت بمثابة المتبع الأساسى لصناع الافلام فى مصر.. حيث أن روايات الجيب، قد صدرت اعدادها مجددا فى سلسلة “الروايات العالمية”، وذلك بالاضافة إلى سلاسل اسبوعية أو شهرية تعنى بالابداع المسرحى العالمى، ومنها “روائع المسرح العالمى”، و”مسرحيات عالمية” وكانت هاتان السلسلتان زخراً للمقتبسين المصريين بنفس درجة مكانة الروايات.

هذه هى منابع القصص والمسرحيات العالمية المكتوبة، والتى رجع إليها كاتب السيناريو المصرى بشكل دائم ومستمر بما يعنى هنا أن كاتب السيناريو، قرأ النص الأدبى الأجنبى، سواء كان رواية، أو قصة قصيرة، أو مسرحية، وعلى سبيل المثال، فإن مصطفى محرم عندما اقتبس مسرحية “سوء تفاهم” تأليف ألبير كامى، وحولها إلى فيلم “المجهول” لأشرف فهمى، فإنه قرأ المسرحية المترجمة باللغة العربية، على أكثر تقدير، وأن الفيلم مأخوذ مباشرة عن النص الأدبى الذى كتبه كامى، والغريب أن هذه المسرحية لم تتحول إلى فيلم فى أى بقعة أخرى من العالم، بأى من اللغات، أى أنها حالة فردية، وبالتالى فإن الاختلافات بين النص الأدبى، والفيلم الذى تدور أحداثه فى كندا يرجع وجودها إلى كاتب السيناريو.

ألبير كامى

وقد حدث الشىء نفسه فى نصوص مسرحية ايطالية مثل مسرحية “جريمة فى جزيرة الماعز” للكاتب ارجوبتى التى تحولت إلى فيلمين مصريين فى عام واحد تقريبا.

وهذه المسرحيات تم اقتباسها من الترجمات العربية، أى أن كاتب السيناريو لم يقرأها فى لغتها الأجنبية، إلا أن هذه الظاهرة تختلف بالنسبة لبعض النصوص الأدبية التى اقتبسها حسن الإمام وبركات، حيث أنهما كانا يقرآن الآداب بلغتها الأصلية، وهى الفرنسية، وسوف نرى حالة غريبة فى مسألة الرجوع إلى النص الأصلى لتقديمه فى معالجة مصرية، وهذه الحالة تتمثل فى النص الفرنسى لـ “غادة الكاميليا”، حيث أن الرواية التى كتبها الكسندر ديماس الابن تختلف تماما عن الموضوع الذى تم تحويله إلى خمسة أفلام مصرية، إلا أن التشابه واضح بين المسرحية التى كتبت بالفرنسية عن النص الأدبى، وبين الأفلام المصرية التى ذكرناها، ومنها “ليلى” لتوجو مزراحى، و”عهد الهوى” لأحمد بدرخان، و”عاشق الروح” لأحمد ضياء الدين، و”رجال بلا ملامح” لمحمود ذو الفقار، أى أن النص الفرنسى، قد تم تحويله إلى أكثر من وسيط منها لمسرحية، وأوبرا “لاترافيانا”، ومن الواضح أن الذين اقتبسوا النص، قرأوا النص المسرحى، ولم تلفت الرواية أنظار من قاموا بالاقتباس ، وهذه المسرحية ترجمت إلى اللغة العربية لتحويلها إلى نص مسرحى، لكنها، على حد علمى، لم تطبع قط فى كتاب.

فالرواية، على سبيل المثال، تنتهى باستدعاء مرجريت جوتييه للقس، وهى على فراش المرض، وعندما يعلم القس أنه سوف يذهب إلى بيت غانية، يروح يقدم خطوة، ويؤخر أخرى، لكنه استمع إلى اعترافها، وعندما خرج من بيتها بعد عدة ساعات ردد: لقد عاشت عاهرة، وستموت قديسة، وقد ماتت مرجريت فى الرواية دون أن يعرف ارمان “دوفال” أن اباه ذهب إليها من أجل ابعادها عن ابنه، وتنتهى بالجنازة التى لم يمشى فيها سوى رجلان فى سن متقدمة.

أما فى المسرحية الفرنسية، فإن مرجريت بعد أن وعدت والد حبيبها أن تقطع علاقتها به، فإنها تعود إلى حياة الصخب، ويعود أرمان إلى المجون، وعندما يحاول أن يعرض عليها حبه، فترفض، فيوجه إليها اهانة، وعندما تلازم مرجريت الفراش، يتراجع الأب عن موقفه، ويبلغ ابنه بما حدث، وتموت المرأة بين ذراعى حبيبها الذى عرف الحقيقة، وهذا المشهد يفضله المشاهدين، لذا فإن الأفلام المصرية والعالمية التى تعاملت مع النص الأدبى، التزمت بالمسرحية.

من ناحية جنسية الأدب، فإن الروايات والمسرحيات المكتوبة بالفرنسية، قد وجدت الاقبال الأكثر من ناحية المقتبس المصرى، وأغلبها ينتمى إلى القرن التاسع عشر، وهى أعمال تسمى بالرواية الشعبية، وعلى رأسها “الكونت دى مونت كريستو” تأليف الكسندر ديما الأب التى ظهرت فى ستة أفلام مصرية من أبرزها “أمير الانتقام” 1950، “امير الدهاء” 1964 وكلاهما من اخراج بركات، حيث وضع النص فى اطار تاريخى، للحدث عن القهر السياسى، والتعذيب بحرية أكثر، وهى رواية تحولت كثيراً إلى أفلام ومسلسلات عالمية، حول الانتقام النبيل الذى يقوم به بحار زج به إلى المعتقل مظلوماً، فى ليلة زفافه، بمؤامرة مقصودة دبرها أربعة من خصومه، فلما هرب من المعتقل، عثر على كنز أرشده إليه أحد السجناء فى المعتقل، فإن سعى إلى الانتقام من هؤلاء الخصوم من خلال توريطهم مالياً، وكشف خسة أحدهم أمام أسرته وهو الشخص الذى دبر المؤامرة للبحار من أجل الحصول على خطيبته.

أما النص الأدبى الثانى، من حيث التهافت عليه، فهو، كما أشرنا “غادة الكاميليا”، وقد فتش كل من بركات، وحسن الامام، دوما فى صفحات الروايات الشعبية، لتحويلها إلى افلام، وتبادل الاثنان الأدوار، فبركات هو الذى قدم رواية “ملك الحديد” لجورج اونيه فى فيلم “ارحم دموعى” عام 1953، تلك الرواية التى شاهدناها مقتبسة عام 1940 تحت اسم “حب وكبرياء” والغريب أن توفيق الحكيم نفسه قد اقتبس الرواية، وحولها إلى قصة قصيرة باسم “ليلة الزفاف” فى مجموعة بالاسم نفسه، وقام بركات باخراجها فى فيلم ينسب إلى الحكيم عام 1966، أى أن بركات أخرج الرواية نفسها مرتين، مثلما سبق أن فعل مع “الكونت دى مونت كريستو”، ويأتى موضوع الرواية، والأفلام المصرية، غريبا على العادات الشرقية، فهناك عروس تعترف لزوجها الذى أنقذ أسرتها من الديون، إنها تحب رجلاً آخر دونه، وكل ما يفعله هذا العريس أن يتفقا على الطلاق، وأن يظلا مرتبطين صوريا، وفيما بعد تتحول مشاعر الزوجة إلى رجلها فتدافع عنه، وتتحمل الاهانة من أجله، وهو أمر غريب بالنسبة لنا.

ورغم ذلك فإن التوليفة نجحت، وشاهد المصريون القصة من خلال أربع معالجات متقاربة، حول الزوج الثرى النبيل الذى يفاجأ أن حبيبته وهبت قلبها لرجل آخر، فآثر هو ألا يحصل منها على جسدها.

وقد شغفت السينما المصرية أيضاً برواية “كارمن” لبروسيير ميريميه، والتى تحولت إلى أوبرا لحنها بيزيد، والرواية قصيرة حول ضابط يعشق امرأة غجرية من الصعب الامساك بها، فيترك خدمته من اجلها، ويتحول إلى خارج عن القانون، ويقتلها بدافع الغيرة فى الرمال، ويهيم على وجهه فى الصحراء.. رأينا هذا العمل فى فيلمين فى نفس العقد هى “الشيطان امرأة” لنيازى مصطفى، و”امرأة بلا قيد” لبركات، وفى الفيلم الأول لم تكن ياسمينة غجرية إلا أن “نور” فى الفيلم الثانى، صارت غجرية جلبت البؤس إلى المجند الذى أحبها، فاقتتلا بعد أن تحابا، وأصاب الملل المرأة، مما دفع بالعاشق أن يتخلص منها، قبل أن تقبض عليه الشرطة، أى أننا هنا أمام مأساة عاطفية تنتهى بموت العاشقين او أحدهما، والجدير بالذكر أن هذه الروايةهى من أكثر الابداعات العالمية التى تحولت إلى افلام ومسرحيات فى كل أنحاء العالم، وايضا فى مصر، فالناس تميل إلى مشاهدة الغجريات المتحررات، وقد تملك منهن الحب، ثم لا تلبث العاشقة أن تميل إلى رجل آخر.. هذه هى علاقتها.

ومن أدباء فرنسا فى القرن التاسع عشر، قدمت السينما أكثر من رواية للكاتب فيكتور هيجو، خاصة “البؤساء” التى لم تتوقف شركات الانتاج فى كل الدنيا عن تحويلها إلى افلام، آخرها الفيلم الذى قام ببطولته ليام نيسون ثم الفيلم الذى يعرض فى نهاية عام 2012 فى الولايات المتحدة.

فى ع ام 1943، كان فيلم “البؤساء” لكمال سليم عملاض خما، قام عباس فارس ببطولته، حول المواطن الطريد، الذى عرف سبل الفقر، والثراء، طوال حياته، فدخل السجن، وخرج ليصبح عمدة إحدى القرى، وتبنى طفلة صغيرة، هى ابنة لعاهرة سابقة، ويسعى إلى تزويجها وحملها اسمه، والرواية مليئة بالتفاصيل، مثل اصرار الرجل ألا يوقع على وثيقة الزواج باسم مزور، وهو موضوع محبب لدى القارىء والمتفرج، والحقيقة أن الفيلم الذى أخرجه عاطف سالم عم 1978، كان أقل قيمة من فيلم كمال سليم، ولم يرتق فريد شوقى إلى أداء عباس فارس وبدا كأن الزمن يصير باهتا عندما يتحرك نحو الأمام.

من الأدباء الفرنسيين فى القرن التاسع عشر، هناك اميل زولا، وروايته “تيرير راكان” التى قدمها صلاح أبو سيف مرتين، وقدمها أيضا أشرف فهمى عام 1981 باسم “الوحش فى الانسان” وهى رواية تدور أحداثها فى بيئة شعبية، حول فتاة مغلوبة على أمرها، تقرر خالتها أن تصنع مصيرها، فتزوجها من ابنها المعاق، وتصير تيريز عشيقة لصديق زوجها الذى يتردد على البيت، ويقومان معاً باغراقه فى النهر، ويتزوجان، وما تلبث النزاعات والشعور بالندم أن يستوليا عليهما، فيقتتلان، ثم يقرر الاثنان الانتحار من نفس زجاجة السم أمام عينى الام الساكنة فى مكانها دوما.

لم تتغير التفاصيل التى كتبها زولا عندما تحولت روايته إلى أفلام مصرية، وفرنسية، وأمريكية، فالموضوع الرئيسى هو المرأة الشعبية المغلوبة على أمرها، وهى تعيش ظروفاً حياتية تدفعها إلى قبول الغواية، وتلعب الخالة دوراً رئيسياً فى تحريك الأحداث، حتى بعد أن أصابها البكم، بسبب معرفتها بأن ابنها مات مقتولاً.. وقد بدا الفيلم الأول “لك يوم يا ظالم” عام 1951 متماسكاً، وجيداً مما شجع المخرج على أن يستعين بالسيناريو نفسه دون اضافات لتنفيذه مرة أخرى عام 1977 فى فيلم “المجرم”، لكن الفيلم خرج باهتاً، وكأن السنين تطبع أثرها السلبى على مخرج متميز، أما فيلم “الوحش فى الانسان” فإنه اكتسى بسوداوية ملحوظة، وكأن الناس قد شبعت من هذا اللون من القصص.

قدمت السينما المصرية روايات مأخوذة عن اونوريه دوبلزاك، ومسرحية “السيد” لكورنى وايضا مسرحية “البرجوازى النبيل” لموليير، ورواية “ماجدولين” لألفونس دى كارا والتى كتبها بأسلوب الخاص مصطفى لطفى المنفلوطى، وذلك ضمن قائمة أسماء الأدباء الذين انتموا إلى الأدب الكلاسيكى ما قبل القرن العشرين، أما وإذا هل هذا القرن، فإن السينما المصرية، التفتت إلى نصوص مسرحية وروائية لأبرز الكتاب الفرنسيين منهم جيل رولان صاحب رواية “دكتور كنول” التى حولها عباس كامل إلى فيلم “أنا الدكتور” عام 1969، وهذه الأعمال اقتبست بشكل مباشر من النصوص الأدبية، وليست السينمائية، وهى خطتنا فى هذا البحث، ومن أدباء القرن الماضى أيضاً رواية “البرتا” للكاتب بيير بنوا، حول رجل مخادع يرمى شباكه على البنت وأمها، فيقتل الابنة بعد أن يتزوج منها، وتفوح جريمته فى القرية، بعد أن كاد أن يلحق الام بابنتها.

ومن الفكرة العامة لرواية “تاييس” تأليف أناتول فرانس – جائزة نوبل 1921 – رأينا أفلاماً مصرية تدور حول فكرة الأب، أو الأخ الاكبر المتدين، الذى يذهب إلى المدينة، من أجل انقاذ الابن الأصغر، أو الشقيق، من غواية عاهرة، فإذا به يقع فى الخطيئة، فى نفس اللحظة، التى يقرر الشاب النزق أن يتوب.

هذه الفكرة صاغها فرانس فى اطار تاريخى.. فى مدينة الاسكندرية فى العصر الرومانى، حول قس متشدد يدعى باقنوس يسمع بالراقصة الجميلة تاييس التى عرفت العديد من الرجال، فيقرر أن يدفعها إلى الهداية، وبعد عدة محاولات، فإنه يقع فى هواها، لتعشق جمال الجسد فيها، وصار وثنيا، أما هى فقد اهتدت.

فى فيلم “كهرمان” اخراج السيد بدير عام 1958، ينزل الشيخ إلى مدينة الاسكندرية من أجل ابعاد أخيه الاصغر عن غواية العاهرة كهرمان، التى تتوب على يدى الشيخ فى الوقت لاذى يغرم بها، وقد اختار الفيلم أن تتوب كهرمان وتموت فى شهر رمضان، كنوع من طرح أحد الحلول للموضوع.. كما أن احسان عبدالقدوس استقى نفس الفكرة، وقدمها فى سيناريو سينمائى بعنوان “ابى فوق الشجرة”، حيث نزل الأب إلى مدينة الاسكندرية من أجل انقاذ ابنه من غواية عاهرة له، وفى المدينة فإن الأب يقع فى الخطأ نفسه الذى وقع فيه الابن الذى ينتبه من حالة الغى التى استبدت به.

ورغم أن نص الرواية التى كتبها فرانس قد ترجمه أحمد الصاوى محمد، فإننا لا نعرف هذا قرأ من كتب السيناريو للأفلام المأخوذة عن “تاييس” النص الأدبى أم لا، فهو نص فلسفى، ملىء بالأفكار، ومن الصعب استيعابه.

البير كامى، وايمانويل روبليس، وجان آنوى، أدباء اشتهروا بأعمالهم المسرحية التى ترجمت إلى اللغة العربية، ونشرت فى سلاسل تعنى بالثقافة الشعبية، وقد كتب روبليس مسرحيته “مونسرا” التى ترجمت فى لبنان تحت عنوان “ثمن الحرية”، والذى تحول إلى فيلم بالاسم نفسه عام 1965، كان أول أفلام نور الدمرداش، وفى النص السينمائى كان من الصعب التخلص من الايقاع المسرحى، فهناك طاغية يقبض على أحد الثوار، ويضغط عليه كى يبلغه بأسماء أعوانه، إلا أن الضابط الثائر يرفض، وأمام دفعه للاعتراف، فإنه يصدر أمره بالقبض على ستة من المواطنين، وقتلهم الواحد تلو الآخر، حتى يعترف الثائر على شركائه. وهو موضوع محبب، من الصعب الاضافة إليه، إلا فى نوعيات المواطنين، وقد جرت أحداث المسرحية الفرنسية فى فنزويلا، أما الفيلم المصرى فدارت أحداثه ابان الاحتلال البريطانى لمصر.

يعتبر ألبير كامى من أبرز أدباء القرن العشرين الذين تحولت ابداعاتهم إلى السينما المصرية، من خلال قيام مصطفى محرم بالاستعانة بالنص المترجم إلى اللغة العربية، الصادر فى سلسلة مسرحيات عالمية، وقد خرج كاتب السيناريو من اجواء المسرح فى مسرحية “سوء تفاهم” إلى “الطبيعة الخضراء” فى فيلم “المجهول”، لاشرف فهمى 1984، حيث تدور الأحداث فى قرية كندية، مما أتاح للأحداث أن تخرج من الاطار الضيق للمكان، حول امرأة عجوز تدير مع ابنتها المصرية فندقا فى كندا، وتقومان بارتكاب جرائم قتل لبعض النزلاء من أجل الاستيلاء على أموالهم، ويتصادف أن يكون الزبون القادم فى إحدى المرات، هو الابن الوحيد للمرأة، جاء مع زوجته إلى أمه، لكنه أخفى هويته عنها، فقتلته مع ابنتها، وسرعان ما عرفت الحقيقة، فألقت بنفسها فى البحيرة التى دفن فيها ابنها، فى الفيلم، أما فى المسرحية، فإن الأم شنقت نفسها جزاء ما فعلت، أما الابنة فقد ألقت بنفسها فى البئر، وقد أضاف الفيلم شخصية الأخرس الذى جسده عادل أدهم من أجل إحداث المزيد من الاثارة، بما يعنى أن كاتب السيناريو وجد أن الشخصيات القليلة فى المسرحية لا تكفى لعمل فيلم، فأضاف المزيد من الشخصيات والأحداث.

ولعل الرجوع إلى نصوص أدبية كتبها أدباء من طراز كامى قد رفع قيمة العلاقة التى تربط السينما المصرية بالأدب، ومن أدباء فرنسا المعاصرين أيضاً هناك جان آنوى صاحب مسرحية “المتوحشة” التى نقلت إلى الشاشة المصرية بالاسم نفسه، من اخراج سمير سيف عام 1979، كما تم تحويل إحدى روايات جورج سيمنون البوليسية إلى فيلم، وهى مترجمة فى سلسلة أبو الهول لمحمد عبدالمنعم جلال، وهى “غريب فى المنزل”، التى شاهدناها باسم “شباب يحترق” حول محامى مخضرم، اعتزل المهنة، وارتكن إلى الضياع، إلا أنه وجد نفسه مضطراً للدفاع عن ابنته عندما يتم اتهامها بارتكاب جريمة قتل.

وعلى جانب آخر، فإن الرجوع إلى الأدب الانجليزى، قد حظى بمكانة مهمة فى السينما المصرية، وترجمت أعمال ويليام شكسبير أكثر من مرة منها ترجمات لخليل مطران، ومحمد عنانى، وغيرهما، وهناك نصوص بعينها تهافت عليها صناع الأفلام المصرية عن شكسبير، على رأسها “روميو وجولييت”، ثم “ترويض النمرة”، و”عطيل”، و”الملك لير”، حيث تم تحويل كل منها أكثر من مرة إلى أفلام، ولاشك أن سحراً خاصاً لمسرحية “روميو وجولييت” فى كل أنحاء البلاد والتواريخ، منذ نشر هذه المسرحية حتى الآن، حول قصة حب تنمو بين فتى صغير، وفتاة ينتميان إلى عائلتين متصارعتين فى فيرونا، فيكون الحب بمثابة الحدث المستحيل، مما يدفع بالحبيبين إلى أن يمثلا موتاً مصطنعاً، لا يلبث أن يتحول إلى موت حقيقى، يدل على أن كل منهما لا يمكنه أن يحيا بدون الآخر..

هذه المسرحية رأيناها فى افلام كثيرة طوال سنوات عديدة منها “ممنوع الحب” لمحمد كريم عام 1942، “شهداء الغرام” لكمال سليم 1914، و”البدوية الحسناء” لإبراهيم لاما 1947، و”العلمين” لعبدالعليم خطاب عام 1965، و”حبك نار” لايهاب راضى عام 2004، و”الغرفة 707″ لنفس المخرج عام 2008، بما يعنى أن الرجوع إلى مسرحية شكسبير كان يتم فى فترات متقاربة وأحياناً يقوم المخرج نفسه بالرجوع إلى النص.. ولعل فيلم “شهداء الغرام”، هو الأقرب إلى النص المسرحى باعتباره رجع إلى التاريخ، مما جعل الخصومة بين العائلتين أكثر صدقا فى تبرير الأحداث، كما أن فيلم “العلمين” دار فى قبائل بدوية قرب مرسى مطروح.. وقد مات العاشقان فى كافة هذه الأفلام، عدا الفيلمين اللذين أخرجهما ايهاب راضى، الذى سعى إلى اقتباس الفيلم الأمريكى الذى قام ببطولته ليوناردو دو كابريو عام 1996، الذى يدور فى إطار عصرى فى فيرونا نهاية القرن العشرين، وهو فيلم صدم المتفرج بالعنف الشديد الذى مارسه روميو ضد خصوم عائلته، أى ابناء أسرة حبيبته جولييت.

وبالإضافة إلى فيلم “آه من حواء” المأخوذ عن “ترويض النمرة”، فإن كاتب السيناريو عبدالحى أديب، قد استعان بفكرة ترويض حواء، وقدمها فى ثلاثة أفلام دون أن يلتزم بالنص الأساسى للمسرحية، التى أشك فى أنه قرأها فى أى لغة، رغم توفرها، فليس هناك تشابهاً بين “جوز مراتى” لنيازى مصطفى، وثم “استاكوزا” لايناس الدغيدى.

كما أن فيلم “آه من حواء” لفطين عبدالوهاب قد غير كثيراً من الأحداث، والأماكن، والتفاصيل وجعل من الأب جداً، وفى مسرحية شكسبير فإن هناك تاجراً ثرياً لديه ثلاث بنات حسناوات، الأولى والأكثر جمالا هى كاثرين المعروفة باسم الشرسة، التى ينفر كل رجل يتقدم لخطبتها بسبب سلاطة لسانها، وذلك أضر باختيها حيث أن التقاليد تقضى أن تتزوج الكبرى أولاً.. إلى أن يأتى الشاب باترشيو، المعروف بحبه للمال، ويتقدم لخطبة الفتاة وراح يروضها حتى صارت مطيعة، فحصلت على مكافأة من أبيها وعاشت سعيدة مع زوجها.

هذه المسرحية التزم بتفاصيلها المخرج الايطالى زيفيريللى حين أخرجها ع ام 1966، لكنها فى مصر لم تكن قط بنفس التفاصيل.

ولنفس السبب فإن مسرحية “الملك لير” قد تغيرت تفاصيلها حين تحولت إلى افلام مصرية، فتحول الملك البريطانى إلى رجل أعمال، أو قاض كبير فى أفلام من طراز “حكمت المحكمة” لأحد يحيى، و”الملاعين” لأحمد ياسين، مما يعنى أن المقتبس المصرى، يتعامل مع النص الأدبى العالمى من خلال الخطوط العامة للحدوتة بصرف النظر عن معانيها رغم وجود أكثر من فيلم تم أخذه عن نص لشكسبير، وقد اتضح إلى أى حد يفقد شكسبير رونقه على أيدى المقتبسين فى مصر، وتتحول الأفلام إلى أشخاص يزدحمون حول البطل الرئيسى، فقد أضاف فيلم “الملاعين” شخصية الابن الذى سوف يرث أباه، وهو غير موجود فى المسرحية، ولا فى الأفلام الأمريكية المأخوذة عنها، وامتلأ الفيلم بالمزيد من الشخصيات المضافة لدرجة تجعل الباحث يتساءل: لماذا كل هذه الاضافات؟

إذن، هناك مسرحيات بعينها تحولت إلى أفلام مصرية عن شكسبير، ومن أدباء القرون التالية، كانت هناك الاختان اميلى برونتى صاحبة “مرتفعات ويذرنج” التى تحولت إلى فيلم “الغريب” اخراج كمال الشيخ، وحسين حلمى المهندس عام 1956، ويعتبر الرجوع إلى النص الأدبى هنا بمثابة حالة يجب الوقوف عندها، حيث رجع حسين حلمى المهندس إلى نصف أحداث الرواية، وتجاهل تماماً مسألة الأجيال التالية، حيث أن الابنة كاتى سوف تعيش ظروفا اشبه بما عاشته أمها من معاناة والتى انتهت بوفاتها، لذا يمكن أن نقول إن الغريب هو فيلم أصغر من الرواية التى امتلأت بالموت الذى يصيب الصغار.

أما الأخت شارلوت برونتى، فقد حدث تهافت ملحوظ لدى كتاب السيناريو لتحويل روايتها “جين اير” إلى أفلام، وفى مصر، فإن حسين حلمى المهندس هو الذى كتب سيناريو فيلم “هذا الرجل أحبه” وأخرجه أيضاً عام 1962، وقد وجد الفيلم نفسه أمام مشكلة الرجل الذى يتزوج امرأتين فى انجلترا، فحسب العقيدة، فإن هذا ممنوع فى المجتمع البريطانى، لذا، فإن السيناريو المصرى، جعل من الزوجة الأولى، المصابة بالجنون، اختا لصابرين التى جاءت للتدريس لابنة صاحب الضيعة مراد، فتقع فى هواه، دون أن تدرى أن زوجته الأخرى هى أختها، وأنها ستقوم باحراق المنزل بمن فيه فى إحدى نوبات جنونها.

يعنى هذا أن المقتبس للنصوص الأدبية العالمية، عليه أن يطوع النص الأجنبى للبيئة المصرية، وعليه فإن حسين حلمى المهندس هو كاتب السيناريو الوحيد الذى تحمس لأعمال الاختين برونتى.

البلد التى تأتى فى المرتبة التالية، بعد بريطانيا، من حيث ترجمة الروايات العالمية إلى أفلام مصرية هى الولايات المتحدة، رغم أن روسيا يمكنها أن تأخذ المكانة نفسها لأهمية الافلام، والأدباء لكن السينما المصرية كانت تبحث دوما عن الروايات الامريكية، وفى هذه الحالة، فإن الرجوع إلى النصوص الأمريكية كان يمزج بين النصوص الأدبية، والأعمال السينمائية، فمسرحيات تينى ويليامز التى تحولت إلى أفلام فى مصر، هى ايضا صارت افلاما امريكية، مثل “عربة اسمها الرغبة” و”قطة فوق صفيح ساخن” و”هبوط اورفيوس” ويكفى أن نقول أن السينما المصرية حولت عربة اسمها الرغبة إلى ثلاثة أفلام هى “انحراف” لتيسير عبود عام 1985، و”الفريسة” لعثمان شكرى سليم عام 1986، ثم “الرغبة” لعلى بدرخان 2001، والطريف أن هذه المسرحية من أوائل الأعمال التى تحولت إلى فيلم أمريكى عام 1952 من اخراج ايليا كازان، كما أنها من أولى الأعمال التى ترجمت إلى اللغة العربية فى العدد 15 من سلسلة “روائع المسرح العالمى” والطريف أن المصريين قدموا المسرحية سينمائية أكثر من الأمريكيين، أصحاب العمل الأصلى، فقد رأيناها مرتين على الشاشة الأمريكية، اما فى مصر فقد رأيناها فى ثلاثة أفلام.

ومن أعمال ويليامز التى تحولت إلى أفلام ناطقة بلهجتنا، هناك أيضاً “قطة على صفيح ساخن” التى ترجمت إلى اللغة العربية باسم “قطة على نار” وبالاسم نفسه تم تحويلها إلى فيلم كتبه رفيق الصبان، واخراج سمير سيف، وهو مخرج شغوف بالاقتباس عن الافلام الامريكية لكن من المؤكد أن كاتب السيناريو رجع إلى المسرحية المكتوبة، باعتباره استاذ مسرح وقارىء، اكثر مم رجع إلى الفيلم الذى أخرجه ريتشارد بروكس عام 1958، وكان أقرب إلى المسرحية أما الفيلم المصرى، فقد خرج عن حدود خشبة المسرح إلى الضيعة التى يسكنها رب العائلة.

وإذا كان هذا هو حال ويليامز فإن زميله آرثر ميلرر لم يحظ بالاهتمام نفسه، إلا بمسرحيتين هما “مشهد من الجسر” التى تحولت إلى فيلم “الخبز المر” لأشرف فهمى، و”موت بائع متجول”، التى تحولت إلى فيلم “لعنة الزمن” اخراج أحمد السبعاوى، وقد بدا أنه من السهولة التعامل مع النصوص الأدبية والمسرحية الامريكية أكثر من الروايات الامريكية، فتم اقتباس مسرحيات لاوجين اونيل مثل “رغبة تحت شكرة الدردار” التى تحولت إلى فيلم “عيون لا تنام” لرأفت الميهى 1982 أما بالنسبة للروايات، فكان من السهل الرجوع إلى الافلام الامريكية، المأخوذة عن الروايات اكثر من الرجوع إلى الروايات الاصلية، حتى وان كانت مترجمة إلى اللغة العربية، مثل رواية “الأب الروحى” لماريو بوزو، وساعى البريد يدق الجرس مرتين لجيمس كين، التى تم اقتباس الفيلم مرتين وليست الرواية التى ترجمت فى التسعينات اى بعد ظهور فيلم “الجحيم” لمحمد راضى، اكثر من عشرة أعوام، ولا اعرف بالضبط، من أى مصدر اقتبس محمد أبو يوسف سيناريو فيلم “أغلى من حياتى”، هل من الفيلم الامريكى “الشوارع الخلفية” بطولة سوزان هيوارد، ام من الرواية التى صدرت فى سلسلة “روايات عالمية” لفانى هيرست بالعنوان نفسه، والمرجح ان الاقتباس عن الفيلم، بسبب وجود اختلافات كثيرة بين الفيلم المصرى والرواية.

لكن، المؤكد فى هذه الدراسة ان المقتبس للابداعات الروسية قد رجعوا فى أغلب الأحوال إلى النص الأدبى الروسى المترجم إلى اللغة العربية، حتى وان كانت هناك أفلام امريكية اقتبست عن الروايات الروسية نفسها، مثل “الاخوة كارمازوف” فأغلب الأدب الروسى المهم قد ترجم إلى العربية، خاصة روايات دوستويفسكى التى تهافت عليها المترجمون، خاصة عمر عبدالعزيز امين، ومن هذه الروايات فى طبعات كاملة، وترجمات مختصرة، والذين كتبوا سيناريوهات بعض هذه الافلام، من المثقفين القراء بشكل واضح وانا متأكد أن مصطفى محرم قد اقتبس فيلم “مع سبق الاصرار” من رواية “الزوج الخالد” التى صدرت بشكل مختصر مرتين فى سلسلة روايات عالمية، وسيناريو الفيلم المصرى بمثابة معالجة لنصف أحداث الرواية فقط، بينما النص الأدبى قد استمر من خلال علاقة الصديقين لفترة طويلة من الزمن.

التجربة السينمائية المصرية مع الأدب الروسى المترجم بالغة الثراء، وحيث أن النصوص الادبية متوفرة اكثر من الافلام، ورغم أن الافلام الروسية المأخوذة عن هذه الروايات، قد عرض بشكل ضيق فى مصر، فإن النصوص المترجمة كانت تملأ المكتبات لكل من تولستوى، وجوجول، وتبعا لتقارب الاجواء الاجتماعية بين روسيا فى القرن التاسع عشر، ومصر، فإن بعض روايات تولستوى، وايضا دوستويفسكى، قد تحولت اكثر من مرة إلى أفلام، مثل “البعث” لتولستوى التى رأيناها ثلاث مرات فى السينما المصرية، منذ النصف الاول من الخمسينات، حول القاضى الذى يفاجأ بوجود متهمة فى قضية دعارة، كانت ذات يوم حبيبته، فيشعر بعقدة الذنب، ويقرر الوقوف معها، والهجرة وراءها إلى سيبيريا، رغم أنها تفضل رجلا آخر عنه، هذه الرواية رأيناها فى “ظلمونى الحبايب” لحلمى رفلة 1954، و”دلال المصرية” لحسن الامام” 1970، و”اشياء ضد القانون” لأحمد ياسين سنة 1982، نحن أمام ثلاث تجارب مختلفة، لمخرجين لكل منهم مدرسته واتجاه، عن النص نفسه، وكم من شخصيات تم حذفها، اواضافتها فى الافلام لتناسب ذو المتفرج حسب رؤية المخرج.

كما ان رواية الجريمة والعقاب حول راسكولونيكوف، الذى قتل المرابية، ودخل فى صراع نفسى مع نفسه إلى أن دخل السجن، قد تحولت ثلاث مرات إلى افلام، منها فيلم بالاسم نفسه لابراهيم عمارة، عام 1957، و”سونيا والمجنون” لحسام الدين مصطفى، و”المعتوه” لكمال عطية عام 1982، مما يعنى مدى ملائمة هذه النصوص للاجواء المصرية، وهناك اعجاب ملحوظ بين القارىء المصرى وبين اعمال دوستويفسكى.

لا شك أن الموضوع يحتاج إلى دراسة اكثر اتساعا، وقد فعلنا ذلك فى كتابنا عن الاقتباس فى السينما المصرية وايضا فى كتاب “افلام وافلام” ج2، لكن من الانصاف أن نتحدث عن الابداع الالمانى، حيث ان هناك اعجابا ملحوظا بروايات ستيفان تسفايج، ومسرحية “فاوست” التى قدمت فى السينما مرات عديدة، منها “سفير جهنم” ليوسف وهبى عام 1945، و”موعد مع ابليس” لكامل التلمسانى 1955، ثم “المرأة التى غلبت الشيطان” ليحيى العلمى عام 1972، حول اغواء الشيطان لشخص يحتاج إلى خدمات حياتية، فيمتثل الانسان وفى لحظة وعى يتمرد الانسان على الشيطان ويقرر ان يتخلص منه.

كما ان رواية “الملاك الازرق” لهاينريش مان، قد وجدت طريقها إلى السينما الامريكية اكثر من مرة، وحدث الامر نفسه اكثر من مرة فى مصر، الاولى كانت عام 1973، فى فيلم “مدرسة المراهقين” لاحمد فؤاد، والثانية لاحمد ياسين فى فيلمه “عالم وعالمة” عام 1983، واخيرا فى فيلم “رمضان مبروك ابو العلمين حمودة” لوائل احسان عام 2008، وهذه التجارب الثلاثة تكاد تكون بعيدة عن النص الادبى، رغم ان ترجم اكثر من طبعة فى روايات الجيب.

ورغم ان روايات تسفايج تناسب البيئة المصرية، فان فيلمين فقط اقتبسا عن رواياته الاولى هى “رسالة من امرأة مجهولة” لصلاح ابو سيف 1962، ثم “جنون الحب” لنادر جلال عام 1976، وهناك تقارب واضح بين الرواية التى صدرت فى دار الهلال عام 1962، وبين الفيلم الذى اضاف للاحداث الزوج الغائب دوما مما أتاح فرصة للزوجة ان تقع فى تجربة حب عابرة .

ومثلما اشرنا فان الموضوع يحتاج إلى المزيد من التفاصيل، فما امتع المقارنة بين النصوص التى احب  الناس قراءتها ومشاهدتها.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات