لم يكن طريقنا إلى “كوانكجو” مُعبدا بالجثث والدماء مثلما كان منذ أكثر من عشرين سنة…بل مكللا بمطر خفيفة وبمشاهدة أفلام وثائقية طيلة الطريق…
“كوانكجو” مدينة الشهداء من طلاب ونقابيين ومدنيين انضموا لما سُمي بحركة “كوانكجو”…
في ذلك الوقت، كان الغضب مثل كرة ثلج صغيرة تهوي من عل لتكبرأكثروأكثر… الغضب من استفحال نظام دكتاتوري قائم على الرشوة والظلم وسوء المعاملة للطبقات الكادحة …من التمييز في الاهتمام بمدن مقابل مدن أخرى …وكرة الثلج التي كبرت حتى صارت هائلة سرعان ما هوت وانفجرت نارا. تفجر كل الغضب المكتوم محرقا البلاد من جنوبها حتى شمالها بلهيب التمرد…غضب واجهته السلطة بالجيش وبالدبابات والسجن والتعذيب…
“كوانكجو” تركت بصمتها التي لا تنمحي على جيل كامل من الكتاب والسينيمائيين و الفنانين، بدأت مثل أي ثورة يقودها طلاب ونقابيون، مسالمة مدعومة بالخطابات والقصائد و الأغاني…لتعتمد في ما بعد لمواجهة الجيش، على الحجارة والقوارير وعجلات السيارات المشتعلة…
كان ثمن الديمقراطية الكورية غاليا جدا: كثيرون اعتقلوا وعذبوا وخرجوا من المعتقلات محملين بانهيارات عصبية لا شفاء منها…كثيرون ماتوا…وحسب التصريحات الرسمية قُتل في تلك المواجهات 300 شخص لكن العدد يُقدر فعليا بحوالي …2 شخص!
في تلك المرة لم يكن الجلاد أجنبيا…سُخرت كل السجون المدنية والأسلحة لقمع الثورة وأصبح الوطن سجنا كبيرا …
قد لا نؤرخ كثيرا – نحن العرب- مثل الكوريين، لآلامنا وتاريخنا الدموي بمتاحف فاخرة البناء والتجهيزات…متاحف تبعث قشعريرة باردة في العمود الفقري وألما حادا في القلب حد الاختناق…بإضاءة خافتة الزرقة وبتكييف عالي البرودة…(ربما كانت هذه من إحدى تقنيات المتاحف للحفاظ على الأشياء المعروضة)…رأينا في المتحف المخصص لتأريخ حركة “كوانجو” : قمصان الضحايا الملطخة بالدم وساعاتهم اليدوية وصورهم والأوراق التي رسموا عليها بالكلمات ثورتهم….وتجسيدا للأحداث والاشتباكات على شكل مجسمات جنود يعذبون الطلبة أو يطاردونهم برشاشاتهم الجاهزة والغيرمترددة… وكأن المتحف امتداد لمقبرة الشهداء التي تقع وراءه مباشرة…حيث رصفت عشرات من القبور المتشابهة …
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.