حكايات شهرزاد كوريا: العادات والتقاليد …أولا!

05:47 مساءً الخميس 10 يناير 2013
إيناس العباسي

إيناس العباسي

شاعرة وكاتبة وصحفية من الجمهورية التونسية، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في كوريا، يكبر الأطفال على الكثير من العادات: عادة الانحناء كتحية وعادة مناداة الآخرين باسم العائلة…حتى في المدرسة…

بالإضافة إلى تعلم حركة اليدين عند تقديم وتسليم الأشياء كالمال أو كأس الشراب..وهي عادة تكونت منذ القدم، نتيجة الأكمام الواسعة للثوب الكوري التقليدي (كي يوضع فيهما النقود أو ماخف حمله من الأكل) والتي كان لزاما ثنيها حول اليد والامساك باليد من تحت المرفق لتفادي انغماس الكم في الأكل…أصبح الثوب الآن رمزا وطنيا يعتز الكوريون بارتداءه في المناسبات لكن طريقة استعمال اليدين التي نتجت عن كميه ظلت عادة متأصلة في الشعب الكوري وعدم استعمالها يُعد قلة تهذيب…تُمسك الكأس باليد اليمنى التي  تسندها اليسرى عند المرفق أما المتلقي فعليه تسلم الكأس فاتحا يديه الاثنتين…

ومازلت أذكر تلك الطفلة الصغيرة تمشي مع والدها جميلة ورقيقة وكل شيء فيها صغير: جسدها ووجهها ويديها. وكأنها دمية…بعبث قلت لها “أننيوهاسي يُو” (أهلا باللغة الكورية) وبكل عفوية ودون حتى أن تترك يد والدها الذي ابتسم، انحنت بهيبة ملكة صغيرة، ردا على تحيتي مرددة نفس الكلمة “أننيوهاسي يُو”…

والبنت الكورية تربى على الحياء و الخجل….بلى، هذا ليس شعورا فطريا وحسب ولا يأتي كردة فعل طبيعية في أغلب الأحيان. صديقاتنا الكوريات، اعترفنا بهذا: “هذا يصيبنا بالضيق لأنه يجعلنا ندعي الحياء والبراءة في كل المواقف حتى وإن لم نكن نشعر بالدهشة والخجل أمام الحدث نفسه” .

والمجتمع الكوري مازال يرزح تحت ثقل العديد من العادات “الشرقية”…الأفضلية للذكر…للرجل…أبا وابنا وزوجا ….من العادي أن تشرب المرأة الكحول…لكن ليس من العادي أن تدخن…وإن شربت على الطاولة أمام الآخرين، الذين يفوقنها رتبة “اجتماعية” كمديرها في العمل أو والدها أو قريب من العائلة كبير في السن فيمكنها أن تشرب لكن عليها ببساطة أن تلتفت للجهة الثانية وتشرب وهي تغطي كأسها بيدها…وإن كانت تريد أن تدخن فعليها من باب الاحترام أن تخرج من الغرفة وتدخن خارجا…حتى لو كان كل من على المائدة يدخن!

العادات والتقاليد التي جعلت المرأة الكورية كثيرا ما تتهم الرجل الكوري بأنه لا يحسن معاملتها…اتهام صحيح إلى حد كبير ويقر به الرجال الكوريون …وتستطيع أي أجنبية أن تلمسه…في الكثير من التفاصيل أبسطها لم أر يوما رجلا كوريا يفتح الباب لسيدة وفي كل المرات التي مشيت فيها مع أحد صديقيّ الكوريين حين نصل إلى المقهى مثلا و سندخل…يدخل قبلي ببساطة وبلا مبالاة…وفي اطار هذا الحديث هناك نكتة حول هذا الموضوع، كان قد حكاها لنا أحد المحاضرين حول المجتمع الكوري:

“عند زيارة أحد الأجانب لكوريا أيام  الحرب الكورية الأهلية، مر بزوجين، كان الزوج راكبا الحصان بينما كانت زوجته تمشي وراءه، باستنكار قال الأجنبي للكوري: هذا ليس من اللياقة أبدا، كيف تجعل هذه السيدة تمشي وتتعب في حين تركب أنت الحصان؟

ضحك الكوري باستهزاء وأجابه: وهل تريد مني أن أتعب بدلا عنها؟

بعد انتهاء الحرب الكورية، عاد نفس الرجل الأجنبي وعاود الالتقاء بهما مجددا لكن رآهما هذه المرة قرب منطقة ال DMZ (المنطقة الفاصلة بين الكوريتين، المنزوعة السلاح) مع فرق أن الزوجة هذه المرّة هي الراكبة على الحصان والزوج هو الذي  يمشي وراءها. باعجاب قال الأجنبيّ:

وأخيرا أخذت بنصيحتي، وأصبحت تعرف كيف تقدر المرأة وتعاملها جيّدا…

فأجابه الزوج بسخرية: لقد تنازلت لها عن الحصان خوفا من الألغام المزروعة..فإن كان هناك لغم ما فسأعرف حين يمر فوقه الحصان وهكذا أنجو من الموت !”

لكن العادات التي كانت أكثر تشددا مع المرأة الكورية تغيرت نسبيا …بداية من العقود الأخيرة التي عرفت فيها كوريا نهضتها الاقتصادية …تغيرت نظرة المجتمع للمرأة …فهي أثبتت نفسها كشريكة فاعلة ومجتهدة وناجحة على كل الأصعدة…في العلم والعمل والاقتصاد والثقافة والسياسة و…في البيت! والحمل عليها مضاعف…فمازال للعائلة أهمية وسلطة كبيرة بالإضافة إلى رعب الحماة  المتسلطة الذي يُنفر الكثير من البنات وكل تفاصيل علاقة الحماة والكنة التي كنا نقرأ عنها في الحكايات الآسيوية القديمة، (كاهتمام الأم باختيارعروس من عائلة ثرية مثلا أو لها راتب شهري جيد وكلزوم أن تكون ربة بيت ممتازة) مازالت موجودة، تغيرت لغة التعبير عنها ربما…لكنها مازالت تُنغص حياة الزوجات وتنفر الشابات من الزواج ومن تحمل مسؤوليات أسرة و اطفال …مسؤوليات كثيرا ما أدت إلى التخلي عن حياة مهنية قد تكون حافلة بنجاحات كثيرة…

والكورية معروفة بتعلقها الكبير بشرب الخمر أكثر من الرجل الكوري… وتسجل المرأة الكورية أكبر نسبة بين نساء العالم في إدمانها على شرب الكحول..ادمان كثيرا ما يفسر في المجتمع وفي الدراسات التي تجريها مراكز البحوث النسائية بأن الكوريات في طريق جهودهن المضاعفة للنجاح في العمل والتوفيق بينه وبين حياتهن الأسرية، يسقطن في فخ الادمان على الكحول هربا من الضغط الشديد الذي يقعن فيه …

وعموما يقضي الكوريون العديد من السنوات في الدراسة ولا يكتفون باختصاص واحد، رغم غلاء تكاليف الدراسة الجامعية…لكن الفتيات الكوريات هن الأكثر حماسا وعزيمة في مجال التحصيل العلمي ونظرة المجتمع لهن تغيرت أكثر لتحمل العديد من الفتيات والنساء مسؤولية اعالة عائلاتهن عند توفي الأب. الدراسة والعمل في نفس الوقت أو التخلي عن الدراسة في سبيل العمل بدوام كامل وتمكين الإخوة الأصغر من التحصيل العلمي…ظاهرة منتشرة في كوريا…..وإن كان الدخل الفردي في كوريا مرتفعا فالحياة اليومية نفسها غالية في كوريا…والفقرموجود هنا وهناك…تراه في انحناء ظهور السيدات العجوزات العاملات في الساعات الأولى من الفجر وفي الليل وعلى امتداد النهار…يجمعن الأوراق والجرائد ويقمن بفرزها وترتيبها وهن جالسات على الرصيف…أو بعاملات  البلدية الخمسينيات ينظفن الطرقات كل فجر…كنا في ذلك الفجر البعيد نبحث عن خط الميترو المتجه لأقرب نقطة نحو سوق السمك …حين رأيناهن بظهور محنية ينظفن الطرقات في الغبش الفجري قبل حتى أن تنطفئ أضواء أعمدة الكهرباء…والفقر موجود في نظرة الشحاذين الذين يعبرون عربات الميترو ونفس السيناريو العالمي يتكرر: أصواتهم يتقاطر منها الرجاء في مقابل لامبالاة الركاب…لامبالاة تبددها أحيانا بضع قطع نقدية معدنية…والفقر موجود في الذين “دون مأوى” ينامون في حضن الرصيف البارد أو داخل محطات الميترو…يبدؤون سهرتهم (لا أذكر أني رأيت أحدهم نهارا) عند أحد الأدراج المفضية إلى خارج المحطة…بإحدى علب المعلبات الفارغة وبرأس منخفض …قد تذهب وتعود وتجده في نفس المكان وعلى نفس الوضعية…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات