المؤرخة التترية جيزيل فاليفا سليمانوفا: اللغة العربية مقدسة لدينا

06:02 مساءً الأحد 13 يناير 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أزور جمهورية تتارستان كمن يزور بيتا له، روابط كثيرة وصداقات عديدة ومعارف جمة، لكل من قابلت حكاية، ومع كل من التقيت مسيرة. لعلي وأنا أبدأ سلسلة حواراتي في تتارستان أبدأ بالمؤرخة التترية الدكتورة جيزيل فاليفا سليمانوفا أستاذة التاريخ، في مدينة قازان ، بجامعة تتارستان،  إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.

أشرف:

بداية يبدو من المهم أن نعرف الجمهور العربي على التتار: الجذور والتاريخ.

الدكتورة جيزيل:

يقتفي مؤرخونا جذور الثقافة التترية. ويبدأ هذا الاهتمام بقبائل الخوند العظيمة، وهي قبائل بدوية، عاشت في شمال منغوليا، كان ذلك في بداية القرن الميلادي الرابع، حيث بدأوا الاتجاه نحو أوروبا، وتصور هذه الرحلة ملحمة اسمها الهجرات الكبرى للشعوب.

بعد هذه الهجرات استقرت القبائل، في أقصى غرب أوراسيا، حيث أسسوا إمبراطورية أتيلا، ونحن كمؤرخين يبدأ اهتمامنا بتاريخنا مع نشأة قبائل الخوند. لقد أسست هذه القبائل حضارة هائلة وإمبراطورية كبرى ولم تضم شعوبها التركية وحسب، بل عاشت فيها أعراق أخرى مثل الأويغور والإيرانيين. أتراك هذه القبائل نسميهم برابولغارس، وهم بالفعل، تاريخيا، أسلافنا القدامى.

بعد انهيار الإمبراطورية الخوندية أصبحت لدينا خاقانات تركية، وحينها قدم الأتراك مرة أخرى من وسط آسيا، إلى تخوم الحدود الأوربية، إلى حوض نهر الفولجا،  لتأسيس تلك الخاقانات (الممالك) التركية.

 وحين انهارت تلك الخاقانات التركية بدأ إنشاء دول على أنقاضها مثل بلغاريا الكبرى، وخاقانات الخزر المجاورة لها. في بلغاريا الكبرى عاش أسلافنا المباشرون وفي خاقانات الخزر عاشت قبائل من البلغار، مثل السوفارز والبرسولارز تعد هي أيضا بين أجدادنا الأوائل.

في القرن السابع، كانت هذه القبائل، سواء التي استوطنت بلغاريا الكبرى، أو خاقانات الخزر، قد استقرت على ضفتي  نهر الفولجا وأنشأت هنا دولة بغار نهر الفولجا. كانت تلك هي الدولة الأولى على الإطلاق في الشرق الأوربي. وهكذا، سترى أننا حين نتحدث عن التتار، يمكننا أن نذكر تلك الجذور التركية لقوميتنا.

أشرف أبو اليزيد يستمع إلى د. جوزيل ، ومعهما السيدة رئيسة خانوم مدير وزارة الثقافة

أشرف

ونحن نسجل بمتحف الكرملين، وأمر بهذه المكتبة تذكرت أنني منذ سنوات اشتريت كتابا عن الحلي والزينة الموجودة في التتار. واكتشفت أنه كتاب ألفه والدك المؤرخ الفني الكبير. هل كان حب والدك للفن واهتمامه بالتاريخ وراء اشتغالك به أيضا؟

الدكتورة جيزيل

كان أبي أول مؤرخا للفن التتاري. إن جمهوريتنا تقع ضمن الإتحاد الفيدارالي الروسي، ولم يكن لدينا في السابق أساتذة تاريخ متخصصون في الفن. كان هو الأول، وقد كان معماريا في الأساس. تخرج في معهد العمارة بمدينة كييف. وحين عاد إلى قازان بعد تخرجه عمل في البداية كمهندس معماري، وكان أول من يصمم برنامجا للمسجد المعاصر، كان ذلك في ستينيات القرن الماضي، ثم أصبح مصلحا بعد ذلك، ولعل ذلك ما دفعه إلى أن يكون عمله مخصصا للمنحى العلمي. وهنا بدأ يجمع موادا عن الفن التتاري.

 انطلق والدي في حملات استكشافية وتنقيبية في القرى التتارية، ليس فقط في تتارستان، بل في مناطق أخرى، مثل أسطراخان، وسيبيريا، والقرم. في القرم كنت طفلة صغيرة أرافقه في حملاته الاستكشافية هناك. كان يجمع أشياء ويلتقط صورا. كان رجلا قويا ومدافعا صلبا عن ثقافة التتار. لقد وهبني طاقته وحبه لقومية التتار، وعشقه للفن، وكان تأثيره قويا لذلك قررت أنا أيضا أن أقتفي خطاه فأصبحت عاشقة للفن التتاري.

جوزيل تعرض تراث والدها

أشرف

المدن القديمة مثل قازان تعاني الكثير، فهي تخضع للتغيير والعمارة الجديدة، يطال عمارتها القديمة الكثير من التدمير، والتشويه. كيف تقاوم قازان هذا التدمير؟

الدكتورة جيزيل

كما ترى، أعتقد أن تاريخنا يجسد ملحمة مأساوية. السبب الأول هو أن شواهدنا المعمارية تم تدميرها، على مر قرون عديدة. والأمر الذي ساعدنا على الوقوف بوجه هذا التدمير والحفاظ على ثقافتنا هو الإسلام.

كانت الديانة المسيطرة لجيراننا في الدول المجاورة لنا  هي الديانة المسيحية، وكان أمر الحفاظ على أصالتنا صعبا جدا بالنسبة لنا. فقط كان الإسلام هو الحافظ الوحيد لثقافتنا، وهو ما ساعدنا على البقاء.

في بداية القرن العشرين، كما تعرف، أصبحت قومية التتار وطنا وأمة، ولكن مع قيام الثورة البلشفية، أصبحنا مرة أخرى خاضعين للاتحاد السوفيتي ضمن نظام حكم ذاتي، كإثنية عرقية ضمن كيانه.

ولكن، الآن نحن نواجه صعوبات مختلفة، لأن شواهدنا المعمارية، وفنوننا الرفيعة، يتم تناسيها، وأعتقد أن التتار قوم متسامحون جدا، فقد كانت لنا دولة كبيرة في القرن الذهبي، وهي دولة طبعها التسامح مع الديانات المختلفة، والثقافات المتباينة، وكان يعضدنا في ذلك أمران؛ الدين الإسلامي، والتسامح.

أشرف

كثيرا ما نسمع عن مملكة القرن الذهبي؛ أسرار وكنوز كثيرة. ماذا تقول الدكتورة جيزيل عن هذه الكنوز؟

الدكتورة جيزيل

كانت دولة القرن الذهبي إمبراطورية عظيمة، وهي إمبراطورية جنكيز خان وأبنائه وأحفاده، وقد أنشأها المغول ولكنها كانت دولة تركية إسلامية؛ ضمت بلغار الفولجا، وخوارزم، والقرم،  لتكوين هذه الإمبراطورية الكبيرة. في إطار هذه الإمبراطورية كانت هناك قبائل بدوية عديدة، وكان هناك أيضا وثنيون، لكن حكمة المغول جعلت كل هذه الأضداد تعيش تحت سماء أيديولوجية واحدة، لدولة كبيرة، اختار لها دين الإسلام. وكان خان الأوزبك في بداية القرن الرابع عشر الميلادي قد اعتنق الإسلام وتبناه دينا لهذه الإمبراطورية كلها.

كما تعرف، أثناء هذه الحقبة، كانت الحضارة الإسلامية في أوج تطورها. ولعل ذلك ما ساعد إمبراطورية القرن الذهبي أن تتمتع بحضارة وثقافة عظيمة، في أرقى مستوى. ولم يكن هذا الرقي فقط في الثقافة ولكنه امتد للحياة الاقتصادية والتجارية وامتد طريق الحرير الكبير عبر مدن هذه الإمبراطورية، التي ازدهرت جدا. كان خانات (حكام) هذه الإمبراطورية متسامحين مع الديانات والشعوب على اختلافها.

 أشرف

كيف يمكن أن تخبرنا تلك الحلي في الصور والشواهد عن حياة الذين سبقونا؟

الدكتورة جيزيل

كما ترى تجسد الموتيفات الفنية رموزا، فعلى سبيل المثال نجد أن رسم الزنبق (وردة التيوليب) يعبر في تقاليد التتار الشعبية عن الحب، وهو رمز للطبيعة حين تستيقظ. لذلك حين ننظر إلى هذه الرسوم الدقيقة، ندرك رموزها ومغزاها.

هناك رموز أخرى في فنون التتار، على سبيل المثال ترى رسم (البطة)، والتي كانت تصور مطابقة لطائر البط تماما. ولكن مع دخول الإسلام أصبح تصوير طائر البط رمزيا أكثر، وابتعد تصويرها عن تجسيد شكلها الحقيقي.

هذه الموتيفة كانت رمزا للعائلة الكبيرة، التي تتمتع بالرخاء. في القرى نرى هذه الرموز تزخرف النوافذ والبيوت الخشبية.

لذلك على المرء أن يعرف لغة الحليات الزخرفية، مثلما يتعلم التراث الشعبي للناس، في امتنا، كي يمكنه من إدراك أن لكل هذه الرموز التصويرية معاني أكثر عمقا من شكلها الظاهري.

لدينا موتيفات يستخدما القاطنون على ضفتي الأنهار، وهؤلاء الذين يعيشون في المدارج وهناك موتيفات كثيرة أخرى خاصة بهم، وكذلك الموتيفات القادمة من الشمال حيث تقع جبال القوقاز.

أشرف

كنا قبل قليل في متحف يضم أعمالا عن الشاعر التتري الكبير عبد الله طوقاي، وقلت أننا كلنا طوقاي فنانين وشعراء. وأنت عقبت على هذه الفكرة..

الدكتورة جيزيل

لقد أحببت فكرتكم عن طوقاي الذي عاش حياة قصيرة لكنه كان مهتما بمجالات كثيرة في الحياة. وقلت إن الشاعر التتري عبد الله طوقاي لم يكن فقط مهتما بالأدب،  ولكن اهتم بالفنون المرئية تماما. وكتب مقالات عن ذلك. لدينا شعراء وموسيقيون ولكن لم يكن لدينا رسامون، بين التتار. وكتب طوقاي: أنتظر الوقت الذي يكون لدينا رسامونا.

بالطبع كان حديثه يشير إلى الرسم بنمطه الأوربي، لأن التتار بالفعل كانت لديهم فنون زخرفية، ولكن لم تكن لدينا فنون تشكيلية، بشكلها الأوربي.

تحدثت عن هذه الفكرة وكيف أن الرسوم والمنحوتات والحفر قد اصبحت مزدهرة في ثقافتنا.

الشمائل، مخطوطات عربية في كل بيت تتري

أشرف

كيف تجد الدكتورة جيزيل فاليفا سليمانوفا مستقبل العلاقات مع العرب   

الدكتورة جيزيل

كما تعرف ارتبط التتار باللغة العربية، والثقافة العربية، منذ بداية القرن الثامن الميلادي. لأن قبيلتي السوفارز والبرسولارز اللتين قطنتا خاقانات الخزر ارتبطوا بالعرب حين جاء هؤلاء العرب إلى داغستان، كما تعرف ذلك التاريخ، على يد فاتح عربي،  واعتنقت قبيلتا السوفارز والبرسولارز الإسلام، في القرن الثامن الميلادي وكانوا هم جسر هذا الدين الجديد إلى ضفاف نهر الفولجا.

هكذا أن جذورنا وتواصلنا مع الثقافة العربية تاريخية ومتعمقة جدا. ودعني أحكي لك ـ على سبيل المثال ـ قصة جدتي. كانت تعرف اللغة العربية تماما، تقرأ النصوص والكتب العربية، مثلما كانت تستطيع أن تقرأ الكتب التتارية المكتوبة بالحروف العربية، كما كانت تعرف اللغة الفارسية، وكنت أسألها: ين تعلمت كل ذلك؟ كانت تجيبني بأنها تعلمت اللغتين العربية والفارسية في القرية، كانت لدينا كتاتيب مدرسية، تقوم فيها زوجة إمام المسجد بالتدريس لنا.

كانت تحب الكتب الدينية المكتوبة باللغة العربية، وتلك الدواوين الشعرية، المكتوبة باللغة الفارسية على الأغلب.

اللغة العربية والثقافة العربية تمثل لنا شيئا مقدسا. في عشرينيات القرن الماضي فرض علينا تغيير الأبجدية الحروفية التي كنا نكتب بها، فتحولنا في 1927 إلى الحروف اللاتينية، ثم اتخذ ستالين قرارا بأن نتحول مرة أخرى بأبجديتنا من الحروف اللاتينية إلى الأبجدية الكريلية. ولكن كثيرا من الأغراض الفنية، مثل لوحات الشمائل، وفن طباعة الكتب، ظلا مرتبطين بالحروف العربية. وكنا حتى خلال الحقبة السوفيتية للحكم لم يتوقف فنانونا عن كتابة هذه الشمائل بالحروف العربية.

وهكذا ستجد في كل بيت بكل قرية تتارية، ستجد لدى القرويين هذه الشمائل المكتوبة باللغة العربية، مثلما ستجد لوحات لآيات من القرآن الكريم، وكذلك ستجد معلقات لأشعار عبد الله طوقاي بالحروف العربية فقط.

 أشرف

بم تتوجه الدكتورة سليمانوفا إلى العرب قراء هذا الحوار؟

الدكتورة جيزيل

أتمنى للعرب وللعالم العربي أن تشملهم الحكمة التي أمرهم بها القرآن الكريم. فالقرآن الكريم ليس ضد التقدم. العالم يتطور بسرعة بالغة، وهي سرعة النمو، وأنا درست كيف

في مدينة قازان بقسم التاريخ، جامعة تتارستان، أعلام مناطق الجمهورية، والدكتورة جوزيل فاليفا سليمانوفا

كان العرب دائما في طليعة هذا التقدم على مر العصور التاريخية، وما أتمناه هو أن يعودوا مرة أخرى ليكونوا في الصفوف الأولى من التقدم الذي يشمل العالم. وما أقصده ليس فقط التقدم التقني، ولكنني أعني أيضا سمو الروح، وارتقاء الفكر، من أجل حياة البشر.

أشرف

دكتورة جيزيل شكرا لك.

الدكتورة جيزيل

شكرا جزيلا.. رحمات

One Response to المؤرخة التترية جيزيل فاليفا سليمانوفا: اللغة العربية مقدسة لدينا

  1. hsanat el hakim رد

    14 يناير, 2013 at 12:15 م

    موضوع متميز جدا تعرفت من خلاله علي الثقافةالتترية وعلي الدكتورة جيزيل من الرائع أن وكالة أسياأن بتفدم موضوعات متميزة لاتجدها في أي مكان أخر

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات